خطب ومحاضرات
شرح سنن النسائي كتاب الطهارة [17]
الحلقة مفرغة
قال المصنف رحمه الله: [ باب بدء التيمم.
أخبرنا قتيبة عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء، أو ذات الجيش انقطع عقد لي، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه، وأقام الناس معه، وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فأتى الناس
هذا الحديث أخرجه البخاري رحمه الله في صحيحه، وفيه فوائد عظيمة: أعظمها: مشروعية التيمم عند فقد الماء، يعني: أن المسلم إذا فقد الماء فإنه يتيمم: بأن يضرب التراب بيديه مفرجتي الأصابع ثم يمسح بهما وجهه وكفيه، وهذا من فضل الله تعالى وإحسانه على عباده، وتيسيره لهم هذه الشريعة السمحة، كما قال عليه الصلاة والسلام (بعثت بالحنيفية السمحة) فهذا من نعم الله على عباده، أي: أن المسلم إذا فقد الماء تيمم، وهو من خصائص هذه الأمة كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح حيث قال: (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً).
وهذا من الخصائص التي خص الله بها هذه الأمة المرحومة وهي كثيرة، لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فضلت على الأنبياء بست - وفي اللفظ الآخر-: أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي -ومنها قوله عليه الصلاة والسلام -: وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل - وفي لفظ-: فمعه طهوره).
وفيه من الفوائد: أن الإقامة لالتماس ما ضاع مما له ثمن من أموال الجيش والرعية مشروع، وأن الإمام يجب عليه أن يهتم بشئون رعيته وتفقد حاجاتهم، وأن المال لا يباع أو يترك؛ لأن المال عصب الحياة، ولهذا قال الله تعالى في كتابه العظيم: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا [النساء:5].
فنهى الله عباده: أن يؤتوا السفهاء أموالهم التي جعلها الله لهم قياماً، أي: تقوم بها الحياة، والمال يستغني به الإنسان عن غيره، ويتقوى به على أعدائه، ويقضي به حوائجه، ويستعين به على أمور دينه ودنياه، ولهذا روي عن عبد الله بن المبارك -وهو الإمام المشهور رحمه الله أنه قال: لولا هذه الدراهم لتمندل بنا الملوك، أي: لجعلونا مناديل، يعني: أنا نستغني عنهم بهذا المال، ولولاه لتمندل بنا الملوك، فالمال عصب الحياة لا يضيع؛ ولهذا أقام النبي صلى الله عليه وسلم بالجيش لالتماس عقد عائشة، وهو عقد تتحلى به أي: تضعه في حلقها، والعقد من الذهب أو الفضة تتحلى به المرأة، فإما أن تجعله في يديها أو في أصابعها أو في حلقها أو في أذنيها أو في رجليها.
وفيه: أن المؤمنين إخوة، يتعاونون في قضاء الحوائج، فيعين بعضهم بعضاً، ولهذا أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه يلتمسون العقد ويبحثون عنه.
وفي صحيح مسلم : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته).
وفي الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) فإذا أعان المسلم أخاه مثلاً في إصلاح سيارته إن وقفت، أو دابته أو متاعه، كان له نصيب من هذا الحديث: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه).
وفيه من الفوائد أيضاً: جواز معاتبة الرجل ابنته وإن كانت كبيرة، أو ابنه، فإن أبا بكر رضي الله عنه عاتب ابنته عائشة ، وجعل يطعنها في خاصرتها وهي لا تتحرك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نام على فخذها، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بكر معاتبته لابنته، فالرجل يعاتب ابنه وابنته الكبيران، ولا يزال يعلمهما ولو كانا كبيرين قد بلغا الرشد.
وفيه: جواز وضع الرجل رأسه على فخذ امرأته أمام محارمها كأبيها، وأنه لا حرج في ذلك؛ ولهذا وضع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه على فخذ عائشة ونام، ولا يعتبر هذا من العيب أو من الأمور التي يستحيا منها، وقوله: (جعل يطعن) بضم العين، أما الطعن: الذي هو الضرب بالرماح فهو بفتح الطاء (يطعَن) أما هنا فهو بضمها، أي: يطعُن في خاصرتها.
وفيه: عند قول أسيد بن حضير : (ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر ) أن بعض الناس مبارك، أي: جعل الله فيه البركة، فينفع الناس بتوجيهه وإرشاده، أو بشفاعته أو بماله أو ببدنه، ومن ذلك آل أبي بكر فإنهم مباركون.
