مجمل أصول أهل السنة - وجوب الاتباع وذم الابتداع


الحلقة مفرغة

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وآله، ورضي الله عن صحابته والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد:

فيقول المؤلف حفظه الله تعالى: [ القاعدة الثامنة: العصمة ثابتة للرسول صلى الله عليه وسلم، والأمة في مجموعها معصومة من الاجتماع على ضلالة، وأما آحادها فلا عصمة لأحد منهم، وما اختلف فيه الأئمة وغيرهم فمرجعه إلى الكتاب والسنة، فما قام عليه الدليل قبل، مع الاعتذار للمخطئ من مجتهدي الأمة ].

هذه القاعدة تشمل عدة خطوات:

الأولى: أن العصمة في الدين ثابتة للرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يمكن أن يتطرق إليه الخطأ في الدين، ولو أنه حدث منه شيء على سبيل البيان والتشريع فإن الله عز وجل يسدده، فكلما يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير وصح سنده فإنه على الكمال، وهو وحي الله، ولا يمكن أن يتطرق إليه الباطل إطلاقاً؛ لأن العصمة تعني عدم مرور شيء مما ينافي الحق.

الثانية: الأمة في مجموعها معصومة من الاجتماع على الضلالة، فالحق لا يخرج عن مجموعة الأمة، وهي قد لا تجتمع كلها على أصول الحق، لكن تبقى منها طائفة على الحق، وقد يكون الحق أحياناً مع طائفة في جانب ومع طائفة أخرى في جانب آخر، ولا يرسو الحق لطائفة كاملة إلا لأهل السنة والجماعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم)، فعلى هذا فإن الأمة لا تقع جميعها في الباطل، لكن تقع طوائف منها في الأهواء والبدع والافتراق، وهذا لا يتنافى مع عصمتها، حتى لو أن أكثرية الأمة وقعت في الأهواء والبدع والفرق فلابد أن تبقى طائفة منها على الحق.

فالأمة في مجموعها لا تجتمع على ضلالة؛ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تجتمع أمتي على ضلالة).

أما آحادها أو أفرادها أو مجموعاتها بفرقها ومذاهبها فقد يقع منها الخطأ، فلا عصمة لأحد، بل أبى الله عز وجل إلا أن ترد أخطاء حتى على ألسنة وأقوال وأفعال كثير من العلماء الجهابذة الراسخين في العلم؛ ليتبين أن العصمة لا تكون إلا للرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يخلو عالم من خطأ أو زلة على الإطلاق، ولا يقدح ذلك في قدر العالم.

فآحاد الأمة وأفرادها وجماعاتها ومذاهبها يتطرق إليها الخطأ، فلا عصمة لأحد منهم.

وقوله: (وما اختلف فيه الأئمة) هذه قاعدة مهمة، فما اختلف فيه علماء المسلمين بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة والتابعين وغيرهم، فنتحاكم فيه إلى الكتاب والسنة، فما وافق الكتاب والسنة على منهج الاستدلال الذي ذكرناه، وعلى المرجعية في فهم الكتاب والسنة فهو المقبول وغيره مردود، ورده لا يعني الاعتداء على المخطئ، خاصة العالم، بل يبقى له حقه وقدره واحترامه، ووقوعه في الخطأ لا يعني ذلك اختلال المنهج عند العالم الراسخ المستقيم على السنة، بل يبقى على المنهج، لكن مفردات أقواله وجزئياته واجتهاداته قد يقع فيها خطأ، فإذا أخطأ فلابد أن نعتذر له، ولا نجعل الخطأ ذريعة إلى الطعن فيه أو شحن قلوب الناس عليه، كما يفعل كثير من الجهلة اليوم والحمقى حينما يزل العالم في قضية يشهرون به ويسقطون اعتباره عند عامة الأمة، وهذا خلاف المنهج الصحيح، بل هذه كارثة على الأمة، ولم تكن الأمة تسلك هذه المسالك في الأزمان القديمة، إلا عندما وفدت على الأمة اليوم كثير من الأفكار التي زعزعت المسلمات والثوابت في قلوب عامة المسلمين، ومع ذلك فهذه الظاهرة الخطيرة قليلة بحمد الله في الأمة، ولكن معظم النار من مستصغر الشرر، فيجب أن نستدرك الأمر، ولا ندع الفرصة للمشككين في علمائنا ومشايخنا بالتقاط زلاتهم وتهويلها والتهوين من شأنهم.

إذاً: الاعتذار للمخطئ المجتهد في هذه الأمة أصل شرعي، لابد أن نعتذر له كما ينبغي أن نحذر زلة العالم، لأن العالم قد يزل، وليس المقصود من الزلة الخطأ في بعض الفتاوى الجزئية، إنما الزلة الخطيرة هي التي توقع الأمة في فتنة وشبهة ومفسدة عظمى، وأحياناً تكون الزلة منهجية أو زلة في فتوى تخرق قواعد الشرع القطعية وتخرق النصوص الثابتة، والعالم عندما يحصل منه ذلك لا يعني أن نخرجه من زمرة العلماء إذا توافرت فيه صفات العالم الرباني، لكن نحذر أن نتابعه على زلته، وبعض الناس قد يفهم من احترامنا للعالم أننا نأخذ أقواله دون عرضها على الكتاب والسنة وعلى العلماء الآخرين، وهذا مسلك غير سليم.

إذاً: زلة العالم إذا كانت في أمر خطير يجب أن نعالجها بالأصول الشرعية، وليس عامة المسلمين يعرفون الحكم على فتوى العالم أنها زلة، إنما يرجع فيها إلى العلماء الكبار الراسخين في العلم، فإذا حكم عليها العلماء بأنها زلة عالم فعلينا أن نرد هذه الزلة ولا نعمل بها ونعتذر للعالم؛ لأنه اجتهد فأخطأ.

إذاً: الزلة نعرفها بعرضها على الكتاب والسنة من قبل العلماء ونعرفها بأثرها على الأمة إذا كان الأثر يؤدي إلى فتنة أو مفسدة أو فرقة، فإن ذلك يعني: أنها زلة عالم فنتجنبها.

قال المؤلف حفظه الله تعالى: [ القاعدة التاسعة: في الأمة محدثون ملهمون كـعمر بن الخطاب رضي الله عنه، والرؤيا الصالحة حق، وهي جزء من النبوة، والفراسة الصادقة حق، وفيها كرامات ومبشرات، بشرط موافقتها للشرع، وليست مصدراً للعقيدة ولا للتشريع ].

هذه القاعدة تشمل ثلاثة أمور:

الأمر الأول: الإلهام: وهو نوع من الفراسة.

والأمر الثاني: الرؤيا.

والأمر الثالث: الفراسة.

كل هذه الأحوال تدخل في باب واحد وهو باب ما ينكشف لبعض العباد من أمور قد لا تنكشف لغيرهم، فما ينكشف لهم عبر الإلهام أو الفراسة أو الرؤيا الصادقة إذا توافرت الشروط وطابقت الكتاب والسنة فهو حق، لكن لكل نوع حال وتفصيل، فالإلهام هو ما يلقيه الله عز وجل في قلوب بعض عباده، بإدراك الحق في قضية قد تشكل على الأمة، سواء كانت قضية فردية أو جماعية قد تشتبه، فيحتاج الناس فيها إلى أن يعرفوا وجه الحق لالتباس النظر فيها أو تعدد وجوه النظر فيها، فالله عز وجل قد يلقي في قلوب بعض العباد إدراك الحق في هذه المسألة، فيسمى هذا إلهاماً، لكن ليس عن طريق الوحي إنما هو أمر ينكشف للإنسان مما يتوافق مع الكتاب والسنة، إذا توافرت صفات الإيمان والتقوى والفقه في الدين.

