أين أنتن من هؤلاء؟


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

معاشر الأحبة رجالاً ونساء! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

حيا الله الجميع، وأسال الله العظيم رب العرش الكريم أن يجمعنا وإياكم في دار كرامته وأن يحفظنا وإياكم بحفظه, وأن يستر علينا وإياكم بستره, أساله سبحانه أن يجعلنا هداة مهتدين لا ضالين ولا مضلين.

حديث الليلة خاص إليك أنت.

فأنت مدار الحديث كله، بصلاح المرأة صلاح المجتمع كله, وإذا قامت المرأة بدورها العظيم فإن النصر والتمكين يكون قريباً بإذن الله.

أهلاً بك في لقاء بعنوان: أين أنتن من هؤلاء؟

قبل أن أبدأ أود أن أقول ما الدافع إلى هذا الموضوع؟

أولاً: حاجة المسلمات اليوم إلى القدوة في زمن ضاعت فيه القدوات.

من الدوافع أيضاً: رفع الهمم في زمن ضعفت فيه همم كثيرات.

ثم الواقع الذي نعيشه اليوم من رغبة الناس في الدنيا وعزوفهم عن الآخرة، فكان لا بد من تذكير النفس وتذكير الآخرين والأخريات بأن ما أعد الله للمؤمنين والمؤمنات خير من الدنيا وما فيها.

ثم من الدوافع: أنه من أراد الوصول فعليه بالأصول، ومن سارت على الدرب وصلت بإذن الله.

إننا أيتها الغالية! في أمس الحاجة للنظر في سيرة أولئك الرجال والنساء، إننا أخية! في أمس الحاجة لدراسة سيرة أولئك الرجال والنساء، إننا في أمس الحاجة أن نتأسى بأولئك الرجال والنساء.

قال ابن مسعود رضي الله عنه: من كان متأسياً فليتأس بمن مات فإن الحي يخشى عليه من الفتنة.

أيتها الغالية! إننا نحتاج إلى أن نصحح المسار ونتخذ من حياة أولئك الرجال والنساء مثالاً لنا، إننا بحاجة إلى القدوة في زمن قلت فيه القدوات، إننا بحاجة أن نتعلم منهم العزة في زمن قل فيه المعتزون والمعتزات، إننا بحاجة إلى أن نتعلم منهم الثبات في زمن قل فيه الثابتون والثابتات.

أما تلاحظين أيتها الغالية! أن المفاهيم قد تغيرت حتى أصبح الممثلون والممثلات والمغنين والمغنيات هم القدوات، كم تصرف الأوقات والأموال لقراءة ومتابعة أولئك الغافلين والغافلات؟!

أكرر: نحن بحاجة إلى أن نصحح المسار وأن نعرف من هم القدوات.

سيتكون الموضوع بعد المقدمة التي ذكرناها من:

صورة من العزة والثبات.

ثم صورة من حب الله ورسوله.

ثم المحبة ومعناها.

ثم صانعة الأبطال.

ثم المؤمنة والحياء.

ثم نختم بإذن الله.

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

معاشر الأحبة رجالاً ونساء! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

حيا الله الجميع، وأسال الله العظيم رب العرش الكريم أن يجمعنا وإياكم في دار كرامته وأن يحفظنا وإياكم بحفظه, وأن يستر علينا وإياكم بستره, أساله سبحانه أن يجعلنا هداة مهتدين لا ضالين ولا مضلين.

حديث الليلة خاص إليك أنت.

فأنت مدار الحديث كله، بصلاح المرأة صلاح المجتمع كله, وإذا قامت المرأة بدورها العظيم فإن النصر والتمكين يكون قريباً بإذن الله.

أهلاً بك في لقاء بعنوان: أين أنتن من هؤلاء؟

قبل أن أبدأ أود أن أقول ما الدافع إلى هذا الموضوع؟

أولاً: حاجة المسلمات اليوم إلى القدوة في زمن ضاعت فيه القدوات.

من الدوافع أيضاً: رفع الهمم في زمن ضعفت فيه همم كثيرات.

ثم الواقع الذي نعيشه اليوم من رغبة الناس في الدنيا وعزوفهم عن الآخرة، فكان لا بد من تذكير النفس وتذكير الآخرين والأخريات بأن ما أعد الله للمؤمنين والمؤمنات خير من الدنيا وما فيها.

ثم من الدوافع: أنه من أراد الوصول فعليه بالأصول، ومن سارت على الدرب وصلت بإذن الله.

إننا أيتها الغالية! في أمس الحاجة للنظر في سيرة أولئك الرجال والنساء، إننا أخية! في أمس الحاجة لدراسة سيرة أولئك الرجال والنساء، إننا في أمس الحاجة أن نتأسى بأولئك الرجال والنساء.

قال ابن مسعود رضي الله عنه: من كان متأسياً فليتأس بمن مات فإن الحي يخشى عليه من الفتنة.

