مجمل أصول أهل السنة - أهمية علم العقيدة


الحلقة مفرغة

الحمد لله، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ورضي الله عن صحابته والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)، وإن أعظم الفقه في الدين هو الفقه الأكبر كما سماه السلف الصالح، أعني: فقه العقيدة والأصول والمسلمات والثوابت التي يقوم عليها الدين، لاسيما وأن المتأمل لحال المسلمين اليوم يجد أن حاجتهم إلى تثبيت العقيدة وأصول الدين ملحة، بل ضرورية؛ لأنها اختلت عند الكثيرين وجهلوها، ثم لأن العقيدة هي التي تحكم علاقة المسلم بربه عز وجل، وعلاقته بالخلق على منهج سليم يرضي الله سبحانه وتعالى، ويحقق له السعادة في الدنيا والفلاح في الآخرة والنجاة.

ثم أصول الدين والمسلمات هي الرابط الأبقى والأقوى بين المسلمين في كل زمان إلى قيام الساعة، كما أنها أيضاً الرابط فيما بينهم وبين الأمم الأخرى والبشرية جمعاء، وهي الرابط السليم بين عالم الشهادة وعالم الغيب، لأنها جاءت من لدن حكيم خبير.

ومن هنا تأكدت ضرورة تثبيت العقيدة في قلوب المسلمين، وغرسها بين أجيال الأمة، ومن هذا المنطلق أيضاً كان لابد على علماء الأمة خاصة وطلاب العلم عامة، أن تتظافر جهودهم عبر وسائل الإعلام للقيام بهذا الواجب.

ونظراً لأنه في بداية كل علم لابد من الوقوف على مصطلحاته، فلابد هنا أن نستهل هذا الدرس بالتعريف بأهم مصطلحات الموضوع أو مصطلحات العقيدة وما يرادفها.

تعريف العقيدة لغة

أولاً: العقيدة لغة: مأخوذة من العقد وهو الشد والربط والإحكام بقوة، ولذلك فمما هو جارٍ على ألسنة الناس تسمية كل أمر ذي بال بأنه عقد؛ فإجراء النكاح عقد، وإجراء البيع عقد، وهكذا سائر العقود والعهود تسمى عقداً، مما يدل على أهميتها.

فالعقيدة تنبني على اليقين والعقد الذي يستقر في القلب، ويسلم به العقل ويحكم المشاعر والعواطف.

تعريف العقيدة اصطلاحاً

أما العقيدة في الاصطلاح فلها معنيان: معنى عام يشمل كل عقيدة، العقيدة الحق أو العقيدة الباطلة عند أهل الباطل، وهي تعني الإيمان واليقين الجازم الذي لا يتطرق إليه شك لدى معتقده.

أما العقيدة الإسلامية، فهي تعني: اليقين والتسليم والإيمان الجازم بالله عز وجل، وما يجب له من التوحيد والعبادة والطاعة، ثم بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر وسائر أصول الإيمان، ثم أركان الإسلام، والقطعيات الأخرى، وهي كثيرة، كالشفاعة والرؤية، والأمور العملية التي هي من قطعيات الدين؛ كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد، والحب في الله والبغض في الله، ونحو ذلك مما يندرج في الواجبات، وفي العلاقات بين المسلمين كحب الصحابة رضي الله عنهم، وحب السلف الصالح، وحب العلماء وحب الصالحين، ونحو ذلك مما هو مندرج في أصول الاعتقاد وثوابته.

وعلى هذا فإن أمور العقيدة هي: كل ما ثبت بالشرع، فسائر ما ثبت من أمور الغيب هو من أصول العقيدة، والأخبار التي جاءت في كتاب الله وصحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هي من العقيدة، والثوابت والمسلمات العلمية أو العملية داخلة في أصول الاعتقاد، ومن ذلك التزام شرع الله عز وجل في الجملة، والتزام أصول الفضائل والأخلاق الحميدة ونفي ما يضاد ذلك، كل هذا داخل في مسمى الأصول والقطعيات، التي هي في مجموعها تسمى العقيدة.

فالعقيدة: هي الأسس التي يقوم عليها الدين، اعتقادية وعلمية وعملية، وهي بمثابة الأسس للبناء، ولذلك جاء وصفها في الشرع بالأركان، وهي من أسس الدين والعقيدة، فأسس الإسلام تسمى أركاناً، وكذلك بقية الأصول.