فالإلهام فتح من الله عز وجل للعبد ليس عن طريق الوحي، إنما عن طريق التوفيق في الخروج من مقتضى الالتباس إلى البيان والوضوح، فـعمر بن الخطاب رضي الله عنه اشتهرت عنه مواقف ألهمه الله فيها للحق، وقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بكثير من آرائه في تلك المواقف التي ترددت فيها الأمة في ذلك الوقت، والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم والله يوحي إليه، لكن في مثل هذه الحالات التي يلقي الله الحق على قلب رجل أو لسانه هذا من باب التشريع للأمة.

وكذلك الرؤيا الصالحة في الحقيقة قد تشتبه بالأحلام، وعلى هذا فإن الرؤيا الصالحة هي التي تتوافر فيها شروط الرؤيا، وأهم الشروط: أن توافق الكتاب والسنة، وألا تتعارض مع الحق ولا تخالف الشرع، ولا توقع في بدعة ولا ظلم ولا عدوان، فهي من المبشرات والأحلام، وقد تختلط بالرؤى، فإذا أخذنا ما يحلم به الناس على هذه الضوابط فهي رؤيا صالحة، وإلا فقد تكون حلماً، ومن هنا فإنه قد يختلط على كثير من المسلمين الرؤى بالأحلام، ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في الحديث الصحيح أن ما يراه الناس في المنامات على ثلاثة أصناف:

الصنف الأول: الرؤيا التي هي رؤيا حق.

والصنف الثاني: رؤيا عبارة عن انطباعات أو أحلام من مثل ما يحدث به الإنسان نفسه في اليقظة أو ما يسمعه ويتلقاه من الأحداث والمشاكل، فينعكس هذا على شكل أحلام، وهذا لا اعتبار له، كما هو نص حديث النبي صلى الله عليه وسلم.

والصنف الثالث: رؤيا هي من تحزين الشيطان، أي: من عبث الشيطان بالإنسان، خاصة إذا كان المسلم لم يعمل بالأسباب المشروعة لحمايته من عبث الشيطان، كأن ينام بلا ورد أو ينام على معاصٍ أو سماع أمور محرمة شرعاً أو غيبة أو نميمة، أو أمور تحجب القلب عن حقيقة الإيمان، فإنه يتسلط عليه الشيطان، فيأتيه بأحلام ويوهمه بأنها رؤى صالحة، وهذا يقع لكثير من الناس.

أما الصنف الأول: الرؤيا الحق التي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها رؤيا حق قال: (الرؤيا ثلاث: فرؤيا حق) وهي على نوعين:

النوع الأول: الرؤيا الصادقة الصريحة التي تأتي كفلق الصبح، ولا تحتاج إلى تأويل، فمثلاً: إنسان رأى في منامه أنه يحفظ القرآن، فهذه توافرت فيها شروط الرؤيا الصالحة، فبإذن الله سييسر له حفظ القرآن.. ونحو ذلك من الرؤى التي لا تحتاج إلى تأويل وليس فيها التباس ولا أمثال تضرب إنما هي رؤيا بينة واضحة، وهذا يقع لقلة من الناس الذين تتوافر فيهم صفات العبادة والزهد والورع والمال الحلال وسلامة القلوب، فهؤلاء غالباً رؤاهم صادقة لا تحتاج إلى تأويل ولا تفسير، بل إذا تيقظ من منامه بعد الرؤيا فلا يحتاج أن يفسرها؛ لأنها تفسر نفسها.

النوع الثاني: رؤيا عبارة عن أمثال تضرب للناس برموز.. بأسماء.. بأحوال.. بأشكال.. بإشارات يعرفها أصحاب الرؤى الصادقة.

أما الكرامات فهي تختلط بالخوارق التي تكون من باب الفتنة والابتلاء، وهذا مما اختلط على كثير من الناس.

والكرامات الصالحة هي من جنس الإلهام والرؤى، ولكن ليس كل ما يحدث للإنسان من خوارق الأمور يعد كرامة، لأن الكرامة قد تحدث لإنسان، فإذا لم يتعامل معها معاملة شرعية على وفق أصول الشرع فإنها قد تنقلب إلى فتنة؛ وذلك لأن الكرامة لا تكون إلا بحق، وبمقتضى الكتاب والسنة، ولا تكون في تأييد بدعة ولا ظلم ولا عدوان، ولا تكون من الأمور التي تؤدي بالإنسان إلى الوقوع في معصية أو بدعة، أما إذا كانت كذلك فليست كرامة، بل من الخوارق ومن عبث الشيطان بالإنسان.

ومن سمات الكرامة الحقيقية: أنها تؤدي بصاحبها إلى قوة الإيمان والتواضع، ويكره صاحبها ذكرها ونشرها خوفاً من الرياء، وبعض المسلمين قد يفتن بالكرامات لعدة أسباب:

أولاً: أنها قد تؤيد بدعة، فيظن أنه بذلك مؤيد على حق وهو على باطل.

ثانياً: أن بعض الناس إذا رأى كرامة ظن أن ذلك دليل الولاية اللازمة والأبدية، وهذا لا يلزم، ثم قد ينشرها ويتحدث بها ويعلوه الافتخار والغرور بها، فيؤدي ذلك إلى استدراجه إلى الباطل والبدعة والغرور والرياء فيحبط عمله، فتكثر عليه الخوارق التي تختلط بالكرامات، وهي ليست كرامات، ومن هنا فيجب أن يعرض كل إنسان يحدث له ما هو خارق أو غريب على مقتضى الكتاب والسنة، فإن كان يفقه وإلا فيعرضه على العلماء الربانيين، ولينظر إن كانت كرامة فيحمد الله عليها ويسأل الله الثبات ولا ينشرها ولا يفتخر بها.

ثم كل هذه الأمور: الرؤيا الصادقة والفراسة والإلهام والكرامات ليست مصدراً للتشريع، فلا يؤخذ منها دليل شرعي بل هي مبشرات ومؤيدات للنصوص، فإذا لم يكن الأمر كذلك فلا يعتد بها؛ لأنها قد تكون من باب الابتلاء أو عبث الشيطان وليست مصدراً للتشريع، فلا يجوز لإنسان أن يعمل بعبادة أو يستحل شيئاً من الأمور المحرمة أو يحرم شيئاً من الحلال بدعوى أن هذا جاء عن طريق الإلهام أو الفراسة أو الكرامات.. ونحوها، فإن هذه مهالك يجب أن يحذر منها المسلمون.

قال المؤلف حفظه الله تعالى: [ القاعدة العاشرة: المراء في الدين مذموم: والمجادلة بالحسنى مشروعة، وما صح النهي عن الخوض فيه وجب امتثال ذلك، ويجب الإمساك عن الخوض فيما لا علم للمسلم به، وتفويض علم ذلك إلى عالمه سبحانه ].