أيتها الغالية! إننا نحتاج إلى أن نصحح المسار ونتخذ من حياة أولئك الرجال والنساء مثالاً لنا، إننا بحاجة إلى القدوة في زمن قلت فيه القدوات، إننا بحاجة أن نتعلم منهم العزة في زمن قل فيه المعتزون والمعتزات، إننا بحاجة إلى أن نتعلم منهم الثبات في زمن قل فيه الثابتون والثابتات.

أما تلاحظين أيتها الغالية! أن المفاهيم قد تغيرت حتى أصبح الممثلون والممثلات والمغنين والمغنيات هم القدوات، كم تصرف الأوقات والأموال لقراءة ومتابعة أولئك الغافلين والغافلات؟!

أكرر: نحن بحاجة إلى أن نصحح المسار وأن نعرف من هم القدوات.

سيتكون الموضوع بعد المقدمة التي ذكرناها من:

صورة من العزة والثبات.

ثم صورة من حب الله ورسوله.

ثم المحبة ومعناها.

ثم صانعة الأبطال.

ثم المؤمنة والحياء.

ثم نختم بإذن الله.

غزية بنت حكيم العامرية

أيتها الغالية! هل سمعت عن تلك التي قالت لقومها: إي والله إني على دينه؟!

ما شأنها.. وما قصتها.. وما خبرها؟

إنها أم شريك إنها غزية بنت جابر بن حكيم القرشية العامرية التي كانت من أوائل من أسلم هي وزوجها، تحكي رضي الله عنها قصة حياتها، حياة الثبات والصبر على دينها رغم التعذيب القاسي.

تقول: جاءني أهل زوجي فقالوا لي: لعلك على دين محمد؟! قلت: إي والله إني لعلى دينه -تأملي نبرة العزة- قالوا: لا جرم! والله لنعذبنك عذاباً شديداً، ثم ارتحلوا بي على جمل هو شر ركابهم وأغلظه، يطعمونني الخبز والعسل ويمنعون عني الماء، حتى إذا انتصف النهار وحميت الشمس نزلوا فضربوا أخبيتهم وتركوني في الشمس قائمة وفعلوا بي ذلك ثلاثة أيام حتى ذهب عقلي وسمعي وبصري، ثم قالوا لي في اليوم الثالث: اتركي دين محمد وما أنت عليه!

تقول: قلت في نفسي: ليتهم رجعوا إلى أنفسهم بعدما عاينوا صبري وقد ذهب عقلي وسمعي وبصري لعلهم يرجعون عن غيهم وفعلتهم هذه ويدخلون في دين الله عز وجل الذي تذوقت حلاوته.

نعم أيتها الغالية! إنها امرأة لا تملك من حطام الدنيا شيئاً لتفتدي به نفسها من ذلك العذاب الشديد، ولكنها تمتلك الإيمان الذي خالطت بشاشته القلوب فامتلأت بحب علام الغيوب.. نعم إن الإيمان هو المحرك الحقيقي لهذا الإنسان.

تقول غزية : وما دريت والله ما يقولون إلا الكلمة بعد الكلمة، كنت أشير بإصبعي إلى السماء -علامة على ثباتها على معرفة الله الواحد الأحد- تقول : فوالله إني لعلى ذلك وقد بلغ مني الجهد، ولكن شاء الله عز وجل أن يلطف بي بعد ذلك البلاء المبين!

أما قال سبحانه: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ [محمد:31]، أما قال سبحانه : أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ [آل عمران:142]؟

تقول: وبينا أنا على تلك الحال إذ وجدت برد دلو على صدري، فأخذته فشربت منه جرعة واحدة ثم انتزع، فنظرت -وهي التي فقدت بصرها- فنظرت فإذا هو معلق بين السماء والأرض فلم أقدر عليه، ثم تدلى ثانية فشربت منه جرعة، ثم تدلى ثالثة فشربت حتى رويت وأرقت على رأسي ووجهي وثيابي.

خرج أهل زوجي ونظروا إلي على تلك الحال وقالوا: من أين لك هذا يا عدوة الله؟! فقلت بكل عزة وثبات: إن عدو الله غيري، إنه من خالف دين الله وعصى أوامره، ثم قلت: أما هذا الذي تسألون عنه فهو من عند الله عز وجل رزق رزقنيه الله.. الله الذي يجيب المضطر إذا دعاه.. الله الذي قال: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ [البقرة:186].

قريب.. أسمع وأجيب، وأعطي البعيد والقريب، وأرزق العدو والحبيب.

قريب.. أغيث اللهفان، وأشبع الجوعان، وأسقي الظمآن، وأكافئ الإحسان.

قريب.. عطائي ممنوح، وخيري يغدو ويروح، وبابي مفتوح، وأنا حليم كريم صفوح.

