جلسات رمضانية لعام 1411ه [5]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعــد:

فقد سبق في الدرس السابق بيان حكم الزكاة، وحكم من أنكر وجوبها، وحكم من أقر بالوجوب ولكنه تركها بخلاً، وبيان عقوبة من منعها في كتاب الله، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أما درس الليلة؛ ليلة الخميس الموافق للثاني عشر من شهر رمضان عام: (1411هـ) فإنه سيكون في بيان الأموال الزكوية؛ لأننا إذا عرفنا أن الزكاة واجبة ففي أي مال تجب؟

لا تجب الزكاة إلا في أموال معينة، ليس كل ما يملكه الإنسان تجب فيه الزكاة؛ ولكن الزكاة تجب في أموال معينة:

الذهب.

والفضة.

والدَّين.

وعروض التجارة.

والمواشي؛ بهيمة الأنعام.

والخارج من الأرض.

نصاب الذهب والفضة الذي تجب فيه الزكاة

نتكلم على الأشياء المتداوَلة بين الناس كثيراً، وهي: الذهب، والفضة، والدَّين: الذهب، والفضة: تجب فيهما الزكاة بإجماع المسلمين إلا خلافاً يسيراً في الذهب؛ لكن جمهور العلماء على الوجوب، والقرآن والسنة يدلان على ذلك. الذهب هو هذا الذهب الأحمر، وأما ما يعرف عند الناس بالذهب الأبيض الآن وهو (البلاتين) فهذا ليس بذهب شرعاً ولا لغة أيضاً؛ لكنه ذهب اصطلاحاً، كما سمى بعض الناس البترولَ الذهب الأسود، والذهب ليس فيه أسود ولا أبيض، الذهب هو الأحمر، المعدن المعروف. وأما الفضة فهي الفضة البيضاء، الوَرِق. الذهب، والفضة تجب فيهما الزكاة، وهي جزء يسير، جزء واحد من أربعين جزءاً، والجزء الواحد من أربعين جزءاً يمثل نسبة كم؟ ربع العشر، هذا شيء يسير، بالنسبة لما خوَّلك الله عزَّ وجلَّ، إذا أعطاك الله تعالى أربعين جزءاً من الذهب، لم يوجب عليك إلا جزءاً واحداً، وهذا الذي أوجب عليك ليس خسارة كما سبق في الدرس الماضي، بل هو غُنْم وغنيمة. الفضة كذلك تجب فيها الزكاة ومقدارها: جزء واحد من أربعين جزءاً؛ لكن لما كانت الفضة أرخص من الذهب صار نصابها أكثر من نصاب الذهب، فنصاب الذهب: (20) مثقالاً، ونصاب الفضة: (140) مثقالاً، فالذي عنده (100) من المثاقيل من الفضة ليس عليه زكاة، والذي عنده (20) مثقالاً من الذهب عليه الزكاة؛ لأن الذهب أغلى من الفضة، فلذلك كان نصابه أقل من نصاب الفضة. فكم يساوي نصاب الذهب بالنسبة للموازين العصرية الموجودة الآن؟ الحقيقة أن الذين حرروا هذا اختلفوا: فمنهم من قال: يساوي (71) غراماً. ومنهم من قال: (94) غراماً. ومنهم من قال: (85) غراماً. وبالجنيه قال بعضهم: (10) جنيهات سعودية، و(5 من 8). وبعضهم قال: (11) وثلاثة أسباع. ولكن إذا أراد الإنسان أن يحتاط ويعتبر الأقل فهذا احتياط، وإذا قال: إنه لا يلزم المرء إلا ما تيقن وجوبه، فهذا يأخذ بماذا؟ بالأكثر. فمن راعى الاحتياط أخذ بالأقل، ومن راعى براءة الذمة أخذ بالأكثر، وقال: لا يلزم المرء إلا ما تيقن وجوبه، ومن توسط أخذ بالوسط. حسب علمي أنا، وأنا واحد من الناس المختلفين في هذا، أنه بالغرامات، هل يُقال غرام وإلاَّ جرام بالجيم؟ الجواب: كلاهما. حسناً! بالغرامات (85) غراماً، أعني: نصاب الذهب (85) غراماً، هذا نصاب الذهب. يقول بعض الناس: إن الذهب -يعني: الجنيه- السبائك ليس خالصاً من كل وجه، بل يضاف إليه أشياء توجب أن يبقى متماسكاً، وإلا لكان ليناً لا يثبت، فلذلك زادوا في النصاب، في مقابل ما وُضع معه من المعدن. والذين يقولون: إن هذه الزيادة غير مقصودة لذاتها، فهي كالملح في الطعام، ولهذا لو بعت طعاماً لا ملح فيه بطعام فيه ملح لم يكن هذا ربا؛ مع أن الطعام الذي فيه ملح معه غيره، لكن هذا الغير مقصود وإلاَّ غير مقصود؟ غير مقصود، قالوا: فالمادة التي تضاف إلى الذهب هذه غير مقصودة، فيُلغى حكمها، ويكون الحكم للذهب وكأنه خالص وإن كان فيه شيء من المادة أو المعدن غير الذهب. فحسب معلوماتي أنا أنه (85) جراماً، فما بلغ ذلك ففيه الزكاة، وما دون ذلك فليس فيه الزكاة.

