شرح زاد المستقنع باب أهل الزكاة [2]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

قال المصنف رحمه الله: [فصل: ولا تدفع إلى هاشمي ومطّلبي ومواليهما].

فبعد أن بيّن المصنف رحمه الله الأصناف الثمانية الذين سمّى الله في كتابه، وأمرنا بدفع الزكاة إليهم، شرع في بيان هذا الفصل المهم، والذي يتعلّق بالصفات التي تمنع استحقاف أخذ الزكاة، فهذه الأوصاف التي سيذكرها المصنف رحمه الله تعتبر مانعة من أخذ الإنسان للزكاة ولو كانت فيه صفة من صفات أهل الزكاة، كأن يكون فقيراً أو مسكيناً، فإذا وُجد فيه مانع من هذه الموانع فإنه لا تُصرف الزكاة إليه.

ولما قال المصنف رحمه الله: (ولا تدفع) لا نافية، أي: لا يجوز دفعها لهاشمي، وفيه مسائل:

المسألة الأولى: أنه لا يجوز الدفع إلى هؤلاء الذين سيذكرهم رحمة الله عليه، ويكون هذا دالاً على تحريم الدفع، فمن كان يعلم أنه لا يجوز دفع الزكاة إلى هاشمي فدفعها للهاشمي، فإنه يأثم.

المسألة الثانية: أنه لما قال: أنها إذا دُفعت وعلم الإنسان أنه تحرُم الصدقة والزكاة على هذا النوع، فدفع إلى هذا الممنوع من دفعها إليه، فإنه لا تجزيه الزكاة، ويجب عليه أن يقضي، وتعتبر صدقة من الصدقات النافلة، أما بالنسبة للفريضة فلا تزال في ذمته، ولو كان جاهلاً ثم علم بالحكم؛ فإنه يلزمه القضاء، ويسقط عنه الإثم لمكان الجهل، ولكنه يُطالب بضمان حق الله عز وجل على الأصل المقرر في الجاهل، أن الجهل يوجب سقوط الإثم، ولكنه لا يُسقط الضمان في الحقوق.

وبناءً على ذلك فإن المصنف رحمه الله حينما نص على حرمة الدفع لمن نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن دفع الزكاة إليه فكأنه يقرر هذين الأمرين: حرمة الدفع، وأن من دفع لا يجزيه ذلك عن زكاة الفرض وأن عليه القضاء.

تعيين بني هاشم

قوله رحمه الله: (إلى هاشمي): هو نسبة إلى هاشم بن عبد مناف ، وهو جد النبي صلى الله عليه وسلم، والأصل في تحريم دفع الزكاة لبني هاشم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الصدقة لا تحلّ لمحمدٍ ولا لآل محمد) ، فأجمع العلماء رحمهم الله على حرمة دفعها لبطون بني هاشم، ويشمل ذلك: آل العباس، وآل عقيل، وآل علي، وآل جعفر، وآل الحارث بن عبد المطلب، واختلف في آل أبي لهب -وهم البطن السادس-، هل يجوز أن تصرف لهم الزكاة، أو لا يجوز دفعها إليهم؟

فقال بعض العلماء: آل أبي لهب يعتبرون من آل النبي صلى الله عليه وسلم الذين لا يجوز صرف الزكاة إليهم.

وقال بعض العلماء: إن آل أبي لهب يخرجون من هذا المنع؛ لأن أبا لهب كان شديد العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه نزل ما ذكر الله عز وجل في كتابه من الوعيد الشديد له لتكذيبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأذيته له على رءوس الناس، فقالوا: خرجوا من هذا؛ لأن المنع للفضل والتكريم، وكان أبو لهب شديداً على رسول الله صلى الله عليه وسلم معادياً للإسلام، فخرج من هذا.

ولـأبي لهب عتبة ومعتِّب وقيل: معْتِب ، اللذان أسلما وشهدا فتح الطائف مع النبي صلى الله عليه وسلم، فهل ذرِّيتهما يمنعان من الزكاة كما يمنع بقية الآل أو لا؟

هذان الوجهان للعلماء رحمهم الله، والأصل يقتضي أن تمنع الزكاة عنهم؛ لأنهم داخلون في آل النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا فهمنا من الآل النصرة مع القرابة، فحينئذٍ لا يدخلون، ولكن الأول أوجه بمقتضى لفظ النبي صلى الله عليه وسلم.

