سلسلة الدار الآخرة رضا الله والنظر إلى وجهه الكريم


الحلقة مفرغة

أحمد الله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين.

أما بعد:

هذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة الثالثة والثلاثون في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة أو عن الموت وما بعده، وهي الحلقة الثانية عشرة في الحديث عن الجنة، جعل الله الجنة مآلنا ومكاننا ومنزلنا ومستقرنا والمسلمين والمسلمات.

وهذه بمشيئة الله أيضاً هي الحلقة الأخيرة في الدار الآخرة. نعم يبقى لنا حلقتان سوف نوجز لكم فيهما ما قلناه منذ الحلقة الأولى منذ ما يربو على تسعة أشهر.

فاللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل يا ربنا بيننا شقياً ولا محروماً.

اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا شيطاناً إلا طردته، ولا ميتاً إلا رحمته ولا طالباً إلا نجحته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا هديته، ولا مسافراً إلا رددته لأهله غانماً سالماً .

ارزقنا يا مولانا قبل الموت توبة وهداية، ولحظة الموت روحاً وراحة، وبعد الموت إكراماً ومغفرة ونعيماً.

اللهم ثقل بمجالس العلم موازيننا يوم القيامة، ثبت بها على الصراط أقدامنا يوم تزل الأقدام.

اللهم اجعلنا نشرب من حوض الكوثر شربة لا نظمأ بعدها أبداً، زحزحنا عن النار وما قرب إليها من قول أو عمل، قربنا من الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل.

نسألك يا مولانا رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اجعل خير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم أن نلقاك.

اللهم أحسن لنا الختام في الأمور كلها واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أقول: بفضل الله عز وجل أولاً وأخيراً كان لبعض الإخوة وبعض الجنود المجهولين في الدعوة الإسلامية، والله لا أعلم كثيراً منهم، قاموا بترجمة هذه الحلقات إلى عدة لغات، نسأل الله أن يبارك في أهل الخير، وبفضل الله عز وجل جاءتني هذا الأسبوع رسالتان وعدة مكالمات تلفونية من مدريد ومن بعض الدول الإسكندنافية أن بعض الإخوة عندما قاموا بترجمة هذه الأشرطة دخل في دول من الدول الاسكندنافية ومن أسبانيا علاوة على أمريكا الجنوبية ما يربو على ألف شخص في دين الله عز وجل بين رجل وامرأة، وهذا بفضل الله سبحانه وتعالى، ولسماحة أو يسر هذا الدين وقربه من الفطرة، ولا يصح إلا الصحيح.

فاللهم أعز دينك وانصره في بقاع الأرض يا رب العالمين!

ومما أسعدني أكثر وأكثر أن بعض الدول مثل السويد وسويسرا هناك أسرة كاملة دخلت في دين الله عز وجل وهذا من فضل الله أولاً وأخيراً.

وأقول ما قلته في الحلقة الأولى أيضاً: إن كنت قلت خيراً أو صواباً فمن الله وحده، وإن قلت سيئاً أو خطأً فمن الشيطان ومن نفسي.

فاللهم اغفر لنا وارحمنا ووفقنا وسددنا وقربنا منك يا رب العالمين!

لكي لا ندخل في مقدمات؛ لأن الحلقة طويلة، سوف نكمل نصين أو ثلاثة نصوص من كتاب الله عز وجل؛ لندخل بعد ذلك في الحديثين اللذين أخرتهما حتى نختم بهما هذه الحلقات في رضا الله عز وجل على أهل الجنة.

اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين!

ثم كما قلنا في رؤية وجه الله الكريم سبحانه وهي أعظم نعمة ينعم الله بها على عباده.

فاللهم لا تحرمنا من رؤية وجهك الكريم يا رب العالمين!

في الأسبوع الماضي كنا نقرأ نصاً من سورة الصافات، ووصلنا إلى قول الله عز وجل: قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ [الصافات:51]، مؤمن من أهل الجنة مكث مدة في الجنة، ثم قال: إنني كان لي صاحب في الدنيا، يمشي معي ويجلس معي ويزورني وأزوره.

ولكن أريد أن أوضح نقطة هامة، يجب ألا تصاحب إلا من تذكرك بالله رؤيته، ويدلك على الله حاله، ويزيد في علمك منطقه، لا تصاحب إلا من يصير مرآة لك ترى فيها عيوبك، فصديقك من صَدَقَك لا من صدَّقك، وقلنا من قبل: إن الطفل قد يكره أباه عندما يأتي له بالطبيب ليعطيه إبرة مؤلمة أو دواءً مؤلماً، ويحب أمه لأنها تدافع وتقول: لا داعي أبداً للطبيب ولا داعي أبداً للإبرة التي تؤلم الولد، وللأسف الشديد لو كان هذا الطفل بالغاً عاقلاً واعياً لأحب أباه في هذه النقطة أكثر من حبه لأمه لأن أباه صديق له وصادق معه، فإنه قد يؤلمه ولكن هذا الألم له هدف وهو النتيجة، ولله المثل الأعلى ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

الابتلاء على قدر الإيمان واليقين

الله عز وجل قد يبتلي الإنسان منا في الدنيا بمرض أو مشكلة أو بزوجة بذيئة اللسان، أو بزوج سليط متطاول أو بجار سيئ أو مدير في العمل يؤذيه، أو عامل عندك أو موظف يخونك في مالك وفي عملك، وقد تكون هذه الابتلاءات ليست لأن الله عز وجل يكره هذا العبد، فإنما أكثر الناس بلاءً الأنبياء فالأولياء فالأمثل فالأمثل، إذْ يصاب المؤمن على قدر إيمانه، فإن كان إيمانه قوياً قال: يا جبريل! صب البلاء على عبدي فلان صباً، فيصبه، ثم يقول: ماذا صنع عبدي؟ فيقول: يا رب حمدك واسترجع، فيقول الله عز وجل: أعد عليه، صب البلاء مرة أخرى فإني أحب أن أسمع صوته، والإنسان المسلم لو مر عليه -كما قلنا- أربعون يوماً لا يبتلى بمشكلة ولا مصيبة ولا بلية رغم سيره في طريق الله عز وجل، يجب -كما قلنا- أن يعيد حساباته مرة أخرى وأن يحدد المسار؛ لأنه بعيد عن رب العباد سبحانه.

