شرح العقيدة التدمرية [19]


الحلقة مفرغة

قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: [ وأفسد من ذلك ما يسلكه نفاة الصفات أو بعضها، إذا أرادوا أن ينزهوه عما يجب تنزيهه عنه مما هو من أعظم الكفر، مثل أن يريدوا تنزيهه عن الحزن والبكاء .. ونحو ذلك، ويريدون الرد على اليهود الذين يقولون: إنه بكى على الطوفان حتى رمد وعادته الملائكة، والذين يقولون بإلهية بعض البشر، وأنه الله ].

نحتاج إلى أن نبيّن وجه القاعدة حتى نعرف ما بعدها.

فهو يقول رحمه الله: إن النفاة، سواء النفاة المعطّلة الخُلّص، أو من دونهم الذين ينفون شيئاً ويثبتون شيئاً كالمعتزلة، أو أهل الكلام الخُلّص من متكلمة الأشاعرة والماتريدية، فهؤلاء يخلطون خلطاً يجعل الإنسان الجاهل غير المتمكن في العقيدة يشتبه عليه الأمر، فيخلطون بين النقص الخالص وبين ما يُشعر بالنقص من وجه عند السامع دون إضافة اللفظ، فإذا أُضيف اللفظ إلى الموصوف زال الإشكال، أو كان السياق يدل على الكمال.

وهناك ألفاظ هي نقص بحت، مثل: الحزن والبكاء، والأكل والشرب، فهذه تنفى عن الله عز وجل؛ لأنه ليس له وجه من الحق، ولا تحتمل معنى من المعاني الذي يكون فيه كمال، بعكس ما أثبته الله لنفسه من بعض الأمور التي لو أُفردت لكان فيها وجه نقص، لكن ما جاء في سياق يدل على الكمال كانت كمالاً، مثل: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ [الأنفال:30]، فجاءت في مقابل المجازاة، فليست بنقص، فهو مكر بمعنى المجازاة لهم بحق على عملهم الذي استحقوه، وهو من باب العدل، لكن هم جعلوا هذا مثل ذاك، فجعلوا النقص الخالص مثل العبارة التي قد تُشعر بالنقص إذا جاءت في سياق، لكنها في سياق آخر لا تدل على النقص، وإنما تدل على الكمال، فهم خلطوا بين هذا وذاك.

ولذلك إلى الآن غير هؤلاء المتكلمين، وخاصة هؤلاء الذين بدءوا يرفعون رأس التصوف، أو راية التصوف، ومن رءوس البدع الجدد بدءوا الآن يوهمون الناس أن أهل السنة والجماعة مجسّمة ومشبّهة، ويقولون: إنهم أخذوا التجسيم والتشبيه عن اليهود، وصدرت في هذا كتب، ويزعمون أن عقيدة أهل السنة والجماعة هي امتداد لعقيدة اليهود، ويقولون: إن أهل السنة والجماعة يثبتون لله عز وجل اليد والعين والحزن والبكاء، وهذا قد قالوه قبل مائتي سنة، وذلك حين حشدوا جيوشهم ضد دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وسلّطوا ألسنتهم وأقلامهم فقالوا هذا الكلام، ونسبوا إلى السنة ما لا يقولون به؛ لأنهم لما قيل لعقلائهم: لماذا قلتم هذا؟! قالوا: من باب الإلزام، فما دمت تثبت اليد والوجه فيلزمك أن تثبت ما عداها من الأعضاء والجوارح! بينما أهل السنة لم يقولوا بذلك، ولما قيل لهم: لماذا اتهمتم أهل السنة بذلك؟ قالوا: لأنهم يثبتون اليد، واليد جارحة وعضو، وهذا يشتبه على كثير من السامعين الذين ليس لديهم فقه في العقيدة، والذين لم يتشربوا العقيدة، فيظنون أن شبهتهم صحيحة، مع أنهم لو عرفوا العقيدة لفرقوا بين هذا وذاك، إذ إن إثبات ما أثبته الله لنفسه على وجه الكمال، لا يعني إثبات ما قرروه هم بهذه الأشياء المثبتة، فهم جعلوا مع إثبات الوجه واليد إثبات جوارح أخرى لم يثبتها السلف ولم يقولوا بها، وإنما قالوا ذلك باللازم، ولازم المذهب ليس بلازم، ومثل ذلك الكلام عن الحزن والبكاء، فلما نفوا الحزن والبكاء -وهو لا يليق بالله عز وجل- نفوا ما يرون أنه مثله من الرحمة أو الغضب .. وغير ذلك من الصفات التي يظنون أنها من شاكلة الحزن والبكاء، فخلطوا بين الحق والباطل، ولبّسوا الحق بالباطل، فأراد الشيخ هنا أن يبيّن وجه الخطأ عندهم، ووجه الباطل الذي التزموه، أو أرادوا أن يلزموا به أهل الحق بغير حق.

