سؤال وحيرة
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
سؤال وحيرةكنت أعانق الدمع من بعد الندم، ثم كنت أُحدِّق في العمق لما بداخل الواقع، كان تيهًا وضياعًا معًا في عمق هو أرحم من أعماق اللاعمق.
هي فنيات الاسترسال في أن أبدو أقوى مما أنا عليه من ملامح الضعف ولو بجبن مؤقَّت، قد لا يسع خاطري في أن أمدح الجبن للحظات هي عابرة وماضية إلى مكان لن أعود إليه بركوني هذا، وإن كانت الحركة تدِب في طول قامتي، ولكن من الأطوال ما لم تصنع مجدًا طويلاً يعترف به التاريخ في صفحات الخلود.
هي وردة ذابلة وُضِعت فوق مكتبي لتتناثر أوراقها أشلاء في جميع جوانبه، فرحتُ أريح القلم من نقش أناملي؛ لأجمع شتاتَ الوردة في الوقت الذي أُنظِّم فيه الشتات بفكري، تذكَّرت مصير أمتي كهذا الشتات وهو مُتناثِر على ميادين الصراع دونما أي لقاء للوَحدة أو الحوار، حتى لو كان خيالاً أو حلمًا مني، فعلى الأقل لقطة جمع أشلاء الوردة إلى بعضها البعض يُشعِرني أنه بالإمكان استدراك ما فات وجبر كسور الألم.
لا تُعاتِبوني على هذا الدور الصغير، لكني في حُلم من أني في يوم من الأيام سيغدو الحلم حقيقة، أوَليست حقائق الغد هي أفكار اليوم، ولو على زخات المطر ليذوب الورد والحلم سواء فينمو في غده باقة جديدة؟
أحب منكم أن تُصحِّحوا لي الأخطاء التي ارتكبتها بيدي، ولكن لا تمنعوني أن أضمَّ شتات ما تفرَّق بيد تتفنَّن في ضم شظايا التعب والإرهاق والملل من سيناريو الحرب المدمِّرة والمظالم الطائلة لحياة يومًا بعد يوم، حتى مع وردتي سيحلو لي، وأنا أُرسِل الأمل منها وإليها بلون الصفاء والبراءة أني في تجرِبة مع الحلم في أن يغدو حقيقة، فلا تقطعوا عليَّ نشوتَه ولو أني في يقظة منه.
ما ظننتُم أن يكون ردَّ فعلي على بلوى المظالم؟ هل سيكون ردًّا واحدًا من يد واحدة أم ردودًا كثيرة تختلف باختلاف الطوائف؟ فإن كانت مختلفة، فالاختلاف باديةٌ آثارُه المستحسنة والمستهجَنة، ولا يزال موجودًا في حياتنا اليومية.
هو سؤالي لكل عاقل: لماذا تَفرَّقنا؟
وحَيرتي لكل غيور على مبادئ ديننا الحنيف: مَن سيجمع شملَنا؟
بذلت جهدًا خفيفًا، وضممتُ شتاتَ الوردة، ولكن الحياة لم تَدِب فيها بعد، فمن أين لي بالسقيا؟
السقيا هي في أسطري التي ضممت إليها عطرًا نرجسيًّا بعيد الأبعاد، ولكن هموم أمتي كثيرة، والأوجاع أليمة، فهل في مرجعيَّة الصحب الكرام - رضوان الله عليهم - دواء لمرض أمتي في أن تشترك الأيدي في سقيا ظمئها؟
إنه الاستعباد بعينه في عصر تلوَّثت فيه مشارب العطشى من أبناء أمتي، كان نتيجة لانحطاط اقتفاء الأثر من الدين، وهجرة أدمغة كانت بالأمس تبذُل جهدًا مضنيًا في سبيل كتابة الأسطورة الحية، فهل أصبح من الصعب أن يثبت لنا وِصال، ويَقر من عزائمنا قرار الخلاص؟ فلست أستبعد هذه النازلة من البلوى؛ لأنها نزلت في شاكلة فتن مشكلة بشكائل لا مشكلة فيها سوى إشكالية: أين الحل؟
لست أوصي أحدًا أن يحضر لي شمعة؛ لأني أستضيء تحت ضوء القمر، لست متيقِّنة بعدُ إن كان لشمس النهار إضاءةٌ على ظلام أمتي في وَضحِ الإشراق، وهل للظلام سواد تحت ضوء الإصباح؟
لكني قرأتُ قولَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهادَ، سلَّط الله عليكم ذلاًّ لا يَنزِعه حتى تعودوا إلى دينكم)).
هو رحيل من كفاية الهوان، ومضيعة الوقت، واستنكار لما يحدث، لكنه رحيل من الداعين بدعاء السَّحَر أن يؤلِّف الله بين قلوبنا، فلنعِ أن التغيير فينا ومنا، وليس فيهم ومنهم، ولا يمكن تصوُّر أن هناك مستقبلاً ممكنًا للتغيير والتقدم خارج الإطار الإيماني المُلتزِم بالالتزام الصحيح، إنه إيمان يَعمُر القلوب، ويُشبِع العقول بنكهة الإجماع في أن لا أحد يضع قطار رحلتنا على السكة إلا بصحوة من ضمائرنا، تحدوها هُويَّتنا الحضارية والعقائدية، والممثِّلة لشخصيتها التاريخية المصوِّرة لطموحاتها وآمالها، النابعة من ذاتها وكينونة وجودها الحقيقي.
مهما يكن من جواب فيبقى سؤالي: لماذا تَفرَّقنا؟ وتبقى حَيرتي: من سيجمع شملَنا؟