(ودخل أعرابي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى رجلاً يقول: يا رسول الله! أصابتني أم ملدم)، وأم ملدم: الحمى، (فقال الأعرابي: وما أم ملدم)، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما أصابتك حمى من قبل؟ قال الأعرابي: كلا، أما صدعت رأسك، قال: كلا)، أي: لم يصب بحرارة ولم يصب بالصداع فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يبتلَ فهو شيطان).

وقلنا: إن الابتلاء ثلاثة أنواع، فأنت تمشي في طريق الله عز وجل وتتدرج في طاعة الله عز وجل وتحاول أن تتجنب محارم الله سبحانه، ورغم ذلك تبتلى، فهذا اسمه رفع درجات.

فالله عز وجل يرفع المبتلى درجات؛ وقد كانت السيدة عائشة تقول: وارأساه، فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: (وأنا وارأساه يا عائشة !) أي: أنا كذلك رأسي يؤلمني، قالت: (أتوعك أنت يا رسول الله؟! قال: أوعك كما يوعك رجلان من أمتي ليضاعف لي الثواب عند الله يوم القيامة)، يعني: إن كنت تحس بالألم ثلاثين درجة فالحبيب يحس ستين درجة، وإذا كنت تحس بالألم مائة درجة فالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ينازع، فكانت الروح توشك أن تغادر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فالسيدة عائشة رأته وهو يتمتم بكلمات، علمت أنه يقرأ الفلق والناس حتى طلع الفجر، ولم يكن ينم أبداً حتى يقرأ بهن ثلاث مرات ويمسح بها وجهه وما استقبل من جسده، فأراد أن يرفع يديه ليمسح وجهه فلم يستطع من شدة سكرات الموت، فهو القائل صلى الله عليه وسلم: (إن للموت لسكرات)، فمسحت عائشة بيديها على وجه الحبيب صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى سواك في يدها، فعلمت أنه يريد أن يستاك، ولكن يده لا تستطيع أن تأخذ السواك وتضعه في فمه صلى الله عليه وسلم، فأخذت السواك ولينته بفمها، ثم أعطته وأمسكت بيده فاستاك صلى الله عليه وسلم، ثم نزل جبريل وقال: يا رسول الله! هذه هي آخرة مرة أنزل فيها إلى الأرض. وسيدنا جبريل مهمته تبليغ وحي السماء إلى من اختارهم الله سبحانه لتبليغ دعوته إلى عباده، فقد نزل على آدم، ثم نزل على نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وهكذا نزل على كل الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام.

يا محمد! -عليه الصلاة والسلام- هذا ملك الموت يستأذن بالباب!

ملك الموت لا يستأذن على أحد لا من قبل رسول الله ولا من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما استأذن على رسول الله لمقام الرسول صلى الله عليه وسلم عند ربه.

وبعد ذلك إذا بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول له جبريل: أتحب أن تكون في الدنيا ملكاً مخلداً أم إلى جوار الرفيق الأعلى؟ قال: بل أختار الرفيق الأعلى.. بل الرفيق الأعلى.. بل الرفيق الأعلى.. بل الرفيق الأعلى، أشهد أن لا إله إلا الله وأني عبده ورسوله، ثم فاضت روح رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعلمنا كيف عاد أنس رضي الله عنه بعد دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعزي السيدة فاطمة ، فقالت له فاطمة : يا أنس ! هل هانت عليكم أنفسكم أن تحثوا التراب على وجه رسول الله، أي: هل هذا معقول أنكم تضعون التراب بأيديكم على وجه الحبيب صلى الله عليه وسلم كيف؟ فقال: هو الذي أمرنا بهذا يا بنت رسول الله!

فهو الذي نزل عليه: مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى [طه:55]، ونزل عليه قوله تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران:144].

إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30].

إذاً: أنت في الدنيا تختار الصديق الذي يذكرك بالله؛ لأنك في الجنة ستبحث عن صديقك وستقول: أين فلان الذي كان يذهب معي إلى المكان الفلاني؟ قال تعالى: إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ [الصافات:51] أي: صاحب.

إطعام الصالحين وضيافتهم

في الحديث: (لا يدخل بيتك إلا مؤمن) لماذا؟ من أجل أن يحافظ على حرمتك، فعندما يدخل المؤمن بيتك يحافظ على حرمته، (ولا يأكل طعامك إلا تقي) لماذا؟ لأن التقي عندما يأكل يدعو لك، وكان ابن مسعود رضي الله عنه كما يقول: أرق إنسان على قلبي -أخف إنسان على قلب ابن مسعود - الضيف، قالوا له: لماذا؟

قال ابن مسعود : لأن رزقه على الله، فلا تظن أنك تطعم الضيف من مالك، بل الضيف رزقه على الله.

قال: لأن رزقه على الله وثوابه لي.

فحتى لو كان الضيف غنياً لابد أن يأخذ ثواباً في إطعامه.

إذاً: الأول: رزقه على الله والثاني: ثوابه لي، والثالث: قوله: ويأخذ ذنوب أهل البيت وهو خارج معه، وقد كان سيدنا الخليل إبراهيم عليه السلام إذا أراد أن يأكل لابد أن يخرج من بيته ويمشي مسافة طويلة إلى أن يلقى ضيفاً فيأتي به.