وفيه: أنه لا حرج أن يقول الإنسان: هذه من بركتك، يعني من البركة التي جعلها الله فيك، هذا إذا كان الشخص مباركاً.
ومنه ما يقوله بعض الناس: فلان كله بركة، أو هذه من بركتك، يعني: من البركة التي جعلها الله فيك، والبركة من الله، كما جاء في حديث آخر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كلوا والبركة من الله) فالبركة من الله، ويجعلها في بعض الأشخاص، فـأبو بكر مبارك في أول الإسلام وبعده، وأسلم على يده خلق كثير، وعائشة أيضاً مباركة، وهذه الحادثة من البركة التي جعلها الله فيها، أي: بأن شرع الله التيمم؛ ولهذا قال أسيد بن حضير : (ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر ) وفي اللفظ الآخر أنه قال: (جزاك الله خيراً، ما جعل الله لك أمراً تكرهينه إلا جعل الله لك منه فرجاً وللمسلمين خيره) أو كما قال.
فانقطع عقدها وكره الناس الحال، وتأخر الجيش، لكن أحدث الله خيراً عظيماً، بتشريعه التيمم لعباده.
وفيه من الفوائد أيضاً: أن الإنسان إذا فقد الماء والتراب فإنه يصلي بغير ماء ولا تراب، وصلاته صحيحة ولا يعيدها؛ لأن في هذه القصة: أن الرهط الذين أرسلهم النبي صلى الله عليه وسلم للبحث عن عقد عائشة أدركتهم الصلاة وليس عندهم ماء ولما يشرع الله التيمم بعد فصلوا بغير تراب ولا ماء، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة، فدل هذا على أن الإنسان إذا عجز عن الماء وعن التيمم -كأن يكون محبوساً في مكان ليس فيه ماء ولا تراب، أو مصلوباً على خشبة- فإنه يصلي بغير ماء ولا تراب وصلاته صحيحة.
وفيه من الفوائد: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب إلا ما أعلمه الله منه، فلذا لم يعلم بعقد عائشة ، وأرسل جماعة يبحثون عنه، ثم وجدوه تحت البعير لما أقاموه، وكذلك الصحابة لا يعلمون الغيب، ولو كان أحد ممن يسمون بالأولياء أو الأولياء حقيقة يعلم الغيب لعلمه الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل الناس، ولعلمه الصحابة أفضل الناس بعد الأنبياء، وقد قال الله تعالى في كتابه المبين: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا [الجن:26-27].
وقال الله تعالى على لسان نبيه: وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ [الأعراف:188].
وقال تعالى: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65].
فمن ادعى أنه يعلم الغيب فهو كافر؛ لأنه مكذب لله، فالغيب من خصائصه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب التيمم في الحضر.
أخبرنا الربيع بن سليمان قال: حدثنا شعيب بن الليث عن أبيه عن جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز عن عمير مولى ابن عباس أنه سمعه يقول: أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة حتى دخلنا على أبي جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري رضي الله عنه فقال أبو جهيم (أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل، ولقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبل على الجدار، ومسح بوجهه ويديه ثم رد عليه السلام) ].
هذه القصة ترجم لها المؤلف رحمه الله بـ: (باب التيمم في الحضر) والمكان الذي أقبل فيه الرسول من بئر جمل هو: موضع بوادي العقيق، ولعل الماء كان بعيداً، ولو كان في الحضر أو كان الماء قريباً لاستعمله؛ لأن النصوص التي فيها اشتراط فقد الماء للتيمم محكمة، كقوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43].
فلا بد أن يحمل هذا الحديث على ما يوافق النصوص، وإلا للزم من ذلك القول بالتيمم ولو كان الماء قريباً وخاف أن تفوت عليه صلاة الجمعة أو صلاة الجنازة، كما قال ذلك بعض أهل العلم، ونسب هذا لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أي: أنه يقول: إذا خاف فوات الجمعة فإنه يتيمم، ولو كان الماء موجوداً عنده، وكذلك إذا كانت عنده جنازة وخاف فواتها فيتيمم؛ لأنه إذا ذهب ليتوضأ فاتته الجمعة أو فاتته الجنازة، لكن هذا القول ضعيف مرجوح.
والصواب: أنه لا يجوز له أن يتيمم، بل يتوضأ ولو فاتته الجمعة والجماعة؛ لأن الأصل عدم التيمم إلا إذا فقد الماء لقوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43].
