يأجوج ومأجوج


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

عباد الله! تكلمنا في الجمع الماضية عن علامات عظيمة من علامات الساعة وأشراطها، وتكلمنا عن ظهور المهدي عجل الله خروجه، ثم أتبعنا ذلك بفتنة عظيمة هي فتنة المسيح الدجال، وقلنا: إنه ما من نبي إلا حذر أمته من الدجال، وكان أشد الأنبياء تحذيراً منه هو نبينا صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لأنه سيخرج في هذه الأمة، وستبلغ فتنته أمراً عظيماً حتى إن الرجل يأتي لينظر في أمره فلا يلبث أن يكون من أتباعه، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : (من سمع بالدجال فلينأ عنه، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه؛ مما يبعث به من الشبهات) أي: أنه يأتيه حتى يراه أو يرد بعض شبهاته فلا يلبث أن يكون من أتباعه، فالمطلوب: الحذر من الفتن والابتعاد عنها.

وتأمل -بارك الله فيك- كيف يسقط الناس اليوم في الفتن وهي أقل من فتنة المسيح الدجال، فكيف بالذي بين يديه مثل الجنة والنار؟!

ثم ذكرنا أن زواله ونهايته ستكون على يد عيسى ابن مريم عليه السلام الذي سينزل بإذن الله ليكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، واليوم نواصل وإياكم الحديث عن باقي هذه الأشراط والعلامات التي تبين قرب نهاية العالم واقتراب الساعة.

والمقصد من ذكرها: تذكير الناس، وتنبيه الغافل منهم؛ حتى يزيد الصالح في صلاحه، ويتوقف العاصي عن تمرده وعصيانه.

وقت خروج يأجوج ومأجوج

عباد الله! يمكث نبي الله عيسى في الأرض أربعين سنة، وفي رواية سبع سنوات، فكيف نجمع بين الروايتين؟

قال أهل العلم: عندما رفع عيسى من الأرض كان عمره ثلاثاً وثلاثين، وذلك عندما دُبرت المؤامرة لاغتياله، فرفعه الله من بين أيديهم وعمره حينها ثلاث وثلاثون سنة، ثم يرجع ويمكث سبع سنوات، فتلك أربعون سنة، ويتخلل هذه السنوات السبع فتنة عظيمة تعم الأرض كلها، وهي فتنة يأجوج ومأجوج، وخروجهم شر عظيم بينه النبي صلى الله عليه وسلم، فلقد فزع النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم حتى خرج محمراً وجهه، محذراً من فتنة يأجوج ومأجوج.

تروي لنا زينب بنت جحش رضي الله عنها ذلك فتقول: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فزعاً محمر الوجه يقول: لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب! فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا، وحلق بأصبعيه السبابة والإبهام، قلت: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث)، رواه البخاري ومسلم .

وقد فسر الجمهور الخبث بأنه الفسوق والفجور، وقيل المراد : الزنا خاصة، وقيل: المعاصي مطلقاً، ومعنى الحديث: أن الخبث إذا كثر فقد يحصل الهلاك العام، وإن كان هناك صالحون، فالصلاح وحده لا يكفي حتى يرد العذاب.

فالمطلوب: هو الإصلاح بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.

حقيقة يأجوج ومأجوج

إن كثرة الفساد مع قلة الإصلاح وقلة الآمرين بالمعروف علامة على خروج يأجوج ومأجوج، فمن هم يأجوج ومأجوج؟

هما أمتان من الناس تعيشان الآن وراء السد الذي بناه ذو القرنين، فإذا اقتربت الساعة خرجوا على الناس، فدورهم يأتي بعد خروج الدجال، ثم قتله على يد عيسى بن مريم عليه السلام، وهم أصحاب قوة لا تقاوم، وأعداد لا تحصر، فأذاهم شديد، وضررهم بالغ، ولا يد لأحد على مقاومتهم، فيفر الناس منهم إلى الجبال، أو يتحصنون في بيوتهم ويلوذون ويلجئون إلى الله بالدعاء والتضرع، ويصيب نبي الله عيسى عليه السلام ما يصيب الناس من الهول والعنت، فيؤمر بأن يخرج بعباد الله إلى الطور، ويتحصن بعباد الله في جبل الطور، وهناك -أي على جبل الطور- يرغب إلى الله بالدعاء عليهم، فيستجيب الله له، فيرسل عليهم من السماء عذاباً وداءً فيفشو في أعناقهم، فيموتون موتة رجل واحد، ثم يطهر الله الأرض من نتنهم.