جاء أعرابي إلى الحبيب صلى الله عليه وسلم وقال: أنا ضيفك الليلة يا رسول الله! يفرض نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ضيفاً (دخل الحبيب إلى بيوت نسائه فقال: أعندكن طعام؟ قلن: ما عندنا إلا الماء يا رسول الله! فخرج وقال للصحابة: من يضيف ضيف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الليلة؟ فقال أحد الأنصار رضي الله عنهم: أنا يا رسول الله!) وأخذ الضيف وهو فرح به، ليس مثل من يدخل على امرأته بضيف فتشعر امرأته بتفكك كتفكك الاتحاد السوفيتي، إن المسألة سهلة جداً ونحن لا نتكلف وإنما نعطي الموجود، قالت زوجة الأنصاري لزوجها: ليس عندنا طعام إلا الطعام الذي كنت قد أبقيته لك، يعني: طعام يكفي نفراً، والنفر الذي كان يأكله الصحابي كان ثلثاً للطعام وثلثاً للشراب وثلثاً للنفس، يعني: يأكل بضع لقيمات.

قال لها: نطفئ النور ونضع الطبق الذي فيه الأكل أمام الضيف، ونوهمه أننا نأكل من أطباق أمامنا، فنضرب عليها من أجل أن تصدر صوتاً فيظن أننا نأكل معه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن كيس فطن).

وهكذا أكل الضيف وأنهى الذي أمامه وشبع، ولم يأكلوا هم، بل قام الأنصاري وأخذ الضيف وذهب به إلى صلاة الفجر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد شكر الله صنيعك الليلة أنت وزوجك بضيف رسول الله).

إذاً: (لا يدخل بيتك إلا مؤمن، ولا يأكل طعامك إلا تقي)، لماذا؟ لأن المؤمن عندما يدخل بيتك يجلس فإن كان عنده كلمة طيبة يقولها.

فمثلاً: تأتي إلى رجل جلس هو وزوجته في أمان الله فتقول: لقد رأيت البارحة شخصاً يشبهك وهو راكب سيارة وبجانبه امرأة، فما هذا البلاء الذي أتيت به؟

فأنت لو سترته بثوبك لكان خيراً لك، وانصحه بينك وبينه، لأنك مرآة أخيك.

محاورة أهل الجنة لقرنائهم من أهل النار

قال تعالى: إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ [الصافات:51]، أي: كان لي صاحب في الدنيا، يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ [الصافات:52] أي: يقول: حقاً لقد فزت بالجنة، فقد كنت مصدقاً بالبعث، ومصدقاً بالنشور، ومصدقاً بالحساب، وكان فعلاً لك هذا القرين وهذا الصاحب.

وأريد أن أعرج إلى مسألة القرين، يقول كثير من الناس: كل واحد له قرين من الجن وله قرين تحت الأرض؟! وهذه فرية ما أنزل الله بها من سلطان، بل إن موضوع القرين أنك إن كنت مؤمناً سائراً على طريق الله فقرينك الملك، وإن كنت رجلاً -والعياذ بالله- منحرفاً فقرينك الشيطان، إنه يقف على بابك في كل يوم ملك وشيطان، وكل واحد معه راية، فإن خرجت في سبيل الله ذاهباً إلى عملك، أو ذاهباً لتصلح بين اثنين، أو لتزور أخاً لك مسلماً أو لتصل رحماً أو لتتصدق؛ أظلتك راية الملك حتى تعود، فالملك يلازمك حتى في وقت الأذان وأنت في الطريق، ويقول: ادخل صل العصر أولاً وهكذا.

وإن خرجت في غير سبيل الله أظلك الشيطان برايته حتى تعود.

والعجيب عندما تذهب إلى مكان فيه جماعة من الكرويين كأن يكون هذا المكان ملعباً، ونفرض جدلاً -لا قدر الله- أن المدرجات ستنهدم على المتفرجين، إذا بهم يقولون: شهداء الكرة، شهداء الكرة؟! وهل موتى الكرة شهداء؟! ومن الناس من يقول: هذا الفنان رحمه الله وقع على المسرح، وقع وهو ويؤدي رسالته في محراب الفن، فهو سيد الفن! وتسمع كلاماً يضيق به صدرك.

فأنت إن كنت في طريق الله فإن الملك يظلك برايته حتى ترجع قال تعالى: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ [الصافات:53] أي: هل هذا يعقل؟ بعدما نموت ونكون تراباً ونكون شيئاً بالياً هل من المعقول أن نخرج مدينين في الحسنات والسيئات؟!

الله عز وجل قد يبتلي الإنسان منا في الدنيا بمرض أو مشكلة أو بزوجة بذيئة اللسان، أو بزوج سليط متطاول أو بجار سيئ أو مدير في العمل يؤذيه، أو عامل عندك أو موظف يخونك في مالك وفي عملك، وقد تكون هذه الابتلاءات ليست لأن الله عز وجل يكره هذا العبد، فإنما أكثر الناس بلاءً الأنبياء فالأولياء فالأمثل فالأمثل، إذْ يصاب المؤمن على قدر إيمانه، فإن كان إيمانه قوياً قال: يا جبريل! صب البلاء على عبدي فلان صباً، فيصبه، ثم يقول: ماذا صنع عبدي؟ فيقول: يا رب حمدك واسترجع، فيقول الله عز وجل: أعد عليه، صب البلاء مرة أخرى فإني أحب أن أسمع صوته، والإنسان المسلم لو مر عليه -كما قلنا- أربعون يوماً لا يبتلى بمشكلة ولا مصيبة ولا بلية رغم سيره في طريق الله عز وجل، يجب -كما قلنا- أن يعيد حساباته مرة أخرى وأن يحدد المسار؛ لأنه بعيد عن رب العباد سبحانه.

(ودخل أعرابي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى رجلاً يقول: يا رسول الله! أصابتني أم ملدم)، وأم ملدم: الحمى، (فقال الأعرابي: وما أم ملدم)، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما أصابتك حمى من قبل؟ قال الأعرابي: كلا، أما صدعت رأسك، قال: كلا)، أي: لم يصب بحرارة ولم يصب بالصداع فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يبتلَ فهو شيطان).