هذه من القواعد السلوكية؛ لأنه كما أن العقيدة والدين في الأمور القلبية كذلك هي في أمور الحلال والحرام، وفي التعامل مع الخلق، ومسألة التعامل مع الخلق هي المحك والاختبار لكثير من المسلمين اليوم؛ لأنه قد يدعي المسلم أنه يعرف الاعتقاد ويعلم أشياء كثيرة في الدين، ويباشر أعمال الإسلام الظاهرة، لكن هذا كله لا يعطينا مصداقية تمسك المسلم بدينه بقدر ما يعطينا تعامله مع الناس، هل هو على مقتضى العقيدة والشرع؟

ومن أعظم أبواب التعامل مع الخلق ما يتعلق بالحوار والمواقف تجاه الآخرين، والتعامل مع المخالف أو التعامل مع المخطئ في نصحه وبيان الحق له وإقامة الحجة عليه، وأن يكون بالنصيحة والمجادلة بالحسنى.

وهنا ينبغي أن يعرف المسلم أن المراء في الدين مذموم بمقتضى الكتاب والسنة، والمراء صنوف كثيرة أهمها وأخطرها: الجدال بغير حق وبغير قصد الحق، والانتصار للرأي وللمذهب وللقول، والتشفي من المخالف، والتمادي وهو عدم الوقوف على الدليل، فالمسلم قد يجادل ويقارع الحجة بالحجة والدليل بالدليل يسأل فيجاب، لكن إذا تعدى الأمر إلى أكثر من ذلك بأن يعيد السؤال لغير حاجة، أو يلف بالقضية والشبهة مرة أخرى، كأن يصر على قوله ولا يكتفي بمجرد أخذ الدليل أو الاستفهام من الدليل، بل يزيد مرة أخرى ويماري ويكرر الكلام لغير حاجة فهذا يسمى المراء.

إذاً: الكلام للحاجة بالضوابط الشرعية هذه مجادلة بالحسنى، أما ما زاد عن الحاجة وما وقع فيما نهى الله عنه من الانتصار للباطل والانتصار للهوى وعدم التوقف عند الحجة والدليل؛ فإن هذا يعد من الأمور المذمومة وهو المراء في الدين، أما المجادلة بالحسنى فهي مشروعة بشروطها.

والمجادلة: هي النصيحة في الدين، فتبين للآخر وجه الدليل وتفهمه ما لم يفهمه إذا كنت تقدر، ويكون ذلك على مقتضى الكتاب والسنة، ويكون أيضاً بقصد حسن، أن تقصد الحق وتتجرد من الهوى والرأي المسبق، وتتمثل قاعدة الإمام الشافعي رحمه الله الذهبية العظيمة وهي قوله: والله ما جادلت أحداً إلا تمنيت أن يجري الله الحق على لسانه. فأقسم أنه يتمنى أن يجري الله الحق على لسان خصمه؛ لأنه طالب حق يتمنى من الله أن ينقذه من رأي أو اجتهاد خاطئ، وهكذا يجب أن تكون المجادلة بالكتاب والسنة، وبقصد الحق والتجرد من الهوى، والتسليم والإذعان للدليل، فإذا قال خصمك: قال الله عز وجل وفهمت قول الله وعرفت أنه حجة في هذا الباب فتتوقف وتقول: آمنا بالله، وإذا قال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءك الدليل وفهمته وأنه حجة في هذا الأمر فتقول: على العين والرأس، مكان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في قلبي وبصري وسمعي لا أحيد عنه.

ومن شروط المجادلة بالحسنى: ألا تتعصب ولا تنتصر لنفسك، أو تحرص على هزيمة خصمك وتتشفى كما يفعل بعض المجادلين، وإذا رأيت من خصمك استعداداً لقبول الحق فشجعه على ذلك، ولا تشعره بأنك انتصرت فتنتفخ وتنتفش، فربما يؤدي ذلك إلى رده للحق وحجبه عن قبول الحق، فليتق الله المجادل، وليلتزم أدب الحوار ويتكلم برفق، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه)، والرفق يشمل الرفق في العبارة، والرفق في التعامل، والرفق مع الخصم، والرفق خلال عرض الحجة، والرفق بالصيغة والأسلوب، وبلا رفع الصوت أو اللجاجة أو التكرار من غير حاجة، وعليك بالحلم والتأدب، والنصيحة سواء للمسلم أو لغير المسلم، يكون رائدك النصيحة والحرص على الهداية، ثم تاج ذلك كله أن تكون المجادلة بعلم وفقه، فلا تجادل وأنت لا تعلم، وبعض الناس تأخذهم الغيرة في الدفاع عن الدين فيجادلوا بغير علم، ويخاصموا المخالفين بغير حجة ولا فقه ولا عمق، فأحياناً يقولون على الله بغير علم ويوقعون الحق في حرج، ويقولون أشياء ليست حقاً ويظنون أنها حق؛ لأنهم ليس عندهم فقه في الدين، فيستفزهم الخصم فيقعون في المهاترات، وهذا كله يقع لأنهم ما جادلوا بعلم، ظناً منهم أنه لابد أن يدافعوا عن الدين غيرة، فمن شرط الدفاع عن الدين: أن تكون على علم وبصيرة، والله عز وجل نهاك أن تجادل بلا علم، قال سبحانه: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36]، أما أن يهلك بعض الناس ويقعوا في شبهات وبدع فالله يتولاهم وليس عليك هداهم، وثق أن الله عز وجل سيسخر من أهل العلم والفقه من يقوم بالحجة، لكنك يجب أن تصبر وتهيئ نفسك.

وأخيراً: يجب أن يكون المسلم متجرداً لا عن الحق كما يفهم كثير من الكتاب والباحثين الذين ظنوا أن التجرد يكون عن الحق، فهذا لا يجوز.

وبعض الناس يظن التجرد ألا تكون له عقيدة ولا رأي وهذا خطير، وقد يوقع صاحبه في الردة، بل يجب أن تلزم عقيدتك ومسلمات دينك، وأن يكون المحتكم هو الشرع في جميع أمورك، فلا تتخلى عن دينك بدعوة التجرد، إنما المقصود بالتجرد التجرد من الهوى والتجرد من الرأي المسبق، والبحث عن الحق من خلال الدليل، ولا تبحث عن الدليل الذي يؤيد ما في نفسك فتقع في الهلكة.