وهذه الأسس ليست محصورة بأركان الإيمان وأركان الإسلام، بل حتى أن أصول الإيمان وأركان الإسلام لها قواعد هي من قطعيات الدين، فمثلاً: الإيمان بالملائكة مبدأ قد يقر به الكثيرون، لكن قد يوجد عند بعض الجاهلين أو بعض أصحاب الشبهات والأهواء من ينكر ملكاً من الملائكة، كما كان من بعض الأمم التي تنكرت لجبريل عليه السلام، فلهذا ينتقض الإيمان، مع أن الفرد قد يقول: إني مؤمن بالملائكة.

فالعقيدة هي الأسس التي يقوم عليها الدين، وهي الركائز الكبرى، وتسمى ثوابت، وتسمى مسلمات، وتسمى قطعيات، وتسمى أصولاً.. وغير ذلك من المعاني المرادفة التي يفهم منها أن العقيدة هي أصول الدين العظمى التي ينبني عليها الدين للفرد والجماعة.

أولاً: العقيدة لغة: مأخوذة من العقد وهو الشد والربط والإحكام بقوة، ولذلك فمما هو جارٍ على ألسنة الناس تسمية كل أمر ذي بال بأنه عقد؛ فإجراء النكاح عقد، وإجراء البيع عقد، وهكذا سائر العقود والعهود تسمى عقداً، مما يدل على أهميتها.

فالعقيدة تنبني على اليقين والعقد الذي يستقر في القلب، ويسلم به العقل ويحكم المشاعر والعواطف.

أما العقيدة في الاصطلاح فلها معنيان: معنى عام يشمل كل عقيدة، العقيدة الحق أو العقيدة الباطلة عند أهل الباطل، وهي تعني الإيمان واليقين الجازم الذي لا يتطرق إليه شك لدى معتقده.

أما العقيدة الإسلامية، فهي تعني: اليقين والتسليم والإيمان الجازم بالله عز وجل، وما يجب له من التوحيد والعبادة والطاعة، ثم بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر وسائر أصول الإيمان، ثم أركان الإسلام، والقطعيات الأخرى، وهي كثيرة، كالشفاعة والرؤية، والأمور العملية التي هي من قطعيات الدين؛ كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد، والحب في الله والبغض في الله، ونحو ذلك مما يندرج في الواجبات، وفي العلاقات بين المسلمين كحب الصحابة رضي الله عنهم، وحب السلف الصالح، وحب العلماء وحب الصالحين، ونحو ذلك مما هو مندرج في أصول الاعتقاد وثوابته.

وعلى هذا فإن أمور العقيدة هي: كل ما ثبت بالشرع، فسائر ما ثبت من أمور الغيب هو من أصول العقيدة، والأخبار التي جاءت في كتاب الله وصحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هي من العقيدة، والثوابت والمسلمات العلمية أو العملية داخلة في أصول الاعتقاد، ومن ذلك التزام شرع الله عز وجل في الجملة، والتزام أصول الفضائل والأخلاق الحميدة ونفي ما يضاد ذلك، كل هذا داخل في مسمى الأصول والقطعيات، التي هي في مجموعها تسمى العقيدة.

فالعقيدة: هي الأسس التي يقوم عليها الدين، اعتقادية وعلمية وعملية، وهي بمثابة الأسس للبناء، ولذلك جاء وصفها في الشرع بالأركان، وهي من أسس الدين والعقيدة، فأسس الإسلام تسمى أركاناً، وكذلك بقية الأصول.

وهذه الأسس ليست محصورة بأركان الإيمان وأركان الإسلام، بل حتى أن أصول الإيمان وأركان الإسلام لها قواعد هي من قطعيات الدين، فمثلاً: الإيمان بالملائكة مبدأ قد يقر به الكثيرون، لكن قد يوجد عند بعض الجاهلين أو بعض أصحاب الشبهات والأهواء من ينكر ملكاً من الملائكة، كما كان من بعض الأمم التي تنكرت لجبريل عليه السلام، فلهذا ينتقض الإيمان، مع أن الفرد قد يقول: إني مؤمن بالملائكة.

فالعقيدة هي الأسس التي يقوم عليها الدين، وهي الركائز الكبرى، وتسمى ثوابت، وتسمى مسلمات، وتسمى قطعيات، وتسمى أصولاً.. وغير ذلك من المعاني المرادفة التي يفهم منها أن العقيدة هي أصول الدين العظمى التي ينبني عليها الدين للفرد والجماعة.