ولأن الوضوء شرط في صحة الصلاة وهو مقدم على الجمعة والجماعة، فالجماعة واجبة والوضوء شرط، والشرط مقدم على الواجب، فيتوضأ ولو فاتته الجماعة أو الجمعة، هذا هو الصواب؛ لقوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43].
ويؤخذ من هذا الحديث: مشروعية التيمم للوضوء المندوب دون الواجب مع القدرة على الماء، كأن يكون البئر قريباً، لكن المندوب سيفوته بالوضوء، فيشرع للإنسان أن يتيمم بدلاً عن الوضوء، هذا في المندوب دون الواجب، مع القدرة على الماء إن خشي أن يفوته هذا المندوب؛ لأن رد السلام على طهارة مستحب وليس بواجب، ولو رده على غير طهارة فلا بأس، كما ثبت في حديث عائشة الذي رواه الإمام مسلم : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيان) والسلام ذكر، فلا بأس أن يرده الإنسان ولو على غير طهارة، ومرت معنا قصة أبي هريرة : أنه خرج وهو على جنابة فخنس من النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إن المؤمن لا ينجس) لكن هذا من باب الاستحباب، ولهذا لما سلم هذا الرجل -في الحديث الذي نحن بصدده- على النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد عليه السلام حتى أقبل على الجدار، فمسح بوجهه ويديه ثم رد عليه السلام، فهذا من باب الاستحباب، وإلا فرد السلام على غير طهارة لا بأس به.
فيؤخذ من الحديث: مشروعية التيمم للوضوء المندوب دون الواجب مع القدرة على الماء، كأن يكون قريباً منه ويخشى أن يفوت هذا المندوب بالوضوء، أما إطلاق ترجمة المصنف بقوله: (باب التيمم في الحضر) فهذه الترجمة مطلقة لكن تقيد بكونه: في الحضر للمندوب دون الواجب، إذا خشي أن يفوت هذا المندوب، أما التيمم في الحضر للصلاة فلا يجوز إلا مع فقد الماء، فإن تيمم -والماء موجود- للصلاة أو لتلاوة القرآن أو للمس المصحف، أو للطواف بالبيت فلا يصح تيممه، ولا يستبيح به ما يستبيحه بالوضوء.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ التيمم في الحضر.
أخبرنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد قال: حدثنا شعبة عن سلمة عن ذر عن ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه : (أن رجلاً أتى فقال عمار بن ياسر : يا أمير المؤمنين! أما تذكر إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد الماء، فأما أنت فلم تصل وأما أنا فتمعكت في التراب فصليت، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له فقال: إنما كان يكفيك فضرب النبي صلى الله عليه وسلم يديه إلى الأرض ثم نفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه - وسلمة شك لا يدري فيه إلى المرفقين أو إلى الكفين- فقال عمر : نوليك ما توليت
أخبرني محمد بن عبيد بن محمد قال: حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن ناجية بن خفاف عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال : (أجنبت وأنا في الإبل فلم أجد ماء فتمعكت في التراب تمعك الدابة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك فقال: إنما كان يجزيك من ذلك التيمم) ].
هذه الترجمة كالترجمة السابقة (باب التيمم في الحضر) وهنا نلاحظ المؤلف رحمه الله يكرر التراجم؛ ولعله لاختلاف متن الحديث، والنسائي على طريقة البخاري رحمه الله في كثرة التراجم، وعلى طريقة مسلم في سياق الأسانيد وطرق الحديث.
وذر هذا الذي روى عنه سلمة هو: ذر بن عبد الله المرهبي ، وهو يشتبه مع زر على بعض الناس، فالأول بالذال: ذر بن عبد الله المرهبي والثاني بالزاي، وليس في الكتب الستة غيرهما زربن حبيش وذر بن عبد الله المرهبي .
وفي هذا الحديث: قصة عمار وعمر رضي الله عنهما عندما لم يجدا ماء فقال عمر : أما أنا فلا أصلي حتى أجد الماء، وأما عمار فنزع ثيابه وتمعك كما تتمعك الدابة، أي: قاس التيمم للجنابة على غسل الجنابة، ففي غسل الجنابة يعمم البدن بالماء، فظن عمار رضي الله عنه أن التيمم يعمم بالتراب كالماء، ففي هذا الحديث! إثبات القياس والرد على منكريه، فالصحابة كانوا يعرفون القياس ويعملون به، فهو رد على الظاهرية كـابن حزم وداود الظاهري وغيرهما من الذين أنكروا القياس، فهذا الحديث من آيات الله العظيمة، فكيف نسي عمر هذه الحادثة مع شهرتها ووقوعها له؟ وكذلك حصل لـعبد الله بن مسعود مع أبي موسى مثل ما حصل لـعمر مع عمار ، ثم كيف خفيت الآية على عمر مع جلالة قدره أي: قوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43]؟!