أقوال العلماء في دخول بني المطلب مع بني هاشم

قوله: (ولا لمطَّلبي):

بنو المطلب هم نسبة إلى المطلب بن عبد مناف وهو أخٌ لـهاشم ، وله أخوان آخران وهما نوفل وعبد شمس ؛ لأن عبد مناف له أربعة من الولد وهم: هاشم والمطلب ونوفل وعبد شمس.

فالنوفليون والعبشميون، وهم نسبة إلى نوفل وعبد شمس لا يدخلون في آل النبي صلى الله عليه وسلم ولا تحرُم الصدقة عليهم بالإجماع، بل يجوز دفع الزكاة إليهم، وآل هاشم يدخلون بالإجماع على التفصيل الذي ذكرناه.

واختلف في المطلب بن عبد مناف ، فظاهر النص عن النبي صلى الله عليه وسلم أن آل المطلب بن عبد مناف داخلون في المنع، وأنهم من آل النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا القول يختاره فقهاء الشافعية، وهو قولٌ عند المالكية، ورواية عن الإمام أحمد اختارها المصنف رحمة الله عليه، فإن آل المطلب بن عبد مناف تحرُم عليهم الصدقة، ويدخلون في آل النبي صلى الله عليه وسلم.

واستدل الذين قالوا بأن آل المطلب يدخلون في آل النبي بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيهم: (إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيءٌ واحد) وفي رواية: (لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام)، وهذا نصٌ صحيح صريح عن النبي صلى الله عليه وسلم في اعتبار آل المطلب كآل هاشم، وإذا كان هذا من النبي صلى الله عليه وسلم ورد بسبب النصرة، فإن هذا لا يقتضي تخصيص الحكم؛ لأن القاعدة في الأصول أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا اللفظ في مسألة الخُمس، فأدخلهم في خُمس الخُمس، وعدهم من آله وقرابته عليه الصلاة والسلام الذين يصرف لهم خمس الخمس، وقال: (إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد) ، وقال: (إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام) ؛ لأنهم حُوصروا في شعب أبي طالب مع آل هاشم، فدل هذا النص على أنهم مع بني هاشم كالشيء الواحد، وإذا كان الأمر كذلك فظاهر اللفظ أنهم يُمنعون.

القول الثاني: ذهب طائفة من العلماء من فقهاء الحنفية وبعض فقهاء المالكية، وقيل: إنه هو المعتمد في مذهب الإمام مالك ، ورواية عن الإمام أحمد : أنهم لا يدخلون؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خص الحكم بدخول بني المطلب في مسألة خمس الخمس، وقالوا: إن هذا يدل على أنهم مع بني هاشم من جهة النصرة لا من جهة العموم.

والصحيح هو القول الذي اختاره المصنف على ظاهر النص؛ لأن القاعدة في الأصول: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فلما قال عليه الصلاة والسلام: (إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد) دل ذلك على أنهم شيءٌ واحد دون تفريق، وكونه يرد لسبب خاص لا يقتضي التخصيص.

إضافة إلى أمر ثان: وهو أننا لو سلّمنا أن الحديث ورد في مسألة خمس الخمس، فإنه قد جاء في الرواية الأخرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يخاطب آله : (إني أرغب لكم عن أوساخ أيدي الناس، ولكم في الخمس غِنَى) أي: أنه جعل في وجود خُمس الخمس غنى عن الصدقات.

فإذا تأملت هذا الحديث -أن خُمس الخمس غنى عن الصدقات- وآل المطلب هم داخلون مع آل هاشم في خمس الخمس دلّ على أنهم كذلك يمنعون؛ لأن المعنى موجود فيهم، فلو سلم النص الذي يستدلون به على التخصيص، فإننا نقول: علّته تقتضي التعميم.

وعلى هذا فيحرم دفع الزكاة إلى: آل العباس بن عبد المطلب، وآل عقيل بن أبي طالب، وآل علي بن أبي طالب، وآل جعفر بن أبي طالب، وآل الحارث بن عبد المطلب، وكذلك آل أبي لهب، على أصح قولي العلماء رحمة الله على الجميع، وهؤلاء كلهم من بني هاشم، ثم يلحق بهم آل المطلب بن عبد مناف، وعلى هذا يحرم دفع الزكاة إلى هؤلاء.

العلة في تحريم دفع الزكاة إلى بني هاشم وبني المطلب

لقد علّل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بأن الزكاة تعتبر طُهرة للناس وطهرة لأموالهم، كما قال سبحانه وتعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة:103] فأخبر أنها طُهرة، فإذا كانت طُهرة فإن آل النبي صلى الله عليه وسلم لهم من الشرف والمكان ما هم أرفع من أن يقبلوا هذه الطهرة، كما جاء في الخبر: (إنها أوساخ الناس).

