خطب ومحاضرات
وقفة
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله!
الشيء الذي لا بد ألا ننساه، أننا في هذه الدنيا ضيوف، وأننا نعيش في هذه الحياة من أجل الاستعداد للحياة الباقية، لا بد أن نعرف ونعي أن العمر مهما طال فهو قصير، وأن هذه الحياة مهما عظمت فهي حقيرة عند الله، ولا تساوي عند الله جناح بعوضة.
لا بد أن نعرف -عباد الله- أن بعد هذه الحياة موت، كما قال الله جل في علاه: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:185].
لا بد أن نعرف -عباد الله- أن بعد الموت قبر، كما قال الله جل في علاه: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ [التكاثر:1-2].
لا بد أن نعرف ونعي أن بعد القبر بعث، وهو إحياء الموتى يوم القيامة لحسابهم والقضاء بينهم، قال سبحانه: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [التغابن:7].
حين علمنا هذا كله، فما المطلوب من الجميع؟
المطلوب ما قال الله جل في علاه: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ [التغابن:8-9].
فاستعدوا عباد الله! واحرصوا على الخواتيم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يبعث كل عبد على ما مات عليه).
وعن أبي رزين العقيلي قال: (قلت: يا رسول الله! كيف يعيد الله الخلق؟! وما آية ذلك في خلقه؟! قال: أما مررت بوادي قومك جدباً، ثم مررت به يهتز خضراً؟! قلت: نعم، قال: فتلك آية الله في خلقه)، حديث صحيح وهو موافق لنص التنزيل، قال سبحانه: وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ [الحج:5-7].
عباد الله! لقد أرى الله عباده إحياء الموتى في هذه الدنيا، وفي سورة البقرة وحدها خمسة أمثلة على ذلك.
المثال الأول: قال الله عن قوم موسى عليه الصلاة والسلام: وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:55-56]، فأحياهم الله بعد أن أخذتهم الصاعقة.
المثال الثاني: في قصة القتيل الذي اختصم فيه بنو إسرائيل في زمن موسى عليه الصلاة والسلام، فأمرهم أن يذبحوا بقرة فيضربوه ببعضها ليخبرهم بمن قتله، ففعلوا، فأحياه الله وأخبرهم بمن قتله، قال جل في علاه: وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [البقرة:72-73].
المثال الثالث: في قصة القوم: الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ [البقرة:243].
قال وكيع في تفسيره: حدثنا سفيان عن ميسرة بن حبيب النهدي عن المنهال بن عمرو الأزدي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ترجمان القرآن في قوله تبارك وتعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ [البقرة:243] قال: كانوا أربعة آلاف خرجوا فراراً من الطاعون، قالوا: نأتي أرضاً ليس بها موت، حتى إذا كانوا بموضع كذا وكذا قال الله لهم: مُوتُوا ، فماتوا، فلما كان بعد دهر، مر عليهم نبي من الأنبياء فدعا ربه أن يحييهم، فأمره الله تعالى أن يقول: أيتها العظام البالية، إن الله يأمرك أن تكتسي لحماً، وعصباً، وجلداً؛ فكان ذلك يحدث، وهو يشاهد، ثم أمره فنادى: أيتها الأرواح! إن الله يأمرك أن ترجع كل روح إلى الجسد الذي كانت تغمره، فقاموا أحياء ينظرون، قد أحياهم الله بعد رقدتهم الطويلة، أحياهم وهم يقولون: ( لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا ظالمين).
فكان في إحيائهم عبرة ودليل قاطع على وقوع المعاد الجسماني يوم القيامة، لهذا قال الله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ، أي: فيما يريهم من الآيات الباهرة، والحجج القاطعة، والدلالات الدامغة، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ أي: لا يقومون بشكر ما أنعم الله به عليهم في دينهم ودنياهم.
وفي هذه القصة عبرة ودليل على أنه لن يغني حذر من قدر، وأنه لا ملجأ من الله إلا إليه، فإن هؤلاء القوم خرجوا فراراً من الوباء، وطلباً لطول الحياة، فعوملوا بنقيض قصدهم، وجاءهم الموت سريعاً في آن واحد.