وبعض من يجهل هذه القاعدة في نفسه شيء يميل إليه، وعنده رأي يقلد جماعة أو حزباً أو شيخاً أو عالماً ويرى في نفسه هذا التقليد، فيذهب ليستدل له، وهذا غلط بل انحراف، فيجب أن يكون رائدك هو البحث عن موطن الحق في ثنايا الدليل، وأن تتجرد تجرداً كاملاً عن أي فكرة سابقة إلا الثوابت فلا تتجرد منها، أما ما عدا ذلك فيجب أن يكون البحث عن الحق من خلال الدليل لا البحث عن الدليل الذي يؤيد الرأي، فإن الإنسان يهلك بهذا، والله عز وجل يقول: وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [ص:26]، يضلك حتى ولو بحثت عن الدليل؛ لأن الله عز وجل يقول: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ [آل عمران:7]، وهو القرآن، فكما أن القرآن هدى وعصمة لمن وفقهم الله عز وجل واتبعوا السبيل الرشيد، كذلك هو هلاك لمن أخذه على غير وجهه

وقوله: (ويجب الإمساك عن الخوض فيما لا علم للمسلم به، وتفويض علم ذلك إلى عالمه سبحانه وتعالى وذلك لأن الأشياء التي نهينا عن الخوض فيها وأمرنا بالإمساك عنها أشياء كثيرة:

أولاً: كل شيء من الدين لا علم لك به فيجب الإمساك عنه، صغيراً أو كبيراً، ويجب ألا تخوض فيه بغير حق، بل تأثم حتى وإن كان دافعك الغيرة أو البحث عن الحق، إذا كنت لا تملك آلية البحث عن الحق، فيجب أن تمسك عن ما لا تعلمه من أمور الدين، وما أجرأ الناس اليوم على خرق هذه القاعدة، وكنا نعهد منذ سنين قريبة أن عامة الناس والشباب.. وغيرهم إذا تكلم أحدهم في الدين وجدنا عندهم هيبة من القول في الدين، بل يتطلعون إلى رأي العالم ويتطلعون إلى طالب العلم، أما الآن فقد انعكس الأمر في كثير من المجالس، فتجد الناس عندهم جراءة على الدين، سواء في مسائل كبار احتار فيها واختلف فيها كبار علماء الأمة من عهد الصحابة إلى يومنا هذا، وإذا طرحت في بعض المجالس وجدت الرويبضة قليلي العلم والأدب يسابقون الحاضرين فيها دون تبصر، بل أحياناً يسيطرون على الموقف بينما العلماء لا يزالون يبحثون، فضلاً عن القضايا المعاصرة والنوازل التي نزلت على الأمة مثل الأحداث الكبرى وقضايا الطب وقضايا العلم الحديث وقضايا المشتبهات والوسائل المدنية الحديثة، وما الموقف منها.. وغيرها، هذه أمور كبار نجد الناس لا يرجعون لأهل العلم ولا يحترمون أهل العلم فيها، فهذا قول على الله بغير علم ووقوع فيما نهى الله عنه وعدم امتثال أمر الله في الإمساك عن الخوض فيما لا علم للمسلم به، ومن ذلك القدر والغيبيات، فكل أمر غيبي يجب ألا تتكلم فيه بغير علم، فإن كان عندك دليل تكلمت فيه وإن لم يوجد عندك دليل بل هو غيب عنك وعن جميع مداركك فيجب الوقوف فيه على قدر النصوص، ولا يتكلم فيه الإنسان بغير علم.

كذلك قضايا المناهج الكبرى وقواعد الدين وقضايا العقيدة والأصول والثوابت والمسلمات كل هذه تؤخذ على التسليم ولا تناقش، لا لأن المسلم محظور من أن يفكر بعقله، ولكن لأن الله أراحه، ومما أنعم الله به على هذه الأمة أن أراحها من أن تتكلف البحث عن أمور لا تطيقها، ومنها أمور العقيدة والغيبيات.

قال المؤلف حفظه الله تعالى: [ القاعدة الحادية عشرة: يجب الالتزام بمنهج الوحي في الرد كما يجب في الاعتقاد والتقرير، فلا ترد البدعة ببدعة ولا يقابل التفريط بالغلو ولا العكس ].

يجب الالتزام بمنهج الوحي في التأصيل، وهو التزام الدليل ومصادر الكتاب والسنة في التزام المنهج الذي ذكرته في الجدال والمراء والمجادلة بالحسنى، وكذلك كما يجب هذا في التأصيل والعلم والفقه في الدين كذلك يجب في الرد؛ لأن بعض الناس عند التقرير والبيان يأخذ بأدب الشرع، لكن عندما يرد يخرج من سمته وتصدر منه ردود الأفعال، وقد يعالج الغلو بتفريط، فإذا رأى الناس تشددوا أو غلوا تساهل في الدين وميع الدين كما يفعل كثير من المفتونين الآن عبر كثير من الوسائل، لما رأوا بعض طوائف الأمة نزعت إلى الغلو والعنف ذهبوا إلى الطرف الآخر المعاكس فميعوا الدين، وأضاعوا معالمه بدعوى الرد على الغلو، فهذا خطأ في الرد، إذا أردت أن ترد على الغلاة فرد عليهم بمنهج الاعتدال، وكذلك العكس هناك من يعالج مظاهر التميع في الدين ومظاهر التساهل بالغلو الذي نتج عنه التكفير والتفجير، زعماً منهم أن هذا هو الرد الحقيقي الذي نرد به الباطل، وهذا كله خروج عن منهج الإسلام الذي هو منهج الاعتدال.

وكلا الفريقين الذين شطحوا في الرد أساء إلى الإسلام، فتشوهت مفاهيم الأمم تجاه الإسلام اليوم، وتشوهت مفاهيم كثير من المسلمين وعامة المسلمين وناشئتهم تجاه اعتدال الدين وأفقيته؛ لأنهم يرون المنهج الخاطئ في الرد، فلا ترد البدعة ببدعة، ولا يقابل التفريط بالغلو ولا يرد الإفراط بالجفاء، فالذين يردون البدع التي أحدثها الناس في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم قد يكون عند بعضهم شيء من الجفاء في حق النبي صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء وقعوا في خطأ شنيع، والأنموذج في مثل هذا أن يكون المسلم معتدلاً في محبته لله عز وجل ومحبته للرسول صلى الله عليه وسلم ومحبته للخير، وألا يرد بدع الناس التي ابتدعوها في الدين ببدع مقابلة أو بنحوها، ولا يقابل التفريط بالغلو ولا العكس.

يقول المؤلف حفظه الله تعالى: [ القاعدة الثانية عشرة: كل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار ].

هذه من القواعد الكبرى العظيمة التي يحتاجها المسلمون دائماً في كل زمان، وفي هذا الوقت بشكل أكبر؛ لأن الجهل بهذه القاعدة وعدم تحكيمها -وهي قاعدة متقنة محكمة- أدى بكثير من المسلمين إلى الوقوع في أنواع البدع: البدع الاعتقادية، البدع في العبادات، البدع في المناهج، البدع في التعامل، البدع في السلوكيات.. إلى آخره. مع أن الأصل في البدع أنها في العقائد والعبادات، أما أمور السلوكيات والأخلاق والتعامل فإنها تحكمها المصالح العامة، والتي يكون الأصل فيها الحل والإباحة، وكذلك تناول ما يسره الله عز وجل للعباد من خيرات الأرض وما فيها من كنوز، كل ذلك الأصل فيه الإباحة، وقلّ أن يدخل فيه الابتداع، إنما الابتداع يكون في العقائد والعبادات والأعياد والاحتفالات، وهذا هو أغلب الابتداع الذي وقعت فيه الأمة، ولا تزال واقعة فيه، ثم مع أن المتأمل لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي جاءت لحماية الأمة من البدع يجدها من أقوى الأحكام والقواعد في وضوحها، وفي سد منافذ الفهم الخاطئ فيها، فقد جاء التحذير عن النبي صلى الله عليه وسلم من البدعة على وجوه متعددة وبألفاظ محكمة وموجزة ومتقنة، ولا يمكن أن تتأول ولا تخترق.