ومن العبارات التي يلزم استعمالها وارتباطها في ذهن المسلم، وهي من المصطلحات المهمة في تعريف العقيدة، كلمة السلف.

السلف المقصود بهم: القدوة في هذه الأمة، وهم الرواد الذين رسموا لنا منهج العقيدة على ضوء الكتاب والسنة؛ لأن منهج العقيدة: علمي وعملي، وهذا لا يمكن أن يكون واضحاً وبيناً إلا بقدوة؛ لأن الإسلام ليس مجرد نظريات أو علوم بل الإسلام منهج حياة يتمثل بأمة بأفرادها وعلى رأسها العلماء ومن دونهم؛ فنظراً لأن القدوة أصل في رسم معالم العقيدة وبيان مسلماتها، فلابد أن نتعرف على أول قدوة منهم، وهم السلف الصالح.

السلف الصالح: هم صدر هذه الأمة، والسلف هم الذين سلفوا وقضوا من القدوات، فالسلف هم صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين وأئمة الهدى في القرون الثلاثة الفاضلة، وعلى هذا يطلق هذا الوصف أيضاً من باب التوسع في الوصف كما هو معروف عند تقرير الاصطلاحات، فيطلق هذا الوصف على كل من التزم هذا المنهج وإن كان معاصراً، فهو سلفي بمعنى أنه على نهج السلف.

إذاً: فالسلف لها معنيان: معنى خاص: وهم خيار هذه الأمة ابتداء من عصر الصحابة إلى يومنا هذا، والمعنى الآخر: هم من كان على هذا النهج وإن كان من المعاصرين.

حكم من أنكر أصلاً من أصول الدين

السؤال: حكم من أنكر أصلاً من أصول الدين؟ وحكم من أنكر الرؤية؟

الجواب: القاعدة في إنكار أي أصل من أصول الدين أنه ينقض الإيمان وينقض الإسلام ويخرج به المسلم من مقتضى الإسلام، مع مراعاة عند الحكم فيها على المعين تطبيق شروط التكفير، بمعنى: أن الذي ينكر أصلاً من أصول الدين قد يكون جاهلاً فيعذر بجهله، وقد يكون متأولاً فيكون التبس عليه الأمر، وقد يكون مكرهاً، وقد يكون عنده اشتباه، وهكذا هناك صوارف كثيرة، فالمعنى أننا نحكم على المعين إذا صدر منه ما يقتضي إنكار أصل من الأصول، أما الحكم المجرد، فلا شك أن من أنكر أصلاً من الأصول فإن هذا كفر، لكن يبقى حكماً مجرداً، فتطبيقه على الأعيان لابد فيه من تحقيق شروط وانتفاء الموانع.

أما إنكار الرؤية، فالرؤية المقصود بها: رؤية المؤمنين لربهم في الجنة، وهذا أصل ثابت في قطعيات النصوص؛ في القرآن والسنة وبتصريح النبي صلى الله عليه وسلم بذلك عندما فسر آيات الرؤية، قال: (إنكم سترون ربكم عياناً).

فعلى هذا تعتبر الرؤية بهذا المفهوم أصلاً قطعياً من أصول الدين.

ومن أنكر الرؤية يحكم عليه بالحكم السابق؛ ونظراً لأن مسألة الرؤية من المسائل التي لا تستبين لكثير من عامة المسلمين، ولا يعرفون معانيها على وجه التفصيل، فإن من ينكر الرؤية لابد أن تقام عليه الحجة ويبين له وجه الدليل، ولا يحكم بكفره من أول وهلة، لكن إذا تبين له وجه الدليل والحق واستبان له، ولكنه عاند وكابر، فإنه يكون أنكر أصلاً من أصول الدين فحكمه ما سبق.