الخلاف الوارد في زكاة الحلي والراجح فيه

حسناً! لا فرق في الذهب بين أن يكون نقداً كالجنيهات التي يتبايع الناس فيها، أو سبائك أي: قطع من الذهب، وهذه تكون عند التجار الكبار يتبايعونها، أو حلياً من الذهب على القول الراجح من أقوال أهل العلم، أن الحلي ولو كان يستعمل ففيه الزكاة، ودليل هذا عمومات الأدلة الدالة على وجوب زكاة الذهب والفضة بدون تفصيل، والأصل في الأدلة والاستدلال بها أن ما جاء عاماً فالأصل دخول جميع الأفراد فيه إلا ما دل الدليل على استخراجه وتخصيصه، وهذا قاعدة مسَلَّمة دلت عليها اللغة العربية، ودلت عليها السنة النبوية، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إنكم إذا قلتم: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض) من أين أخذنا هذا؟ من صيغة العموم، أنها شملت جميع أفراد الصالحين، حتى الملائكة والجن وغيرهم، فدلَّ ذلك على ماذا؟ على أن العام يشمل جميع أفراده. فإذا كان كذلك قلنا: إن الذهب المستعمل حلياً دخل في العموم، فهو فرد من أفراده، فمن أخرج الحلي من الذهب والفضة عن وجوب الزكاة فعليه الدليل. نحن تتبعنا أقوال أهل العلم منذ زمن، سواء الرسائل التي أُلِّفت حديثاً، أو كلام العلماء الأولين، لم نجد عندهم دليلاً عن معصوم، إنما هي آثار عن الصحابة مُعارَضَةٌ بمثلها، والميزان عند الاختلاف هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله يقول: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [النساء:59]. ويقول عزَّ وجلَّ: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10] . فهم استدلوا بآثار صحيحة؛ لكن عن غير معصوم -عن بعض الصحابة- وهي معارضة بأقوال آخرين من الصحابة، استدلوا بأحاديث ضعيفة، ولا يقولون بها أيضاً، استدلوا بحديث جابر : (ليس في الحلي زكاة) وفيه عافية بن أيوب وهو ضعيف، وهو هالك عند بعض العلماء المحدِّثين، وهم أيضاً لا يقولون بهذا الحديث؛ لأننا لو أخذنا بالحديث لكان الحلي لا زكاة فيه مطلقاً، وهم يقولون: إنه إذا أُعد للإجارة ففيه الزكاة، وإن أُعد للنفقة ففيه الزكاة. إذاً: لم يأخذوا بهذا الحديث مع ضعفه، فلماذا يأخذون به في بعض الصور، ويدعونه في بعض الصور؟! واستدلوا بأقْيِسَة قالوا: كما أن ثياب الإنسان أو ثياب المرأة ليس فيها زكاة فكذلك حُلِيُّها؛ لأن الكل لباس. وهذا القياس مردود من وجهين: الوجه الأول: مخالفته للنص. والوجه الثاني: تناقضه. إذا قالوا: النص يجوز تخصيصه بالقياس. قلنا: نعم، صدقتم! النص يجوز تخصيصه بالقياس، ومنه: قياس العبد إذا زنى على الأَمَة إذا زنت، الأَمَة إذا زنت كم تُجلد؟ نصف ما على المحصنات من العذاب، ولم يذكر الله زنا العبد؛ لكن بالقياس على الأمة، فهو مخصص لعموم قوله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور:2]. ونحن لا ننكر أن يكون القياس مخصِّصاً؛ لكن إذا كان في مقابلة النص فلا نقبله، وما هو النص؟ حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم وفي يد ابنتها مُسكتـان غليظتـان من ذهب -المُسَْكَتان هما: السواران- قال: تؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا. قال: أَيَسُرُّكِ أن يُسَوِّرَك الله بهما سُوارَين من نار؟! فخلعتهما وألقتهما إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وقالت: هما لله ورسوله) غضبت لله، فتركتهما، كما فعل سليمان حين غضب لله حينما ألهته الخيل عن صلاة العصر، فجعل يضرب سوقها وأعناقها غضباً لله, فهي فعلت ذلك حرمت نفسها من هذين السوارين غضباً لله عزَّ وجلَّ. فهذا الحديث نص مؤيد بالعمومات الثابتة في الصحيح، مثل: حديث أبي هريرة : (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها ...) وقد أشرنا إليه في الدرس الماضي. فإن المرأة التي عندها حلي من الذهب يُقال: إنها صاحبة ذهب؛ حتى في عرف الناس، يقال: هذه المرأة عندها ذهب، فهي صاحبة ذهب. وما الذي أخرجها؟! قالوا: أخرجها، أن في بعض الأحاديث: (وفي الرِّقَة ربع العشر) الرِّقَة: الفضة المضروبة عند أكثر أهل اللغة، وعند بعض أهل اللغة أن الرِّقَة: الفضة مضروبة كانت أو لا، وممن ذهب إلى هذا الرأي: ابن حزم ، قال: إن الرِّقَة هي: الفضة مطلقاً، وقال: إن الزكاة في الحلي واجبة بهذا الحديث نصاً. إذاً: فالقياس الذي ذكروه لا يُقبل لوجهين: الوجه الأول: مصادمة النص، والقياس المصادم للنص يسمى عند الأصوليين: فاسد الاعتبار، لا عبرة به. الوجه الثاني: أن هذا القياس الذي زعموه متناقض، لا في طرده ولا في عكسه. نقول لهم: ما الأصل في الثياب؟ أوُجُوب الزكاة أم لا؟ الجواب: لا، عدم الوجوب. ما الأصل في الذهب؟ الوجوب. إذاً: كيف نقيس ما الأصل فيه الوجوب على ما الأصل فيه عدم الوجوب؟! ثانياً: لو أُعِدت الثياب للتأجير فعندهم لا زكاة فيها، كالعقار المعد للتأجير، ولو أُعِد الحلي للتأجير ففيه الزكاة! إذاً: أين القياس؟! لو أُعِدت الثياب للنفقة، معنى النفقة: امرأة عندها ثياب كثيرة، كلما احتاجت باعت وأكلت، فليس فيها زكاة، ولو أعدت حلي الذهب للنفقة، كلما احتاجت باعت منه وأكلت، ففيه الزكاة. إذاً: أين القياس؟! لو أن المرأة التي عندها حلي عَدَلت عن لبسه ونوته للتجارة صار للتجارة، ولو أنها عَدَلت عن لباس الثياب ونوتها للتجارة لم تكن للتجارة عندهم؛ لأنه يشترط للتجارة أن يكون الإنسان مَلَكَها بفعله بنية التجارة. إذاً: أين القياس؟! فتبيَّن أن دعوى القياس غير مقبولة لوجهين: الوجه الأول: مصادمة القياس للنص الوارد. والثاني: تناقضه. نعم. إذاً: لا قياس. والمسألة -كما يعلم طلبة العلم- خلافية بين العلماء من قديم الزمان؛ ولكن الواجب على طالب العلم أن ينظر في الأدلة، وأن يأخذ بما ترجح عنده، والواجب على العامة أن يتْبَعوا من يرونه أقرب إلى الحق بعلمه وأمانته.

