البداية والنهاية


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:71-70].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

معاشر الأحبة!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياكم الله وبياكم وسدد على طريق الحق خطاي وخطاكم، أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجمعني وإياكم في دار كرامته إخواناً على سرر متقابلين، أسأله سبحانه أن يفرج هم المهمومين ويكشف كرب المكروبين ويقضي الدين عن المدينين وأن يدل الحيارى ويهدي الضالين ويغفر للأحياء وللميتين.

أهلاً بكم أحبتي في ليلة مباركة عنوانها: البداية والنهاية.

ولكل شيء بداية ونهاية!

تعالوا نبدأ هذه البداية بنبأ عظيم رواه الله لنا في كتابه جل وعلا، إنه نبأ عظيم غفل عنه الأكثرون، فلنسمع ونتدبر قوله جل في علاه بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ * مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ * إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ * إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ * قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ * قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ *قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ * قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ * قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ * إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ [ص:67-88].

ومنذ تلك اللحظة بدأت حكاية البداية والنهاية، بدأت المعركة بين الحق والباطل، معركة باطل يتزعمها إبليس وجنوده، هدفهم إضلال البشرية وتزيين الباطل لهم وصدهم عن صراط الله المستقيم واستخدموا لذلك كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة.

قال تعالى على لسان إبليس: قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [الأعراف:16-17].

فزينت الشياطين للبشر الضلالة والغواية، وعود وأماني، وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا [النساء:120]، فزينوا للناس الدنيا والركون إلى شهواتها ولذاتها وأنسوهم الموت وسكراته والقبر وظلماته، أنسوهم يوم الحشر وكرباته والحساب وشدته.

فأرسل الله الرسل وأنزل الكتب وشرع الشرائع، قال سبحانه: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء:165]، وقال سبحانه: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [المائدة:19].

فأرسل الله إلينا خير رسله، وأنزل علينا أحسن كتبه، وشرع لنا أكمل الشرائع.

من اتبع وأطاع وسلك طريق الهداية فليبشر بروح وريحان، ومن ضل وعصى وسلك طريق الغواية فلا يلومن إلا نفسه.

من رحمة الله بنا: أن جعل طريق الهداية والاستقامة طريقاً مستقيماً واضحاً بيناً، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (خط لنا النبي صلى الله عليه وسلم خطاً مستقيماً وخط على جوانبه خطوطاً ثم قال: هذه سبل وعلى كل سبيل شيطان يدعو إليه، وهذا -يعني الخط المستقيم- صراط الله مستقيماً، ثم قرأ قوله تبارك وتعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153]،).

فهيا بنا نبدأ الحكاية وستتكون من العناصر التالية:

أول المواعظ.

ثم بداية حياة ونهاية.

ثم بداية موت وقبر ونهاية.

ثم بداية حشر ونهاية.

ثم بداية حساب ونهاية.

ثم آخر الكلام.

قدم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الشام متفقداً أحوالها، فزار صاحبه أبا الدرداء في منزله ليلاً، فدفع الباب فإذا هو بغير غلق، ثم دخل في بيت مظلم لا ضوء فيه، فلما سمع أبو الدرداء رضي الله عنه حسه قام إليه ورحب به، ثم جلس الرجلان يتبادلان الأحاديث والظلام يحجب كلاً منهما عن عيني صاحبه، فجس عمر وساد أبي الدرداء فإذا هو برذعة، وجس فراشه فإذا هو حصا، وجس دثاره -يعني لحافه- فإذا هو كساء رقيق لا يغني شيئاً من برد الشام، فقال له عمر : رحمك الله يا أبا الدرداء! ألم أوسع عليك؟! ألم أبعث لك؟! فقال أبو الدرداء : (أتذكر يا عمر حديثاً حدثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عمر : وما هو؟ قال: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا: ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب)، فماذا فعلنا بعده يا عمر ! فبكى عمر وبكى أبو الدرداء ، وما زالا يتجاوبان البكاء والنحيب حتى طلع عليهما الفجر.

فلا إله إلا الله والله أكبر!..

كيف إذا جاء عمر وأبو الدرداء ونظرا في أحوالنا؟! كم غيرنا؟! وكم بدلنا؟! وكم انفتحت الدنيا؟!