وفي الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام: (أنه رأى الحسن أو الحسين يتناول تمرة من تمرات الصدقة فقال: كخ كخ، إنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد) ، وعلى هذا فإن تحريم الصدقة عليهم لمكان الشرف؛ ولأن الله سبحانه وتعالى فضلهم بهذه المزية لمكان قرابتهم من النبي صلى الله عليه وسلم.

ولا شك أن لهم الحق ولهم الفضل الذي يجب على كل مسلم أن يحفظه لهم، وأن يرعى لهم الحرمة، وقد أجمع العلماء رحمهم الله على تفضيل آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وإجلالهم وإكرامهم، وأن ذلك مما يُتقرب به إلى الله عز وجل، ولكن بشرط أن يكون في الحدود الشرعية بعيداً عن الغلو، فلا يجحِف الإنسان بحقهم فيساويهم بعامة الناس كما هو صنيع الجهال والرعاع، ولا يرفعهم عن مقامهم الذي يليق بهم، وإنما يعطيهم الحق، قالوا: إنهم يفضلون حتى في المجالس، فيُكرمون ويجلُّون ويقدَّرون؛ لمكان قرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ففي الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (والله لا آذن، والله لا آذن، والله لا آذن، إنما فاطمة بضعة مني، يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها) ، فجعل آله عليه الصلاة والسلام ومن هم منه بمثابته هو عليه الصلاة والسلام قال: (إنما فاطمة بضعة مني) ، ولذلك عظُمت حرمتهم ووجب حفظ حقوقهم.

شرف الانتساب إلى آل النبي صلى الله عليه وسلم

وقوله رحمه الله: (ولا تدفع إلى هاشمي ومطّلبي) قلنا: إن المطّلبي يلحق بالهاشمي على الصحيح، وآل النبي صلى الله عليه وسلم يُعرفون بإثبات النسب، كأن تكون لهم الشجرة التي تثبت نسبتهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فمن كان عنده الشجرة التي تثبت النسبة حلّ له أن ينتسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحرُم عليه أن يقبل الزكاة من الناس، وهكذا الصدقات النافلة على أصح قولي العلماء كما سيأتي.

وكذلك يعرف كذلك آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، بالشهرة والسماع، والقاعدة عند العلماء: أن السماع يثبت النسب، فهناك شهادة تسمى عند العلماء بشهادة السماع والاستفاضة، وهي أن يُعرف أن هذا البيت من آل النبي صلى الله عليه وسلم، أو يكون هناك لقب معروف على مستوى الحي أو على مستوى المدينة يعرف أنه لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وينتسب الإنسان إليه، فهذا من القرائن الظاهرة.

وتعتبر شهادة الاستفاضة والسماع موجبة لثبوت النسب، ولذلك يحكم العلماء رحمهم الله بها في القضاء كما قرر الفقهاء رحمهم الله في باب الشهادة، فإذا استفاض أن فلاناً ينتسب لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أخذ أحكامهم، ولا يجوز لأحد أن يطعن في آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أو يشكك في أنسابهم، فذلك من الخطورة بمكان، فإن هذا يعتبر من أشد أنواع القذف وأسوئها، أن ينفي نسبة إنسان إلى آل النبي صلى الله عليه وسلم بعد ثبوت نسبته أو اشتهاره بين الناس أنه من آل النبي صلى الله عليه وسلم، فيجمع بين كبائر:

أولها: قذفه بإخراج نسبه عن الأصل الصحيح فينسبه إلى غير أهله.

وثانياً: لما فيه من الأذية لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.

وقذف غيرهم ليس كقذفهم، ولذلك جعل الله عز وجل عظيم الوعيد لمن قذف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وعلى هذا فإنه إذا ثبت واستقر عن الإنسان أنه ينتسب لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم سرت عليه الأحكام؛ فحرُم إعطاء الصدقة إليه، وحرُم دفع الزكاة له، وحرُم قبوله للصدقات.

أقوال العلماء في حكم إعطاء موالي بني هاشم وبني المطلب من الزكاة

وقوله: (ومواليهما): يعني: موالي بني هاشم وموالي بني المطلب.