والآية التي نسيها عمر في المائدة وفي النساء، ففي الحديث: أن العالم الكبير قد يخفى عليه شيء من العلم وقد ينسى أمراً واضحاً.
وفيه دليل على أن الحجة هي كتاب الله وسنة رسوله، ولا يقلد العالم إذا غلط أو أخطأ أو نسي ولو كان كبيراً، فهذا عمر مع جلالة قدره، قد نسي قوله سبحانه: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43].
ففي الحديث أن رجلاً سأل عمر وقال: إني أجنبت فلم أجد الماء؟ فقال له عمر : لا تصل حتى تجد الماء. فذكره عمار بن ياسر قائلاً: (يا أمير المؤمنين! أما تذكر إذ أنا وأنت في سرية فأجنبت فلم نجد الماء فأما أنت فلم تصل) أي: أن عمر امتنع عن الصلاة حتى يجد الماء، وأما أنا فتمعكت في التراب، يعني: نزع ثيابه وتمعك في التراب كما تتمعك الدابة فصليت فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما كان يكفيك فضرب النبي صلى الله عليه وسلم يديه إلى الأرض ثم نفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه).
هذا الحديث فيه فوائد عظيمة، وهو في الصحيحين من حديث عمار ، والعمدة على حديثه في مسألة التيمم.
ففيه: أن التيمم ضربة واحدة بكفيه ثم يمسح بهما وجهه وكفيه، خلافاً لمن قال من أهل العلم يضرب المتيمم ضربتين، إحداهما للوجه والثانية للكفين، وخلافاً أيضاً لمن قال من أهل العلم: إن المسح يكون إلى المرفقين أو إلى الإبطين؛ لأن حديث عمار محكم واضح وفي الصحيحين.
وفيه: أن التيمم ضربة واحدة للحدث الأكبر والأصغر، فيمسح بهما وجهه ثم كفيه، لكن لو ضرب ضربتين جاهلاً أو ناسياً فلا حرج.
وقوله: (ثم نفخ فيهما) أي: لتخفيف الغبار العالق بالكفين؛ لأنه ليس المقصود أن يلطخ الإنسان وجهه بالتراب، وإنما المقصود الامتثال، فإذا كان التراب كثيراً ونفخ فيهما فلا بأس.
قوله: (وسلمة شك لا يدري فيه إلى المرفقين أو إلى الكفين)، يعني: أن مسح اليدين، جاء في الحديث الصحيح أنه إلى الكفين، أي: إلى الرسغ، وهو مفصل الكف عن الذراع، فهذه هي المرادة إذا أطلقت في التيمم، وهي المرادة كذلك في السرقة، فإن التي تقطع عند السرقة من مفصل الكف.
وفي الحديث: أن من لم يجد الماء فإنه يتيمم بالتراب ويصلي ولا يؤجل الصلاة، وكان الذين قبلنا يؤجلون الصلاة إذا لم يجدوا الماء، وهذا من الآصار التي كانت عليهم، أما شريعتنا فيسرها الله علينا وخففها، فإذا لم يجد المسلم الماء فإنه يتيمم.
وفيه: استحباب نفخ التراب إذا كان كثيراً، ولما ذكر ذا عمار لـعمر قال له: نوليك ما توليت، وفي اللفظ الآخر -كما سيأتي- أنه قال: إن شئت يا أمير المؤمنين! ألا أحدث به، فقال عمر : نوليك ما توليت، يعني: نكل إليك هذا الأمر، ونجعلك والياً على ما ائتمنت عليه من التبليغ والفتوى.
فكأن عماراً رأى أن أصل هذا العلم قد بلغ، وأنه إذا أمره أمير المؤمنين وهو ولي الأمر -ألا يحدث به فإنه لن يحدث؛ لأن أصل ذلك موجود في كتاب الله، كقوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43] فهذه المسألة وهذا العلم معروف ومشهور ومبلغ.
والحديث الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما كان يجزيك من ذلك التيمم)، قوله: (يجزيك): بفتح الياء وضمها، وهي بمعنى: يكفيك.
ولو سأل سائل: في هذين الحديثين التيمم بالتراب فهل يصح التيمم بغيره كالجدار؟
فالجواب: إذا لم يجد التراب فله أن يتيمم بما صعد على الأرض على الصحيح، فإن وجد التراب تيمم به، وإن لم يجده ضرب بيديه على ما صعد على الأرض لقوله تعالى: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [النساء:43].