ومضت الأيام قدماً وتوفي أبو الدرداء رضي الله عنه كما هو سبيل كل حي، فرأى عوف بن مالك الأشجعي فيما يراه النائم مرجاً أخضر فسيح الأرجاء وارف الأفياء فيه قبة عظيمة من أدم حولها غنم رابضة لم تر العين مثلها قط، فقال: لمن هذه؟ فقيل: هذه لـعبد الرحمن بن عوف، فبينما هو يتأمل في حسن المرج وبهائه إذ طلع عليه عبد الرحمن بن عوف من القبة، وقال: يا ابن مالك ! هذا ما أعطانا الله عز وجل على القرآن هذا ما أعطانا الله عز وجل على القرآن، ولو أشرفت على هذه الثنية لرأيت ما لم تر عيناك وسمعت ما لم تسمع أذناك ووجدت ما لم يخطر على قلبك، أعده الله عز وجل لمن؟ أعده الله لـأبي الدرداء لأنه كان يدفع عنه الدنيا بالراحتين والصدر.

وصدق الله العظيم حين قال: تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص:83]، وصدق الله العظيم حين قال: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ * عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ * مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ * يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ * جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلامًا سَلامًا [الواقعة:10-26].

ما غيروا وما بدلوا.

هيا نسمع بداية الحياة ونهايتها، تعال نسمع من أخبار الدنيا.

قبل أن أبدأ في ذكر أخبار الدنيا أريدك أن تعرف أنه ما ذمت الدنيا من أجل الدنيا، إنما ذمت الدنيا لسوء فعل أهلها وغفلتهم عن الآخرة، وإلا فهي طريقنا إلى الآخرة، وفيها نتزود من العمل الصالح، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خيركم من طال عمره وحسن عمله، وشركم من طال عمره وساء عمله).

أما أخبارها فجديدها يبلى، وملكها يفنى، وعزيزها يذل، وكثيرها يقل، وحيها يموت، وخيرها يفوت.

لو لم يكن فيها عيب إلا أن أهلها يموتون لكفاها، اسمع حقيقتها كما قال تعالى: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [الحديد:20]، هذه حقيقتها: سريعة الفناء، قريبة الانقضاء، تعد بالبقاء ثم تخلف عند الوفاء.

أحلام نوم أو كظل زائل إن اللبيب بمثلها لا يخدع

المسابقة بالصالحات طريق للنجاة في الدنيا

طريق النجاة فيها: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد:21].

خلقها الله للامتحان والابتلاء كما قال سبحانه: وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا [الكهف:8].

الناس فيها على صنفين: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ [آل عمران:152]، وهم أيضاً على حالين إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا [الإنسان:3].

اسمع رعاك الله! ماذا أعد الله لهؤلاء وماذا أعد الله لهؤلاء؟

فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:37-41].

وقال سبحانه: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ [الإسراء:18].. النتيجة: ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا * انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا [الإسراء:18-21].

الدنيا سجن المؤمن

قال صلى الله عليه وسلم: (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر).

وقال: (ما لي وللدنيا، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها).

وقال: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل).

وقال: (ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم).

(مر صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه على شاة ميتة، قال: أترون هذه الشاة هينة على أهلها؟ قالوا: من هوانها ألقوها قال: والذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذه الشاة على أهلها، ولو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافر منها شربة ماء).

وقال: (إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر ماذا تعملون).

تأمل بعد هذا الكلام من سيد المرسلين! تأمل في حياته ومماته! تأمل من البداية حتى النهاية!

لبس المرقع وهو قائد أمة جبت الكنوز وكسرت أغلالها

لما رآها الله تمشي نحوه لا تبتغي إلا رضاه سعى لها

تقلل النبي صلى الله عليه وسلم من الدنيا

تقول عائشة : (يمر الهلال، ثم الهلال، ثم الهلال لا توقد نار في بيوت آل محمد صلى الله عليه وسلم، قلت: يا خالة! فما طعامكم؟ قالت: الأسودان التمر والماء).

وقالت أيضاً: (ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز الشعير يومين متتاليين).

تخبز فاطمة خبزاً فتأتيته بكسرة خبز فيأكلها ثم يقول -بأبي هو وأمي -: (والله يا فاطمة ما دخل بطن أبيك طعام منذ أيام).

يبكي عمر لما رأى حاله وقد أثر الحصير في جنبه وملوك فارس والروم تلبس الحرير وتنام على الوثير، فقال: (يا عمر :أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟!).

يبغي من الله المكان الأرفعا ما لبس الحرير ولا وضع التاج على الرأس مرصعا.

يقول الحسن البصري رحمه الله: دخلت بيوت النبوة بعد موته صلى الله عليه وسلم بحين فإذا جدرانها من طين، سقفها من جريد، وفرشها من حصير، وطولها وعرضها أمتار.

يقول سعيد بن المسيب : لما هدمت بيوت النبوة لتوسيع المسجد ما رأيت باكياً كما رأيت في ذلك اليوم، يقول: ليتهم أبقوها.. ليتهم أبقوها، حتى ينشأ ناشئ الفتيان فينا ويروا كيف كانت حياة نبيهم صلى الله عليه وسلم وهو الذي حيزت له الدنيا بما فيها.

ومما زادني شرفاً وتيهاً وكدت بأخمصي أطأ الثريا

دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبياً

حال الصحابة مع الدنيا

ثم سار أصحابه من بعده على نهجه ودربه ما شربوا المسكرات والمخدرات، ولا اتخذوا الجواري والقينات، وما أكلوا الأموال الربويات، ولا ألهاهم عن ذكر الله شاشات وقنوات، ولا ضيعوا الأوقات في مطاردة الفتيات في المجمعات.

اسمع من كلامهم وقل بارك الله فيك: أين نحن من هؤلاء؟!

يقول أبو بكر لـخالد رضي الله عنهم: (فر من الشرف يتبعك الشرف، واحرص على الموت توهب لك الحياة، لا خير في مال لا ينفق في سبيل الله، ولا خير في قول لا يراد به وجه الله، ولا خير فيمن يغلب جهله حلمه، ولا خير فيمن يخاف في الله لومة لائم ).

أتعبت من بعدك يا خليفة رسول الله.

كتب عمر إلى ابنه عبد الله رضي الله عنهما في غيبة غابها: (أما بعد: فإنه من اتقى الله وقاه، ومن اتكل عليه كفاه، ومن شكر له زاده، ومن أقرضه جزاه، فأهل التقوى أهل الله، فاجعل التقوى عمارة قلبك وجلاء بصرك، فإنه لا عمل لمن لا نية له، ولا خير لمن لا خشية له).

كان يقول: (كل يوم يقال مات فلان ومات فلان، ولا بد من يوم يقال فيه مات عمر ).

ولقد مات عمر.. لكن على أي حال؟!.

أما من كلام عثمان فقد كان يقول: (لو أني بين الجنة والنار ولا أدري إلى أيتهما يؤمر بي لاخترت أن أكون رماداً قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير ).

كان يقول: (لو طهرت قلوبكم ما شبعت من كلام ربكم ).

لا عجب، فقد كان يقوم الليل كله بالقرآن!

ولـعلي رضي الله عنه كلام فاسمع وتفكر! قال رضي الله عنه: (ألا إن لله عباداً مخلصين كمن رأى أهل الجنة في الجنة فاكهين، ورأى أهل النار في النار معذبين، شرورهم مأمونة، قلوبهم محزونة، أنفسهم عفيفة،حوائجهم خفيفة، صبروا أياماً قليلة لعقبى راحة طويلة، أما بالليل فصفوا أقدامهم في صلاتهم، تجري دموعهم على خدودهم يجأرون إلى ربهم: ربنا.. ربنا، يطلبون فكاك رقابهم وصلاح قلوبهم، أما بالنهار فعلماء حلماء بررة أتقياء كأنهم القداح - يعني السهام، وشبههم بالسهام لأن أجسامهم ضامرة من الصيام والقيام - يقول: ينظر إليهم الناظر فيقول مرضى، ووالله ما بالقوم من مرض؛ ولكن خالط القوم أمر عظيم.

وما أحلى وأجمل وصف الله لهم: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا [الفرقان:63]، فلما وصف نهارهم كان من المناسب أن يصف ليلهم فقال: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا [الفرقان:64-66].

مآل الدنيا إلى الزوال

بكى أحد الصالحين عند موته فقيل له: ما يبكيك؟! فقال: أبكي أن يصوم الصائمون ولست فيهم، ويذكر الذاكرون ولست فيهم، ويصلي المصلون ولست فيهم.. انظر على ماذا يبكون!

والروح منك وديعة أودعتها ستردها بالرغم منك وتسلب

وغرور دنياك التي تسعى لها دار حقيقتها متاع يذهب

والليل فاعلم والنهار كلاهما أنفاسنا فيها تعد وتحسب

وجميع ما حصلته وجمعته حقاً يقيناً بعد موتك يذهب

تباً لدار لا يدوم نعيمها ومشيدها عما قليل يخرب

فالدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا عقل له.