المولى: هو العتيق، يكون عند الإنسان عبد ثم يعتقه، فإذا أعتقه فإنه يكون مولى له، وحينئذٍ يقال: مولى بني فلان، وينسب ويقال: الهاشمي مولاهم، يعني نسبته إلى بني هاشم من جهة الولاء.

وقد أثبت النبي صلى الله عليه وسلم هذا الولاء، وقال: (قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق)، فأخبر أن الولاء لمن أعتق، فإذا أعتق الهاشمي عبداً فإنه يعتبر مولىً لبني هاشم، ولو أعتق المطَّلبي عبداً فإنه يعتبر مولىً لبني المطّلب، وحينئذٍ فهؤلاء الموالي الذين أصلهم عبيد يعتبرون آخذين لحكم أسيادهم الذين أعتقوهم، فتحرُم عليهم الصدقة سواءً كانت فريضة أو كانت نافلة على الصحيح.

والدليل على ذلك: أن أبا رافع وكان مولىً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصل ولايته لرسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة فتح الطائف حينما حاصرها عليه الصلاة والسلام، فنزل رضي الله عنه وأرضاه، ثم أعتقه فكان مولىً للنبي صلى الله عليه وسلم، فجاء إلى أبي رافع رجلٌ من بني مخزوم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد استعمل هذا الرجل المخزومي على الصدقة، فقال الرجل المخزومي لـأبي رافع: اصحبني كيما تصيب مما أصيب، يعني حتى يكون لك شيءٌ مما آخذه في عمالتي على الزكاة، فقال أبو رافع: لا، حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسأله، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحرّم عليه ذلك وقال: (إن مولى القوم منهم).

فهذا نصٌ صحيح صريح يدل على أن موالي آل البيت لا يجوز صرف الزكاة إليهم، ولا يحل أخذهم لهذه الزكاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مولى القوم منهم).

ولما ثبت في الصحيح من قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (الولاء لحمة كلحمة النسب) ، فجعل الولاء لحمة كلحمة النسب، فلما كان آل بني هاشم يحرم عليهم بالانتساب للبيت فكذلك مواليهم يعتبرون منتسبين للبيت من جهة الولاء، فلا يجوز دفع الزكاة إليهم.

هذا على القول الراجح وهو قول الجماهير؛ لأن بعض المالكية وبعض الحنفية يجيز دفع الصدقة للموالي، وهذا القول يعتبر مرجوحاً، ويعتذر لأصحاب مالك رحمة الله عليهم الذين يقولون بجواز دفعها للمولى بأنه ربما لم يطّلعوا على الحديث الذي دلّ على التحريم، وإلا فالأصل أن الحديث إذا استبانت حجّته للفقيه لم يجز له أن يخالفه.

وعلى هذا فإنه لا يجوز دفع الصدقة إلى موالي بني هاشم وبني المطلب، وهذا هو أصح أقوال العلماء رحمة الله عليهم.

حكم إعطاء الهاشمي والمطلبي من صدقة النافلة

من ظاهر قوله: (ولا تدفع لهاشمي ومطلبي) أنه لا يجوز دفع الزكاة، لكن يرد سؤال عن الصدقة النافلة، فللعلماء فيها وجهان:

الوجه الأول: أنها تحرُم عليهم كما تحرم الزكاة الواجبة.

والوجه الثاني: أنها تحل لهم الصدقة النافلة وتحرم عليهم الصدقة الواجبة.

واستدل الذين قالوا بحرمة أخذهم من الصدقات أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد)، وهذا كلام عام يدل على أن الصدقة على الإطلاق لا يجوز دفعها إلى آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.

ولما في أخذهم الصدقة من الغضاضة والحط من قدرهم، ولذلك قالوا: إنه لا يُشرع أخذهم للصدقة والزكاة الواجبة، وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس، وهو اختيار جمعٍ من العلماء رحمة الله عليهم.

وأما ما ورد من قوله: (إنما هي أوساخ الناس) فهذا ورد ورد تعليلاً لخاص، وإذا ورد التعليل لخاص لم يقتض ذلك تعميم الحكم، بل يُقصر، أي: إنني منعتك من هذه الزكاة الواجبة؛ لأنها أوساخ الناس.

فالذي يظهر منعهم من الصدقة عموماً لفضل الانتساب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما لهم من خمس الخمس؛ لأن الله جعل لهم في خُمس الخُمس غناءً عن هذه الصدقة.