والصعيد: هو وجه الأرض، ولو كانت الأرض جبلية ولم يجد غيرها فيتيمم بها؛ لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].
وإن وجد التراب فعليه أن يتمم به، هذا هو الصواب، وإن لم يجده فيتيمم بما صعد على وجه الأرض.
وهل يكفي تيمم واحد للحدث الأكبر والأصغر؟
الجواب: نعم، يكفي للحدث الأصغر والأكبر تيمم واحد للصلاة.
وهل تصح الصلاة هذه دون نية؟
الجواب: لا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) فإذا لم ينو الصلاة، وإنما تيمم ليجامع زوجته مثلاً فبهذه النية الخاصة لا يجوز له أن يصلي.
ومن تيمم ثم رأى الماء خلال صلاته فماذا يفعل؟
الجواب: هذا الصواب في أمره: أي أنه تبطل صلاته فيقطعها ويتوضأ.
وإذا بحث عن الماء ولم يجده ثم صلى فوجد الماء بعد ذلك فصلاته صحيحة، لكن يقول العلماء: ينبغي أن يكون التيمم آخر الوقت؛ رجاء وجود الماء فلا يستعجل.
وناجية بن خفاف الذي في السند قال عنه صاحب التقريب: مقبول، يعني: إذا لم يتابع، وقد توبع في هذا، فالحديث ثابت، ويشهد له الحديث السابق.
وهل يبدأ الإنسان بمسح وجهه أم بيديه؟
الجواب: يبدأ بمسح وجهه، لوجهين: الوجه الأول: لقوله تعالى: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ [النساء:43]؛ فبدأ الله تعالى بالوجه.
والوجه الثاني: لما جاء في الحديث الآخر: (وجهه ثم يديه) فيمسح وجهه أولاً ثم يديه.
ويسمي، فيقول: باسم الله، وينوي ولا بد من النية، أي: ينوي استباحة الصلاة، ثم يسمي فيقول: باسم الله، ثم يضرب بيديه الأرض مفرجتي الأصابع، ويمسح بهما وجهه ويديه، ويمسح بالتراب الذي يكون له غبار، أما الرمل الذي ليس فيه غبار فلا، لكن إذا لم يجد غيره فلا بأس؛ لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].
وكذا لو لم يجد إلا أرضاً جبلية فيتيمم بها، فإن وجد تراباً لا غبار له فلا يعدل عنه إلى غيره، وقلنا: إنه لابد أن يكون له غبار؛ لأن الله قال: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة:6]، منه: يعني: لا بد أن يعلق شيء منه باليد، ولا يمكن ذلك إن لم يكن له غبار.
وظاهر الحديث الذي معنا: أنه يمسح وجهه قبل كفيه، وسيأتي في بعض الأحاديث: (وجهه ثم كفيه) فـ(ثم) تفيد الترتيب، ومن احتلم وخشي على نفسه البرد فهل له أن يتيمم؟
الجواب: الأصل أن يسخن الماء ويبحث عن مكان يستتر به عن الهواء، فإن لم يجد شيئاً يسخن به الماء، والتمس الأسباب فلم يجد، وخشي على نفسه البرد فإنه يتيمم، كما فعل عمرو بن العاص رضي الله عنه، ولقوله سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].
ونعني بفعل عمرو بن العاص رضي الله عنه: أنه تيمم، وصلى بأصحابه وهو جنب، فقال له النبي: (صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فقال: يا رسول الله! ذكرت قول الله: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ [النساء:29]).
فلم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا المحتلم الذي يريد التيمم إن استطاع أن يتوضأ توضأ وغسل بعض أطرافه إن استطاع ولم يخش على نفسه المرض أو زيادته، أو الموت، وإلا فلا يقدم على ما يضره ويكون سبباً في هلاكه، لكن إذا استطاع أن يتوضأ فليتوضأ، وكذا إن استطاع أن يغسل أطرافه فليغسلها ثم يتيمم.
ومن يسخن الماء إلى أن يخرج الوقت هل عليه شيء؟
الجواب: يسخن وينتظر ولو خرج الوقت؛ لأنه مشتغل بالشرط.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب التيمم في السفر.
أخبرنا محمد بن يحيى بن عبد الله قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب قال حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس رضي الله عنهما عن عمار رضي الله عنه قال: (عرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بأولات الجيش ومعه
التعريس: هو نزول المسافر آخر الليل للاستراحة والنوم، يقال له: تعريس كما هنا: (عرس رسول الله) يعني: نزل آخر الليل للاستراحة والنوم.