وقلنا: إن الابتلاء ثلاثة أنواع، فأنت تمشي في طريق الله عز وجل وتتدرج في طاعة الله عز وجل وتحاول أن تتجنب محارم الله سبحانه، ورغم ذلك تبتلى، فهذا اسمه رفع درجات.

فالله عز وجل يرفع المبتلى درجات؛ وقد كانت السيدة عائشة تقول: وارأساه، فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: (وأنا وارأساه يا عائشة !) أي: أنا كذلك رأسي يؤلمني، قالت: (أتوعك أنت يا رسول الله؟! قال: أوعك كما يوعك رجلان من أمتي ليضاعف لي الثواب عند الله يوم القيامة)، يعني: إن كنت تحس بالألم ثلاثين درجة فالحبيب يحس ستين درجة، وإذا كنت تحس بالألم مائة درجة فالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ينازع، فكانت الروح توشك أن تغادر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فالسيدة عائشة رأته وهو يتمتم بكلمات، علمت أنه يقرأ الفلق والناس حتى طلع الفجر، ولم يكن ينم أبداً حتى يقرأ بهن ثلاث مرات ويمسح بها وجهه وما استقبل من جسده، فأراد أن يرفع يديه ليمسح وجهه فلم يستطع من شدة سكرات الموت، فهو القائل صلى الله عليه وسلم: (إن للموت لسكرات)، فمسحت عائشة بيديها على وجه الحبيب صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى سواك في يدها، فعلمت أنه يريد أن يستاك، ولكن يده لا تستطيع أن تأخذ السواك وتضعه في فمه صلى الله عليه وسلم، فأخذت السواك ولينته بفمها، ثم أعطته وأمسكت بيده فاستاك صلى الله عليه وسلم، ثم نزل جبريل وقال: يا رسول الله! هذه هي آخرة مرة أنزل فيها إلى الأرض. وسيدنا جبريل مهمته تبليغ وحي السماء إلى من اختارهم الله سبحانه لتبليغ دعوته إلى عباده، فقد نزل على آدم، ثم نزل على نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وهكذا نزل على كل الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام.

يا محمد! -عليه الصلاة والسلام- هذا ملك الموت يستأذن بالباب!

ملك الموت لا يستأذن على أحد لا من قبل رسول الله ولا من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما استأذن على رسول الله لمقام الرسول صلى الله عليه وسلم عند ربه.

وبعد ذلك إذا بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول له جبريل: أتحب أن تكون في الدنيا ملكاً مخلداً أم إلى جوار الرفيق الأعلى؟ قال: بل أختار الرفيق الأعلى.. بل الرفيق الأعلى.. بل الرفيق الأعلى.. بل الرفيق الأعلى، أشهد أن لا إله إلا الله وأني عبده ورسوله، ثم فاضت روح رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعلمنا كيف عاد أنس رضي الله عنه بعد دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعزي السيدة فاطمة ، فقالت له فاطمة : يا أنس ! هل هانت عليكم أنفسكم أن تحثوا التراب على وجه رسول الله، أي: هل هذا معقول أنكم تضعون التراب بأيديكم على وجه الحبيب صلى الله عليه وسلم كيف؟ فقال: هو الذي أمرنا بهذا يا بنت رسول الله!

فهو الذي نزل عليه: مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى [طه:55]، ونزل عليه قوله تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران:144].

إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30].

إذاً: أنت في الدنيا تختار الصديق الذي يذكرك بالله؛ لأنك في الجنة ستبحث عن صديقك وستقول: أين فلان الذي كان يذهب معي إلى المكان الفلاني؟ قال تعالى: إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ [الصافات:51] أي: صاحب.

في الحديث: (لا يدخل بيتك إلا مؤمن) لماذا؟ من أجل أن يحافظ على حرمتك، فعندما يدخل المؤمن بيتك يحافظ على حرمته، (ولا يأكل طعامك إلا تقي) لماذا؟ لأن التقي عندما يأكل يدعو لك، وكان ابن مسعود رضي الله عنه كما يقول: أرق إنسان على قلبي -أخف إنسان على قلب ابن مسعود - الضيف، قالوا له: لماذا؟

قال ابن مسعود : لأن رزقه على الله، فلا تظن أنك تطعم الضيف من مالك، بل الضيف رزقه على الله.

قال: لأن رزقه على الله وثوابه لي.

فحتى لو كان الضيف غنياً لابد أن يأخذ ثواباً في إطعامه.

إذاً: الأول: رزقه على الله والثاني: ثوابه لي، والثالث: قوله: ويأخذ ذنوب أهل البيت وهو خارج معه، وقد كان سيدنا الخليل إبراهيم عليه السلام إذا أراد أن يأكل لابد أن يخرج من بيته ويمشي مسافة طويلة إلى أن يلقى ضيفاً فيأتي به.

جاء أعرابي إلى الحبيب صلى الله عليه وسلم وقال: أنا ضيفك الليلة يا رسول الله! يفرض نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ضيفاً (دخل الحبيب إلى بيوت نسائه فقال: أعندكن طعام؟ قلن: ما عندنا إلا الماء يا رسول الله! فخرج وقال للصحابة: من يضيف ضيف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الليلة؟ فقال أحد الأنصار رضي الله عنهم: أنا يا رسول الله!) وأخذ الضيف وهو فرح به، ليس مثل من يدخل على امرأته بضيف فتشعر امرأته بتفكك كتفكك الاتحاد السوفيتي، إن المسألة سهلة جداً ونحن لا نتكلف وإنما نعطي الموجود، قالت زوجة الأنصاري لزوجها: ليس عندنا طعام إلا الطعام الذي كنت قد أبقيته لك، يعني: طعام يكفي نفراً، والنفر الذي كان يأكله الصحابي كان ثلثاً للطعام وثلثاً للشراب وثلثاً للنفس، يعني: يأكل بضع لقيمات.