فلو قال قائل: إنه قد يأتي زمان ولا يوجد خمس الخمس؟ قالوا: إن هذا أصل شرعي، وقد كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لا يوجد خمس الخمس إلا في حالات الجهاد، وهي أحوال خاصة، ومع ذلك كانوا يعيشون في ضيق وشدة وحاجة، حتى جاءته بنته فاطمة تشتكي له أنها طحنت النوى بيدها حتى مجلت، ومع ذلك لم يحلّ دفع الزكاة إليها. وعليه فإنه لا تدفع الزكاة إليهم، وكذلك الصدقة النافلة.

وبقي سؤال: لو أنه افتقر حتى بلغ إلى مقام الضرورة، هل يجوز له أن يأكل من الصدقة، سواءً كانت نافلة أو واجبة؟

والجواب: أما بالنسبة من بلغ إلى مقام الضرورة فقد رخّص له العلماء رحمهم الله إذا خشي الهلاك أن يطعم من الزكاة بقدر الضرورة، وأما إذا لم يبلغ هذا القدر، ولم يصل إلى هذه الدرجة، فإنه يبقى على الأصل الموجب لتحريم أكله لصدقات الناس.

قوله رحمه الله: (إلى هاشمي): هو نسبة إلى هاشم بن عبد مناف ، وهو جد النبي صلى الله عليه وسلم، والأصل في تحريم دفع الزكاة لبني هاشم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الصدقة لا تحلّ لمحمدٍ ولا لآل محمد) ، فأجمع العلماء رحمهم الله على حرمة دفعها لبطون بني هاشم، ويشمل ذلك: آل العباس، وآل عقيل، وآل علي، وآل جعفر، وآل الحارث بن عبد المطلب، واختلف في آل أبي لهب -وهم البطن السادس-، هل يجوز أن تصرف لهم الزكاة، أو لا يجوز دفعها إليهم؟

فقال بعض العلماء: آل أبي لهب يعتبرون من آل النبي صلى الله عليه وسلم الذين لا يجوز صرف الزكاة إليهم.

وقال بعض العلماء: إن آل أبي لهب يخرجون من هذا المنع؛ لأن أبا لهب كان شديد العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه نزل ما ذكر الله عز وجل في كتابه من الوعيد الشديد له لتكذيبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأذيته له على رءوس الناس، فقالوا: خرجوا من هذا؛ لأن المنع للفضل والتكريم، وكان أبو لهب شديداً على رسول الله صلى الله عليه وسلم معادياً للإسلام، فخرج من هذا.

ولـأبي لهب عتبة ومعتِّب وقيل: معْتِب ، اللذان أسلما وشهدا فتح الطائف مع النبي صلى الله عليه وسلم، فهل ذرِّيتهما يمنعان من الزكاة كما يمنع بقية الآل أو لا؟

هذان الوجهان للعلماء رحمهم الله، والأصل يقتضي أن تمنع الزكاة عنهم؛ لأنهم داخلون في آل النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا فهمنا من الآل النصرة مع القرابة، فحينئذٍ لا يدخلون، ولكن الأول أوجه بمقتضى لفظ النبي صلى الله عليه وسلم.

قوله: (ولا لمطَّلبي):

بنو المطلب هم نسبة إلى المطلب بن عبد مناف وهو أخٌ لـهاشم ، وله أخوان آخران وهما نوفل وعبد شمس ؛ لأن عبد مناف له أربعة من الولد وهم: هاشم والمطلب ونوفل وعبد شمس.

فالنوفليون والعبشميون، وهم نسبة إلى نوفل وعبد شمس لا يدخلون في آل النبي صلى الله عليه وسلم ولا تحرُم الصدقة عليهم بالإجماع، بل يجوز دفع الزكاة إليهم، وآل هاشم يدخلون بالإجماع على التفصيل الذي ذكرناه.

واختلف في المطلب بن عبد مناف ، فظاهر النص عن النبي صلى الله عليه وسلم أن آل المطلب بن عبد مناف داخلون في المنع، وأنهم من آل النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا القول يختاره فقهاء الشافعية، وهو قولٌ عند المالكية، ورواية عن الإمام أحمد اختارها المصنف رحمة الله عليه، فإن آل المطلب بن عبد مناف تحرُم عليهم الصدقة، ويدخلون في آل النبي صلى الله عليه وسلم.