من اشتاق للجنة هجر الشهوات واللذات في الدنيا.

الدنيا كالحلم تمر مر السحاب ساعة من زمن ثم تنقضي، ألا إنها رحلة بدأت وسوف تنتهي.

هب الدنيا تساق إليك عفواً أليس مصير ذلك إلى انقضاء

هب الدنيا تساق إليك عفواً أليس مصير ذلك إلى انتقال

وما دنياك إلا مثل ظل أظلك ثم آذن بالزوال

أحبتي!

ليس المطلوب ترك الدنيا بتاتاً، فإن هذا ليس في الإمكان، ولكن المطلوب الاعتدال في طلبها على وجه مباح لا يصد عن ذكر الله وطاعته، قال سبحانه:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [المنافقون:9].

وقال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [لقمان:33].

لو لم يكن في الدنيا عيب إلا أن أهلها يموتون لكفاها!

طريق النجاة فيها: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد:21].

خلقها الله للامتحان والابتلاء كما قال سبحانه: وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا [الكهف:8].

الناس فيها على صنفين: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ [آل عمران:152]، وهم أيضاً على حالين إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا [الإنسان:3].

اسمع رعاك الله! ماذا أعد الله لهؤلاء وماذا أعد الله لهؤلاء؟

فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:37-41].

وقال سبحانه: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ [الإسراء:18].. النتيجة: ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا * انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا [الإسراء:18-21].

قال صلى الله عليه وسلم: (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر).

وقال: (ما لي وللدنيا، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها).

وقال: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل).

وقال: (ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم).

(مر صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه على شاة ميتة، قال: أترون هذه الشاة هينة على أهلها؟ قالوا: من هوانها ألقوها قال: والذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذه الشاة على أهلها، ولو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافر منها شربة ماء).

وقال: (إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر ماذا تعملون).

تأمل بعد هذا الكلام من سيد المرسلين! تأمل في حياته ومماته! تأمل من البداية حتى النهاية!

لبس المرقع وهو قائد أمة جبت الكنوز وكسرت أغلالها

لما رآها الله تمشي نحوه لا تبتغي إلا رضاه سعى لها

تقول عائشة : (يمر الهلال، ثم الهلال، ثم الهلال لا توقد نار في بيوت آل محمد صلى الله عليه وسلم، قلت: يا خالة! فما طعامكم؟ قالت: الأسودان التمر والماء).

وقالت أيضاً: (ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز الشعير يومين متتاليين).

تخبز فاطمة خبزاً فتأتيته بكسرة خبز فيأكلها ثم يقول -بأبي هو وأمي -: (والله يا فاطمة ما دخل بطن أبيك طعام منذ أيام).

يبكي عمر لما رأى حاله وقد أثر الحصير في جنبه وملوك فارس والروم تلبس الحرير وتنام على الوثير، فقال: (يا عمر :أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟!).

يبغي من الله المكان الأرفعا ما لبس الحرير ولا وضع التاج على الرأس مرصعا.

يقول الحسن البصري رحمه الله: دخلت بيوت النبوة بعد موته صلى الله عليه وسلم بحين فإذا جدرانها من طين، سقفها من جريد، وفرشها من حصير، وطولها وعرضها أمتار.

يقول سعيد بن المسيب : لما هدمت بيوت النبوة لتوسيع المسجد ما رأيت باكياً كما رأيت في ذلك اليوم، يقول: ليتهم أبقوها.. ليتهم أبقوها، حتى ينشأ ناشئ الفتيان فينا ويروا كيف كانت حياة نبيهم صلى الله عليه وسلم وهو الذي حيزت له الدنيا بما فيها.

ومما زادني شرفاً وتيهاً وكدت بأخمصي أطأ الثريا

دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبياً


استمع المزيد من الشيخ خالد الراشد - عنوان الحلقة اسٌتمع
انها النار 3543 استماع
بر الوالدين 3429 استماع
أحوال العابدات 3413 استماع
يأجوج ومأجوج 3350 استماع
وقت وأخ وخمر وأخت 3272 استماع
أسمع وأفتح قلبك - ذكرى لمن كان له قلب 3255 استماع
أين دارك غداً 3207 استماع
هذا ما رأيت في رحلة الأحزان 3099 استماع
أين أنتن من هؤلاء؟ 3098 استماع
الصاخة 3059 استماع