قال لها: نطفئ النور ونضع الطبق الذي فيه الأكل أمام الضيف، ونوهمه أننا نأكل من أطباق أمامنا، فنضرب عليها من أجل أن تصدر صوتاً فيظن أننا نأكل معه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن كيس فطن).

وهكذا أكل الضيف وأنهى الذي أمامه وشبع، ولم يأكلوا هم، بل قام الأنصاري وأخذ الضيف وذهب به إلى صلاة الفجر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد شكر الله صنيعك الليلة أنت وزوجك بضيف رسول الله).

إذاً: (لا يدخل بيتك إلا مؤمن، ولا يأكل طعامك إلا تقي)، لماذا؟ لأن المؤمن عندما يدخل بيتك يجلس فإن كان عنده كلمة طيبة يقولها.

فمثلاً: تأتي إلى رجل جلس هو وزوجته في أمان الله فتقول: لقد رأيت البارحة شخصاً يشبهك وهو راكب سيارة وبجانبه امرأة، فما هذا البلاء الذي أتيت به؟

فأنت لو سترته بثوبك لكان خيراً لك، وانصحه بينك وبينه، لأنك مرآة أخيك.

قال تعالى: إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ [الصافات:51]، أي: كان لي صاحب في الدنيا، يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ [الصافات:52] أي: يقول: حقاً لقد فزت بالجنة، فقد كنت مصدقاً بالبعث، ومصدقاً بالنشور، ومصدقاً بالحساب، وكان فعلاً لك هذا القرين وهذا الصاحب.

وأريد أن أعرج إلى مسألة القرين، يقول كثير من الناس: كل واحد له قرين من الجن وله قرين تحت الأرض؟! وهذه فرية ما أنزل الله بها من سلطان، بل إن موضوع القرين أنك إن كنت مؤمناً سائراً على طريق الله فقرينك الملك، وإن كنت رجلاً -والعياذ بالله- منحرفاً فقرينك الشيطان، إنه يقف على بابك في كل يوم ملك وشيطان، وكل واحد معه راية، فإن خرجت في سبيل الله ذاهباً إلى عملك، أو ذاهباً لتصلح بين اثنين، أو لتزور أخاً لك مسلماً أو لتصل رحماً أو لتتصدق؛ أظلتك راية الملك حتى تعود، فالملك يلازمك حتى في وقت الأذان وأنت في الطريق، ويقول: ادخل صل العصر أولاً وهكذا.

وإن خرجت في غير سبيل الله أظلك الشيطان برايته حتى تعود.

والعجيب عندما تذهب إلى مكان فيه جماعة من الكرويين كأن يكون هذا المكان ملعباً، ونفرض جدلاً -لا قدر الله- أن المدرجات ستنهدم على المتفرجين، إذا بهم يقولون: شهداء الكرة، شهداء الكرة؟! وهل موتى الكرة شهداء؟! ومن الناس من يقول: هذا الفنان رحمه الله وقع على المسرح، وقع وهو ويؤدي رسالته في محراب الفن، فهو سيد الفن! وتسمع كلاماً يضيق به صدرك.

فأنت إن كنت في طريق الله فإن الملك يظلك برايته حتى ترجع قال تعالى: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ [الصافات:53] أي: هل هذا يعقل؟ بعدما نموت ونكون تراباً ونكون شيئاً بالياً هل من المعقول أن نخرج مدينين في الحسنات والسيئات؟!

جاء أمية بن خلف -والعياذ بالله- ببعض عظام من مقابر في مكة قد بليت، وأخذها بيده وطحنها ونفخ بها في الهواء، وقال: (يا محمد! هل يستطيع ربك أن يعيد هذه مرة أخرى؟)، فينزل جبريل الأمين بآخر سورة ياسين، قال تعالى: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [يس:78-79]، ثم بعد ذلك التنظير يقول سبحانه: الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ [يس:80]، فالشجر الأخضر يحمل أوراقاً فيها التمثيل الضوئي وفيها مادة البلاستيد الخضراء وفيها ما نستخدمه من طاقة، قال تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [يس:80-83].

فانظر إلى بساطه هذه الآيات وسهولتها وكيف يضرب الله مثلاً على مسألة الخلقة.

وهذا عزير تزوج بامرأة، وبعد يومين خرج ذاهباً إلى مزرعته، كان فلاحاً مزارعاً عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وكان أحد الأنبياء والرسل، فمر عزير عليه السلام على مقابر وأشواك عظام بالية، فقال: أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا [البقرة:259]، ولا يقول ذلك من باب التعجيز، وإنما يريد أن يعرف الكيفية، قال تعالى: فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ [البقرة:259]، أي: قبض ملك الموت روحه مائة سنة، وكانت امرأته حاملاً، فنام مائة سنة ثم أفاق وبجانبه ملك، فقال له الملك: كَمْ لَبِثْتُ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ [البقرة:259]، قال: هل هذا معقول؟ هل أنا نمت مائة سنة؟ قال: فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ [البقرة:259]، ويقال: إنه أخذ معه تيناً ولبناً وماءً، ومكث معه هذا الطعام مائة سنة فنظر إلى طعامه هذا فوجده لم يتغير.

قال: وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ [البقرة:259]، فنظر إلى عظام الحمار منثوراً، فركب الله الهيكل، وإذا بالعظم يكسى باللحم، ثم جرت فيه الدورة الدموية، فأوقف الله الحمار على أربع ينفض أذنه، قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:259]، لكنه لم ير سر الصنعة.

كذلك سيدنا إبراهيم قال: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [البقرة:260]، وليس من سمع كمن رأى، وهكذا سيدنا موسى الكليم قال الله تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء:164]، فأراد أن ينعم الله عليه برؤيته فقال: رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا [الأعراف:143].