الحكم على الفعل ليس كالحكم على الفاعل

السؤال: هل الحكم على الفعل ليس هو كالحكم على الفاعل؟

الجواب: من ثوابت الاجتهاد عند السلف، بل هي أصل من أصول الأحكام على الناس، أن نفرق بين الاعتقاد والقول والفعل وبين من صدر عنه ذلك، فكما قد يقول المسلم قولاً كفرياً أو يفعل فعلاً كفرياً، أو يعتقد اعتقاداً كفرياً فيما يظهر لنا، فإنه لا يعني ذلك أن نحكم عليه بالكفر، حتى تنطبق عليه شروط التكفير، وتنتفي عنه الموانع، ويطبق ذلك أهل الرسوخ في العلم؛ لأن هذه من المصالح العظمى ومن القضايا الكبرى التي لا يتاح الحكم فيها لأفراد الأمة، ولا حتى سائر طلاب العلم، فالغالب أن هذه لا يحكم بها إلا الراسخون في العلم؛ لأنها حكم على العباد بحكم الله عز وجل، وهو أمر خطير قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه في البخاري وغيره: (إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما)، فالأمر خطير جداً.

وكذلك المنافق إذا ظهر منه ما يقتضي الردة فإننا لا نستطيع أن نحكم عليه؛ لأن النفاق الخالص قلبي لا يعلمه إلا الله عز وجل.

السؤال: حكم من أنكر أصلاً من أصول الدين؟ وحكم من أنكر الرؤية؟

الجواب: القاعدة في إنكار أي أصل من أصول الدين أنه ينقض الإيمان وينقض الإسلام ويخرج به المسلم من مقتضى الإسلام، مع مراعاة عند الحكم فيها على المعين تطبيق شروط التكفير، بمعنى: أن الذي ينكر أصلاً من أصول الدين قد يكون جاهلاً فيعذر بجهله، وقد يكون متأولاً فيكون التبس عليه الأمر، وقد يكون مكرهاً، وقد يكون عنده اشتباه، وهكذا هناك صوارف كثيرة، فالمعنى أننا نحكم على المعين إذا صدر منه ما يقتضي إنكار أصل من الأصول، أما الحكم المجرد، فلا شك أن من أنكر أصلاً من الأصول فإن هذا كفر، لكن يبقى حكماً مجرداً، فتطبيقه على الأعيان لابد فيه من تحقيق شروط وانتفاء الموانع.

أما إنكار الرؤية، فالرؤية المقصود بها: رؤية المؤمنين لربهم في الجنة، وهذا أصل ثابت في قطعيات النصوص؛ في القرآن والسنة وبتصريح النبي صلى الله عليه وسلم بذلك عندما فسر آيات الرؤية، قال: (إنكم سترون ربكم عياناً).

فعلى هذا تعتبر الرؤية بهذا المفهوم أصلاً قطعياً من أصول الدين.

ومن أنكر الرؤية يحكم عليه بالحكم السابق؛ ونظراً لأن مسألة الرؤية من المسائل التي لا تستبين لكثير من عامة المسلمين، ولا يعرفون معانيها على وجه التفصيل، فإن من ينكر الرؤية لابد أن تقام عليه الحجة ويبين له وجه الدليل، ولا يحكم بكفره من أول وهلة، لكن إذا تبين له وجه الدليل والحق واستبان له، ولكنه عاند وكابر، فإنه يكون أنكر أصلاً من أصول الدين فحكمه ما سبق.

السؤال: هل الحكم على الفعل ليس هو كالحكم على الفاعل؟

الجواب: من ثوابت الاجتهاد عند السلف، بل هي أصل من أصول الأحكام على الناس، أن نفرق بين الاعتقاد والقول والفعل وبين من صدر عنه ذلك، فكما قد يقول المسلم قولاً كفرياً أو يفعل فعلاً كفرياً، أو يعتقد اعتقاداً كفرياً فيما يظهر لنا، فإنه لا يعني ذلك أن نحكم عليه بالكفر، حتى تنطبق عليه شروط التكفير، وتنتفي عنه الموانع، ويطبق ذلك أهل الرسوخ في العلم؛ لأن هذه من المصالح العظمى ومن القضايا الكبرى التي لا يتاح الحكم فيها لأفراد الأمة، ولا حتى سائر طلاب العلم، فالغالب أن هذه لا يحكم بها إلا الراسخون في العلم؛ لأنها حكم على العباد بحكم الله عز وجل، وهو أمر خطير قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه في البخاري وغيره: (إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما)، فالأمر خطير جداً.

وكذلك المنافق إذا ظهر منه ما يقتضي الردة فإننا لا نستطيع أن نحكم عليه؛ لأن النفاق الخالص قلبي لا يعلمه إلا الله عز وجل.