نتكلم على الأشياء المتداوَلة بين الناس كثيراً، وهي: الذهب، والفضة، والدَّين: الذهب، والفضة: تجب فيهما الزكاة بإجماع المسلمين إلا خلافاً يسيراً في الذهب؛ لكن جمهور العلماء على الوجوب، والقرآن والسنة يدلان على ذلك. الذهب هو هذا الذهب الأحمر، وأما ما يعرف عند الناس بالذهب الأبيض الآن وهو (البلاتين) فهذا ليس بذهب شرعاً ولا لغة أيضاً؛ لكنه ذهب اصطلاحاً، كما سمى بعض الناس البترولَ الذهب الأسود، والذهب ليس فيه أسود ولا أبيض، الذهب هو الأحمر، المعدن المعروف. وأما الفضة فهي الفضة البيضاء، الوَرِق. الذهب، والفضة تجب فيهما الزكاة، وهي جزء يسير، جزء واحد من أربعين جزءاً، والجزء الواحد من أربعين جزءاً يمثل نسبة كم؟ ربع العشر، هذا شيء يسير، بالنسبة لما خوَّلك الله عزَّ وجلَّ، إذا أعطاك الله تعالى أربعين جزءاً من الذهب، لم يوجب عليك إلا جزءاً واحداً، وهذا الذي أوجب عليك ليس خسارة كما سبق في الدرس الماضي، بل هو غُنْم وغنيمة. الفضة كذلك تجب فيها الزكاة ومقدارها: جزء واحد من أربعين جزءاً؛ لكن لما كانت الفضة أرخص من الذهب صار نصابها أكثر من نصاب الذهب، فنصاب الذهب: (20) مثقالاً، ونصاب الفضة: (140) مثقالاً، فالذي عنده (100) من المثاقيل من الفضة ليس عليه زكاة، والذي عنده (20) مثقالاً من الذهب عليه الزكاة؛ لأن الذهب أغلى من الفضة، فلذلك كان نصابه أقل من نصاب الفضة. فكم يساوي نصاب الذهب بالنسبة للموازين العصرية الموجودة الآن؟ الحقيقة أن الذين حرروا هذا اختلفوا: فمنهم من قال: يساوي (71) غراماً. ومنهم من قال: (94) غراماً. ومنهم من قال: (85) غراماً. وبالجنيه قال بعضهم: (10) جنيهات سعودية، و(5 من 8). وبعضهم قال: (11) وثلاثة أسباع. ولكن إذا أراد الإنسان أن يحتاط ويعتبر الأقل فهذا احتياط، وإذا قال: إنه لا يلزم المرء إلا ما تيقن وجوبه، فهذا يأخذ بماذا؟ بالأكثر. فمن راعى الاحتياط أخذ بالأقل، ومن راعى براءة الذمة أخذ بالأكثر، وقال: لا يلزم المرء إلا ما تيقن وجوبه، ومن توسط أخذ بالوسط. حسب علمي أنا، وأنا واحد من الناس المختلفين في هذا، أنه بالغرامات، هل يُقال غرام وإلاَّ جرام بالجيم؟ الجواب: كلاهما. حسناً! بالغرامات (85) غراماً، أعني: نصاب الذهب (85) غراماً، هذا نصاب الذهب. يقول بعض الناس: إن الذهب -يعني: الجنيه- السبائك ليس خالصاً من كل وجه، بل يضاف إليه أشياء توجب أن يبقى متماسكاً، وإلا لكان ليناً لا يثبت، فلذلك زادوا في النصاب، في مقابل ما وُضع معه من المعدن. والذين يقولون: إن هذه الزيادة غير مقصودة لذاتها، فهي كالملح في الطعام، ولهذا لو بعت طعاماً لا ملح فيه بطعام فيه ملح لم يكن هذا ربا؛ مع أن الطعام الذي فيه ملح معه غيره، لكن هذا الغير مقصود وإلاَّ غير مقصود؟ غير مقصود، قالوا: فالمادة التي تضاف إلى الذهب هذه غير مقصودة، فيُلغى حكمها، ويكون الحكم للذهب وكأنه خالص وإن كان فيه شيء من المادة أو المعدن غير الذهب. فحسب معلوماتي أنا أنه (85) جراماً، فما بلغ ذلك ففيه الزكاة، وما دون ذلك فليس فيه الزكاة.