واستدل الذين قالوا بأن آل المطلب يدخلون في آل النبي بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيهم: (إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيءٌ واحد) وفي رواية: (لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام)، وهذا نصٌ صحيح صريح عن النبي صلى الله عليه وسلم في اعتبار آل المطلب كآل هاشم، وإذا كان هذا من النبي صلى الله عليه وسلم ورد بسبب النصرة، فإن هذا لا يقتضي تخصيص الحكم؛ لأن القاعدة في الأصول أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا اللفظ في مسألة الخُمس، فأدخلهم في خُمس الخُمس، وعدهم من آله وقرابته عليه الصلاة والسلام الذين يصرف لهم خمس الخمس، وقال: (إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد) ، وقال: (إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام) ؛ لأنهم حُوصروا في شعب أبي طالب مع آل هاشم، فدل هذا النص على أنهم مع بني هاشم كالشيء الواحد، وإذا كان الأمر كذلك فظاهر اللفظ أنهم يُمنعون.

القول الثاني: ذهب طائفة من العلماء من فقهاء الحنفية وبعض فقهاء المالكية، وقيل: إنه هو المعتمد في مذهب الإمام مالك ، ورواية عن الإمام أحمد : أنهم لا يدخلون؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خص الحكم بدخول بني المطلب في مسألة خمس الخمس، وقالوا: إن هذا يدل على أنهم مع بني هاشم من جهة النصرة لا من جهة العموم.

والصحيح هو القول الذي اختاره المصنف على ظاهر النص؛ لأن القاعدة في الأصول: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فلما قال عليه الصلاة والسلام: (إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد) دل ذلك على أنهم شيءٌ واحد دون تفريق، وكونه يرد لسبب خاص لا يقتضي التخصيص.

إضافة إلى أمر ثان: وهو أننا لو سلّمنا أن الحديث ورد في مسألة خمس الخمس، فإنه قد جاء في الرواية الأخرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يخاطب آله : (إني أرغب لكم عن أوساخ أيدي الناس، ولكم في الخمس غِنَى) أي: أنه جعل في وجود خُمس الخمس غنى عن الصدقات.

فإذا تأملت هذا الحديث -أن خُمس الخمس غنى عن الصدقات- وآل المطلب هم داخلون مع آل هاشم في خمس الخمس دلّ على أنهم كذلك يمنعون؛ لأن المعنى موجود فيهم، فلو سلم النص الذي يستدلون به على التخصيص، فإننا نقول: علّته تقتضي التعميم.

وعلى هذا فيحرم دفع الزكاة إلى: آل العباس بن عبد المطلب، وآل عقيل بن أبي طالب، وآل علي بن أبي طالب، وآل جعفر بن أبي طالب، وآل الحارث بن عبد المطلب، وكذلك آل أبي لهب، على أصح قولي العلماء رحمة الله على الجميع، وهؤلاء كلهم من بني هاشم، ثم يلحق بهم آل المطلب بن عبد مناف، وعلى هذا يحرم دفع الزكاة إلى هؤلاء.

لقد علّل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بأن الزكاة تعتبر طُهرة للناس وطهرة لأموالهم، كما قال سبحانه وتعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة:103] فأخبر أنها طُهرة، فإذا كانت طُهرة فإن آل النبي صلى الله عليه وسلم لهم من الشرف والمكان ما هم أرفع من أن يقبلوا هذه الطهرة، كما جاء في الخبر: (إنها أوساخ الناس).

وفي الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام: (أنه رأى الحسن أو الحسين يتناول تمرة من تمرات الصدقة فقال: كخ كخ، إنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد) ، وعلى هذا فإن تحريم الصدقة عليهم لمكان الشرف؛ ولأن الله سبحانه وتعالى فضلهم بهذه المزية لمكان قرابتهم من النبي صلى الله عليه وسلم.

ولا شك أن لهم الحق ولهم الفضل الذي يجب على كل مسلم أن يحفظه لهم، وأن يرعى لهم الحرمة، وقد أجمع العلماء رحمهم الله على تفضيل آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وإجلالهم وإكرامهم، وأن ذلك مما يُتقرب به إلى الله عز وجل، ولكن بشرط أن يكون في الحدود الشرعية بعيداً عن الغلو، فلا يجحِف الإنسان بحقهم فيساويهم بعامة الناس كما هو صنيع الجهال والرعاع، ولا يرفعهم عن مقامهم الذي يليق بهم، وإنما يعطيهم الحق، قالوا: إنهم يفضلون حتى في المجالس، فيُكرمون ويجلُّون ويقدَّرون؛ لمكان قرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ففي الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (والله لا آذن، والله لا آذن، والله لا آذن، إنما فاطمة بضعة مني، يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها) ، فجعل آله عليه الصلاة والسلام ومن هم منه بمثابته هو عليه الصلاة والسلام قال: (إنما فاطمة بضعة مني) ، ولذلك عظُمت حرمتهم ووجب حفظ حقوقهم.