قال رحمه الله تعالى: [ فإن كثيراً من الناس يحتج على هؤلاء بنفي التجسيم والتحيز .. ونحو ذلك، ويقولون: لو اتصف بهذه النقائص والآفات لكان جسماً أو متحيزاً، وذلك ممتنع.

وبسلوكهم مثل هذه الطريق استظهر عليهم هؤلاء الملاحدة، نفاة الأسماء والصفات، فإن هذه الطريقة لا يحصل بها المقصود لوجوه ].

يقول: إن أهل الكلام الذين لم ينفوا الأسماء وأثبتوا بعض الصفات ونفوا بعضها، إذا استعملوا هذه الطريقة ألزمهم الذين هم أشد غلواً في النفي، وهم الملاحدة من الجهمية وغلاة المعتزلة الذين ينفون الأسماء والصفات أو ينفون الصفات، فسماهم ملاحدة، لا لأنهم ملاحدة بأعيانهم، لكن لأن منهجهم هو منهج الملاحدة؛ لأن الملاحدة هم الذين ينفون النفي المطلق، فيقول: استظهروا عليهم، بمعنى: انتصروا عليهم، وقالوا: أنتم إذا كنتم تقولون هذا فمعنى ذلك: أن الأسماء والصفات التي تصفون بها الله ينطبق عليها هذا الكلام، فأهل الكلام عندما قالوا: ننفي اليد والوجه والاستواء والنزول؛ لأنها لا تليق بجلال الله عز وجل، لكن نثبت السمع والبصر، قال لهم المعتزلة نفاة الصفات: ما أثبتم فيما أثبتموه مثل ما نفيتموه، فوجه التجسيم والتشيبه كما أنه موجود في اليد والعين موجود في السمع والبصر، وعليه فيلزمكم أن تنفوا الجميع، ثم جاءت الجهمية للمعتزلة فقالوا: ما دمتم أنكم تثبتون الأسماء فمعنى هذا: أنكم أثبتم التجسيم؛ لأن الأسماء لا بد لها من موصوف له ذات، وإذا وجد له ذات فهذا التجسيم، فإذاً أنتم أيها المعتزلة مجسّمة، ثم صار كل واحد ينتصر على الآخر بمبدأ، ولذلك أهل السنة والجماعة أخذوا بأصل القرآن والسنة بالإحكام، يعني: أنهم لا يجيزون أن ينفذ على قاعدة الإثبات ولا مقدار دبّوس؛ لأن هذا يخرم القاعدة كلها، فلم يتساهلوا في التأويل، والسلف الصالح لا يجيزون أي نوع من أنواع التأويل؛ لأنهم قالوا: إذا أوّلنا الصفات أو تساهلنا مع مؤول استظهر عليه من يؤول أكثر من صفة، فالذين لا يثبتون إلا سبع صفات يقول لهم الذين ينفون الصفات كلها: ما نفيتموه موجود فيما أثبتموه، ثم يأتي المعطّلة الخُلّص ويقولون: إن العلّة التي نفيتم بها الصفات موجودة في الأسماء التي تثبتونها، وهكذا، فهذا هو معنى استظهار، وهو مما جعل بعضهم يرد على بعض، ولذلك أهل السنة والجماعة -بحمد الله- كفوا في كثير من الردود على هؤلاء برد بعضهم على بعض، يعني: رد الجهمية على المعتزلة ينتصر به أهل السنة، ورد المعتزلة على الأشاعرة ينتصر به أهل السنة، ورد الأشاعرة والماتريدية على المعتزلة فيه نصر للسنة من وجه يجعل أهل السنة يقولون للأشاعرة: ما رددتم به على المعتزلة نرد به عليكم، ويقال لهؤلاء كلهم: ما رددتم به على الجهمية نرد به عليكم، وفعلاً أقوى سلاح عقلي -لمن ولجوا في هذه الأبواب، مثل: شيخ الإسلام ابن تيمية ، وابن القيم صاحب كتاب: (الصواعق المرسلة)- على المتكلمة الذين زعموا أنهم ردوا على الجهمية والمعتزلة هو سلاحهم الذي رد به أهل السنة عليهم، فقالوا: مسألة التجسيم مسألة ليس لها ضابط، فما دمتم أثبتم السمع والبصر فخصمكم يقول: إن فيها تجسيماً، ولذلك إن صح التعبير: فإن الخُلّص المعتزلة قالوا للأشاعرة -وبالفعل قالوها في عدة مقامات، وكتبوها بشكل واضح-: إن السلف أصدق منكم اعتقاداً وإن كنا نخالفهم؛ لأنهم لا يتناقضون، فمبدؤهم واحد، لكن أنتم ليس عندكم مبدأ، لذا فتثبتون الرؤية ثم تقولون: إلى غير جهة، وهذا غير معقول، فإما أن تثبتوا الرؤية مثل أهل الحديث، أو تنفوها، لكن تُثبتون شيئاً وتنفون شيئاً من الصفات فهذا لا يستقيم! ولذا فكل فريق يستطيع من خلاله أهل السنة والجماعة أن يستفيد في رده عليه بما رد به على الآخر.

