شرح زاد المستقنع باب القسمة


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن سار على سبيله ونهجه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيقول المصنف رحمه الله: [باب القسمة].

القسمة مأخوذة من قولهم: قسمت الشيء أقسمه أقساماً وقسمة. وأصل القسم: النصيب والحظ من الشيء، وغالباً ما يكون في الأشياء التي لها شركة، أو يجتمع فيها شخص فأكثر.

وقوله: [باب القسمة].

أي: في هذا الموضع سأذكر لك جملة من الأحكام والمسائل التي تتعلق بالقسمة، سواء كانت قسمة تنبني على التراضي أو كانت قسمة إجبار، هذان هما نوعا القسمة.

والأصل في القسمة كتاب الله عز وجل، كما قال تعالى: وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى [النساء:8] ، وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم عن جابر رضي الله عنه مرفوعاً: (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وتفرفت الطرق فلا شفعة)، وهذا يدل على مشروعية قسم الأشياء من المنقولات والعقارات، فالآية في المنقولات وشاملة أيضاً للعقار من جهة التبع، وبالنسبة للحديث فإنه في العقارات.

النوع الأول: قسمة التراضي

قال رحمه الله: [لا تجوز قمسة الأملاك التي لا تنقسم إلا بضرر أو إلا برد عوض].

هذا هو النوع الأول من القسمة، وهو قسمة التراضي، ولا يمكن فيها أن نجبر أحد الشركاء على القسمة، بل إذا رضي بالقسمة قسمنا وإلا فلا؛ والسبب في ذلك وجود الضرر؛ لأن القسمة شرعت لدفع الضرر، والقاعدة تقول: (الضرر لا يزال بالضرر)، إلا في مسائل مستثناة، منها مسألة: (درء المفسدة العليا بارتكاب أخف الضررين وأهون الشرين) ونحو ذلك، لكن الأصل الشرعي: أن الضرر لا يدفع بالضرر.

ومثال: إذا كان هناك مزرعة وفيها بئر واحد لا يمكن قسمته، أو كان هناك عقار لا يمكن أبداً أن يؤجر إلا مجتمعاً، فإذا قسم تعطلت منافعه، ونحو ذلك من المسائل كما ذكر المصنف في الأشياء الصغيرة كالحمام والغرف الصغيرة التي لا يمكن قسمتها.

فهذا النوع يسمى (قسمة التراضي) بمعنى: أننا لا نحكم بالقسمة إلا إذا رضي الطرف الثاني -وهو المتضرر- فإذا رضي بذلك قسمنا، وهذا الحكم عام، فيدخل فيه استواء الأنصبة واختلاف الأنصبة.

استواء الأنصبة: أن يكون لأحدهما نصف الأرض وللآخر النصف الآخر، أو تكون الأرض منقسمة أثلاثاً لكل واحد منهم ثلث الأرض، فالنصيب متساوٍ.

أو يكون الضرر بسبب اختلاف في النصيب، كأن يكون لأحدهم ثلاثة الأرباع، والآخر له الربع، فلو قُسمت فلا شك أنه ستتحسن المنافع باجتماع الثلاثة الأرباع ولكنها لا تتحسن لمن له الربع، وقد يكون هناك عقار بين اثنين، لأحدهما فيه العشر وللآخر تسعة أعشار، فالذي له العشر لا يمكنه بحال أن ينتفع من العقار، وهذا كله مبني على أن الأصل في مشروعية القسمة هو دفع الضرر، ولذلك يعتبرون هذا الباب -وهو باب القسمة- مبنياً على القاعدة الشرعية: (الضرر يزال) وهي إحدى القواعد الخمس المشهورة التي أشرنا غير مرة أنه انبنى عليها الفقه الإسلامي.

وقوله: [إلا برضا الشركاء].

إلا برضا الشريك أو الشركاء، فإن كان العقار بين اثنين وطالب أحدهما بالقسمة سألنا الطرف الآخر أن يرضى، وإذا كانوا أكثر من واحد فإنه يُطْلَبْ رضا الأطراف الأخرى الذين لم يطالبوا بالقسمة، فلو اتفقوا كلهم على القسمة فلا إشكال، إنما الإشكال إذا كان أحدهما يطالب بالقسمة، والآخر يقول: أنا أتضرر بالقسمة ولا أريد القسمة.