قريب.. يدعوني الغريق في البحار، والضال في القفار، والمحبوس خلف الأسوار، كما دعاني عبدي في الغار.

قريب.. فرجي في لمحة البصر، وغوثي في لفتة النظر، المغلوب إذا دعاني انتصر.

سبحانه.. اطلع فستر، وعلم فغفر، وعبد فشكر، وأوذي فصبر.. سبحانه لا إله إلا هو.

قالت: قلت: أما هذا الذي تسألون عنه فهو من عند الله عز وجل رزق رزقنيه الله، الله الذي يجيب المضطر إذا دعاه, هنا انطلق أهل زوجي سراعاً إلى قرابهم المملوءة بالماء وإلى أوعيتهم الأخرى يستجلون الخبر فعند القرب والأوعية الخبر اليقين، وجدوها موكوءة لم تحل، فعادوا إليها وقالوا: نشهد بأن ربك هو ربنا وأن الذي رزقك في هذا الموضع بعد أن فعلنا بك ما فعلناه هو الذي شرع هذا الدين العظيم، هو الإله الحق.

ثم أسلموا وهاجروا جميعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بثباتها وعزتها وموقفها الشديد، أسلم القوم وظهر لهم الحق.

إنه درس من الثبات، إنه الإيمان الذي جعل المؤمنات كالجبال الراسيات، فلا عذاب ولا تهديد يجعلهن يقدمن أي تنازلات، بل إباء وشموخ وثبات.

أما قال بلال وهو الذي ذاق أمر العذاب لما سئل: كيف تحملت كل هذا العذاب؛ قال: مزجت حلاوة الإيمان بمرارة العذاب فطغت حلاوة الإيمان.

كرر علي حديثهم يا حادي

فحديثهم يجلي الفؤاد الصادي

المحبة ومفهومها

في الصحيح عن أنس بن مالك قال: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان - وفي رواية: ذاق حلاوة الإيمان - أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار).

أخية! إن الإيمان ليس بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه اللسان وعملت به الجوارح والأركان، يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان.

أيتها الغالية! إن الإله هو الذي يألهه العباد حباً وذلاً وخوفاً ورجاءً وتعظيماً وطاعةً له، بمعنى مألوه: وهو الذي تألهه القلوب، أي تحبه وتذل له.

صورة من حب الله ورسوله

أيتها الغالية! إن العقول تحكم بوجوب تقديم محبة الله على محبة النفس والأهل والمال والولد وكل ما سواه، وكل من لم يحكم عقلها بهذا فلا تأبه لعقلها، فإن العقل والفطرة والنظر تدعو كلها إلى محبته سبحانه بل إلى توحيده في المحبة، وإنما جاءت الرسل بتقرير ما في الفطر والعقول كما قيل:

هب الرسل لم تأت من عنده

ولا أخبرت عن جمال الحبيب

أليس من الواجب المستحق

محبته في اللقاء والمغيب

فمن لم يكن عقله آمراً بذا

ما له في الحجا من نصيب

وإن العقول لتدعو إلى

محبة فاطرها من قريب

أليست على ذاك مجبولة

ومفطورة لا بكسب غريب

أليس الجمال حبيب القلوب

بذات الجمال وذات القلوب

فيا منكراً ذاك والله أنت

عين الطريد وعين الحريب

ويا من يوسد محبوبه

ويرضيه في مشهد أو مغيب

حظيت وخابوا فلا تبتئس بكيد العدو وهجر الرقيب

اسمعي أمة الله! اسمعي أماه! اسمعي أختاه! عن المحبات الصادقات وتساءلي وقولي: أين نحن من هؤلاء؟

في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر خديجة ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب).

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتاني جبريل فقال: هذه خديجة أتتك ومعها إناء فيه طعام وشراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها من ربك السلام ومني)، الله أكبر! ربها يقرئها السلام.

نزلت عليه صلى الله عليه وسلم آيات سورة المزمل تأمره بقيام الليل، فقام بأبي هو وأمي وقامت معه خديجة وقام الصحابة اثني عشر شهراً حتى انتفخت أرجلهم، ثم نزل التخفيف لما رأى الله صدقهم فقال سبحانه: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [المزمل:20]، أما قال عنها صلى الله عليه وسلم: (آمنت بي يوم كفر بي الناس, وآوتني يوم طردني الناس, وصدقتني يوم كذبني الناس, وأعطتني مالها يوم حرمني الناس)، فلا عجب أن يقرئها ربها السلام. القاسم

هاهي الصديقة بنت الصديق , المبرأة من فوق سبع سماوات, يقول القاسم : كانت عائشة تصوم الدهر، وقال: كنت إذا غدوت - يعني إذا أصبحت - أبدأ بـعائشة فأسلم عليها، فغدوت يوماً فإذا هي قائمة تسبح وتقرأ: فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ [الطور:27-28] فانتظرت حتى مللت الانتظار، فذهبت إلى السوق لحاجتي ثم رجعت فإذا هي في مكانها قائمة تصلي وتبكي وتردد فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ * فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ [الطور:27-29].