المواضع التي ورد فيها ذكر يأجوج ومأجوج

لقد ورد ذكر يأجوج ومأجوج في القرآن في موضعين:

الموضع الأول: في سورة الأنبياء في قوله تبارك وتعالى: حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ [الأنبياء:96]، قال الشوكاني في فتح القدير: هما أمتان من الإنس، يخرجون على الناس بعد فتح السد، فتراهم من كل حدب ينسلون، أي: من كل المرتفعات يسرعون ويتفرقون في فجاج الأرض.

والموضع الثاني: في سورة الكهف عند قوله تبارك وتعالى في قصة ذي القرنين: حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا * قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا * وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا [الكهف:93-99].

قال السعدي رحمه الله : ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ [الكهف:92-93]، قال المفسرون: ذهب متوجهاً من المشرق قاصداً للشمال فوصل إلى ما بين السدين، وهما سدان كانا معروفين في ذلك الزمان، سدان من سلاسل الجبال المستطيلة يمنة ويسرة حتى تتصل بالبحر بين يأجوج ومأجوج وبين الناس، ووجد من دون السدين قوماً لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا [الكهف:93]؛ لعجمة ألسنتهم، واستعجام أذهانهم، وقلة فهمهم، وقد أعطى الله ذا القرنين من الأسباب العلمية ما فقه به قولهم، فاشتكوا إليه ضرر يأجوج ومأجوج، وهما أمتان عظيمتان من بني آدم، فقالوا: إنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ [الكهف:94] بالقتل والظلم وأخذ الأموال.. وغير ذلك، فهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا [الكهف:94] أي: نجعل لك عطاءً وجعلاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا حائلاً يحول بيننا وبينهم، ودل ذلك على عدم اقتدارهم بأنفسهم على بنيان ذلك السد، وعرفوا اقتدار ذي القرنين عليه، فأرادوا أن يبذلوا له أجرة ليفعل ذلك، وذكروا له السبب الداعي لذلك: وهو إفساد يأجوج ومأجوج في الأرض، فلم يكن ذو القرنين ذا طمع ولا رغبة في الدنيا، ولم يكن تاركاً لإصلاح أحوال الرعية بل قصده الإصلاح، فلذلك أجابهم لمطلبهم؛ لما فيه من المصلحة، ولم يأخذ منهم أجرة على ذلك، وشكر ربه على تمكينه واقتداره، فقال لهم: مَا مَكَّنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ أي: مما تبذلون لي وتعطونني، وإنما أطلب منكم أن تعينونني بقوة أيديكم أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا أي: سداً مانعاً من عبورهم إليكم، آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ أي: قطع الحديد، فأعطوه ذلك، حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ أي: الجبلين اللذين بينهما السد، قَالَ انفُخُوا أي: لإيقاد النار؛ لتشتد فتذيب النحاس، فلما ذاب النحاس الذي يريد أن يلصقه بين قطع الحديد قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا أي: نحاساً مذاباً بالنار، فأفرغ عليه القطر، فاستحكم السد استحكاماً هائلاً وامتنع به من وراءه من الناس من ضرر يأجوج ومأجوج: فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا [الكهف:97] أي: يأجوج ومأجوج، أي: فمالهم استطاعة ولا قدرة على الصعود عليه؛ لارتفاعه، ولا على نقبه، لإحكامه وقوته، فلما فعل ذو القرنين هذا الفعل الجميل، وهذا الأثر الجليل، أضاف النعمة إلى موليها ومعطيها، فقال: هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي ، أي: منّ فضله وإحسانه علي، وهذه حال الخلفاء والصالحين إذا من الله عليهم بالنعم الجليلة ازداد شكرهم وإقرارهم واعترافهم بنعمة الله تبارك وتعالى، كما قال سليمان عليه السلام لما حضر عنده عرش ملكة سبأ مع البعد العظيم، وجاءه في وقت قصير قال: (قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ [النمل:40].