ومن المصطلحات المهمة في هذا الباب: السنة والجماعة أو أهل السنة والجماعة، وهذه المسألة من المسائل المستفيضة عند كثير من الناس، ويسمع بها أغلب المسلمين، لكن قد لا يفهم حقيقتها الكثيرون، ونحتاج إلى أن نقف على معناها.

أهل السنة والجماعة: هم كل من كان على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعون وأئمة الهدى، أي: من كان على السنة فهو من أهل السنة.

وسموا أهل السنة لاستمساكهم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولأنهم أخذوا بوصية النبي صلى الله عليه وسلم عندما ذكر الأهواء والافتراق، قال: (فعليكم بسنتي)؛ فسموا أهل السنة لأنهم أخذوا بهذه الوصية، وكذلك لاتباعهم نهج السنة على جهة العموم.

وكذلك وصف الجماعة؛ وهي غالباً ما تقرن بالسنة، فيقال: السنة والجماعة.

فالسنة منهج، والجماعة كيان، والكيان: هم جماعة المسلمين الذين استمسكوا بالسنة وأخذوا بوصية النبي صلى الله عليه وسلم واتبعوا السنة، وعلى هذا فإنهم وصفوا بالجماعة؛ لأنهم أخذوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالجماعة) ولأنهم اجتمعوا على الحق وأجمعوا عليه، واجتمعوا على الأصول الكبرى والمعاني العظمى ومسلمات الدين وثوابتها، وعلى مصالح الأمة العظمى، كبيعة إمام السمع والطاعة للوالي بالمعروف، وغير ذلك من المصالح العظمى فهم يجتمعون عليها، كما اجتمعوا على المصالح واجتمعوا على ما عليه سلف الأمة، والتزموا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالجماعة.

وعلى هذا فإن وصف السنة والجماعة ليس شعاراً، ولا حزباً ولا مذهباً، بل هو وصف شرعي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، أما الذين يدعون العلم والتعالم ثم يطعنون في مفهوم السنة والجماعة ويزعمون أن هذا تحزب، أو يظنون أن هذا من صنع العلماء أو من صنع السلف، وأنهم اخترعوه ليميزوا أنفسهم عن غيرهم، فهذا خطأ فادح، والحق أن وصف السنة والجماعة وأهل السنة والجماعة وصف شرعي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، حين ذكر الافتراق وحذر منه وذكر الفتن والاختلاف، قال: (إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي)، وهذا إذا وجد الاختلاف.

فمع الاختلاف هؤلاء تمسكوا بالسنة هم أهل السنة الذين أخذوا بالوصية، فهذا وصف شرعي.

كذلك الجماعة، لما ذكر السلف والفرقة قال: (وعليكم بالجماعة)، وقال: (فعليكم بالجماعة)، وقال: (إن يد الله مع الجماعة)، فالجماعة وصف شرعي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهكذا الوصف بمجمله أهل السنة والجماعة أو السنة والجماعة: منهج شرعي يمثل الإسلام بمصادره ومنهجه، وليس فرقة ولا طائفة.

كذلك لأهل السنة والجماعة أوصاف: إما أن تكون أوصافاً حقيقية انطبقت عليهم لغة أو أوصافاً شرعية جاءت في السنة، أو أوصافاً أثرت عن السلف الصالح، ولا بأس من استعمال هذه الأوصاف إذا لم تقتض تعصباً، مثل: أهل الحديث، فأهل السنة هم أهل الحديث، وبعض الناس قد يفهم من أهل الحديث أنهم رواة الحديث فقط، مع أن من أعظم خصائص أهل السنة أنهم رواة الحديث، لكن لا يقف وصفهم على هذا، فهم أهل الحديث العاملون بحديث النبي صلى الله عليه وسلم رواية ودراية، والحديث يرادف السنة؛ لأن الحديث هو حديث النبي صلى الله عليه وسلم سواء من قوله أو فعله أو تقريره، فهو مرادف لكلمة السنة.

ومن أوصافهم: أنهم أهل الأثر؛ لأنهم على أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أثر السلف الصالح، ومن أوصافهم أنهم السلف، ومن أوصافهم أنهم أهل الاتباع، ومن أوصافهم أنهم الطائفة المنصورة، أي: أن الله عز وجل تكفل بنصرها إذا أخذت بأسباب النصر، وكذلك الفرقة الناجية.