وقوله: (انقطع عقد
وفيه: أن أبا بكر تغيض عليها، يعني: غضب عليها؛ لماذا أخرت النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيه: أنه لما نزلت آية التيمم ضرب الناس بأيديهم الأرض .
وقوله: (ثم رفعوا أيديهم ولم ينفضوا من التراب شيئاً) لعل التراب ليس كثيراً.
وقوله: (فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب، ومن بطون أيديهم إلى الآباط) يعني: فعلوا هذا بأنفسهم خطأ اجتهادياً منهم، ثم علمهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه إلى الكفين، ولم يؤمروا بالإعادة ؛ لأنهم لم يتعمدوا المخالفة، والحكم لما يستقر، يعني: يبدأ أحدهم بظاهر الكف حتى يصل إلى باطن الكف، ويمسح من بطن الكف حتى يصل إلى الإبط، وهذا اجتهاد منهم.
ثم علمهم النبي حكم الشرع في ذلك.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الاختلاف في كيفية التيمم.
أخبرنا العباس بن عبد العظيم العنبري قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء قال: حدثنا جويرية عن مالك عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنه أخبره عن أبيه، عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: (تيممنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتراب فمسحنا بوجوهنا وأيدينا إلى المناكب) ].
هذا يقال فيه كما سبق، أي: أنهم فعلوه باجتهادهم، ثم بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم الحكم وعلمهم السنة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ نوع آخر من التيمم والنفخ في اليدين.
أخبرنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا سفيان عن سلمة عن أبي مالك ، وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى عن عبد الرحمن بن أبزى رضي الله عنه قال: (كنا عند
قوله: (ثم نفخ) فيه مشروعية النفخ إذا كان التراب كثيراً؛ لأن المقصود التعبد وليس التوسخ بالتراب، ود ورد النفخ في بعض الروايات وورد عدم النفخ في بعضها، فلعل هذا أحياناً كان ينفخ وأحياناً لا ينفخ.
قوله: (مسح وجهه وبعض ذراعيه) لعل المراد بـ(بعض ذراعيه) طرف الساعد مما يلي الكف.
قول عمر لـعمار : ( اتق الله يا عمار ) يدل على أنه ما زال ناسياً، ولما يتذكر الحادثة، وقد ذكره عمار لكنه لم يتذكر فقال له: يا أمير المؤمنين! أما تذكر أنا أجنبنا؟ وأنا تمرغت وأنت ما صليت، وجئنا النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرناه، فلم يذكر عمر الحادثة.
ولذلك قال: (اتق الله يا عمار!) يعني: تأكد من الأمر، فقال: يا أمير المؤمنين! إن شئت لم أذكره، وإن شئت ما حدثت الناس بهذا.
وفيه دليل: على طاعة ولي الأمر في هذا، وأنه إذا منعه من شيء امتنع، فكأن عمر يقول له: لا تحدث بهذا أو لا تذكره؛ لأن الحجة قائمة بغيره، فإذا سكت أحد، فسيبلغ غيره، وعمر يعلم أنه قد بلغت هذه القصة الناس، وسمعوها منه ومن غيره، فزال خوف الكتمان، ولهذا (قال: إن شئت لم أذكره) أي: إن شئت ما حدثت به الناس، قال له عمر : (لا، ولكن نوليك ما توليت) يعني: أنت المسئول عن هذا الشيء، ما دام أنك تذكره نوليك ما توليت، وكأن عمر لا يزال في نسيان، ولما يتذكر، وخفيت عليه الآية، أي: قوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ نوع آخر من التيمم.
أخبرنا عمرو بن يزيد قال: حدثنا بهز قال: حدثنا شعبة قال: حدثنا الحكم عن ذر عن ابن عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه (أن رجلاً سأل
وذر هذا هو ذر بن عبد الله المرهبي ، ثقة عابد، وكون عمار تمعك في التراب هذا قياس منه للتيمم للجنابة على الغسل منها، يعني: كما أن الغسل من الجنابة يعمم فيه البدن بالماء، فقاس عمار التيمم عليه فعمم بدنه بالتراب، فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن التيمم عن الجنابة وعن الحدث الأصغر واحد، وهو ضربة واحدة بكفيه على التراب، ويمسح بهما وجهه وكفيه.
وإذا وجد التراب فهو المطلوب، فيفعل كما أخبر الله: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة:6].