ويحصل هذا في الميراث، كأن يتوفى الرجل ويترك وارثين، فيرثا أرضاً، ومزرعة، وداراً، فالقسمة تضر بهما أو بأحدهما؛ فحينئذ لا نحكم بإجبار الطرف الآخر على القسمة.

قال رحمه الله: [كالدور الصغار، والحمام والطاحون الصغيرين].

الحمام والطاحون الصغيران لا يمكن قسمتهما؛ لأن منافع الحمام ومنافع الطاحون لا يمكن قسمتها، والحمام في القديم هو مكان الاغتسال، وليس الحمام الذي هو دورة المياة -كما يعرف في زماننا- فكان عبارة عن بناء يوقد تحته النار من أجل تسخين المياه.. وهو معروف إلى زماننا، فهذا الحمام لا يمكن قسم منافعه، ولا يمكن أبداً أن نعطي شخصاً تسعة أعشار الحمام، أو نعطي شخصاً ثلث الحمام، أو نعطي شخصاً ربع الحمام، إلا إذا كان كبير المساحة يمكن قسمته والفصل بين الأنصبة والأجزاء.

فلو كان الورثة لهذا الحمام خمسة أبناء ذكور، فإن الحمام يقسم بينهم أخماساً، فإذا وجد في القسمة ضرر على أحد الشركاء فهذه يسمونها (قسمة التراضي) بمعنى أنه لا يجبر القاضي الطرف الآخر على أن يقسم لتحصيل مصلحة الطرف الأول.

قال رحمه الله: [والأرض التي لا تتعدل بأجزاء].

مثل أن يكون عنده أرض بعضها على الشارع وبعضها بعيد عن الشارع، أو بعضها يمكن الانتفاع به وبعضها لا يمكن الانتفاع به، أو بعضها جبل وبعضها غير صالح للزراعة، بعضها سبخة وبعضها صحراء ونحو ذلك، فإذا تفاوتت أجزاء الأرض ولا يمكن قسمتها لوجودالضرر، أو لا تمكن القسمة إلا برد العوض -ولذلك يضبطون هذا النوع وهو (قسمة التراضي) بأنها التي لا يمكن إعمالها إلا بوجود الضرر أو بتعديل الأجزاء بالمال- فإذا حصل ذلك وهو رد العوض فإنه يعتبر من قسمة التراضي.

[ ولا قيمةٍ كبناءٍ أو بئر في بعضها].

ففي هذه الحال لا يمكن قسمتها إلا بضرر أو بقيمة.

[فهذه القسمة في حكم البيع]

أي: تأخذ أحكام البيع، فإذا رضيا فحينئذ تجري عليهما أحكام البيع، مثلاً: يثبت فيها خيار المجلس، فلو أنه رضي ثم ندم على الرضا وهما جالسان، كان من حقه أن يقول: رجعت عن رضاي أو لا أريد القسمة؛ لأنها آخذة حكم البيع، والبيع يجوز فيه خيار المجلس، وهو ثابت بالسنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أصح قولي العلماء.

ومن فوائده: أننا لو قسمنا أشياء من الربويات كحبوب وكان فيها ضرر ثم تراضوا وقسموا كأن يكون على النخل، فحينئذ لابد من التقابض؛ لأن كل قسم في مقابل القسم الآخر، فلابد أن يحصل التقابض، كما يشترط في البيع، فتجري عليه أحكام البيع.

[ولا يجبر من امتنع من قسمتها].

وهذا من أحكامها التي تأخذ أحكام البيع، فمثلاً: ورثة ورثوا شيئاً واشتركوا فيه، فاشتكى أحد الورثة، وقال: أريد أن أقسم مع إخواني، ولما نظر القاضي فإذا بالعين التي يراد قسمتها لا يمكن قسمتها إلا بضرر على الأطراف الأخرى أو بعضهم، فامتنعوا، وقالوا: لا نريد، فحينئذ ليس من حق القاضي أن يجبرهم على القسمة.