الوجه الأول لفساد مسالك المعطلة والرد عليه

قال رحمه الله تعالى: [ فإن هذا الطريق لا يحصل بها المقصود لوجوه:

أحدها: أن وصف الله تعالى بهذه النقائص والآفات أظهر فساداً في العقل والدين من نفي التحيز والتجسيم ].

فمثلاً: الأكل والشرب والحزن والبكاء هذه يردها العاقل بدون أن نقول: إنه تجسيم، ولا ننفيها عن الله لمجرد أنها تجسيم، بل ننفيها عن الله لأنها غير لائقة أصلاً بحد ذاتها، لذا ليس هناك داع لأن نضيفها إلى مبدأ آخر، ونتكلف ونجر أذهان الناس إلى شيء مشتبه، وأكثر الناس قد لا يفهم؛ لأننا لو قلنا: إن الكثير من الناس غير متخصصين، أننا ننفي هذا؛ لأنه تجسيم، لم يفهم ما معنى تجسيم، لكن لو قلنا: ننفي هذه النقائص لأنها غير لائقة بالله، سيفهم كل إنسان ذلك؛ لأنه يشعر بأن هذه غير لائقة بالله، لا لأنها تجسيم، وإن كانت تشعر بالتجسيم، مع أن كلمة (التجسيم) كلمة مشتبهة.

إذاً: ليس السبب في نفيها هو مجرد أنها تشعر بالتجسيم فقط، بل تنفى هذه النقائص عن الله عز وجل لأنها نقائص خالصة لا تُشعر بكمال مطلقاً.

قال رحمه الله تعالى: [ فإن هذا فيه من الاشتباه والنزاع والخفاء ما ليس في ذلك، وكفر صاحب ذلك معلوم بالضرورة من دين الإسلام ].

يعني: أن الذي يمثّل الله بالخلق تمثيلاً جزئياً أو كلياً، أو يمثل الخلق بالله تمثيلاً جزئياً أو كلياً، فهو كافر بالإجماع.

قال رحمه الله تعالى: [ والدليل معرِّف للمدلول ومبيّن له، فلا يجوز أن يستدل على الأظهر الأبين بالأخفى، كما لا يُفعل مثل ذلك في الحدود ].