بخلاف أهل التجبر والتكبر والعلو في الأرض، فإن النعم الكبار تزيدهم أشراً وبطراً، كما قال قارون لما آتاه الله من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة قال: إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي [القصص:78] فحلت عليه العقوبة، قال الله : فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ [القصص:81]، فلم ينسب النعم للمتفضل، ولم ينسب النعم للذي أعطى ومنع وخفض ورفع، فحلت عليه العقوبة: فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ [القصص:81]، ثم قال تعالى: فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي أي: لخروج يأجوج ومأجوج جَعَلَهُ دَكَّاءَ أي: ذلك السد المحكم المتقن، دكه دكاً فانهدم واستوى هو والأرض سواء، وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا .

ثم قال تعالى: وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ، قال السعدي : يحتمل أن الضمير يعود إلى يأجوج ومأجوج، وأنهم إذا خرجوا على الناس من كثرتهم واستيعابهم للأرض كلها يموج بعضهم ببعض، كما قال تعالى: حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ [الأنبياء:96]، ويحتمل أن الضمير يعود إلى الخلائق يوم القيامة، وأنهم يجتمعون في ذلك اليوم فيكثرون ويموج بعضهم ببعض من الأهوال والزلازل العظام، وكلا المعنيين صحيح.

وتأمل معي هذا المشهد العظيم، حين يجمع الله الأولين والآخرين، وتدنو الشمس من رءوس العباد مقدار ميل قال الراوي : والله ما أدري ما الميل هل هو ميل المسافة أم ميل المكحلة؟

فاسمع بارك الله فيك حتى تعلم أن الأمر جد، وأن الأمر عظيم، فقد ثبت في الصحيحين : (إن الله تعالى ينادي يوم القيامة بآدم فيقول: يا آدم! فيقول: لبيك ربي وسعديك! فيقول: ابعث بعث النار، فيقول آدم: وما بعث النار؟ فيقول الله: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار، وواحد إلى الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: فحينها يشيب الولدان، وحينها: تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:2]، ثم قال صلى الله عليه وسلم : إن فيكم أمتين ما كانتا في شيء إلا كثرتاه: يأجوج ومأجوج، قالوا: وأينا ذاك الواحد؟! قال: أبشروا : فإن منكم رجلاً ومن يأجوج ومأجوج ألفاً) فما أعظم هذا الموقف.

تذكر وقوفك يوم العرض عريانا

مستوحشاً قلق الأحشاء حيرانا

النار تزفر من غيظ ومن حنقٍ

على العصاة ورب العرش غضبانا

اقرأ كتابك يا عبدي على مهل

فهل ترى فيه حرفاً غير ما كانا

لما قرأت ولم تنكر قراءته

إقرار من عرف الأشياء عرفانا

نادى الجليل خذوه يا ملائكتي

وامضوا بعبدي إلى النيران عطشانا

المشركون غداً في النار تلتهبُ

والمؤمنون بدار الخلد سكانا

قال سبحانه: وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا * وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا * الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا * أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا * قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا [الكهف:99-106].

عباد الله! يمكث نبي الله عيسى في الأرض أربعين سنة، وفي رواية سبع سنوات، فكيف نجمع بين الروايتين؟

قال أهل العلم: عندما رفع عيسى من الأرض كان عمره ثلاثاً وثلاثين، وذلك عندما دُبرت المؤامرة لاغتياله، فرفعه الله من بين أيديهم وعمره حينها ثلاث وثلاثون سنة، ثم يرجع ويمكث سبع سنوات، فتلك أربعون سنة، ويتخلل هذه السنوات السبع فتنة عظيمة تعم الأرض كلها، وهي فتنة يأجوج ومأجوج، وخروجهم شر عظيم بينه النبي صلى الله عليه وسلم، فلقد فزع النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم حتى خرج محمراً وجهه، محذراً من فتنة يأجوج ومأجوج.