إذاً: قال الخليل إبراهيم عليه السلام: أريد يا رب! أن أنظر كيف تحيِ الموتى، قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ [البقرة:260] هات مثلاً حمامة ويمامة ودجاجة وعصفورة يعني: أربعة من الطير مختلفة، واذبحها واقطعها قطعاً واخلطها ثم انثرها فوق الجبل، قال تعالى: ثُمَّ ادْعُهُنَّ [البقرة:260] أي قل لهن: تعالين بإذن الله، يَأْتِينَكَ سَعْيًا [البقرة:260]، فدعاهن فأتين طائرات إليه بإذنه سبحانه.

دخل رجل على الشافعي فقال له: يا إمام! ما الدليل على وجود الله؟ قال: ورقة التوت، تأكلها الشاة فتخرجها بعراً، وتأكلها البقرة فتخرجها روثاً، وتأكلها النحلة فتخرجها شهداً، وتأكلها الدودة -دودة القز- فتخرجها حريراً، وتأكلها الغزالة فتخرجها مسكاً، من الذي وحد الأصل وعدد المخارج؟

فانظر ما هو المدخل وما هو المخرج، فقد قيل: تفكر ساعة خير من عبادة سنة.

ويذكر أن أعرابياً جلس تحت ظل شجرة، فنظر إلى جمله وقد بعر بعراً ورجلاه على الرمال، ونظر إلى البحر من بعيد فقال: البعرة تدل على البعير وأقدام السير تدل على المسير، فأرض ذات فجاج وسماء ذات أبراج، وبحار ذات أمواج ألا يدل ذلك على اللطيف الخبير، وهل يعقل المرء هذا كله ويقول: أين الله؟ قال الشاعر:

وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد

فقوله تعالى: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ [الصافات:53] أي: هل يعقل أننا بعد أن نكون تراباً وعظاماً نبعث مرة أخرى ونسأل؟ ولذلك قال: وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى [النجم:47].

إذاً: سوف يفنى من ابن آدم كل شيء إلا عجب الذنب، وهي ذرة من العصعص آخر فقرة من العمود الفقري الموجود في الظهر، ومازالت الأبحاث العلمية لم تصل إلى هذه النقطة، لكن هناك بوادر في أمريكا إذ بدءوا يصلون إلى أن كل شيء يفنى من ابن آدم إلا الجزئية الأخيرة من العصعص، لماذا؟ لأن هذا حديث رسول الله الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم.

قال تعالى: قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ [الصافات:54]، أي: هل تنظرون نظرة، ومعلوم أن بين أهل الجنة وأهل النار سوراً باطنه فيه الرحمة من جهة أهل النعيم وظاهره من ناحية أهل الجحيم عذاب، قال تعالى: وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ [الأعراف:46] يمنع النعيم عن أهل الجحيم ويمنع العذاب عن الأحباب، فهذا الحجاب لا يوصل النعيم لأصحاب الجحيم؛ لأن الشقي -والعياذ بالله- من ساءت خاتمته، والسعيد من حسنت خاتمته.

اللهم أسعد ختامنا يا رب العالمين!

قال تعالى: فَاطَّلَعَ [الصافات:55] أي: نظر ذلك الرجل الذي كان يسأل: إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ [الصافات:51]، أي: كان لي صديق في الدنيا أبحث عنه في الجنة ولم أره، قال تعالى: فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ [الصافات:55] انظر عندما رآه لم يحزن عليه؛ لأن العواطف منزوعة هنالك، نفرض أن رجلاً صالحاً لديه ابن منحرف، الأب الصالح دخل الجنة والابن المنحرف دخل النار، فلو كان هنالك عواطف في الجنة، هل سيحزن الأب على الابن أو لا؟ نعم سيحزن، ولكن الجنة هل فيها حزن أو ليس فيها حزن؟

الجواب: لا يوجد حزن، الحزن في الدنيا فقط، إذاً لا تخف من هذه النقطة، يعني: عندما ترى ابنك لم يستقم أو امرأتك، أو المرأة ترى أن زوجها لا يريد الاستقامة فلا أحد يحزن، لأن الله عز وجل يدبر الأمر من قبل ومن بعد.

قال تعالى: قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ [الصافات:56] أي: إنك كنت ستوقعني في مصيبة ومهلكة، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله) فلابد أن تنظر إلى ابنك من يصاحب في المدرسة، وابنتك من تصاحب في الجامعة، لابد من أنك ترى، أليست هي مسئولة، وأنت مسئول؟ أم أننا ننجب أبناء ويكفي؟! انظر أولاً: الولد من هو صاحبه؟ من هو أبوه؟ فقد يكون أبوه تاجر مخدرات، وقد تكون أمه كذا وكذا، مثلاً، لابد أن تدقق النظر؛ لأنها مسئولية، وعندما ينحرف الولد ويحمل ذنوباً يأتي يوم القيامة يتعلق برقبتك ويقول: أبي رآني على الخطأ فما نهاني، خذوا ذنوبي له، ورغم ذلك لا ينجو هو يوم القيامة.

قال تعالى: وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ [الصافات:57] أي: في النار والعياذ بالله، والمعنى: لولا أن الله أكرمني بالتقوى والإيمان والهداية وأكرمني بأهل الخير الذين أخذوا بيدي، لكنا كلنا ضالين والعياذ بالله.

قال تعالى: أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلَّا مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ [الصافات:58-59] هؤلاء الكفار والعياذ الله.

قال تعالى: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ [الصافات:60-61].

فانتبه أن تظن أن الفوز العظيم الذي يأخذ شهادة استثمار بمائة ألف جنيه، فهذا ليس فوزاً بل هذا أكبر خسارة، لكن الفوز: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185] هذا هو الفوز الحقيقي.