حسناً! لا فرق في الذهب بين أن يكون نقداً كالجنيهات التي يتبايع الناس فيها، أو سبائك أي: قطع من الذهب، وهذه تكون عند التجار الكبار يتبايعونها، أو حلياً من الذهب على القول الراجح من أقوال أهل العلم، أن الحلي ولو كان يستعمل ففيه الزكاة، ودليل هذا عمومات الأدلة الدالة على وجوب زكاة الذهب والفضة بدون تفصيل، والأصل في الأدلة والاستدلال بها أن ما جاء عاماً فالأصل دخول جميع الأفراد فيه إلا ما دل الدليل على استخراجه وتخصيصه، وهذا قاعدة مسَلَّمة دلت عليها اللغة العربية، ودلت عليها السنة النبوية، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إنكم إذا قلتم: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض) من أين أخذنا هذا؟ من صيغة العموم، أنها شملت جميع أفراد الصالحين، حتى الملائكة والجن وغيرهم، فدلَّ ذلك على ماذا؟ على أن العام يشمل جميع أفراده. فإذا كان كذلك قلنا: إن الذهب المستعمل حلياً دخل في العموم، فهو فرد من أفراده، فمن أخرج الحلي من الذهب والفضة عن وجوب الزكاة فعليه الدليل. نحن تتبعنا أقوال أهل العلم منذ زمن، سواء الرسائل التي أُلِّفت حديثاً، أو كلام العلماء الأولين، لم نجد عندهم دليلاً عن معصوم، إنما هي آثار عن الصحابة مُعارَضَةٌ بمثلها، والميزان عند الاختلاف هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله يقول: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [النساء:59]. ويقول عزَّ وجلَّ: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10] . فهم استدلوا بآثار صحيحة؛ لكن عن غير معصوم -عن بعض الصحابة- وهي معارضة بأقوال آخرين من الصحابة، استدلوا بأحاديث ضعيفة، ولا يقولون بها أيضاً، استدلوا بحديث جابر : (ليس في الحلي زكاة) وفيه عافية بن أيوب وهو ضعيف، وهو هالك عند بعض العلماء المحدِّثين، وهم أيضاً لا يقولون بهذا الحديث؛ لأننا لو أخذنا بالحديث لكان الحلي لا زكاة فيه مطلقاً، وهم يقولون: إنه إذا أُعد للإجارة ففيه الزكاة، وإن أُعد للنفقة ففيه الزكاة. إذاً: لم يأخذوا بهذا الحديث مع ضعفه، فلماذا يأخذون به في بعض الصور، ويدعونه في بعض الصور؟! واستدلوا بأقْيِسَة قالوا: كما أن ثياب الإنسان أو ثياب المرأة ليس فيها زكاة فكذلك حُلِيُّها؛ لأن الكل لباس. وهذا القياس مردود من وجهين: الوجه الأول: مخالفته للنص. والوجه الثاني: تناقضه. إذا قالوا: النص يجوز تخصيصه بالقياس. قلنا: نعم، صدقتم! النص يجوز تخصيصه بالقياس، ومنه: قياس العبد إذا زنى على الأَمَة إذا زنت، الأَمَة إذا زنت كم تُجلد؟ نصف ما على المحصنات من العذاب، ولم يذكر الله زنا العبد؛ لكن بالقياس على الأمة، فهو مخصص لعموم قوله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور:2]. ونحن لا ننكر أن يكون القياس مخصِّصاً؛ لكن إذا كان في مقابلة النص فلا نقبله، وما هو النص؟ حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم وفي يد ابنتها مُسكتـان غليظتـان من ذهب -المُسَْكَتان هما: السواران- قال: تؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا. قال: أَيَسُرُّكِ أن يُسَوِّرَك الله بهما سُوارَين من نار؟! فخلعتهما وألقتهما إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وقالت: هما لله ورسوله) غضبت لله، فتركتهما، كما فعل سليمان حين غضب لله حينما ألهته الخيل عن صلاة العصر، فجعل يضرب سوقها وأعناقها غضباً لله, فهي فعلت ذلك حرمت نفسها من هذين السوارين غضباً لله عزَّ وجلَّ. فهذا الحديث نص مؤيد بالعمومات الثابتة في الصحيح، مثل: حديث أبي هريرة : (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها ...) وقد أشرنا إليه في الدرس الماضي. فإن المرأة التي عندها حلي من الذهب يُقال: إنها صاحبة ذهب؛ حتى في عرف الناس، يقال: هذه المرأة عندها ذهب، فهي صاحبة ذهب. وما الذي أخرجها؟! قالوا: أخرجها، أن في بعض الأحاديث: (وفي الرِّقَة ربع العشر) الرِّقَة: الفضة المضروبة عند أكثر أهل اللغة، وعند بعض أهل اللغة أن الرِّقَة: الفضة مضروبة كانت أو لا، وممن ذهب إلى هذا الرأي: ابن حزم ، قال: إن الرِّقَة هي: الفضة مطلقاً، وقال: إن الزكاة في الحلي واجبة بهذا الحديث نصاً. إذاً: فالقياس الذي ذكروه لا يُقبل لوجهين: الوجه الأول: مصادمة النص، والقياس المصادم للنص يسمى عند الأصوليين: فاسد الاعتبار، لا عبرة به. الوجه الثاني: أن هذا القياس الذي زعموه متناقض، لا في طرده ولا في عكسه. نقول لهم: ما الأصل في الثياب؟ أوُجُوب الزكاة أم لا؟ الجواب: لا، عدم الوجوب. ما الأصل في الذهب؟ الوجوب. إذاً: كيف نقيس ما الأصل فيه الوجوب على ما الأصل فيه عدم الوجوب؟! ثانياً: لو أُعِدت الثياب للتأجير فعندهم لا زكاة فيها، كالعقار المعد للتأجير، ولو أُعِد الحلي للتأجير ففيه الزكاة! إذاً: أين القياس؟! لو أُعِدت الثياب للنفقة، معنى النفقة: امرأة عندها ثياب كثيرة، كلما احتاجت باعت وأكلت، فليس فيها زكاة، ولو أعدت حلي الذهب للنفقة، كلما احتاجت باعت منه وأكلت، ففيه الزكاة. إذاً: أين القياس؟! لو أن المرأة التي عندها حلي عَدَلت عن لبسه ونوته للتجارة صار للتجارة، ولو أنها عَدَلت عن لباس الثياب ونوتها للتجارة لم تكن للتجارة عندهم؛ لأنه يشترط للتجارة أن يكون الإنسان مَلَكَها بفعله بنية التجارة. إذاً: أين القياس؟! فتبيَّن أن دعوى القياس غير مقبولة لوجهين: الوجه الأول: مصادمة القياس للنص الوارد. والثاني: تناقضه. نعم. إذاً: لا قياس. والمسألة -كما يعلم طلبة العلم- خلافية بين العلماء من قديم الزمان؛ ولكن الواجب على طالب العلم أن ينظر في الأدلة، وأن يأخذ بما ترجح عنده، والواجب على العامة أن يتْبَعوا من يرونه أقرب إلى الحق بعلمه وأمانته.