تأملي يا رعاك الله! إذا كان هذا نهارها فكيف تكون إذا جن عليها الليل؟! فإن كان الرسول صلى الله عليه وسلم سيد العابدين فـالصديقة العالمة بليله وقيامه ووتره سيدة المتهجدات فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34].

أما بنت الفاروق حفصة فقال أنس : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال جبريل: راجع حفصة فإنها صوامة قوامة).

وقال نافع : ماتت حفصة حتى ما تخطئ.

أخية! من علمت وأيقنت أن آخر العمر إلى اللحد لم تنشغل بتزيين المهد.

سؤال ونحن في هذا المكان: كيف تكون أول ليلة في الزفاف والعرس؟

أيتها الغالية! هل سمعت عن تلك التي قالت لقومها: إي والله إني على دينه؟!

ما شأنها.. وما قصتها.. وما خبرها؟

إنها أم شريك إنها غزية بنت جابر بن حكيم القرشية العامرية التي كانت من أوائل من أسلم هي وزوجها، تحكي رضي الله عنها قصة حياتها، حياة الثبات والصبر على دينها رغم التعذيب القاسي.

تقول: جاءني أهل زوجي فقالوا لي: لعلك على دين محمد؟! قلت: إي والله إني لعلى دينه -تأملي نبرة العزة- قالوا: لا جرم! والله لنعذبنك عذاباً شديداً، ثم ارتحلوا بي على جمل هو شر ركابهم وأغلظه، يطعمونني الخبز والعسل ويمنعون عني الماء، حتى إذا انتصف النهار وحميت الشمس نزلوا فضربوا أخبيتهم وتركوني في الشمس قائمة وفعلوا بي ذلك ثلاثة أيام حتى ذهب عقلي وسمعي وبصري، ثم قالوا لي في اليوم الثالث: اتركي دين محمد وما أنت عليه!

تقول: قلت في نفسي: ليتهم رجعوا إلى أنفسهم بعدما عاينوا صبري وقد ذهب عقلي وسمعي وبصري لعلهم يرجعون عن غيهم وفعلتهم هذه ويدخلون في دين الله عز وجل الذي تذوقت حلاوته.

نعم أيتها الغالية! إنها امرأة لا تملك من حطام الدنيا شيئاً لتفتدي به نفسها من ذلك العذاب الشديد، ولكنها تمتلك الإيمان الذي خالطت بشاشته القلوب فامتلأت بحب علام الغيوب.. نعم إن الإيمان هو المحرك الحقيقي لهذا الإنسان.

تقول غزية : وما دريت والله ما يقولون إلا الكلمة بعد الكلمة، كنت أشير بإصبعي إلى السماء -علامة على ثباتها على معرفة الله الواحد الأحد- تقول : فوالله إني لعلى ذلك وقد بلغ مني الجهد، ولكن شاء الله عز وجل أن يلطف بي بعد ذلك البلاء المبين!

أما قال سبحانه: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ [محمد:31]، أما قال سبحانه : أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ [آل عمران:142]؟

تقول: وبينا أنا على تلك الحال إذ وجدت برد دلو على صدري، فأخذته فشربت منه جرعة واحدة ثم انتزع، فنظرت -وهي التي فقدت بصرها- فنظرت فإذا هو معلق بين السماء والأرض فلم أقدر عليه، ثم تدلى ثانية فشربت منه جرعة، ثم تدلى ثالثة فشربت حتى رويت وأرقت على رأسي ووجهي وثيابي.

خرج أهل زوجي ونظروا إلي على تلك الحال وقالوا: من أين لك هذا يا عدوة الله؟! فقلت بكل عزة وثبات: إن عدو الله غيري، إنه من خالف دين الله وعصى أوامره، ثم قلت: أما هذا الذي تسألون عنه فهو من عند الله عز وجل رزق رزقنيه الله.. الله الذي يجيب المضطر إذا دعاه.. الله الذي قال: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ [البقرة:186].

قريب.. أسمع وأجيب، وأعطي البعيد والقريب، وأرزق العدو والحبيب.

قريب.. أغيث اللهفان، وأشبع الجوعان، وأسقي الظمآن، وأكافئ الإحسان.

قريب.. عطائي ممنوح، وخيري يغدو ويروح، وبابي مفتوح، وأنا حليم كريم صفوح.

قريب.. يدعوني الغريق في البحار، والضال في القفار، والمحبوس خلف الأسوار، كما دعاني عبدي في الغار.

قريب.. فرجي في لمحة البصر، وغوثي في لفتة النظر، المغلوب إذا دعاني انتصر.

سبحانه.. اطلع فستر، وعلم فغفر، وعبد فشكر، وأوذي فصبر.. سبحانه لا إله إلا هو.