ذكر أن الحجاج قال لرجل: إن هذا اليوم حار فلا داعي للصيام فيه؟ قال: صمت ليوم هو أشد منه حراً، فقال له: كل هذا اليوم وصم غداً، قال له: هل يضمن لي الأمير أن أعيش إلى الغد، إذاً: لا يضمن، ومادام لا يضمن فلابد أن أعمل في هذا الوقت خيراً، فأنا لا أضمن أن أعيش إلى الصباح، ومن يضمن منا لنفسه أن يعيش إلى الإثنين القادم؟ فسبحان من يرث الأرض ومن عليها.

قال الله سبحانه في سورة فصلت: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت:30].

قد يقول بعض الناس: إن المحتال يقول: ربنا الله، والسارق عندما يسرق يقول: يا رب! استر، إذاً: الكل يقول: ربنا الله باللسان، لكن لو عمل بمقتضى هذا الكلام، فإنه لن يعمل الخطأ.

قالوا للإمام البصري : كم تخاف من الله؟ قال: لو ركبت أنت البحر فتحطمت سفينتك فلم يبق منها إلا لوح واحد فقط فأمسكت به بين الموج العاتي كيف حالك؟ قال له: في خوف شديد، قال له: أنا هكذا مع الله ليل نهار، لذلك انظر كم مقدار خوفه من الله.

جاء رجل إلى المدينة يريد أن يبشر عمر بن الخطاب بفتح المدائن، فقال: لا يعقل أن أدق على بيت أمير المؤمنين الساعة الثانية بعد منتصف الليل؟! سأذهب إلى المسجد النبوي أزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأصلي في الروضة وأنتظره حتى يأتي. فدخل الرجل المسجد فوجد رجلاً في القبلة ساجداً ينتحب ويبكي، وصوت نحيبه أصبح عالياً فاقترب الرجل منه، فسمعه يقول: يا رب! لائذ ببابك عائذ بجنابك لا تطردني من رحابك، فقال: يا إلهي! كم عمل هذا الرجل من ذنوب حتى يقول هذا الكلام الذي يحرق القلب؟ سوف أنتظره حتى ينتهي وأحدثه بحديثين عن الرحمة، لعله يجعله يشعر بالأمل قليلاً، فاقترب منه فإذا به أمير المؤمنين عمر ، فقال له أمير المؤمنين: يا أخا الإسلام! إن نمت النهار كله أضعت رعيتي، وإن نمت الليل كله أضعت نفسي.

إذاً: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ [فصلت:30] هذا هو القول: ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30] هذا هو العمل.

إذاً: رَبُّنَا اللَّهُ هو القول اللساني واليقين القلبي، ثُمَّ اسْتَقَامُوا ، هو الترجمة العملية، أي: العمل بالأركان.

إذاً: أركان الإيمان ثلاثة: تصديق بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالأركان.

ورحمة الله واسعة، نسأل الله أن يرحمنا وإياكم.

روي أن رجلاً من بني إسرائيل قال لحبر يهودي: يا سيدي! لا يوجد ذنب نهى الله عنه إلا وارتكبته، ولم أعمل خيراً قط، فقال له: قتلت؟ قال: نعم، قال: شربت الخمر؟ قال: نعم، قال له: ارتكبت كل الذنوب، قال: نعم، فقال له الحبر: خذ عرجوناً قديماً من النخل وضعه أمامك وأكثر من الصالحات فإن اخضر العرجون فسيكون الله قد تاب عليك، فأخذ الرجل الكلام بصدق، قال: نجرب، فوضع العرجون وأكثر من الحسنات، فكان يقوم الليل ويصوم النهار ويعمل الخير، واستمر شهرين وثلاثة أشهر والعود لم يخضر، وأصبح الصباح مرة وإذا بالعود كله أخضر، فذهب إلى الحبر يقبل يده ورجله ويقول له: بارك الله فيك، أنت الذي هديتني أنت الذي عرفتني، قال: خيراً إن شاء الله، قال: العود اخضر، قال له: دلني كيف تبت حتى أتعلم منك؟ ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب مبلغ أوعى من سامع)، فالمهم تأخذ الكلام بمنطق اليقين.

قال تعالى: تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا [فصلت:30]، وتنزل الملائكة في ثلاثة أماكن: في الدنيا بالتثبيت، وهو الملك القرين الذي يكون معك باستمرار، يوفقك، فيقول لك: لا تقل هذا، ولا داعي لهذا، حتى عندما تقع في الخطأ وملك السيئات يريد أن يسجل، فالله عز وجل من رحمته يجعل الحسنات فوق السيئات، إذ إن ملك الحسنات يقول لملك السيئات: انتظر عسى أن يتوب، لماذا أنت مستعجل عليه؟ لماذا لا تحبه؟ كذلك ملك الحسنات يدعو له، ويقول: اللهم تب عليه، وهنيئاً لمن تدعو له الملائكة.

اللهم اجعلنا من الذين تدعو لهم الملائكة وتؤمن على دعائهم.

وعندما يدعو ملك الحسنات يؤمن ملك السيئات.

فإذا تاب العبد من سيئاته لم يكتبها الله عليه، مع أن الذنب وقع في الأرض، والأرض تشهد عليه يوم القيامة، فالله عز وجل ينسي الحفظة وينسي الأرض، فيجعل الأرض لا تذكر هذا الذنب، حتى لا تكون عليه شاهد إثبات، أليس الله رحيماً؟

كذلك إذا تاب العبد تقول الملائكة: اللهم فرحه كما فرحنا، إذاً: الملائكة تفرح بتوبتك، ويقولون: مادام أنه أدخل علينا الفرح وتاب فيا رب! أفرحه؟ ويفرح الله عبده بالجنة.

هذا هو التنزل الأول في الدنيا، والتنزل الثاني لحظة خروج الروح يثبتونه بالقول الثابت، قال تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [إبراهيم:27]، إذاً: في الدنيا -أي: في الحياة- ولحظة خروج الروح تثبيت.