ولذلك التكلّف في إثبات البدهيات يسبب الشك والاضطراب في القلوب والعقول، ولذا من البدهي أن الله عز وجل لا يليق به أن يوصف بهذه الصفات؛ لأنها صفات نقص، فلا يحتاج أن نذهب لنأتي بأدلة ملتوية لنثبت أنها نقص؛ لأنها بالفطرة معروفة، وكذلك إثبات الكمال لله عز وجل لا يحتاج إلى تكلف كبير؛ لأنه فطري وبدهي، ولذلك لما تكلم السلف في هذه الأمور، وتكلموا في المسلك الكلامي في إثبات الحقائق، قال السلف: إن المسلك الكلامي في إثبات الحقائق يؤدي إلى الشك قبل أن يؤدي إلى اليقين، فيوقع الناس في ريب؛ لأن ثبوت الحقائق مبني على العقل السليم والفطرة المستقيمة، وأننا كلما تكلفنا في أدلة خارجية لإثبات البدهيات أوجد الشك أكثر مما يوجد اليقين، ولذلك لما قال أحد تلاميذ الرازي لما سألته امرأة عن هذا من هو؟ قال: هذا فلان بن فلان، ووضع عليه من الصفات والتبجيل الشيء الكثير، ثم قال لها: هذا شيخنا الرازي الذي يملك ألف دليل على وجود الله، فضحكت وقالت: تعس والله وخسر، أفي الله شك؟! إذاً: عنده ألف شك؛ لأننا لا نحتاج إلى أن نأتي بألف دليل على وجود الله، ولذلك التكلف في هذه الأمور يوجب الريب والشك، فعلى سبيل المثال: لو أنك في الصحراء مع مجموعة من الناس، والشمس طالعة، ثم قلت لهم: أرى الشمس طالعة، فيردون عليك: نعم لا شك أنها طالعة، لكن لو قلت لهم: أثبتوا لي أنها طالعة، فكيف سيكون الموقف؟! لاشك أنهم سيقولون لك: إن في عقلك خللاً، وإن كان هزلاً؛ لأن هذا ليس فيه مجال حتى ولو للهزل، فالأمر لا يحتاج إلى أن نبرهن على أن الشمس طالعة؛ لأن وجودها يبهر العيون.

الوجه الثاني لفساد مسالك المعطلة والرد عليه

قال رحمه الله تعالى: [ الوجه الثاني: أن هؤلاء الذين يصفونه بهذه الصفات يمكنهم أن يقولوا: نحن لا نقول بالتجسيم والتحيّز، كما يقوله من يثبت الصفات وينفي التجسيم، فيصير نزاعهم مثل نزاع مثبتة الكلام وصفات الكمال، فيصير كلام من وصف الله بصفات الكمال وصفات النقص واحداً، ويبقى رد النفاة على الطائفتين بطريق واحد، وهذا في غاية الفساد ].

الوجه الثالث لفساد مسالك المعطلة والرد عليه

قال رحمه الله تعالى: [ الثالث: أن هؤلاء ينفون صفات الكمال بمثل هذه الطريقة، واتصافه بصفات الكمال واجب، ثابت بالعقل والسمع، فيكون ذلك دليلاً على فساد هذه الطريقة ].

يعني: أن نفي صفات الكمال هذه أيضاً متفاوتة بينهم، فالجهمية ينفون كل صفات الكمال بدعوى أنها تقتضي التجسيم، والمعتزلة ينفون الصفات بدعوى أنها تقتضي التجسيم، فالذي عنده نفي جزئي، أو نفي كلي.. كلهم قاعدتهم واحدة وتهدم أصولهم وعقائدهم؛ لأنهم ينفون صفات الكمال بدعوى أنها تجسيم، وكل واحد منهم يقول للآخر: أنت جسمت فيما أثبت، حتى لا يبقى إثبات؛ لأن كلمة (التجسيم) كلمة وهمية.

إذاً: كيف يقولون: إن إثبات صفات الكمال في حق الله تجسيم؟! الله عز وجل ليس كمثله شيء، لكن توهمهم بمختلف طبقاتهم أن الإثبات تجسيم، سواء من ينفي نفياً جزئياً، أو ينفي نفياً كلياً، مع أن التجسيم ما هو إلا وهم وخيال في رءوسهم لا حقيقة له، ومن هنا وقعوا في هذه المعضلات.

الوجه الرابع لفساد مسالك المعطلة والرد عليه

قال رحمه الله تعالى: [ الرابع: أن سالكي هذه الطريقة متناقضون، فكل من أثبت شيئاً منهم ألزمه الآخر بما يوافقه فيه من الإثبات، كما أن كل من نفى شيئاً منهم ألزمه الآخر بما يوافقه فيه من النفي ].

إن أهل السنة -بحمد الله- يلزمونهم جميعاً بالحق.

قال رحمه الله تعالى: [ فإن هذا الطريق لا يحصل بها المقصود لوجوه:

أحدها: أن وصف الله تعالى بهذه النقائص والآفات أظهر فساداً في العقل والدين من نفي التحيز والتجسيم ].