وهذا فيه إشارة إلى أن الأمة سيكون منها من يقع في البدع، فجاء التحذير من البدع مجملاً ومفصلاً، محكماً وبيناً لا لبس فيه، يتصف عند المتخصصين بالحدية الذي لا يمكن تجاوزه، فمثلاً: النبي صلى الله عليه وسلم نص على أن كل بدعة ضلالة، ثم أضاف عبارة في لفظ آخر، وألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم إذا تعددت فهي تدل على تعدد المعاني وإحكام الأمور، فالنبي صلى الله عليه وسلم ورد عنه في هذه القاعدة عدة ألفاظ وكلها صحيحة، منها:

قوله صلى الله عليه وسلم: (كل محدثة في الدين بدعة)، والأحكام محدودة بينة واضحة لا لبس فيها ولا غموض، جامعة مانعة، ومن خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوتي جوامع الكلم التي تشمل ملايين المعاني والمفردات بثلاث عبارات: (كل محدثة في الدين بدعة).

فكلمة (كل) تعني المحدثات عموماً.

وتعريف النبي صلى الله عليه وسلم للبدعة هنا تعريفاً جامعاً كاملاً شاملاً لا مزيد عليه، ولذلك أرى أن نقتصر على هذا التعريف إذا قيل: ما البدعة؟ نقول: كل محدثة في الدين بدعة، ونستريح من الخلافات في تعريف البدعة.

والنبي صلى الله عليه وسلم أيضاً بين أن البدع كلها مذمومة، فقال: (وكل بدعة ضلالة)، حتى لا يأتي المتحذلق ويقول: هناك بدعة حسنة أو بدعة فيها هداية أو فيها خير، أنت كيف تقول: بدعة حسنة؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (وكل بدعة ضلالة)، مطلقاً يشمل ملايين المفردات.

أيضاً: نجد أن هذه المسألة أحكمت بنصوص أخرى متواترة مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، فقوله: (من أحدث في أمرنا) أمرنا هو أمر الدين، وقوله: (ما ليس منه)، أي: ما ليس من الدين ولم يأت به النبي صلى الله عليه وسلم (فهو رد) أي: مردود على صاحبه، والرد كلمة حازمة، ولا يمكن أن يكون ذلك اعتقاداً ولا قولاً ولا عملاً.

وأيضاً لما قد يرد على أذهان بعض الناس احتمال تأويل الكلمة، جاءت بلفظ آخر، قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، فهذا يعني جميع العمل: عمل القلب وعمل الجوارح، ومن أصول السنة القطعية أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل، فعلى هذا فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا)، يشمل الأعمال القلبية الاعتقادية وأحوال القلب، وكما يشمل القول، ويشمل الأفعال التي هي العبادات.. ونحوها مما هو من البدعة.

وإذا رددنا هذه القاعدة إلى قواعد أخرى صارت القواعد الأخرى أكثر إحكاماً.

ثم حينما قلنا: إن الله قد أكمل الدين ولا يحتاج إلى زيادة ولا نقص، وأيضاً كمال الدين يتنافى تنافياً قطعياً عقلاً وشرعاً وعرفاً -وعلى مقتضى الفطرة والواقع- مع البدعة في الدين أو الإحداث في الدين أو النقص أو الزيادة.

إذاً: ما دام أن الله عز وجل قد أكمل الدين فقد تكفل بحفظ الدين وجعله ظاهراً؛ لأنه قد يقول جاهل أو متحذلق أو منافق: إذا كان الله قد أكمل الدين فلماذا الناس أضاعوا الدين؟ نقول: إذا كان بعض المسلمين أضاع بعض العمل بالدين فلا يعني أن الدين بذاته ضاعت معالمه؛ لأن مصادره محفوظة، والله عز وجل كما أكمل الدين فقد تكفل بحفظه وجعل نبيه صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، لئلا يحتاج الناس إلى نبوة، ولو احتاجوا إلى شيء جديد بالدين يبتدعونه فإنهم يحتاجون إلى نبوة؛ لأنه لو فتح باب الإحداث في الدين، فإن كل إنسان سيذكر من الدين ما يميل إليه قلبه وعاطفته ورغباته، حتى وإن سماه ديناً فإن الشيطان يدخل على الناس، وكل يدعي أن ما يعتقده ويقوله مما لم يرد في الكتاب والسنة ويفعله ويهواه أنه دين، لاسيما أن الشيطان قد دخل على أهل البدع من مدخل خطير بدعوى أنما يحدثونه يدخل في نصر الدين أو في تأييد الدين، فمثلاً: بدع الاحتفالات يدعون أنها محبة لمن يحتفلون في حقهم من الأنبياء والصالحين، وهذا مدخل خطير للشيطان، وكذلك التبرك والاحتفاء بالأشخاص.. وغيرها أكثر مما ورد به الشرع يأتي باسم محبة أولياء الله، فيأتي باسم التدين، ومن هنا فإن أكبر خطر في الابتداع أنه يأتي باسم التدين وباسم التعبد لله بأشياء، أو محبة الله عز وجل أو محبة رسوله صلى الله عليه وسلم أو محبة أولياء الله.. أو نحو ذلك، وهذه مداخل خطيرة، مع أن الله عز وجل وفى من الأحكام والأفعال والاعتقادات في هذه الأمور ما لا يمكن أن يحتاج الناس بعده إلى شيء من الدين.

فلا يمكن لأحد أن يحدث شيئاً ويزعم أنه من الدين بحال من الأحوال، وستأتي نماذج لمثل هذه الأمور من البدع.. وغيرها.

ونسأل الله للجميع التوفيق والسداد، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

معنى قول عمر رضي الله عنه: نعمت البدعة هذه

السؤال: ذكرت في قاعدة الإلهام والفراسة والرؤى، وأن الإلهام قد يقع لبعض الناس مثل ما وقع لـعمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، وذكرتم فيما بعد أن عموم لفظ النبي صلى الله عليه وسلم في كل بدعة ضلالة وعمر بن الخطاب لما سئل عن التراويح فقال: (نعمت البدعة هذه)، فما هو رد فضيلتكم في هذه المسألة، أحسن الله إليك؟

الجواب: هذه مسألة مهمة، أما صلاة التراويح فالنبي صلى الله عليه وسلم صلاها، وحينما تركها النبي صلى الله عليه وسلم تركها لعلة ظاهرة منصوصة: وهي خوفه أن تفرض، لكن بعد ممات النبي صلى الله عليه وسلم لا يعقل أن تفرض..

أما كلام عمر (نعمت البدعة هذه) إن صح فهو من باب المشاكلة في الألفاظ، وهذا من باب التنزل وهو موجود في الخطاب عند العلماء والأئمة.. وغيرهم، ولا يعني أنه يمدحها على أنها بدعة، ولكن كأنه يقول للسائل: ما دمت تدعي أنها بدعة فنعمت البدعة؛ لأن أصلها موجود في الشرع، فالبدع بمعنى إحياء السنن قد يسمى ابتداعاً لغة، لكن ليس هو البدعة المصطلح عليها التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يجد أهل البدع إلا مثل هذا الدليل المشتبه، فهل نستدل بالمشتبهات؟!