ومن عداها من أهل الافتراق الذين ما خرجوا عن الملة، وما خرجوا عن مسمى الإسلام وهم الذين اتبعوا السبل ولم يخرجوا من الملة وهم أكثر فرق الأمة، ومن فرق الثنتين والسبعين التي خرجت عن السنة هم من المسلمين، لكنهم خرجوا عن السبيل، واتبعوا السبل، وخرجوا عن السنة فيسمون أهل الأهواء، ويسمون أهل الافتراق، ويسمون أهل البدع، ويسمون الفرق المفارقة؛ لأنهم اتبعوا السبل التي نهى الله عنها ونهى عنها الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يخرجون من مسمى الإسلام، لكنهم لا يسمون أهل السنة والجماعة ولا يستحقون هذا الوصف؛ لأنهم خالفوا وصية النبي صلى الله عليه وسلم بالاستمساك بالسنة.

ومن الأمور التي يجب أن نقف عندها في هذا التأصيل، هي: خصائص عقيدة السلف، لأن عقيدة أهل السنة والجماعة.. عقيدة السلف هي العقيدة الحقة، ولكن كيف نتعرف عليها؟ وكيف نعرف سماتها؟ وكيف نعرف الركائز التي تنبني عليها أو تعرف بها؟ ولاسيما في هذا العصر الذي كثر فيه تشقيق العلوم وعنصرتها أو ما يمكن أن يسمى بتعليب العلوم، فالناس كما علبت لهم المعلومات، فهم الآن يحتاجون أيضاً إلى ما يشبه تعليب العلوم أي: تيسيرها وتسهيلها، وبيان صفات المناهج والأصول والمفردات في هذه المناهج.

فلا بد من معرفة المنهج الحق الذي هو الإسلام بمصادره ومناهجه، الذي هو منهج أهل السنة والجماعة، الذي يتميز بخصائص كثيرة وركائز وسمات، وأهمها:

الكمال والشمول

أولاً: أبرز سمة وأهم سمة هي: الكمال والشمول؛ لأنها دين الله، ودين الله كامل وشامل لكل زمان ولكل مكان ولكل فئة ولكل مجتمع ولكل دولة، وإن تخلفت في بعض الأزمان والأمكنة، فهذا بسبب تقصير المسلمين، وإلا فإن أبرز سمة للدين كله والذي تمثله السنة والجماعة هو الكمال والشمول؛ لأنها ربانية: تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:42]، وهو سبحانه العليم الخبير بمصالح العباد.

نقاء المصادر

ثانياً: نقاء المصادر وسلامة المصادر، وأعني بذلك: أن مصادر السنة هي مصادر الدين النقية، بخلاف ما وقع فيه أهل الأهواء والبدع والافتراق، فإنهم تعكرت مصادرهم، وابتدعوا في الدين، وأخذوا من مصادر غير صافية، إما آراء الرجال، وإما الأهواء، وإما الابتداع، وإما غير ذلك فمصدرها القرآن وسنة النبي صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية والتقريرية، أي: ما ثبت من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ومصدر الدين.

أما الإجماع فهو مبني على الكتاب والسنة، كما سيأتي فيما بعد.

البقاء والحرص

ثالثاً: البقاء والحرص؛ لأنه الدين الحق، والدين قد تكفل الله بحفظه، كما قال عز وجل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، والله عز وجل كما تكفل بحفظ القرآن بحروفه وبمعانيه حفظاً كاملاً، كما تكفل بحفظ السنة، فالكفالة بالحفظ ليست للقرآن فقط، لكن القرآن له خصائص أن الله تكفل بحفظه بمعانيه وحروفه بحيث لا يزيد ولا ينقص منه ولا يمكن أن يتعرض له بأي تحريف أو نقص، أما السنة فقد تروى بعضها بمعانٍ، وقد تروى بالسلوك والقدوة، ومع ذلك فهي محفوظة؛ لأنها مصدر الدين.

وقد يقول قائل: أليس من عدا أهل السنة والجماعة عندهم مصادر محفوظة؟ نقول: نعم، فيما أخذوا به من القرآن والسنة محفوظ، لكن اعترتهم مصادر أخرى يعتريها جميع أنواع الاعتلال التي تعتري البشر من النسيان والنقص والخلل والفناء التي هي نتاج البشر الذي أدخلوه وجعلوه باسم الدين، وهذا لا شك أنه ناقص، وليس مصدراً، فمن هنا لا تتوفر صفات الثبات والبقاء والحرص والنقاء إلا لأصول أهل السنة والجماعة.