قالت: قلت: أما هذا الذي تسألون عنه فهو من عند الله عز وجل رزق رزقنيه الله، الله الذي يجيب المضطر إذا دعاه, هنا انطلق أهل زوجي سراعاً إلى قرابهم المملوءة بالماء وإلى أوعيتهم الأخرى يستجلون الخبر فعند القرب والأوعية الخبر اليقين، وجدوها موكوءة لم تحل، فعادوا إليها وقالوا: نشهد بأن ربك هو ربنا وأن الذي رزقك في هذا الموضع بعد أن فعلنا بك ما فعلناه هو الذي شرع هذا الدين العظيم، هو الإله الحق.

ثم أسلموا وهاجروا جميعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بثباتها وعزتها وموقفها الشديد، أسلم القوم وظهر لهم الحق.

إنه درس من الثبات، إنه الإيمان الذي جعل المؤمنات كالجبال الراسيات، فلا عذاب ولا تهديد يجعلهن يقدمن أي تنازلات، بل إباء وشموخ وثبات.

أما قال بلال وهو الذي ذاق أمر العذاب لما سئل: كيف تحملت كل هذا العذاب؛ قال: مزجت حلاوة الإيمان بمرارة العذاب فطغت حلاوة الإيمان.

كرر علي حديثهم يا حادي

فحديثهم يجلي الفؤاد الصادي

في الصحيح عن أنس بن مالك قال: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان - وفي رواية: ذاق حلاوة الإيمان - أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار).

أخية! إن الإيمان ليس بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه اللسان وعملت به الجوارح والأركان، يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان.

أيتها الغالية! إن الإله هو الذي يألهه العباد حباً وذلاً وخوفاً ورجاءً وتعظيماً وطاعةً له، بمعنى مألوه: وهو الذي تألهه القلوب، أي تحبه وتذل له.

أيتها الغالية! إن العقول تحكم بوجوب تقديم محبة الله على محبة النفس والأهل والمال والولد وكل ما سواه، وكل من لم يحكم عقلها بهذا فلا تأبه لعقلها، فإن العقل والفطرة والنظر تدعو كلها إلى محبته سبحانه بل إلى توحيده في المحبة، وإنما جاءت الرسل بتقرير ما في الفطر والعقول كما قيل:

هب الرسل لم تأت من عنده

ولا أخبرت عن جمال الحبيب

أليس من الواجب المستحق

محبته في اللقاء والمغيب

فمن لم يكن عقله آمراً بذا

ما له في الحجا من نصيب

وإن العقول لتدعو إلى

محبة فاطرها من قريب

أليست على ذاك مجبولة

ومفطورة لا بكسب غريب

أليس الجمال حبيب القلوب

بذات الجمال وذات القلوب

فيا منكراً ذاك والله أنت

عين الطريد وعين الحريب

ويا من يوسد محبوبه

ويرضيه في مشهد أو مغيب

حظيت وخابوا فلا تبتئس بكيد العدو وهجر الرقيب

اسمعي أمة الله! اسمعي أماه! اسمعي أختاه! عن المحبات الصادقات وتساءلي وقولي: أين نحن من هؤلاء؟

في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر خديجة ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب).

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتاني جبريل فقال: هذه خديجة أتتك ومعها إناء فيه طعام وشراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها من ربك السلام ومني)، الله أكبر! ربها يقرئها السلام.

نزلت عليه صلى الله عليه وسلم آيات سورة المزمل تأمره بقيام الليل، فقام بأبي هو وأمي وقامت معه خديجة وقام الصحابة اثني عشر شهراً حتى انتفخت أرجلهم، ثم نزل التخفيف لما رأى الله صدقهم فقال سبحانه: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [المزمل:20]، أما قال عنها صلى الله عليه وسلم: (آمنت بي يوم كفر بي الناس, وآوتني يوم طردني الناس, وصدقتني يوم كذبني الناس, وأعطتني مالها يوم حرمني الناس)، فلا عجب أن يقرئها ربها السلام. القاسم

هاهي الصديقة بنت الصديق , المبرأة من فوق سبع سماوات, يقول القاسم : كانت عائشة تصوم الدهر، وقال: كنت إذا غدوت - يعني إذا أصبحت - أبدأ بـعائشة فأسلم عليها، فغدوت يوماً فإذا هي قائمة تسبح وتقرأ: فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ [الطور:27-28] فانتظرت حتى مللت الانتظار، فذهبت إلى السوق لحاجتي ثم رجعت فإذا هي في مكانها قائمة تصلي وتبكي وتردد فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ * فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ [الطور:27-29].

تأملي يا رعاك الله! إذا كان هذا نهارها فكيف تكون إذا جن عليها الليل؟! فإن كان الرسول صلى الله عليه وسلم سيد العابدين فـالصديقة العالمة بليله وقيامه ووتره سيدة المتهجدات فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34].