الدَّين:

الديون على الناس إن كانت من غير الذهب والفضة فلا زكاة فيها إطلاقاً.

مثاله: لو أن شخصاً سرق لك بعيراً فذبحه أو باعه، وجبت في ذمته لك بعير؛ لكن هذه البعير الذي في ذمته ما فيها زكاة.

إنسان في ذمته لك (100) صاع بُر ليس فيه زكاة.

شروط الدين الذي تجب فيه الزكاة

إذا كان الدين من الذهب والفضة ففيه الزكاة؛ لكن بشرط أن يكون على مَلِيء، يعني: غني، باذل. المليء: مَن جَمَع وصفين هما: الغنى، يعني: القدرة على الوفاء. والبذل، يعني: أنه ليس بمماطل. فإن كان فقيراً، أي أن الدين على فقير فلا زكاة عليه، لو بقي (20) سنة. فإذا قدَّرنا أن شخصاً فقيراً في ذمته لك (1000) ريال، بقي (10) سنوات، فليس فيه زكاة. لماذا؟ لأنك غير قادر على هذا المال. لكن لو قال قائل: إنك قادر على المال، تقدر تشكوه، ويُلزم بالدفع! فالجواب: هذا حرام، حرامٌ أن تطلب أو تطالب الفقير بقضاء الدين، إذا علمتَ أنه فقير يحرم عليك أن تقول: يا فلان! أعطني، ويحرم عليك أن ترفعه للمحكمة؛ لأن الله يقول: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280]. الشرط الثاني: أن يكون باذلاً، يعني: غير مماطل، فإن كان مماطلاً نظرتَ، إن كان يمكن مطالبتُه فالزكاة واجبة عليك؛ لأن التفريط منه وإلاَّ منك؟ إن كان يمكن مطالبتُهّ! فالزكاة واجبة عليك؛ لأن التفريط منك، إذا شئتَ شكوتَه وأعطاك. وإذا كان لا يمكن مطالبتُه إما لكونه قريباً لك، لا يمكن أن تطالبه، أو لكونه زعيماً؛ كوزير، وأمير، وما أشبه ذلك، أو لكونك في بلد لا يأخذون الحق، لو طالبتَ ما التفتوا إليك، فإن هذا لا زكاة عليه. إذاً: فلا زكاة على الدين إن كان على فقير، أو على مماطل لا تُمْكِن مطالبتُه. ولكن الدين الذي على فقير أو مماطل لا تُمْكِن مطالبتُه إذا قدرتَ عليه واستوفيتَ حقك، فقد اختلف العلماء، هل تبتدئ حولاً جديداً كأنك ملكتَه الآن؟ أو تزكيه سنة كالثمر الحاصل؟ فإن ثمار اليوم تأخذها وتزكيها، يعني: ثمار النخل والزرع، عندما تأخذها تزكيها. والأحوط: أن تزكيه؛ ولكن سنة واحدة فقط، دون السنوات الماضية، ثم تستمر في تزكيته كلما حال عليه الحول. طَيِّبٌ! إذا كان لك مال ضائع أو مَنْسي، فافرض أنك وضعتَ (10.000) ريال في مكان، ونسيتَ، وبعد (10) سنوات هدمتَ البيت الذي أنتَ واضعٌ فيه الدراهم هذه، ووجدتها، هل فيها زكاة لما مضى؟ لا، ما فيها زكاة؛ لأنك غير قادر عليها. كذلك لو ضاع عليك شيء، وبقيت تبحث عنه، وبقي سنوات ما وُجد، ثم جاءك إنسان به بعد (5) سنوات مثلاً، فليس فيه زكاة؛ لأنه منسي، لا يمكن أن تنتفع به، فلا زكاة فيه. فالمال المنسي، والمال الضائع، والمال المغصوب إذا كان غاصبه لا تُمْكِن مطالبتُه كل هذا ليس فيه زكاة؛ لأن المال الذي يُزَكَّى هو الذي يقدر الإنسان عليه، وينتفع به.