حكم إنزال البدعة على المخترعات والصناعات

السؤال: يا شيخ! البدعة ذكرت في تعريفها أنها الشيء الذي لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فهل الأشياء المخترعات تعتبر بدعة؟ ومن أي أنواع البدع؟

الجواب: وسائل الحياة ليس فيها بدع، بل ينبغي للمسلم دائماً أن يأخذ بأحدث وسيلة تخدم حياته ودينه إذا لم تتعارض هذه الوسيلة مع غايات الشرع، وانطبقت عليها شروط الشرع، فالبدع لا تكون إلا في العقائد والعبادات والاحتفالات البدعية.. ونحوها ما يتدين به الناس، أما المخترعات والمصنوعات ووسائل الحياة ومناهج التعامل مع الآخرين إذا التزمت أصول الشرع، فهذه الأصل فيها الإباحة مطلقاً، وكل مستجد فيها يفيد يجب الأخذ به بضوابطه الشرعية ولا تسمى بدعاً؛ لأن البدع لا تكون إلا في الدين والعقيدة والعبادة وما يلحق بذلك من الأعياد والاحتفالات.. ونحوها، والمناهج القطعية في الدين هي التي يكون فيها الابتداع، أما الحياة ووسائلها ومناهج الحياة البحتة الاقتصادية.. وغيرها فهذه كلها الأصل فيها الإباحة بشروط الشرع، وما يستجد منها لا يعتبر بدعاً في المصطلح الشرعي.

وجه كرامات وخوارق أهل البدع

السؤال: ما الدليل على أن الكرامات قد تقع من أهل البدع؟ وما الدليل على أن الكرامة لا ينبغي أن ينشرها الإنسان بين أحبابه وزملائه؟

الجواب: الكرامات تختلط أحياناً بالخوارق التي فيها فتنة، فمثلاً: إنسان دعا عند قبر اعتقاداً منه أن الدعاء عند القبر يكون مجاباً بناء على تعلق قلبه بصاحب القبر هذا، فتكون هذه ظاهرها الكرامة وهي استدراج، قد ينتفع بمثل هذا العمل انتفاعاً أحياناً يكون خارقاً للعادة، كأن يشفى من مرض معضل، أو يحدث له شيء لم يكن يحدث عادة من جانب نفع أو دفع ضر، ويكون هذا من باب الابتلاء، أن الله عز وجل وكله إلى ما فعل ويخسر بذلك دينه ويكسب ما يريد من متاع الدنيا.

أما كون الكرامة لا تنشر فلأن هذا نهج السلف، والصحابة رضي الله عنهم كانوا يكرهون نشرها، وهو من سبيل المؤمنين، ولأن هذا يجده أي إنسان عنده نوع من التورع وأحواله القلبية على مقتضى الشرع، يجد أنه إذا تحدث عن كرامته فإن نفسه تميل إلى الغرور والرياء، وما دام أكرمه الله بكرامة فينبغي أن يحفظ ما بينه وبين ربه عز وجل حتى يكون أعظم لأجره.

أما الحديث عن الكرامة أحياناً من باب الاتعاظ أو من باب تبشير الناس بالخير أو من باب الفائدة للآخرين المتحققة، فهذا يكون بقدر وبضوابطه الشرعية.

مفهوم البدعة

السؤال: البدعة عموماً ما معناها؟

الجواب: هي كل محدثة في الدين، في العقيدة والعبادات والأمور التي تعبد بها الخلق، مثل: الاحتفالات البدعية.. وغيرها، كل ما تدين به الناس مما لم يرد به الشرع فهو بدعة، وعلى هذا فإن وسائل الحياة من المباحات الأصل فيها الإباحة ولا تدخل في البدعة.

معنى حديث: (وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي)

السؤال: ما معنى حديث: (وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي

الجواب: معناها: ألا يأتيني أذى من تحتي، من أذى الجن أو الشياطين، وغالباً يكون أذى الجن والشياطين من تحت الإنسان، هذا هو الغالب، وكأنه يستعيذ بالله عز وجل من أن يأتيه هذا الأذى الأغلب على هذا النحو.

موقف العامي من البدعة وأهلها

السؤال: ما هو موقف العامي من البدعة وأهلها؟

الجواب: العامي عليه أن يبتعد عن البدعة وعن أجواء البدعة، وعن مخالطة أهل البدع أثناء بدعهم، وأن يناصح بإجمال ولا يدخل في التفاصيل، ويرجع إلى العلماء في هذه الأمور، وأهم مسألة في موقف العامي مما يخالفه الناس اليوم وكثير من المسلمين، أن العامي لا يعني مجرد الذي لا يقرأ ولا يكتب، بل العامي هو كل من لا فقه له في الدين وإن سمى نفسه أحياناً متعلماً، وقد يكون متعلماً ولكنه عامي في أمور الدين، فهذا عليه ألا يوقع نفسه فيما يحرجه شرعاً، فإذا رأى بدعة إن كان ينكرها إنكاراً مجملاً ولا يتشابك مع أصحاب البدع بالحوار وهو لا يفقه أو لا يعلم، مع تجنب استعمال الأساليب التي فيها قسوة وعنف، فإنه لا ترد البدعة بالعنف، فالعامي عليه ألا يقع في اشتباك يوقعه في حرج ويخرجه من الأدب، لكن أيضاً عليه أن يبتعد عن مواطن البدعة؛ لئلا يتأثر وتصله العدوى.

دعوى وجود بدعة حسنة

السؤال: هل ليس هناك بدعة حسنة إطلاقاً؟ مع وجود بعض العلماء يطلق ذلك مثل: وجود المبرات الخيرية، والخط الأسود المحاذي للحجر الأسود، ومثل: مشاريع إفطار الصائم.. وغيرها؟

الجواب: أما البدعة الحسنة فالوسائل التي ذكرها السائل ليس من باب البدع شرعاً ولا اصطلاحاً، مثل: المبرات والأعمال الخيرية والعمل المؤسسي المرتب الذي يحمل وسائل متعددة ويستخدم التقنية الحديثة.. ونحو ذلك، فهذا كله يدخل في باب الوسائل العامة، في باب المباحات العامة، وليست هذه من باب التدين، بل من باب الوسائل، وباب الوسائل إذا توافرت فيها الشروط الشرعية كله مفتوح، فما ذكره السائل لا ينطبق على مفهوم البدعة؛ لأنه داخل في الأمور الدنيوية البحتة.

حكم تتبع زلات العلماء

السؤال: ما مدى صحة قول: إذا تتبعت زلة العلماء اجتمع فيك الشر كله؟

الجواب: هذه مقولة لا بأس بها، والإنسان الذي يتتبع الزلات سواء من باب الفتنة بها والنقد أو من باب التعلق بها وأخذها لاشك أنه يهلك؛ لأن الزلات هي أخطاء، فالإنسان الذي سيأخذ بالأخطاء منهجاً له أو للشماتة بالعلماء لاشك أنه سيهلك.

علاقة الإلهام بالتشريع

السؤال: هل الإلهام يعتبر من التشريع؟

الجواب: إلهام النبي صلى الله عليه وسلم من التشريع، أما ما بعد النبي صلى الله عليه وسلم فالإلهام لا يدخل في التشريع؛ لأن الإلهام حده غامض، إذا كان ما يحدث للإنسان من إلهامات يوافق الكتاب والسنة فهو من توفيق الله ويدخل في باب الإلهام، أما إذا خالف الكتاب والسنة فليس إلهاماً إنما هو من عبث الشيطان.