أما بنت الفاروق حفصة فقال أنس : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال جبريل: راجع حفصة فإنها صوامة قوامة).

وقال نافع : ماتت حفصة حتى ما تخطئ.

أخية! من علمت وأيقنت أن آخر العمر إلى اللحد لم تنشغل بتزيين المهد.

سؤال ونحن في هذا المكان: كيف تكون أول ليلة في الزفاف والعرس؟

اسمعي وقولي: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ [يوسف:111].

لما أهديت معاذة العدوية إلى زوجها صلة بن أشيم أدخله ابن أخيه الحمام, ثم أدخله بيت مطيباً فيه العروس, فقام يصلي حتى أصبح, وقامت معاذة خلفه فلما أصبح عاتبه ابن أخيه على فعله فقال له: أدخلتني بيتاً أذكرتني به النار, ثم أدخلتني على تلك العروس فتذكرت الجنة, فما زالت فكرتي فيهما حتى أصبحت!

لله درهم كم علت بهم هممهم! وأي كلام يترجم أفعالهم؟ امرأة تحيي ليلة بنائها كلها، فما بال النسوة في زماننا؟! بل ما بال الرجال في هذا الزمان؟!

أما الخيام فإنها كخيامهم وأرى نساء الحي غير نسائها

كانت رحمها الله إذا جاء النهار قالت: هذا يومي الذي أموت فيه فما تنام حتى تمسي, فإذا جاء الليل قالت: هذه ليلتي التي أموت فيها, فلا تنام حتى تصبح.

اسمعي ما قاله ثابت البناني عن خبرها يوم أن بلغها نبأ استشهاد زوجها وابنها، إنها مصيبة عظيمة لكن على المؤمنات أبداً ما تكون، فأتت النساء يواسينها في مصابها فقالت: إن كنتن جئتن لتهنئنني فمرحباً بكن, وإن كنتن جئتن لغير ذلك فارجعن من حيث أتيتن!

الله أكبر ولله درها! أي صنف من النساء هذه التقية النقية؟! لا عجب فهي تلميذة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.

أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع

يقول الحسن : لما مات زوجها شهيداً لم توسد فراشاً بعده، قالت لابنتها من الرضاعة: والله يا بنية! ما محبتي للبقاء في الدنيا للذيذ عيش, ولا لروح نسيم, وإنما أحب البقاء لأتقرب إلى ربي عز وجل بالوسائل، لعله يجمع بيني وبين أبي الصهباء في الجنة.

تقول عنها عفيرة العابدة: لما احتضرها الموت بكت ثم ضحكت, فقيل لها: مم البكاء ومم الضحك؟ قالت: أما البكاء الذي رأيتم فإني ذكرت مفارقة الصيام, والصلاة, والذكر, فكان البكاء لذلك, وأما الذي رأيتم من تبسمي وضحكي فإني نظرت إلى أبي الصهباء قد أقبل في صحن الدار عليه حلتان خضراوان في نفر والله ما رأيت لهم في الدنيا شبهاً، فضحكت إليه وضحك إلي، ولا أراني أدرك بعد ذلك فرضاً معكم, قالت: فماتت قبل أن يدخل عليها وقت الصلاة التالية.

سبحان الله، بكت! لكن على ماذا بكت؟! بكت على فراق الصيام, والصلاة, والذكر, وأنت أيتها الغالية! على ماذا تبكين؟! ما هي همومك؟! وفيم أحزانك؟! على ماذا تلك الدمعات الغالية؟! من أجل من تذرفينها؟!

قوم مضوا كانت الأيام بهم نزه

والعيد كالعيد والأوقات أوقات

ماتوا وعشنا فهم عاشوا بموتهم

ونحن في صور الأحياء أموات

أخية! إن أول علامات الإيمان: هو حب الله جلا وعلا, وحب رسوله صلى الله عليه وسلم, ولما كثر المدعون في المحبة, طولبوا بإقامة البينة على صحة الدعوى, قال سبحانه: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31]، فتأخر الخلق كلهم وثبت أتباع الحبيب في أفعاله, وأقوله, وأخلاقه.

اسمعي يا رعاك الله! ماذا قالوا عن المحبة التي هي من مقتضى وشروط لا إله إلا الله:

قال عبد الله القرشي : المحبة هي أن تهب كلك لمن أحببت, فلا يبقى لك منك شيء.

معنى كلامه أن تهبي إرادتك، وعزمك، وأفعالك، ونفسك، ومالك، ووقتك لمن تحبينه، وتجعليها حبساً ووقفاً في مرضاته ومحابه، فلا تأخذي لنفسك منها إلا ما أعطاك هو, فتأخذيه منه ومن أجله.

قالوا: المحبة: الميل الدائم في القلب الهائم.