إذا كان الدين من الذهب والفضة ففيه الزكاة؛ لكن بشرط أن يكون على مَلِيء، يعني: غني، باذل. المليء: مَن جَمَع وصفين هما: الغنى، يعني: القدرة على الوفاء. والبذل، يعني: أنه ليس بمماطل. فإن كان فقيراً، أي أن الدين على فقير فلا زكاة عليه، لو بقي (20) سنة. فإذا قدَّرنا أن شخصاً فقيراً في ذمته لك (1000) ريال، بقي (10) سنوات، فليس فيه زكاة. لماذا؟ لأنك غير قادر على هذا المال. لكن لو قال قائل: إنك قادر على المال، تقدر تشكوه، ويُلزم بالدفع! فالجواب: هذا حرام، حرامٌ أن تطلب أو تطالب الفقير بقضاء الدين، إذا علمتَ أنه فقير يحرم عليك أن تقول: يا فلان! أعطني، ويحرم عليك أن ترفعه للمحكمة؛ لأن الله يقول: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280]. الشرط الثاني: أن يكون باذلاً، يعني: غير مماطل، فإن كان مماطلاً نظرتَ، إن كان يمكن مطالبتُه فالزكاة واجبة عليك؛ لأن التفريط منه وإلاَّ منك؟ إن كان يمكن مطالبتُهّ! فالزكاة واجبة عليك؛ لأن التفريط منك، إذا شئتَ شكوتَه وأعطاك. وإذا كان لا يمكن مطالبتُه إما لكونه قريباً لك، لا يمكن أن تطالبه، أو لكونه زعيماً؛ كوزير، وأمير، وما أشبه ذلك، أو لكونك في بلد لا يأخذون الحق، لو طالبتَ ما التفتوا إليك، فإن هذا لا زكاة عليه. إذاً: فلا زكاة على الدين إن كان على فقير، أو على مماطل لا تُمْكِن مطالبتُه. ولكن الدين الذي على فقير أو مماطل لا تُمْكِن مطالبتُه إذا قدرتَ عليه واستوفيتَ حقك، فقد اختلف العلماء، هل تبتدئ حولاً جديداً كأنك ملكتَه الآن؟ أو تزكيه سنة كالثمر الحاصل؟ فإن ثمار اليوم تأخذها وتزكيها، يعني: ثمار النخل والزرع، عندما تأخذها تزكيها. والأحوط: أن تزكيه؛ ولكن سنة واحدة فقط، دون السنوات الماضية، ثم تستمر في تزكيته كلما حال عليه الحول. طَيِّبٌ! إذا كان لك مال ضائع أو مَنْسي، فافرض أنك وضعتَ (10.000) ريال في مكان، ونسيتَ، وبعد (10) سنوات هدمتَ البيت الذي أنتَ واضعٌ فيه الدراهم هذه، ووجدتها، هل فيها زكاة لما مضى؟ لا، ما فيها زكاة؛ لأنك غير قادر عليها. كذلك لو ضاع عليك شيء، وبقيت تبحث عنه، وبقي سنوات ما وُجد، ثم جاءك إنسان به بعد (5) سنوات مثلاً، فليس فيه زكاة؛ لأنه منسي، لا يمكن أن تنتفع به، فلا زكاة فيه. فالمال المنسي، والمال الضائع، والمال المغصوب إذا كان غاصبه لا تُمْكِن مطالبتُه كل هذا ليس فيه زكاة؛ لأن المال الذي يُزَكَّى هو الذي يقدر الإنسان عليه، وينتفع به.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
جلسات رمضانية لعام 1411ه[6] 2910 استماع
جلسات رمضانية لعام 1411ه [4] 2871 استماع
جلسات رمضانية 1415ه [1] 2822 استماع
جلسات رمضانية لعام 1411ه [7] 2781 استماع
جلسات رمضانية لعام 1411ه [1-1] 2748 استماع
جلسات رمضانية لعام 1410ه[2] 2713 استماع
جلسات رمضانية 1412ه [1] 2708 استماع
جلسات رمضانية (1415ه)[5] 2577 استماع
جلسات رمضانية1410ه [2-3] 2498 استماع
جلسات رمضانية لعام 1411ه [2-1] 2346 استماع