إذاً: قسمة التراضي لا يحصل فيها إجبار، وإذا تراضوا وتمت القسمة بينهم جرت أحكام البيع على ذلك.

النوع الثاني: قسمة الإجبار

قال رحمه الله: [ أما ما لا ضرر ولا رد عوض في قسمته، كالقرية والبستان والدار الكبيرة والأرض والدكاكين الواسعة، والمكيل والموزون من جنسٍ واحدٍ كالأدهان والألبان ونحوها، إذا طلب الشريك قسمتها أجبر الآخر عليها].

هذا هو النوع الثاني من القسمة: وهو قسمة ما لا يحصل الضرر بقسمته، فلو كانت أرضاً والأرض كلها على الشارع ويمكن قسمها إلى أجزاء على حسب الحصص، فمثلاً: أخوان وارثان كل منهما له النصف، ورثا ميتاً عصبة، فقسمت الأرض بينهم مناصفة، قالوا: نريد القسمة، فتقسم بينهم مناصفة، وبما أن كلا النصفين على الشارع وكلا المميزات الموجودة في هذا النصف موجودة في النصف الآخر؛ فحينئذ يجوز قسمتها، ولا إشكال في هذا، وهذا معنى (لا ضرر فيه).

كذلك المكيلات يمكن تحديد الأجزاء فيها بالكيل، فمثلاً: لو ترك المورث خمسين صاعاً من بر، وقال أحد الوارثين: أريد أن أقسم حتى أتصرف في قسمي، وقال الآخر: لا نقسم، بل نبيعها كلها، فحينئذ يجبر القاضي الطرف الآخر على القسمة؛ لأن قسمة الخمسين صاعاً لا ضرر فيها، ويمكن العدل فيها بين الطرفين، فيجبر الرافض للقسمة منهما على هذا، وهو أكثر ما يقع في مسائل الميراث وفي الشركات بين الشركاء، ولذلك أدخله العلماء رحمهم الله -والمصنف رحمه الله- في باب القضاء؛ لحصول التنازع فيه.

[وهذه القسمة إفراز لا بيع].

إفراز النصيب لكل منهما.

وقد تكون القسمة في المنافع، وهي التي سميناها قسمة المهايأة، وهي أن يهيئ كل منهما للآخر نصيبه الذي يرتزق به، كما لو اتفق وارثان، أحدهما قال: أنا أسكن في الدور العلوي، والثاني قال: أنا أسكن في الدور السفلي، والدار بينهما، فحينئذ تهيأا للانتفاع من الدار، وهذه هي قسمة المهايأة.

قال رحمه الله: [لا تجوز قمسة الأملاك التي لا تنقسم إلا بضرر أو إلا برد عوض].

هذا هو النوع الأول من القسمة، وهو قسمة التراضي، ولا يمكن فيها أن نجبر أحد الشركاء على القسمة، بل إذا رضي بالقسمة قسمنا وإلا فلا؛ والسبب في ذلك وجود الضرر؛ لأن القسمة شرعت لدفع الضرر، والقاعدة تقول: (الضرر لا يزال بالضرر)، إلا في مسائل مستثناة، منها مسألة: (درء المفسدة العليا بارتكاب أخف الضررين وأهون الشرين) ونحو ذلك، لكن الأصل الشرعي: أن الضرر لا يدفع بالضرر.

ومثال: إذا كان هناك مزرعة وفيها بئر واحد لا يمكن قسمته، أو كان هناك عقار لا يمكن أبداً أن يؤجر إلا مجتمعاً، فإذا قسم تعطلت منافعه، ونحو ذلك من المسائل كما ذكر المصنف في الأشياء الصغيرة كالحمام والغرف الصغيرة التي لا يمكن قسمتها.

فهذا النوع يسمى (قسمة التراضي) بمعنى: أننا لا نحكم بالقسمة إلا إذا رضي الطرف الثاني -وهو المتضرر- فإذا رضي بذلك قسمنا، وهذا الحكم عام، فيدخل فيه استواء الأنصبة واختلاف الأنصبة.