المثال الرابع لإحياء الموتى: في قصة الذي مر على قرية ميتة، فاستبعد أن يحييها الله، فأماته الله مائة عام ثم بعثه، قال جل في علاه: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:259].
واختلف المفسرون في هذا الذي مر، فقال علي : هو عزير، وهذا هو المشهور، وقالوا: هو الخضر، وقالوا: رجل من أهل الشام اسمه حزقيل بن بوار ، قال مجاهد : هو رجل من بني إسرائيل، أما القرية فالمشهور أنها بيت المقدس، مر عليها بعد تخريب بختنصر لها وقتل أهلها.
المثال الخامس: في قصة إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام حين سأل الله أن يريه كيف يحي الموتى، وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:260].
فهذه صور خمسة في كتاب الله في سورة البقرة، أخبرنا فيها المولى عز وجل كيف يحيي الموتى، وكذلك سيحييهم للحشر بعد البعث.
إذا علمنا عباد الله! أن هناك بعثاً فاعلم -رعاك الله- أن هناك حشراً، وهو جمع الخلائق يوم القيامة لحسابهم والقضاء بينهم، وسمى الله ذلك اليوم بيوم الجمع، قال جل شأنه: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ [التغابن:9]، وقال سبحانه: ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ [هود:103]، وقال جل وعلا: قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ [الواقعة:49-50].
فلا إله إلا الله! فلا إله إلا الله على يوم مثل هذا.
تأمل في قدرة الله التي تحيط بالعباد، فالله لا يعجزه شيء، وحيثما هلك العباد، فإن الله قادر على الإتيان بهم، إن هلكوا في أجواء الفضاء، أو غاروا في أعماق الأرض، أو أكلتهم الطيور الجارحة، أو افترستهم الحيوانات المفترسة، أو ابتلعتهم الحيتان في البحار، قال سبحانه: أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:148].
وكما أن قدرة الله محيطة بعباده يأتي بهم حيثما كانوا، فكذلك علمه محيط بهم، فلا يتخلف منهم أحد، ولا يضل منهم أحد، ولا يشذ منهم أحد، لقد أحصاهم خالقهم تبارك وتعالى، وعدهم عداً، قال جل في علاه: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا [مريم:93-95]، وقال سبحانه: وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا [الكهف:47].
أما القصد من الجمع -عباد الله- فهو للعرض والحساب، قال جل وعلا: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [النجم:31]، وقال جل في علاه: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ [الزلزلة:6]، وقال جل في علاه: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة:18].
فلو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت راحة كل حي
ولكنا إذا متنا بعثنا ونسأل بعده عن كل شيء
نعم عباد الله! إنه العرض والحساب، لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [إبراهيم:51].
عباد الله! أخبرنا ربنا جل وعلا عن مشهد الحساب والجزاء في يوم الحساب فقال: وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ [الزمر:69].
حسبك -عبد الله- أن تعلم أن القاضي والمحاسب في ذلك اليوم هو الحكم العدل قيوم السماوات والأرض، ليتبين لك عظم هذا المشهد وجلالته ومهابته، ولعل هذا الإشراق المذكور في الآية إنما يكون عندما يجيء الملك الجليل للقضاء بين العباد، قال سبحانه: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ [البقرة:210]، وقال: كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ * يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر:21-30].
هو مجيء الله أعلم بكيفيته، نؤمن به، ونعلم أنه حق، ولا نؤوله، ولا نحرفه، ولا نكذب به، والآية تنص أيضاً على مجيء الملائكة، فهو موقف جليل، تحضره ملائكة الرحمن، ومعها كتب الأعمال، التي أحصت على الخلق أعمالهم، وتصرفاتهم، وأقوالهم، ليكون حجة على العباد، وهو كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، قال سبحانه: وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49].
ويجاء في موقف القضاء والحساب بالرسل، ويسألون عن الأمانة التي حملهم الله إياها، وهي: إبلاغ الوحي إلى من أرسلوا إليهم، ويشهدون على أقوامهم وما عملوه معهم، ويقوم الأشهاد في ذلك اليوم العظيم، فيشهدون على الخلائق بما كان منهم.