تروي لنا زينب بنت جحش رضي الله عنها ذلك فتقول: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فزعاً محمر الوجه يقول: لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب! فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا، وحلق بأصبعيه السبابة والإبهام، قلت: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث)، رواه البخاري ومسلم .

وقد فسر الجمهور الخبث بأنه الفسوق والفجور، وقيل المراد : الزنا خاصة، وقيل: المعاصي مطلقاً، ومعنى الحديث: أن الخبث إذا كثر فقد يحصل الهلاك العام، وإن كان هناك صالحون، فالصلاح وحده لا يكفي حتى يرد العذاب.

فالمطلوب: هو الإصلاح بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.

إن كثرة الفساد مع قلة الإصلاح وقلة الآمرين بالمعروف علامة على خروج يأجوج ومأجوج، فمن هم يأجوج ومأجوج؟

هما أمتان من الناس تعيشان الآن وراء السد الذي بناه ذو القرنين، فإذا اقتربت الساعة خرجوا على الناس، فدورهم يأتي بعد خروج الدجال، ثم قتله على يد عيسى بن مريم عليه السلام، وهم أصحاب قوة لا تقاوم، وأعداد لا تحصر، فأذاهم شديد، وضررهم بالغ، ولا يد لأحد على مقاومتهم، فيفر الناس منهم إلى الجبال، أو يتحصنون في بيوتهم ويلوذون ويلجئون إلى الله بالدعاء والتضرع، ويصيب نبي الله عيسى عليه السلام ما يصيب الناس من الهول والعنت، فيؤمر بأن يخرج بعباد الله إلى الطور، ويتحصن بعباد الله في جبل الطور، وهناك -أي على جبل الطور- يرغب إلى الله بالدعاء عليهم، فيستجيب الله له، فيرسل عليهم من السماء عذاباً وداءً فيفشو في أعناقهم، فيموتون موتة رجل واحد، ثم يطهر الله الأرض من نتنهم.

لقد ورد ذكر يأجوج ومأجوج في القرآن في موضعين:

الموضع الأول: في سورة الأنبياء في قوله تبارك وتعالى: حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ [الأنبياء:96]، قال الشوكاني في فتح القدير: هما أمتان من الإنس، يخرجون على الناس بعد فتح السد، فتراهم من كل حدب ينسلون، أي: من كل المرتفعات يسرعون ويتفرقون في فجاج الأرض.

والموضع الثاني: في سورة الكهف عند قوله تبارك وتعالى في قصة ذي القرنين: حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا * قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا * وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا [الكهف:93-99].