استواء الأنصبة: أن يكون لأحدهما نصف الأرض وللآخر النصف الآخر، أو تكون الأرض منقسمة أثلاثاً لكل واحد منهم ثلث الأرض، فالنصيب متساوٍ.

أو يكون الضرر بسبب اختلاف في النصيب، كأن يكون لأحدهم ثلاثة الأرباع، والآخر له الربع، فلو قُسمت فلا شك أنه ستتحسن المنافع باجتماع الثلاثة الأرباع ولكنها لا تتحسن لمن له الربع، وقد يكون هناك عقار بين اثنين، لأحدهما فيه العشر وللآخر تسعة أعشار، فالذي له العشر لا يمكنه بحال أن ينتفع من العقار، وهذا كله مبني على أن الأصل في مشروعية القسمة هو دفع الضرر، ولذلك يعتبرون هذا الباب -وهو باب القسمة- مبنياً على القاعدة الشرعية: (الضرر يزال) وهي إحدى القواعد الخمس المشهورة التي أشرنا غير مرة أنه انبنى عليها الفقه الإسلامي.

وقوله: [إلا برضا الشركاء].

إلا برضا الشريك أو الشركاء، فإن كان العقار بين اثنين وطالب أحدهما بالقسمة سألنا الطرف الآخر أن يرضى، وإذا كانوا أكثر من واحد فإنه يُطْلَبْ رضا الأطراف الأخرى الذين لم يطالبوا بالقسمة، فلو اتفقوا كلهم على القسمة فلا إشكال، إنما الإشكال إذا كان أحدهما يطالب بالقسمة، والآخر يقول: أنا أتضرر بالقسمة ولا أريد القسمة.

ويحصل هذا في الميراث، كأن يتوفى الرجل ويترك وارثين، فيرثا أرضاً، ومزرعة، وداراً، فالقسمة تضر بهما أو بأحدهما؛ فحينئذ لا نحكم بإجبار الطرف الآخر على القسمة.

قال رحمه الله: [كالدور الصغار، والحمام والطاحون الصغيرين].

الحمام والطاحون الصغيران لا يمكن قسمتهما؛ لأن منافع الحمام ومنافع الطاحون لا يمكن قسمتها، والحمام في القديم هو مكان الاغتسال، وليس الحمام الذي هو دورة المياة -كما يعرف في زماننا- فكان عبارة عن بناء يوقد تحته النار من أجل تسخين المياه.. وهو معروف إلى زماننا، فهذا الحمام لا يمكن قسم منافعه، ولا يمكن أبداً أن نعطي شخصاً تسعة أعشار الحمام، أو نعطي شخصاً ثلث الحمام، أو نعطي شخصاً ربع الحمام، إلا إذا كان كبير المساحة يمكن قسمته والفصل بين الأنصبة والأجزاء.

فلو كان الورثة لهذا الحمام خمسة أبناء ذكور، فإن الحمام يقسم بينهم أخماساً، فإذا وجد في القسمة ضرر على أحد الشركاء فهذه يسمونها (قسمة التراضي) بمعنى أنه لا يجبر القاضي الطرف الآخر على أن يقسم لتحصيل مصلحة الطرف الأول.

قال رحمه الله: [والأرض التي لا تتعدل بأجزاء].

مثل أن يكون عنده أرض بعضها على الشارع وبعضها بعيد عن الشارع، أو بعضها يمكن الانتفاع به وبعضها لا يمكن الانتفاع به، أو بعضها جبل وبعضها غير صالح للزراعة، بعضها سبخة وبعضها صحراء ونحو ذلك، فإذا تفاوتت أجزاء الأرض ولا يمكن قسمتها لوجودالضرر، أو لا تمكن القسمة إلا برد العوض -ولذلك يضبطون هذا النوع وهو (قسمة التراضي) بأنها التي لا يمكن إعمالها إلا بوجود الضرر أو بتعديل الأجزاء بالمال- فإذا حصل ذلك وهو رد العوض فإنه يعتبر من قسمة التراضي.

[ ولا قيمةٍ كبناءٍ أو بئر في بعضها].