ضوابط الحكم على المبتدع

السؤال: هل كل من وقع في بدعة يحكم عليه بأنه مبتدع، أم أن هناك ضوابط شرعية تطبق على من وقع في البدعة؟

الجواب: مما يحتاجه طلاب العلم بخاصة وعموم المسلمين بعامة، وهو أنه إذا رأينا إنساناً مسلماً وقع في بدعة قولية أو اعتقادية أو فعلية، أو مارس بدعة من البدع في منهجه في الحياة، هل يحكم عليه بأنه مبتدع لأول وهلة؟ هذا يرجع إلى أن البدعة أو البدع إذا كانت منهجاً للشخص، ينهج نهج المبتدعة في الاستدلال وفي الممارسات وفي العبادات، أو يعتقد صحة مناهجهم فهو مبتدع، حتى وإن قلّت عنده البدع العملية الظاهرة؛ لأن كثيراً من الناس تطبيقاته لأمور الدين قليلة، لكنه ينحى منحى أهل البدع وينتسب إلى الفرقة ويأخذ بمنهجها، فهذا يعتبر مبتدعاً بناءً على المنهج الذي يسلكه ويلتزمه.

الصورة الثانية: فيما إذا رأينا إنساناً يعمل ببدعة، وهذه البدعة ليست من البدع المكفرة المخرجة من الملة، وهي أكثر ما عليه المبتدعة من المسلمين؛ لأن البدع غالباً غير مكفرة، فإذا رأينا إنساناً يعتقد أو يقول أو يفعل بدعة ولا نعرف حاله فلا نصفه بالابتداع ابتداء؛ لأنها قد تكون زلة أو جاءت عن تأول أو جهل أو تقليد من غير تبصر أو عن اشتباه، فلا نحكم على من يقع في بدعة أو بدع قليلة حتى نرى منهجه، فإذا كان ينهج نهج أهل البدع في الاعتقاد والمنهج العام ويخالف السنة في المنهج فهذا مبتدع، وإذا لم يخالف السنة فليس مبتدعاً.

الصورة الثالثة: إذا كان الإنسان يدعي أنه ليس على منهج أهل البدع، ولم نعرف عنه عقيدة أو قولاً يدل على أنه ينهج نهج المبتدعة، لكنه يمارس بدعاً كثيرة وهي ظاهرة على سلوكياته، سواء كان في تعبده أو في معاملاته أو في سمته أو في شكله الظاهر، فهذا الإنسان الذي يظهر على مسلكه العام البدع المتكاثرة فهو مبتدع.

فإذا تكاثرت البدعة أو صار الإنسان على منهج أهل البدع فهو مبتدع، أما إذا كانت البدعة قليلة عنده ولا نعرف حاله فلا يوصف بالابتداع، بل يقال: هذا وافق المبتدعة ويقال: هذه زلة، ويقال: خطأ ويبين له وجه الخطأ.

وجه إجماع العلماء على العقيدة وبيانها للناس

السؤال: لماذا لا يجمع العلماء على العقيدة مع عظم شأنها وخطورتها ووضوح الأدلة فيها، خاصة أن العلماء قد يسمح لهم، وأيضاً قد وفق الله جل وعلا بلاد الحرمين لتهيئة مجمع الفقه وبناء صرحه، فلماذا يسكتون على من لهم انحرافات عقدية كالخوارج.. وغيرهم، وبخاصة أن القرآن نص على طاعة ولاة الأمر وهم العلماء والأمراء، ولقوله تعالى: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ [النساء:83].. إلى آخر الآية، وكذلك آية التنازع وفيها الرد إلى الله ورسوله وإلى أولي العلم؟

الجواب: هذا سؤال يتضمن عدة نقاط: النقطة الأولى: لماذا لا يجمع العلماء على العقيدة؟ وهذه تحتاج إلى تعديل، فالمعروف سلفاً ومن ثوابت الأمور ومسلماتها أن علماء السنة كلهم منذ عهد الصحابة إلى يومنا هذا متفقون على أصول الدين وثوابته ومسلماته، وهي ليست مجرد دعوة، بل هي حقيقة وهي الواقع وهي مقتضى حفظ الدين وبقاء طائفة على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من عاداهم، وهي مقتضى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تجتمع أمتي على ضلالة)، ومن مقتضيات تطبيق هذه النصوص والقطعيات أن أصول السنة: العقيدة وثوابتها ومسلماتها وأصول الاعتقاد ومناهج الدين العامة متفق عليها عند أئمة السلف، ومن خالف من أفراد العلماء في أصل من هذه الأصول فمخالفته ليست محسوبة على الجميع، بل هي زلة عالم، مع أنه يندر هذا من باب الاحتياط، وإلا فحسب استقرائي لا أجد عالماً من علماء السنة المعتبرين الراسخين في العلم خالف في أصل من أصول الاعتقاد، أو في مسلمة من مسلمات الدين، ولا في ثابتة من ثوابته، ولا في منهج من مناهجه بحمد الله، وهذا أمر من ضرورات الدين.

إذاً: الثوابت محفوظة ولا خلاف فيها، أما ما يندرج أحياناً تحت العقيدة وليس هو من العقيدة فيكون عليه الخلاف، أو قد يظن الناس أنه عقيدة وليس بعقيدة، هذا الخلاف قد يرد؛ لأنه ليس من قطعيات الدين، لكنه يلحق من الناحية الموضوعية والعلمية فقط، فمثلاً: علماء السلف اتفقوا على رؤية المؤمنين لربهم في الجنة يوم القيامة، ولكن اختلفوا في مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في المعراج هل هي عينية أو بصرية؟ والاختلاف في هذه الجزئية من الرؤية لا يعني الاختلاف في الأصل القطعي، وكذلك في الشفاعة وفي أركان الإيمان وأركان الإسلام وفي أمور كثيرة أن الأصول القطعية متفق عليها، وما يتفرع عنها أحياناً يلحق بالعقيدة من الناحية العلمية، ولكن لا يلحق من الناحية التأصيلية، بل يكون عليه خلاف؛ لأنه من الاجتهاديات التي اختلفت فيها النصوص.