والأشهاد هم الملائكة الذين كانوا يسجلون على المرء أعماله، ويشهد أيضاً الأنبياء والعلماء، كما تشهد على العباد الأرض، والسماء، والأيام، والليالي، تأمل في قول الجبار جل في علاه: إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا [الزلزلة:1-5].
والله إنه لحساب شديد، فسيحاسب فيه الإنسان بالذرة.
عباد الله! يؤتى بالعباد الذين عقد الحق تبارك وتعالى محكمته العظيمة لمحاسبتهم، ويقامون صفوفاً للعرض عليه، وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا [الكهف:48]، ويؤتى بالمجرمين منهم، وهم الذين كذبوا الرسل، وتمردوا على ربهم، واستعلوا في الأرض بغير الحق، يؤتى بهم، مقرنين بالأصفاد، مسربلين بالقطران، قال سبحانه: وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ [إبراهيم:49-50].
ولشدة الهول في ذلك الموقف العظيم، تجثو الأمم على الركب عندما يدعى الناس للحساب، لعظم ما يشاهدون، وما هم فيه واقعون، وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الجاثية:28-29].
إنه مشهد جليل عظيم! نسأل الله أن ينجينا فيه بفضله ومنه وكرمه.
مفهوم الحساب وأنواعه
ويشمل الحساب ما يقوله الجبار لعباده، وما يقولونه له، وما يقيمه عليهم من حجج وبراهين، وشهادة الشهود، ووزن الأعمال.
أما نوع الحساب: فعسير، ويسير، ومنه: حساب التكريم، والتوبيخ، ومنه: الفضل، والصفح، والعفو.
والذي يتولى ذلك كله، هو: أكرم الأكرمين، وأسرع الحاسبين، وقيوم السماوات والأرضين.
شعار محكمة ذلك اليوم: لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [غافر:17]، (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا)، فهو العدل سبحانه، لو عذب عباده جميعاً لم يكن ظالماً لهم؛ لأنهم عبيده، وملكه، والمالك يتصرف في ملكه كيف يشاء.
أيا من ليس لي منه مجير بعفوك من عذابك أستجير
أنا العبد المقر بكل ذنب وأنت الواحد المولى الغفور
إن عذبتني فبسوء فعلي وإن تغفر فأنت به جدير
أفر إليك منـك وأيـن إلا إليك يفر منك المستجير
ولكن الحق تبارك وتعالى يحاسبهم محاسبة عادلة، تليق بمحكمته، وعدله، وعظمته، وجلاله.
من قواعد الحساب يوم القيامة
ومن قواعد تلك المحكمة: أن الله لا يؤاخذ أحداً بجريرة أحد، قال سبحانه: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [فاطر:18]، بل: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر:38].
ومن تلك القواعد أيضاً: إطلاع العباد على ما قدموه من أعمال، يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:30].
ومن قواعد المحاكمة في ذلك اليوم: إقامة الشهود على الكفرة والمنافقين والفجرة، قال الله: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يس:65]، وقال سبحانه: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ [النور:24-25].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
أسئلة يوم الحساب
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه.
أما بعد:
عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله، اتقوا الله عباد الله! ومن تقوى الله الاستعداد للوقوف بين يدي الله جل في علاه.
عماذا سيكون السؤال في ذلك اليوم الذي سيجمع الله فيه الأولين والآخرين؟!
اسمع بارك الله فيك! اسمع السؤال وأعد الجواب بارك الله فيك!
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (لا تزول -أي إلى الجنة أو إلى النار- قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، وماذا عمل فيما علم)، رواه الترمذي، وقال الألباني: رحمه الله وإسناده حسن.
قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ * لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر:18-21].
لا تظنن الأمر سهل عبد الله! بل في ذلك اليوم يشتد غضب الجبار جل جلاله، يشتد غضبه على من خلقه فعبد غيره، وعلى من رزقه فشكر غيره، وعلى من أسبغ عليه النعم ثم عصاه، عن عبيد الله بن مقسم أنه نظر إلى عبد الله بن عمر وهو يحكي عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر في قول الله تبارك وتعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر:67] أنه قال صلى الله عليه وسلم: (يأخذ الله عز وجل سماواته وأرضيه بيديه، فيقول: أنا الله، ويقبض يده ويبسطها ويقول: أنا الملك، أنا الملك، قال
فتأمل حال العصاة والمجرمين في ذلك اليوم! يوم يشتد غضب الجبار جل في علاه، قال سبحانه: وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ [فصلت:19-24]، يطلبون رضا ربهم، فلا يستجاب لهم.