وإذا لم يجده فبما تصاعد على الأرض، لقوله سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].
وهل أتى عمار بالتيمم المشروع خلال تمعكه في التراب أم لا؟
هذا فيه تفصيل مسكوت عنه، وظاهره أنه حصل منه التيمم وزيادة، فعلمه النبي ما يجب عليه.
وما معنى: (وضرب شعبة بيديه على ركبتيه)؟
أي: أن شعبة يبين كيفية الضرب.
وبدلاً من أن يضرب على الأرض ضرب على ركبتيه، تبييناً للكيفية.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ نوع آخر من التيمم.
أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال: حدثنا خالد قال: حدثنا شعبة عن الحكم سمعت ذراً يحدث عن ابن أبزى عن أبيه قال: وقد سمعه الحكم من ابن عبد الرحمن قال (أجنب رجل فأتى
وهذا كما سبق، ولعله أراد تخفيف التراب.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ نوع آخر: أخبرنا عبد الله بن محمد بن تميم قال: حدثنا حجاج قال: حدثنا شعبة عن الحسن وسلمة عن ذر عن ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه: (أن رجلاً جاء إلى
شك سلمة وقال: لا أدري فيه إلى المرفقين أو إلى الكفين. قال عمر : نوليك من ذلك ما توليت. قال شعبة : كان يقول: الكفين والوجه والذراعين. فقال له منصور : ما تقول؛ فإنه لا يذكر الذراعين أحد غيرك! فشك سلمة فقال: لا أدري ذكر الذراعين أم لا ].
وعبد الله بن تميم هذا هو المصيصي بالتخفيف، نسبة إلى بلدة مصيصة على وزن عظيمة، بلد بالشام، وهذا الحديث هو الحديث السابق، لكن المؤلف رحمه الله يكرر الأسانيد للتقوية.
وفيه: أن سلمة شك فقال: لا أدري إلى المرفقين أو الكفين. وقد جاءت الأحاديث تدل على الجزم فيه، وأنه إلى الكفين، فهذا شك منفي في الأحاديث، ولهذا قال له منصور : ما تقول: فإنه لا يذكر الذراعين أحد غيرك! فقال: لا أدري. لكن الأحاديث الأخرى بينت أن التيمم إلى الكفين.
وفي الحديث السابق قال عمار : (وأنا في الإبل) وقال هنا: (أنا وأنت في السرية) فيحتمل أن تكون قصتين، ويحتمل أن تكون قصة واحدة كانا فيها في الإبل في نفس السرية.
شرح حديث عمار: (بعثني رسول الله في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء ..)
أخبرنا محمد بن العلاء قال: حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا الأعمش عن شقيق قال: (كنت جالساً مع
هذا الحديث في الصحيحين، وفيه أن هذا القصة حصلت لـأبي موسى الأشعري وعبد الله بن مسعود ، كما حصلت لـعمار وعمر ، وكان عبد الله بن مسعود يرى أنه لا يتيمم حتى يجد الماء، وأبو موسى يرى أنه يتيمم؛ لأنَّه جاء ما يدل على توضيح القصة أكثر من هذا، وأن ابن مسعود قال: إذا لم يجد الماء لا يصلي، فقال له أبو موسى : (أولم تسمع قول
وهذا من العجائب، فمن قدرة الله العظيمة أن الإنسان مهما بلغ من العلم فهو محل النسيان، فمهما بلغ من العلم والمكانة العلمية في العلم والدين قد يفوته شيء من العلم، وقد ينسى شيئاً من العلم، وقد يخفى عليه أمر واضح، فـعبد الله أصابه ما أصاب عمر من النسيان لهذا الأمر العظيم مع وضوحه في القرآن الكريم في قوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43]، ولما ذَكَّره أبو موسى قال: (أولم تر عمر لم يقنع بقول عمار ؟!)، فما اقتنع بقول عمار ، وكان الصواب مع أبي موسى .
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب: تيمم الجنب.
أخبرنا محمد بن العلاء قال: حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا الأعمش عن شقيق قال: (كنت جالساً مع
هذا الحديث في الصحيحين، وفيه أن هذا القصة حصلت لـأبي موسى الأشعري وعبد الله بن مسعود ، كما حصلت لـعمار وعمر ، وكان عبد الله بن مسعود يرى أنه لا يتيمم حتى يجد الماء، وأبو موسى يرى أنه يتيمم؛ لأنَّه جاء ما يدل على توضيح القصة أكثر من هذا، وأن ابن مسعود قال: إذا لم يجد الماء لا يصلي، فقال له أبو موسى : (أولم تسمع قول
وهذا من العجائب، فمن قدرة الله العظيمة أن الإنسان مهما بلغ من العلم فهو محل النسيان، فمهما بلغ من العلم والمكانة العلمية في العلم والدين قد يفوته شيء من العلم، وقد ينسى شيئاً من العلم، وقد يخفى عليه أمر واضح، فـعبد الله أصابه ما أصاب عمر من النسيان لهذا الأمر العظيم مع وضوحه في القرآن الكريم في قوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43]، ولما ذَكَّره أبو موسى قال: (أولم تر عمر لم يقنع بقول عمار ؟!)، فما اقتنع بقول عمار ، وكان الصواب مع أبي موسى .
شرح حديث: (عليك بالصعيد فإنه يكفيك)
أخبرنا سويد بن نصر قال: حدثنا عبد الله عن عوف عن أبي رجاء قال: سمعت عمران بن حصين : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً معتزلاً لم يصل مع القوم، فقال: يا فلان! ما منعك أن تصلي مع القوم؟ فقال: يا رسول الله! أصابتني جنابة ولا ماء. قال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك) ].
هذا الحديث رواه الشيخان عن عمران بن حصين .
وفيه: أن التيمم يكفي عند عدم الماء وفقده؛ ولهذا لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل معتزلاً قال: ما منعك أن تصلي مع القوم؟ فقال: يا رسول الله! أصابتني جنابة ولا ماء. فقال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك.
وفيه: أن الإنسان إذا جاء والناس يصلون لا يعتزلهم، بل يصلي معهم، ولو كان قد صلى، فذلك نافلة، ولو كان قد العصر أو بعد الفجر؛ ولهذا أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الرجل، كما أنكر على الرجلين في منى لما صلى الفجر ورآهما خلفه، فقال: ما منعكما أن تصليا معنا؟ فقالا: صلينا في رحالنا -لأن الناس يصلون في منى في رحالهم- فقال: (إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما المسجد فصليا معهم فإنها لكما نافلة) فإذا جاء المرء والناس يصلون فلا يجلس خلف الناس والناس يصلون، بل يصلي معهم ولو كان قد صلى، وتكون له نافلة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب: التيمم في الصعيد.
أخبرنا سويد بن نصر قال: حدثنا عبد الله عن عوف عن أبي رجاء قال: سمعت عمران بن حصين : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً معتزلاً لم يصل مع القوم، فقال: يا فلان! ما منعك أن تصلي مع القوم؟ فقال: يا رسول الله! أصابتني جنابة ولا ماء. قال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك) ].
هذا الحديث رواه الشيخان عن عمران بن حصين .
وفيه: أن التيمم يكفي عند عدم الماء وفقده؛ ولهذا لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل معتزلاً قال: ما منعك أن تصلي مع القوم؟ فقال: يا رسول الله! أصابتني جنابة ولا ماء. فقال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك.
وفيه: أن الإنسان إذا جاء والناس يصلون لا يعتزلهم، بل يصلي معهم، ولو كان قد صلى، فذلك نافلة، ولو كان قد العصر أو بعد الفجر؛ ولهذا أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الرجل، كما أنكر على الرجلين في منى لما صلى الفجر ورآهما خلفه، فقال: ما منعكما أن تصليا معنا؟ فقالا: صلينا في رحالنا -لأن الناس يصلون في منى في رحالهم- فقال: (إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما المسجد فصليا معهم فإنها لكما نافلة) فإذا جاء المرء والناس يصلون فلا يجلس خلف الناس والناس يصلون، بل يصلي معهم ولو كان قد صلى، وتكون له نافلة.
استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح سنن النسائي كتاب الطهارة [20] | 2939 استماع |
شرح سنن النسائي كتاب الطهارة [4] | 2574 استماع |
شرح سنن النسائي كتاب الطهارة [18] | 2406 استماع |
شرح سنن النسائي كتاب الطهارة [22] | 2213 استماع |
شرح سنن النسائي كتاب الطهارة [9] | 2202 استماع |
شرح سنن النسائي كتاب الطهارة [10] | 1928 استماع |
شرح سنن النسائي كتاب الطهارة [11] | 1928 استماع |
شرح سنن النسائي كتاب الطهارة [21] | 1907 استماع |
شرح سنن النسائي كتاب الطهارة [7] | 1836 استماع |
شرح سنن النسائي كتاب الطهارة [2] | 1794 استماع |