ففي هذه الحال لا يمكن قسمتها إلا بضرر أو بقيمة.

[فهذه القسمة في حكم البيع]

أي: تأخذ أحكام البيع، فإذا رضيا فحينئذ تجري عليهما أحكام البيع، مثلاً: يثبت فيها خيار المجلس، فلو أنه رضي ثم ندم على الرضا وهما جالسان، كان من حقه أن يقول: رجعت عن رضاي أو لا أريد القسمة؛ لأنها آخذة حكم البيع، والبيع يجوز فيه خيار المجلس، وهو ثابت بالسنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أصح قولي العلماء.

ومن فوائده: أننا لو قسمنا أشياء من الربويات كحبوب وكان فيها ضرر ثم تراضوا وقسموا كأن يكون على النخل، فحينئذ لابد من التقابض؛ لأن كل قسم في مقابل القسم الآخر، فلابد أن يحصل التقابض، كما يشترط في البيع، فتجري عليه أحكام البيع.

[ولا يجبر من امتنع من قسمتها].

وهذا من أحكامها التي تأخذ أحكام البيع، فمثلاً: ورثة ورثوا شيئاً واشتركوا فيه، فاشتكى أحد الورثة، وقال: أريد أن أقسم مع إخواني، ولما نظر القاضي فإذا بالعين التي يراد قسمتها لا يمكن قسمتها إلا بضرر على الأطراف الأخرى أو بعضهم، فامتنعوا، وقالوا: لا نريد، فحينئذ ليس من حق القاضي أن يجبرهم على القسمة.

إذاً: قسمة التراضي لا يحصل فيها إجبار، وإذا تراضوا وتمت القسمة بينهم جرت أحكام البيع على ذلك.

قال رحمه الله: [ أما ما لا ضرر ولا رد عوض في قسمته، كالقرية والبستان والدار الكبيرة والأرض والدكاكين الواسعة، والمكيل والموزون من جنسٍ واحدٍ كالأدهان والألبان ونحوها، إذا طلب الشريك قسمتها أجبر الآخر عليها].

هذا هو النوع الثاني من القسمة: وهو قسمة ما لا يحصل الضرر بقسمته، فلو كانت أرضاً والأرض كلها على الشارع ويمكن قسمها إلى أجزاء على حسب الحصص، فمثلاً: أخوان وارثان كل منهما له النصف، ورثا ميتاً عصبة، فقسمت الأرض بينهم مناصفة، قالوا: نريد القسمة، فتقسم بينهم مناصفة، وبما أن كلا النصفين على الشارع وكلا المميزات الموجودة في هذا النصف موجودة في النصف الآخر؛ فحينئذ يجوز قسمتها، ولا إشكال في هذا، وهذا معنى (لا ضرر فيه).

كذلك المكيلات يمكن تحديد الأجزاء فيها بالكيل، فمثلاً: لو ترك المورث خمسين صاعاً من بر، وقال أحد الوارثين: أريد أن أقسم حتى أتصرف في قسمي، وقال الآخر: لا نقسم، بل نبيعها كلها، فحينئذ يجبر القاضي الطرف الآخر على القسمة؛ لأن قسمة الخمسين صاعاً لا ضرر فيها، ويمكن العدل فيها بين الطرفين، فيجبر الرافض للقسمة منهما على هذا، وهو أكثر ما يقع في مسائل الميراث وفي الشركات بين الشركاء، ولذلك أدخله العلماء رحمهم الله -والمصنف رحمه الله- في باب القضاء؛ لحصول التنازع فيه.

[وهذه القسمة إفراز لا بيع].

إفراز النصيب لكل منهما.

وقد تكون القسمة في المنافع، وهي التي سميناها قسمة المهايأة، وهي أن يهيئ كل منهما للآخر نصيبه الذي يرتزق به، كما لو اتفق وارثان، أحدهما قال: أنا أسكن في الدور العلوي، والثاني قال: أنا أسكن في الدور السفلي، والدار بينهما، فحينئذ تهيأا للانتفاع من الدار، وهذه هي قسمة المهايأة.