واقرأ سورة البروج لتعرف من هم أصحاب الأخدود، فقد حفروا أخدوداً وكان يؤتى بالرجل فيقال له: أتؤمن أن الملك هو الإله؟ يقول: لا، ربي الذي في السماء، وهو خالق السماوات والأرض، فيرمونه في النار، فأتوا بامرأة لها من الأولاد سبعة، فأمسكوا واحداً واحداً من أولادها، وقالوا لها: أتكفرين بالله وتؤمنين بأن الملك هو الله؟ فقالت لهم: لا، فيرمون أول ولد، ثم الولد الثاني.. ثم الثالث.. وكان السابع رضيعاً له ثلاثة شهور، فقالوا لها: ستؤمنين بالملك أنه هو الله، أو أنت مصرة على أن الله هو خالق السماوات والأرض؟ فالمرأة تلجلجت، فنطق الرضيع وقال: يا أماه اثبتي إنك على الحق، فهؤلاء أربعة تكلموا في المهد أولهم سيدنا عيسى وآخرهم هذا الولد، فلما قال الرضيع: اثبتي على الحق رمت المرأة نفسها ومعها ابنها في تلك النار من دون أن يقوم بدفعها أي شخص إلى تلك النار.

وهذه السيدة آسية امرأة فرعون، استمر فرعون في تعذيبها إلى أن وصل إلى لسانها فقالت: يا رب! هذا الذي يؤنسني بذكرك، أي: هذا الذي بقي لي لذكرك، فقالت: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنَ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [التحريم:11]، فإذا بملك الموت ينزل ليقبض روحها وهي تبتسم، وكما يقال: جسدها في الفرش وروحها في العرش، فجسمها أمامهم مسجى، لكن كرم الله واسع.

إذاً: التنزل يكون في الدنيا ولحظة الموت، ثم بعد ذلك يكون التنزل عند الخروج من القبر، إذ يمشي الملك أمام المؤمن فيدله على مكانه في الجنة.

تقول الملائكة: ستصلك رسالة من الله من الحي الذي لا يموت إلى الحي الذي لا يموت، صحيح أنه مات في الدنيا، لكن في الآخرة خلود بلا موت، والله يقول: عبدي! اشتقت إليك فزرني، ما هذا الكرم؟!

إذاً: سنصبر ونصبر ونتمسك بالدين وننصر الإسلام ونتوكل على الله ونوقن بنصر الله عز وجل مهما يحدث من أذى ومصاعب.

قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ [فصلت:30-31].

إن الواحد منا لو رأى رؤيا صالحة لفرح بها، فكيف يكون فرحه لو أنه رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في الرؤيا؟ أنت تقول: أنا أريد أن أسمع منك القرآن، فما بالك إذا سمعت القرآن ممن نزل عليه القرآن؟! فلا شيء يضيع في الآخرة أبداً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤذنون هم أطول الناس أعناقاً يوم القيامة)، وقارئ القرآن الذي يتقي الله عز وجل يقال له: (اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها)، فلو كان يحفظ القرآن كله ويعمل به لكان بجانب الحبيب المصطفى.

قال تعالى: نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:32] والنزل هو المكان المعد للضيافة، إذاً: الجنة هي نزل، وهذا النزل من غفور رحيم، وهذه الآية دليل على أن العبد مهما كان صالحاً فله ذنوب، ولكن يغفرها الغفور سبحانه، بل أكبر الكبائر يغفرها الله سبحانه، فلا تظن أن ذنبك أعظم من عفو الله، بل إن عفو الله أعظم.

قيل لـأبي الحسن : مات أبو نواس فهل تصلي عليه؟ قال: لا، قالوا: لماذا؟ قال: لأنه كان مجاهراً بالمعصية، فليصل عليه واحد منكم، فلن أصلي عليه. وهذا فرض كفاية وليس فرض عين، إن صنعه البعض سقط عن الآخرين.

وقد كان أبو نواس عجيباً، فقد قال له أمير المؤمنين: إن رأيتك عند الجواري سأفصل رأسك عن جسدك، وكان يريد أن يتزوج امرأة اسمها أم طوق ، وهي لم ترض به في قصر أمير المؤمنين، ففجأة دخل أمير المؤمنين القصر فوجد أبا نواس فوق، فقال: ماذا تصنع؟ قال: يا أمير المؤمنين! قد هزني الشوق إلى أم طوق فتدحرجت من تحت إلى فوق.

وقبل أن يصلوا صلاة الجنازة على أبي نواس لقي صديقه ورقة في جيبه، فأخرج الورقة وإذا بها آخر ما كتب:

يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة فلقد علمت بأن عفوك أعظم

إن كان لا يرجوك إلا محسن فبمن يلوذ ويستجير المجرم

ما لي إليك وسيلة إلا الرجا وجميل عفوك ثم إني مسلم

فعندما سمع أبو الحسن هذه الكلمات قال: يرحم الله أبا نواس ، هيا لنصلي عليه، فصلى عليه لأنه ميت يحسن الظن بالله، ومن أحسن الظن بالله سيختم الله له بالخير إن شاء.

اللهم اجعلنا من محسني الظن بك يا رب العالمين!




استمع المزيد من د. عمر عبد الكافي - عنوان الحلقة اسٌتمع
سلسلة الدار الآخرة بداية علامات الساعة الصغرى 3041 استماع
سلسلة الدار الآخرة الحساب [1] 2906 استماع
سلسلة الدار الآخرة المنجيات عند الميزان 2812 استماع
سلسلة الدار الآخرة الصراط 2742 استماع
سلسلة الدار الآخرة الشفاعة 2609 استماع
سلسلة الدار الآخرة عذاب النار 2415 استماع
سلسلة الدار الآخرة ماذا يحدث عند الحوض؟ 2363 استماع
سلسلة الدار الآخرة أسماء يوم القيامة 2356 استماع
سلسلة الدار الآخرة علامات الساعة الكبرى 2239 استماع
سلسلة الدار الآخرة مفاتيح الجنة 2167 استماع