قال السعدي رحمه الله : ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ [الكهف:92-93]، قال المفسرون: ذهب متوجهاً من المشرق قاصداً للشمال فوصل إلى ما بين السدين، وهما سدان كانا معروفين في ذلك الزمان، سدان من سلاسل الجبال المستطيلة يمنة ويسرة حتى تتصل بالبحر بين يأجوج ومأجوج وبين الناس، ووجد من دون السدين قوماً لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا [الكهف:93]؛ لعجمة ألسنتهم، واستعجام أذهانهم، وقلة فهمهم، وقد أعطى الله ذا القرنين من الأسباب العلمية ما فقه به قولهم، فاشتكوا إليه ضرر يأجوج ومأجوج، وهما أمتان عظيمتان من بني آدم، فقالوا: إنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ [الكهف:94] بالقتل والظلم وأخذ الأموال.. وغير ذلك، فهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا [الكهف:94] أي: نجعل لك عطاءً وجعلاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا حائلاً يحول بيننا وبينهم، ودل ذلك على عدم اقتدارهم بأنفسهم على بنيان ذلك السد، وعرفوا اقتدار ذي القرنين عليه، فأرادوا أن يبذلوا له أجرة ليفعل ذلك، وذكروا له السبب الداعي لذلك: وهو إفساد يأجوج ومأجوج في الأرض، فلم يكن ذو القرنين ذا طمع ولا رغبة في الدنيا، ولم يكن تاركاً لإصلاح أحوال الرعية بل قصده الإصلاح، فلذلك أجابهم لمطلبهم؛ لما فيه من المصلحة، ولم يأخذ منهم أجرة على ذلك، وشكر ربه على تمكينه واقتداره، فقال لهم: مَا مَكَّنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ أي: مما تبذلون لي وتعطونني، وإنما أطلب منكم أن تعينونني بقوة أيديكم أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا أي: سداً مانعاً من عبورهم إليكم، آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ أي: قطع الحديد، فأعطوه ذلك، حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ أي: الجبلين اللذين بينهما السد، قَالَ انفُخُوا أي: لإيقاد النار؛ لتشتد فتذيب النحاس، فلما ذاب النحاس الذي يريد أن يلصقه بين قطع الحديد قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا أي: نحاساً مذاباً بالنار، فأفرغ عليه القطر، فاستحكم السد استحكاماً هائلاً وامتنع به من وراءه من الناس من ضرر يأجوج ومأجوج: فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا [الكهف:97] أي: يأجوج ومأجوج، أي: فمالهم استطاعة ولا قدرة على الصعود عليه؛ لارتفاعه، ولا على نقبه، لإحكامه وقوته، فلما فعل ذو القرنين هذا الفعل الجميل، وهذا الأثر الجليل، أضاف النعمة إلى موليها ومعطيها، فقال: هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي ، أي: منّ فضله وإحسانه علي، وهذه حال الخلفاء والصالحين إذا من الله عليهم بالنعم الجليلة ازداد شكرهم وإقرارهم واعترافهم بنعمة الله تبارك وتعالى، كما قال سليمان عليه السلام لما حضر عنده عرش ملكة سبأ مع البعد العظيم، وجاءه في وقت قصير قال: (قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ [النمل:40].

بخلاف أهل التجبر والتكبر والعلو في الأرض، فإن النعم الكبار تزيدهم أشراً وبطراً، كما قال قارون لما آتاه الله من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة قال: إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي [القصص:78] فحلت عليه العقوبة، قال الله : فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ [القصص:81]، فلم ينسب النعم للمتفضل، ولم ينسب النعم للذي أعطى ومنع وخفض ورفع، فحلت عليه العقوبة: فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ [القصص:81]، ثم قال تعالى: فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي أي: لخروج يأجوج ومأجوج جَعَلَهُ دَكَّاءَ أي: ذلك السد المحكم المتقن، دكه دكاً فانهدم واستوى هو والأرض سواء، وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا .

ثم قال تعالى: وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ، قال السعدي : يحتمل أن الضمير يعود إلى يأجوج ومأجوج، وأنهم إذا خرجوا على الناس من كثرتهم واستيعابهم للأرض كلها يموج بعضهم ببعض، كما قال تعالى: حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ [الأنبياء:96]، ويحتمل أن الضمير يعود إلى الخلائق يوم القيامة، وأنهم يجتمعون في ذلك اليوم فيكثرون ويموج بعضهم ببعض من الأهوال والزلازل العظام، وكلا المعنيين صحيح.

وتأمل معي هذا المشهد العظيم، حين يجمع الله الأولين والآخرين، وتدنو الشمس من رءوس العباد مقدار ميل قال الراوي : والله ما أدري ما الميل هل هو ميل المسافة أم ميل المكحلة؟

فاسمع بارك الله فيك حتى تعلم أن الأمر جد، وأن الأمر عظيم، فقد ثبت في الصحيحين : (إن الله تعالى ينادي يوم القيامة بآدم فيقول: يا آدم! فيقول: لبيك ربي وسعديك! فيقول: ابعث بعث النار، فيقول آدم: وما بعث النار؟ فيقول الله: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار، وواحد إلى الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: فحينها يشيب الولدان، وحينها: تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:2]، ثم قال صلى الله عليه وسلم : إن فيكم أمتين ما كانتا في شيء إلا كثرتاه: يأجوج ومأجوج، قالوا: وأينا ذاك الواحد؟! قال: أبشروا : فإن منكم رجلاً ومن يأجوج ومأجوج ألفاً) فما أعظم هذا الموقف.