وقوله رحمه الله: (ولا تدفع إلى هاشمي ومطّلبي) قلنا: إن المطّلبي يلحق بالهاشمي على الصحيح، وآل النبي صلى الله عليه وسلم يُعرفون بإثبات النسب، كأن تكون لهم الشجرة التي تثبت نسبتهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فمن كان عنده الشجرة التي تثبت النسبة حلّ له أن ينتسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحرُم عليه أن يقبل الزكاة من الناس، وهكذا الصدقات النافلة على أصح قولي العلماء كما سيأتي.

وكذلك يعرف كذلك آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، بالشهرة والسماع، والقاعدة عند العلماء: أن السماع يثبت النسب، فهناك شهادة تسمى عند العلماء بشهادة السماع والاستفاضة، وهي أن يُعرف أن هذا البيت من آل النبي صلى الله عليه وسلم، أو يكون هناك لقب معروف على مستوى الحي أو على مستوى المدينة يعرف أنه لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وينتسب الإنسان إليه، فهذا من القرائن الظاهرة.

وتعتبر شهادة الاستفاضة والسماع موجبة لثبوت النسب، ولذلك يحكم العلماء رحمهم الله بها في القضاء كما قرر الفقهاء رحمهم الله في باب الشهادة، فإذا استفاض أن فلاناً ينتسب لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أخذ أحكامهم، ولا يجوز لأحد أن يطعن في آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أو يشكك في أنسابهم، فذلك من الخطورة بمكان، فإن هذا يعتبر من أشد أنواع القذف وأسوئها، أن ينفي نسبة إنسان إلى آل النبي صلى الله عليه وسلم بعد ثبوت نسبته أو اشتهاره بين الناس أنه من آل النبي صلى الله عليه وسلم، فيجمع بين كبائر:

أولها: قذفه بإخراج نسبه عن الأصل الصحيح فينسبه إلى غير أهله.

وثانياً: لما فيه من الأذية لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.

وقذف غيرهم ليس كقذفهم، ولذلك جعل الله عز وجل عظيم الوعيد لمن قذف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وعلى هذا فإنه إذا ثبت واستقر عن الإنسان أنه ينتسب لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم سرت عليه الأحكام؛ فحرُم إعطاء الصدقة إليه، وحرُم دفع الزكاة له، وحرُم قبوله للصدقات.

وقوله: (ومواليهما): يعني: موالي بني هاشم وموالي بني المطلب.

المولى: هو العتيق، يكون عند الإنسان عبد ثم يعتقه، فإذا أعتقه فإنه يكون مولى له، وحينئذٍ يقال: مولى بني فلان، وينسب ويقال: الهاشمي مولاهم، يعني نسبته إلى بني هاشم من جهة الولاء.

وقد أثبت النبي صلى الله عليه وسلم هذا الولاء، وقال: (قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق)، فأخبر أن الولاء لمن أعتق، فإذا أعتق الهاشمي عبداً فإنه يعتبر مولىً لبني هاشم، ولو أعتق المطَّلبي عبداً فإنه يعتبر مولىً لبني المطّلب، وحينئذٍ فهؤلاء الموالي الذين أصلهم عبيد يعتبرون آخذين لحكم أسيادهم الذين أعتقوهم، فتحرُم عليهم الصدقة سواءً كانت فريضة أو كانت نافلة على الصحيح.

والدليل على ذلك: أن أبا رافع وكان مولىً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصل ولايته لرسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة فتح الطائف حينما حاصرها عليه الصلاة والسلام، فنزل رضي الله عنه وأرضاه، ثم أعتقه فكان مولىً للنبي صلى الله عليه وسلم، فجاء إلى أبي رافع رجلٌ من بني مخزوم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد استعمل هذا الرجل المخزومي على الصدقة، فقال الرجل المخزومي لـأبي رافع: اصحبني كيما تصيب مما أصيب، يعني حتى يكون لك شيءٌ مما آخذه في عمالتي على الزكاة، فقال أبو رافع: لا، حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسأله، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحرّم عليه ذلك وقال: (إن مولى القوم منهم).

فهذا نصٌ صحيح صريح يدل على أن موالي آل البيت لا يجوز صرف الزكاة إليهم، ولا يحل أخذهم لهذه الزكاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مولى القوم منهم).