وقالوا: المحبة: إيثار المحبوب على جميع المصحوب.

ومن أجمل ما قيل ما ذكره أبو بكر الكتاني قال: جرت مسألة في المحبة بمكة أعزها الله تعالى أيام الموسم, فتكلم الشيوخ في المحبة، وكان الجنيد أصغرهم سناً، فقالوا: هات ما عندك يا عراقي! فأطرق رأسه، ودمعت عيناه, ثم قال: المحب عبد ذاهب عن نفسه متصل بذكر ربه، قائم بأداء حقوقه، ناظر إليه بقلبه، فإن تكلم فبالله، وإن نطق فعن الله، وإن تحرك فبأمر الله، وإن سكن فمع الله، فهو بالله، ولله، ومع الله. فبكى الشيوخ وقالوا: ما على هذا مزيد.

المحب الصادق إذا تكلم فمن أجل الله، وإذا سكت فمن أجل الله، وإذا أعطى فمن أجل الله، وإذا منع فمن أجل الله, فهو بالله ولله ومع الله، فبكى الشيوخ وقالوا: ما على هذا مزيد.

ذكر ابن القيم رحمة الله عشرة أمور توصل إلى محبة الله تبارك وتعالى..

أولها: قراءة القران، والتدبر، والتفهم لمعانيه، وما أريد به.

ثانياً: التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض.

ثالثاً: دوام ذكره على كل حال بالقلب واللسان.

رابعاً: إيثار محابه على محابك.

خامساً: مطالعة القلب لأسمائه وصفاته.

سادساً: مشاهدة بره، وآلائه، وإحسانه، ونعمه الظاهرة والباطنة.

والسابع: - وهو أعجبها كما قال - انكسار القلب بكليته بين يدي الله تعالى.

تاسعها: الخلوة به وقت النزول الإلهي، لمناجاته وتلاوته كتابه، والوقوف بالقلب، والتأدب بأدب العبودية بين يديه.

عاشرها: مجالسة المحبين الصادقين، والتقاط أطايب ثمرات كلامهم، كما تنتقى أطايب الثمرات.

عاشراً: مباعدته كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل.

وإليك مزيداً من أخبارهم، وقولي وكرري: أين نحن من هؤلاء؟

أيتها الغالية!

أماً كنت أم أختاً! على ماذا نربي أبناءنا اليوم؟! ما هي الأمنيات التي نتمناها لهم؟ أما قال سبحانه: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ [النساء:11]، فوصى الآباء بالأبناء، قبل أن يوصي الآباء بالأبناء.

انظري حولك في واقع الأبناء في هذه الأيام لتعرفي مقدار المأساة، أما أولئك كيف ربوا أبنائهم؟ وماذا علموهم؟ وماذا أعدوهم له؟ اسمعي وافتحي القلب قبل أن تفتحي الأذنين.

جاء في السير أنه كان في البصرة نساء عابدات, وكانت منهن أم إبراهيم الهاشمية، فأغار العدو على ثغر من ثغور المسلمين، فانتدب الناس للجهاد، فقام عبد الواحد بن زيد البصري خطيباً، فحضهم على الجهاد، كانت أم إبراهيم هذه حاضرة في مجلسه، وتمادى عبد الواحد في كلامه، ثم وصف الحور العين، وذكر ما قيل فيهن وأنشد في صفة حوراء:

غادة ذات دلال ومرح

يجد الناعس فيها ما اقترح

خلقت من كل شيء حسن

طيب فالليت فيها مطرح

زانها الله بوجه جمعت

فيه أوصاف غريبات الملح

وبعين كحلها من غنجها

وبخد مسكه فيه رشح

ناعم تجري على صفحته

نظرة الملك ولألاء الفرح

فهاج المجلس وماج الناس بعضهم في بعض واضطربوا، فوثبت أم إبراهيم من وسط الناس وقالت لـعبد الواحد : يا أبا عبيد ! ألست تعرف ولدي إبراهيم ؟ ورؤساء أهل البلد يخطبونه على بناته وأنا أضن به عليهم، فلقد والله أعجبتني هذه الجارية، وأنا أرضاها عروساً لولدي، فكرر ما ذكرت من حسنها وجمالها، فأخذ عبد الواحد في وصف الحوراء فأنشد:

تولد نور النور من نور وجهها

فمازج طيب الطيب من خالص العطر

فلو وطئت بالنعل منها على الحصى

لأعشبت الأقطار من غير ما قطر

ولو شئت عقد الخصر منها عقدت ه

كغصن من الريحان ذي ورق خضر

ولو تفلت في البحر شهد رضابها

لا طاب لأهل البر شرباً من البحر

فاضطرب الناس أكثر مما اضطربوا، فوثبت أم إبراهيم وقالت لـعبد الواحد: يا أبا عبيد قد والله أعجبتني هذه الجارية وأنا أرضاها عروساً لولدي، فهل لك أن تزوجه منها، وتأخذ مني مهرها عشرة آلاف دينار ويخرج معك إبراهيم في هذه الغزوة، فلعل الله يرزقه الشهادة ويكون شفيعاً لي ولأبيه يوم القيامة.