فتأمل -عبد الله- موقفك غداً بين يدي العزيز القهار، والله إنها ساعة لا يخفى على الموقنين رهبتها، ولا على المتقين شدتها.
اللهم يسر حسابنا، ويمن كتابنا، وثقل موازيننا، زحزحنا عن النار، وأدخلنا الجنة يا عزيز يا غفار.
تذكر وقوفك يوم العرض عريانا مستوحشاً قلق الأحشاء حيرانا
والنار تلهب من غيظ ومن غضب على العصاة ورب العرش غضبانا
اقرأ كتابك يا عبدي على مهل فهل ترى فيه حرفاً غير ما كانا
فلما قرأت ولم تنكر قراءته وأقررت إقرار من عرف الأشياء عرفانا
نادى الجليل خذوه يا ملائكتي وامضوا بعبد عصا إلى النار عطشانا
المشركون غداً في النار يلتهبوا والموحدون بدار الخلد سكانا
قال سبحانه: وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا * مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:13-15].
قال الزجاج : ذكر العنق عبارة عن اللزوم كلزوم القلادة للعنق.
وقال ابن أدهم : كل آدمي في عنقه قلادة يكتب فيها نسخة عمله، فإذا مات طويت، وإذا بعث نشرت، وقيل له: (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا).
وقال ابن عباس رضي الله عنه: معنى طائره: أي عمله.
وقال الحسن : يقرأ الإنسان الكتاب أمياً كان أو غير أمي، يعرف القراءة أو لا يعرفها، ينطق ويقرأ في ذلك اليوم.
الاستعداد ليوم الحساب
عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما منكم أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة) رواه البخاري .
تخيل -عبد الله- نفسك واقفاً بين يدي ربك، في يدك صحيفة مخبرة بعملك، لا تغادر بلية كتمتها، ولا مخبأة أسررتها، وأنت تقرأ ما فيها، بلسان كليل، وقلب منكسر حسير، والأهوال محدقة بك من بين يديك ومن خلفك، فكم من بلية قد كنت نسيتها ذكركها! وكم من سيئة قد كنت قد أخفيتها قد أظهرها وأبداها! وكم من عمل ظننت أنه سلم لك وخلص لك، فرده عليك في ذلك الموقف وأحبطه، بعد أن كان أملك منه عظيماً! فيا حسرة قلبك، ويا أسفك على ما فرطت فيه من طاعة ربك.
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك فقلت: يا رسول الله! أليس الله قد قال: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا [الانشقاق:7-8]؟ فقال صلى الله عليه وسلم: يا عائشة ! إنما ذلك العرض، وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة إلا عذب) متفق عليه.
ثم يبدأ الحساب، وتكشف الحقائق، وتظهر الفضائح.
تذكر -عبد الله- أنك بين يدي الله موقوف، وأنك ستكلمه ليس بينك وبينه ترجمان، ستقف وستسأل عن القليل والكثير، عن الصغير والكبير، ستسأل عن العمر، عن الشباب، عن المال، عن كل نظرة، عن كل كلمة قلتها، يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:30].
ستسأل عن كل صلاة تخلفت عنها، وهل حفظت الصوم والزكاة، هل أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، هل دافعت عن أعراض المسلمين، ستسأل عن حقوق وواجبات، وأوامر ومنهيات، فمنهم من يحاسب حساباً يسيراً، وينقلب إلى أهله مسروراً، ومنهم من يحاسب حساباً عسيراً ويدعو ثبوراً.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يدني المؤمن منه يوم القيامة فيضع عليه كنفه -أي يضع عليه ستره- فيقول: فلان! أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: إي نعم رب أعرف، حتى يقرره بذنوبه، حتى إذا رأى العبد أنه قد هلك، قال أرحم الراحمين: فإني سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم)، فيعطى كتاب حسناته بيمينه، فهذا هو الحساب اليسير، أما الكفار والمنافقون، فينادى بهم على رءوس الخلائق: هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هود:18].