تذكر وقوفك يوم العرض عريانا

مستوحشاً قلق الأحشاء حيرانا

النار تزفر من غيظ ومن حنقٍ

على العصاة ورب العرش غضبانا

اقرأ كتابك يا عبدي على مهل

فهل ترى فيه حرفاً غير ما كانا

لما قرأت ولم تنكر قراءته

إقرار من عرف الأشياء عرفانا

نادى الجليل خذوه يا ملائكتي

وامضوا بعبدي إلى النيران عطشانا

المشركون غداً في النار تلتهبُ

والمؤمنون بدار الخلد سكانا

قال سبحانه: وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا * وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا * الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا * أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا * قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا [الكهف:99-106].

عباد الله! المقصد والهدف حين نذكر هذه الأشراط وهذه العلامات: هو أن يستعد كل منا للقاء ربه قبل أن يصيح أحدنا بأعلى الصوت: رباه! ارجعون، فلا يستجاب له.

واعلم! بارك الله فيك أن القيامة تطلق على ثلاثة معان:

على القيامة الكبرى، وهي قيام الناس لرب العالمين.

وعلى القيامة الوسطى، وهي موت أهل القرن الواحد، فقد جاء عن عائشة قالت: كانت الأعراب إذا قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم سألوه عن الساعة؟ فنظر إلى أحدث إنسان منهم -أي: أصغر واحد فيهم- فقال: (إن يعش هذا فلن يدركه الهرم حتى تقوم عليكم قيامتكم) أي: بموتكم تقوم قيامتكم.

ثم القيامة الصغرى، وهي موت الإنسان، فمن مات فقد قامت قيامته.

اللهم اغفر ذنبنا، واستر عيبنا، واختم بالصالحات أعمالنا، نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله على إحسانه، والشكر له سبحانه على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه وإخوانه.

أما بعد:

عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله عباد الله! وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [البقرة:281].

عباد الله! أما أصل يأجوج ومأجوج فهم من البشر من ذرية آدم وحواء، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن يأجوج ومأجوج من ولد آدم، وإنهم لو أرسلوا إلى الناس لأفسدوا عليهم معايشهم، ولن يموت منهم أحد إلا ترك من ذريته ألفاً فصاعداً) قال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين.

وفي مسند الإمام أحمد عن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ولد نوح ثلاثة : سام أبو العرب، وحام أبو السودان، ويافث أبو الترك) ، قال بعض العلماء : هؤلاء من نسل يافث أبو الترك، وقال : إنما سمي هؤلاء تركاً لأنهم تركوا من وراء السد من هذه الجهة، وإلا فهم أقرباء أولئك، ولكن كان في أولئك بغي وفساد وجرأة.

أما موطنهم فقد قيل -نسب لـابن عباس - إن السدين هما جبلا أرمينية وأذربيجان، وذكر بعض أحبار اليهود أن يأجوج ومأجوج في منتهى الشمال حتى لا يستطيع أحد غيرهم السكن فيه، وقيل -وهو الأصح-: هما بموضع في الأرض لا نعلمه، فيوم ذكر الله رحلة ذي القرنين ذكر الرحلة الأولى: إلى مغرب الشمس، والرحلة الثانية: إلى مطلع الشمس، فبين الله الجهات التي توجه إليها، لكن لما انطلق في الرحلة الثالثة جعلها الله مبهمة فقال، (( حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ )) في أي جهة؟ الله أعلم، ولعل في ذلك إشارة إلى أن مكان السد سيظل مجهولاً إلى ما شاء الله.