فقال لها عبد الواحد : لئن فعلت والله لتفوزن أنت وولدك وأبو ولدك, والله لتفوزن فوزاً عظيماً.

فنادت ولدها: يا إبراهيم! فوثب من وسط الناس وقال لها: لبيك يا أماه! قالت: أي بني! أرضيت بهذه الجارية زوجة لك ببذل مهجتك في سبيل الله وترك العودة للذنوب؟ فقال الفتى: إي والله يا أماه! رضيت أي رضاً.

فقالت: اللهم إني أشهدك أني زوجة ولدي هذا من هذه الجارية، ببذل مهجته في سبيلك وترك العودة للذنوب فتقبله هدية مني لك يا أرحم الراحمين.

ثم انصرفت، ثم رجعت فجاءت بعشرة آلاف دينار وقالت: يا أبا عبيد هذا مهر الجارية تجهز به وجهز الغزاة في سبيل الله.

ثم انصرفت فاشترت لولدها فرساً وسلاحاً جيداً، فلما خرج عبد الواحد خرج إبراهيم رغم صغر سنه ,يعدو والقراء حوله يقرءون: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [التوبة:111]، فلما أرادت أم إبراهيم فراق ولدها دفعت إليه كفناً وحنوطاً, وقالت له: أي بني! إذا أردت لقاء العدو فتكفن بهذا الكفن, وتحنط بهذا الحنوط, وإياك ثم إياك أن يراك الله مقصراً في سبيله، ثم ضمته إلى صدرها وقبلته بين عينيه، وقالت: يا بني! لا جمع الله بيني وبينك إلا بين يديه في عرصات القيامة.

قال عبد الواحد : فلما بلغنا بلاد العدو وبرز الناس للقتال، برز إبراهيم في المقدمة، فصال وجال، وكر وفر، تارة في الميمنة، وتارة في الميسرة، فقتل من العدو خلقاً عظيماً، ثم اجتمعوا عليه فقتلوه، فلما أردنا الرجوع إلى البصرة قلت لأصحابي: لا تخبروا أم إبراهيم بخبر ولدها حتى ألقاها بحسن العزاء، لأن لا تجزع فيذهب أجرها.

قال: فلما وصلنا البصرة خرج الناس يتلقوننا، وخرجت أم إبراهيم مع من خرج، فلما أبصرتني قالت: يا أبا عبيد هل قبلت مني هديتي فأهنأ، أم ردت علي فأعزى، فقلت لها: قد قلبت والله هديتك، إن إبراهيم حي يرزق مع الشهداء إن شاء الله، فخرت ساجدة لله شكراً وقالت: الحمد لله الذي لم يخيب ظني وتقبل نسكي. ثم انصرفت.

فلما كان من الغد أتت إلى المسجد فقالت: السلام عليك يا أبا عبيد بشراك.. بشراك، فقلت: لا زلت مبشرة بالخير فقالت: رأيت البارحة ولدي إبراهيم في روضة حسناء وعليه قبة خضراء، وهو على سرير من اللؤلؤ، وعلى رأسه تاج وإكليل وهو يقول لي: أبشري أماه! فقد قبل المهر وزفت العروس.

تأملي أيتها الغالية! كيف تساهم المرأة المسلمة في إعداد الأبطال! انظري إلى همِّ المرأة المسلمة وهو نصرة الإسلام مهما كان الثمن! انظري إلى الدور العظيم الذي تستطيع أن تقوم به المرأة المسلمة إن هي صلحت أولاً!

إن الأمة اليوم في أمس الحاجة إلى مثل هؤلاء الأمهات اللائي يرضعن أبنائهن مع اللبن حب الإسلام والتضحية في سبيله، فهل تكونين تلك المرأة؟

ومن يتهيب صعود الجبال

يعيش أبد الدهر بين الحفر

كثيرات يدعين المحبة، ولكن شتان بين الصادقين والصادقات، وبين الكاذبين والكاذبات، في المصائب، في الآلام، في المواقف، في الشدائد تظهر معادن الرجال والنساء.




استمع المزيد من الشيخ خالد الراشد - عنوان الحلقة اسٌتمع
انها النار 3539 استماع
أحوال العابدات 3408 استماع
بر الوالدين 3407 استماع
يأجوج ومأجوج 3346 استماع
البداية والنهاية 3333 استماع
وقت وأخ وخمر وأخت 3267 استماع
أسمع وأفتح قلبك - ذكرى لمن كان له قلب 3250 استماع
أين دارك غداً 3202 استماع
هذا ما رأيت في رحلة الأحزان 3094 استماع
الصاخة 3051 استماع