حاسبوا أنفسكم عباد الله، واستعدوا للعرض أمام الله جل في علاه، إلى متى الغفلة عباد الله! ومنادي الله يناديكم: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ [الأنبياء:1]؟
اعلم -رعاك الله- أنه عند صرعة الموت، لا عثرة تقال، ولا توبة تنال.
كان خليد العصري يقول: كلنا أيقن بالموت، وما نرى له مستعداً، وكلنا أيقن بالنار، وما نرى لها خائفاً، وكلنا قد أيقن بالجنة، وما نرى لها عاملاً.
إلى متى الغفلة عبد الله؟! أين ندمك على ذنوبك؟! وأين حزنك على عيوبك؟! إلى متى تؤذي بالذنب نفسك؟! وتضيع يومك كما ضيعت أمسك؟ لا مع الصادقين لك قدم، ولا مع التائبين لك ندم، فهلا بسطت يداً سائلة، وهلا أجريت دموعاً سائلة، انتبه قبل أن تنادي: رباه ارجعون، فيقال: مات، وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ [سبأ:54]، انتبه قبل أن توقف أمام الله للعرض فتقول: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ [الزمر:56].
مر الحسن البصري على أقوام يضحكون، فقال: هل مررتم على الصراط؟ قالوا: لا، قال: أتدرون إلى الجنة يؤخذ بكم أم إلى النار؟ قالوا: لا، قال: فعلام الضحك؟! لا على الصراط مررتم، ولا إلى الجنة تؤخذون، ولا من النار تنجون، وتضحكون؟! ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الحجر:3].
فاتقوا الله عباد الله! وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة:281].
أدوا الحقوق، وتحللوا من بعضكم، قبل ألا يكون درهم ولا دينار، أخلصوا أعمالكم لله، حافظوا على الصلوات، انتهوا عن الفواحش والمنكرات، توبوا إلى الله توبة نصوحاً.
اللهم إنا نسألك توبة نصوحاً قبل الموت، وشهادة عند الموت، ورحمة بعد الموت يا رب العالمين.
اللهم استر في ذلك اليوم عوراتنا، وآمن فيه روعاتنا، وثقل فيه موازيننا، وزحزحنا فيه عن النار، وأدخلنا فيه الجنة يا رب العالمين.
اللهم أصلح شباب المسلمين، اللهم أصلح شباب المسلمين، اللهم أصلح شباب المسلمين، اللهم ردهم إليك رداً جميلاً يا رب العالمين.
اللهم ارحم الشيب، وبارك في أعمارهم يا رب العالمين.
اللهم احفظ نساءنا وأطفالنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم انصر المجاهدين في سبيلك الذين يقاتلون من أجل إعلاء كلمة دينك، وانصر من نصرهم، واخذل من خذلهم، وصن أعراضهم، واحقن دماءهم، وتقبل شهداءهم، وفك أسرانا وأسراهم.
اللهم اكبت عدوك وعدونا من يهود ونصارى وحاقدين، وافضح المنافقين والمعتدين، يا عليم يا خبير، يا قوي يا عزيز، ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم، اللهم لا ترفع لهم في بلاد المسلمين راية، ولا تحقق لهم في بلاد المسلمين غاية، اللهم أخرجهم من بلاد المسلمين أذلة صاغرين، يا قوي يا عزيز.
عباد الله! إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل:90]، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
استمع المزيد من الشيخ خالد الراشد - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
انها النار | 3543 استماع |
بر الوالدين | 3427 استماع |
أحوال العابدات | 3412 استماع |
يأجوج ومأجوج | 3349 استماع |
البداية والنهاية | 3336 استماع |
وقت وأخ وخمر وأخت | 3271 استماع |
أسمع وأفتح قلبك - ذكرى لمن كان له قلب | 3255 استماع |
أين دارك غداً | 3205 استماع |
هذا ما رأيت في رحلة الأحزان | 3099 استماع |
أين أنتن من هؤلاء؟ | 3097 استماع |