فمثلاً: الأكل والشرب والحزن والبكاء هذه يردها العاقل بدون أن نقول: إنه تجسيم، ولا ننفيها عن الله لمجرد أنها تجسيم، بل ننفيها عن الله لأنها غير لائقة أصلاً بحد ذاتها، لذا ليس هناك داع لأن نضيفها إلى مبدأ آخر، ونتكلف ونجر أذهان الناس إلى شيء مشتبه، وأكثر الناس قد لا يفهم؛ لأننا لو قلنا: إن الكثير من الناس غير متخصصين، أننا ننفي هذا؛ لأنه تجسيم، لم يفهم ما معنى تجسيم، لكن لو قلنا: ننفي هذه النقائص لأنها غير لائقة بالله، سيفهم كل إنسان ذلك؛ لأنه يشعر بأن هذه غير لائقة بالله، لا لأنها تجسيم، وإن كانت تشعر بالتجسيم، مع أن كلمة (التجسيم) كلمة مشتبهة.

إذاً: ليس السبب في نفيها هو مجرد أنها تشعر بالتجسيم فقط، بل تنفى هذه النقائص عن الله عز وجل لأنها نقائص خالصة لا تُشعر بكمال مطلقاً.

قال رحمه الله تعالى: [ فإن هذا فيه من الاشتباه والنزاع والخفاء ما ليس في ذلك، وكفر صاحب ذلك معلوم بالضرورة من دين الإسلام ].

يعني: أن الذي يمثّل الله بالخلق تمثيلاً جزئياً أو كلياً، أو يمثل الخلق بالله تمثيلاً جزئياً أو كلياً، فهو كافر بالإجماع.

قال رحمه الله تعالى: [ والدليل معرِّف للمدلول ومبيّن له، فلا يجوز أن يستدل على الأظهر الأبين بالأخفى، كما لا يُفعل مثل ذلك في الحدود ].

ولذلك التكلّف في إثبات البدهيات يسبب الشك والاضطراب في القلوب والعقول، ولذا من البدهي أن الله عز وجل لا يليق به أن يوصف بهذه الصفات؛ لأنها صفات نقص، فلا يحتاج أن نذهب لنأتي بأدلة ملتوية لنثبت أنها نقص؛ لأنها بالفطرة معروفة، وكذلك إثبات الكمال لله عز وجل لا يحتاج إلى تكلف كبير؛ لأنه فطري وبدهي، ولذلك لما تكلم السلف في هذه الأمور، وتكلموا في المسلك الكلامي في إثبات الحقائق، قال السلف: إن المسلك الكلامي في إثبات الحقائق يؤدي إلى الشك قبل أن يؤدي إلى اليقين، فيوقع الناس في ريب؛ لأن ثبوت الحقائق مبني على العقل السليم والفطرة المستقيمة، وأننا كلما تكلفنا في أدلة خارجية لإثبات البدهيات أوجد الشك أكثر مما يوجد اليقين، ولذلك لما قال أحد تلاميذ الرازي لما سألته امرأة عن هذا من هو؟ قال: هذا فلان بن فلان، ووضع عليه من الصفات والتبجيل الشيء الكثير، ثم قال لها: هذا شيخنا الرازي الذي يملك ألف دليل على وجود الله، فضحكت وقالت: تعس والله وخسر، أفي الله شك؟! إذاً: عنده ألف شك؛ لأننا لا نحتاج إلى أن نأتي بألف دليل على وجود الله، ولذلك التكلف في هذه الأمور يوجب الريب والشك، فعلى سبيل المثال: لو أنك في الصحراء مع مجموعة من الناس، والشمس طالعة، ثم قلت لهم: أرى الشمس طالعة، فيردون عليك: نعم لا شك أنها طالعة، لكن لو قلت لهم: أثبتوا لي أنها طالعة، فكيف سيكون الموقف؟! لاشك أنهم سيقولون لك: إن في عقلك خللاً، وإن كان هزلاً؛ لأن هذا ليس فيه مجال حتى ولو للهزل، فالأمر لا يحتاج إلى أن نبرهن على أن الشمس طالعة؛ لأن وجودها يبهر العيون.




استمع المزيد من الشيخ ناصر العقل - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح العقيدة التدمرية [22] 3155 استماع
شرح العقيدة التدمرية [12] 2923 استماع
شرح العقيدة التدمرية [5] 2916 استماع
شرح العقيدة التدمرية [26] 2794 استماع
شرح العقيدة التدمرية [9] 2782 استماع
شرح العقيدة التدمرية [13] 2726 استماع
شرح العقيدة التدمرية [17] 2720 استماع
شرح العقيدة التدمرية [2] 2715 استماع
شرح العقيدة التدمرية [3] 2687 استماع
شرح العقيدة التدمرية [4] 2562 استماع