ولما ثبت في الصحيح من قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (الولاء لحمة كلحمة النسب) ، فجعل الولاء لحمة كلحمة النسب، فلما كان آل بني هاشم يحرم عليهم بالانتساب للبيت فكذلك مواليهم يعتبرون منتسبين للبيت من جهة الولاء، فلا يجوز دفع الزكاة إليهم.

هذا على القول الراجح وهو قول الجماهير؛ لأن بعض المالكية وبعض الحنفية يجيز دفع الصدقة للموالي، وهذا القول يعتبر مرجوحاً، ويعتذر لأصحاب مالك رحمة الله عليهم الذين يقولون بجواز دفعها للمولى بأنه ربما لم يطّلعوا على الحديث الذي دلّ على التحريم، وإلا فالأصل أن الحديث إذا استبانت حجّته للفقيه لم يجز له أن يخالفه.

وعلى هذا فإنه لا يجوز دفع الصدقة إلى موالي بني هاشم وبني المطلب، وهذا هو أصح أقوال العلماء رحمة الله عليهم.

من ظاهر قوله: (ولا تدفع لهاشمي ومطلبي) أنه لا يجوز دفع الزكاة، لكن يرد سؤال عن الصدقة النافلة، فللعلماء فيها وجهان:

الوجه الأول: أنها تحرُم عليهم كما تحرم الزكاة الواجبة.

والوجه الثاني: أنها تحل لهم الصدقة النافلة وتحرم عليهم الصدقة الواجبة.

واستدل الذين قالوا بحرمة أخذهم من الصدقات أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد)، وهذا كلام عام يدل على أن الصدقة على الإطلاق لا يجوز دفعها إلى آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.

ولما في أخذهم الصدقة من الغضاضة والحط من قدرهم، ولذلك قالوا: إنه لا يُشرع أخذهم للصدقة والزكاة الواجبة، وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس، وهو اختيار جمعٍ من العلماء رحمة الله عليهم.

وأما ما ورد من قوله: (إنما هي أوساخ الناس) فهذا ورد ورد تعليلاً لخاص، وإذا ورد التعليل لخاص لم يقتض ذلك تعميم الحكم، بل يُقصر، أي: إنني منعتك من هذه الزكاة الواجبة؛ لأنها أوساخ الناس.

فالذي يظهر منعهم من الصدقة عموماً لفضل الانتساب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما لهم من خمس الخمس؛ لأن الله جعل لهم في خُمس الخُمس غناءً عن هذه الصدقة.

فلو قال قائل: إنه قد يأتي زمان ولا يوجد خمس الخمس؟ قالوا: إن هذا أصل شرعي، وقد كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لا يوجد خمس الخمس إلا في حالات الجهاد، وهي أحوال خاصة، ومع ذلك كانوا يعيشون في ضيق وشدة وحاجة، حتى جاءته بنته فاطمة تشتكي له أنها طحنت النوى بيدها حتى مجلت، ومع ذلك لم يحلّ دفع الزكاة إليها. وعليه فإنه لا تدفع الزكاة إليهم، وكذلك الصدقة النافلة.

وبقي سؤال: لو أنه افتقر حتى بلغ إلى مقام الضرورة، هل يجوز له أن يأكل من الصدقة، سواءً كانت نافلة أو واجبة؟

والجواب: أما بالنسبة من بلغ إلى مقام الضرورة فقد رخّص له العلماء رحمهم الله إذا خشي الهلاك أن يطعم من الزكاة بقدر الضرورة، وأما إذا لم يبلغ هذا القدر، ولم يصل إلى هذه الدرجة، فإنه يبقى على الأصل الموجب لتحريم أكله لصدقات الناس.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن محمد مختار الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع كتاب البيع [4] 3698 استماع
شرح زاد المستقنع باب الرجعة [1] 3616 استماع
شرح زاد المستقنع باب ما يختلف به عدد الطلاق 3438 استماع
شرح زاد المستقنع باب صلاة التطوع [3] 3370 استماع
شرح زاد المستقنع واجبات الصلاة 3336 استماع
شرح زاد المستقنع باب الإجارة [10] 3317 استماع
شرح زاد المستقنع باب التيمم [1] 3267 استماع
شرح زاد المستقنع باب صوم التطوع [2] 3223 استماع
شرح زاد المستقنع باب شروط القصاص 3183 استماع
شرح زاد المستقنع باب نفقة الأقارب والمماليك [6] 3163 استماع