أما لماذا لا يتفق العلماء على بعض النوزال؟ فهذا من رحمة الله بالأمة؛ إذ كيف نتصور لو أن المجامع الفقهية أو مجالس العلماء أو هيئة كبار العلماء عندنا في هذا البلد.. وفي غيره من المجامع لو أنهم اتفقوا كلهم على أمر واحد لوقعت الأمة في حرج شديد في الاجتهاديات، فمن الخير أن يختلف العلماء في الاجتهاديات؛ لأن هذا فيه توسعة على الأمة، أما كيف يتعامل العامة مع اختلافات العلماء، فهذا يكون وفق الضوابط الشرعية، ونتبع من نرى في تقديرنا أنه الأعلم والأحوط في علمه والأقرب إلى الدليل بدون تشه ولا هوى، وقد نختلف، فقد يرى البعض أن هذه المواصفات تنطبق على العالم فلان، وهذا حدث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مما يدل على أنه تشريع، لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة ألا يصلوا العصر إلا في بني قريظة وهم قبل العصر، فمنهم من أسرع باذلاً جهده في أن يصل قبل غروب الشمس من أجل أن يصلي، ومنهم من فقه فقهاً آخر، وقال: قصد النبي صلى الله عليه وسلم الحسم ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فلما حضر وقت الصلاة صلى وهو في الطريق؛ لأنه تأول تأويلاً صحيحاً، والنبي صلى الله عليه وسلم أقرهم جميعاً، وكان هذا فيه توسعة، فلو أنهم أخذوا برأي واحد لوقعوا في حرج شديد، فهكذا بقية ما يقع من العلماء من اختلافات، ولو أننا أحياناً في قضايا نرى أنها حساسة وخطيرة ما دامت اجتهادية، فهذا فيه خير كثير وتوسعة للأمة، والمصالح العظمى والقضايا الكبرى للأمة سيسدد الله فيها العلماء، حتى شاء الله أن يقفوا موقفاً يرشد الأمة إليه.

ضرورة الاعتماد على فتاوى العلماء في القضايا المعاصرة والنوازل المستجدة

السؤال: أحياناً في منتجات الإنترنت عبر الرسائل الإلكترونية يتداول الناس بعض الكلام الذي يكون فيه إما أحاديث ضعيفة أو بدع، فهل يجوز أن ينقل فتاوى العلماء الثقات مثل ابن باز وابن عثيمين والألباني.. وغيرهم رحم الله الجميع؟

الجواب: هذا هو الأصل؛ أن الإنسان إذا رأى مخالفات من الناس عبر هذه الوسائل فالأولى له المجادلة بالحسنى، وتذكير الناس ونصحهم، والرد على المخالف ينبغي أن يكون بالاستناد على فتاوى العلماء في القضايا المعاصرة، وبعض الناس يقول: لماذا نستمد على الدليل؟ نقول: الدليل على العين والرأس لكن يجب أن نفهم أن الدليل يحتاج إلى استنباط، وعلى هذا فإن كلام العلماء المعاصرين في القضايا المعاصرة في مسائل الدين النوازل.. وغيرها مثل الرد على المخالفين، فإن منهجهم قائم على الدليل أصلاً، وقد يتضمن الدليل حتى ولو لم يصرح العالم بالدليل.

فإذا أردت أن ترد على الآخرين أو تنصحهم وتبين لهم وجه الحق فلا بد أن تستند على فتاوى العلماء وعلى مواقفهم؛ لأنه أدعى لقبول الناس الحق، لأنه فرق أن يأخذ مني ومنك ومن الثالث ممن ليس عندهم عالم راسخ، وبين أن تأتي برأي أو موقف عالم راسخ مقبول عند الأمة، وفرق بين أن تأتي بخلاصة فكر عالم بذل جهده ونصحه للأمة، وبين أن تذهب وتبحث عن الاستدلال، وربما تخطئ كثيراً فتقع في مجازفات وأخطاء.

فهذا هو المنهج السليم الذي ينبغي أن يسلكه الشباب والدعاة الذين يتصدون للردود، أو يبينون أو يناصحون أن يستندوا على أقوال علمائهم.

البدع المكفرة وغير المكفرة وضابطها

السؤال: هل هناك بدع مكفرة وبدع غير مكفرة؟

الجواب: لاشك أن البدع فيها ما هو كفر وفيها ما ليس كفراً. فما دام أن البدعة هي كل محدثة في الدين، فهناك من أحدث في الدين شركيات تنافي الاعتقاد، وهناك من أحدث في الدين أمور ردة، وهناك من أحدث في الدين بأن قصر الصلوات على ثلاث، وهذا وجد من المفتونين حتى في التاريخ المعاصر، أذكر أن أحد مدعي النبوة ابتدع أموراً مع أن دعوى النبوة نفسها بدعة مكفرة في الدين، ودعوى اختصار الصلوات التي تغني عن أركان الإسلام، ودعوى استباحة بعض الشركيات الصريحة كل هذا من البدع المخرجة من الملة، لكن ما ينبغي ملاحظته هو أنه ليس كل من فعل بدعة مكفرة مخرجة من الملة نحكم على عينه حتى نتثبت، فربما يكون متأولاً وربما يكون جاهلاً وربما يكون اشتبه عليه الأمر، وربما يكون مكرهاً، وربما فعل شيئاً نظنه شركياً وهو على وجه آخر ليس بشركي، كما لو رأينا إنساناً عند القبر وفجأة سجد هذا الشخص، فهذا فيه احتمال أن يكون سجد لغير الله فيكون شركاً، ويحتمل أنه تذكر نعمة من نعم الله ونسي أنه عند القبر، فسجد شكراً لله، وهذا خطأ، لكن هل وقع في الشرك على هذه الصورة؟ لذلك يجب أن نحتاط لديننا.

إذاً: البدع تنقسم إلى مكفرة وغير مكفرة، وليس كل من فعل البدعة المكفرة وليس من عادته أن يفعل أن نكفره لأول وهله، حتى تطبق عليه الشروط وتنتفي عنه الموانع.

حكم وضع اليد على المصحف عند الحلف

السؤال: هل وضع اليد على المصحف عند الحلف يعتبر بدعة؟

الجواب: وضع اليد من باب تكريم المصحف الذي يظهر أنه لا حرج فيه؛ لأن هذا من باب التوثيق، كما توضع اليد مع اليد الأخرى عند البيعة، فهذا من الصور الصحيحة لتوثيق الأمر.

علاقة البدع بأمور الدنيا وشئون الحياة

السؤال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنتم أعلم بأمور دينكم)، هل هذا الحديث يؤخذ به في هذا الموقف؟

الجواب: أولاً: الحديث فيه مقال، ولفظه: (أنتم أعلم بأمور دنياكم)، وليس بأمور دينكم، بل العكس أنتم لستم أعلم بأمور دينكم، بل الله عز وجل هو الأعلم والأحكم في أمور الدين، لكن جاء في قصة تأبير النخل عندما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ووجدهم يؤبرون النخل، فظن النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا راجع إلى اعتقاد منهم لا عن تجربة، فكان من باب الرأي أن قال: لا تفعلوا ذلك، فلما لم يفعلوا لم يتلقح النخل، وصار شيصاً لم ينضج النضج الوافي، فعرف النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا مبني على تجارب، ومن هنا فإن أمور الدنيا تنبني على التجارب أياً كان نوعها وتنبني على الإباحة.

وسائل معالجة المراء

السؤال: ما هي الوسائل لمعالجة المراء؟

الجواب: أهم شيء هو ترويض النفس بأن يستحضر الإنسان رقابة الله عز وجل، ويعمل بمبدأ الإحسان (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) فإذا أردت أن تجادل أحداً فاستحضر رقابة الله عز وجل عليك فيما تقول وما تفعل، ثم استحضر أنك تقول في الدين وأنك تجادل في أمر تقول فيه على الله، كذلك استحضر المعاني الأخرى مثل الورع والحذر من القول على الله بغير علم، وأن تتحرى الحق وتتجرد له، وأن تبتعد عن الهوى والتشهير، وأن تكون بذلك مستعداً علماً وخلقاً، وإذا رأيت من نفسك أحياناً الإخلال بهذه الأمور فابتعد.