خطب ومحاضرات
فتاوى نور على الدرب [65]
الحلقة مفرغة
السؤال: لماذا لا يجوز الطلب من الله بجاه أو بحق أو بحرمة أياً كان من الصالحين الأموات؟
الجواب: سؤال الله سبحانه وتعالى ودعاؤه بوسيلة من الوسائل لا يجوز إلا إذا كانت هذه الوسيلة مما ثبت شرعاً أنها وسيلة، لأن الدعاء عبادة، والعبادة يتوقف فيها على ما ورد به الشرع، فسؤال الله تبارك وتعالى بالوسيلة ينقسم إلى قسمين؛ أحدهما: أن تكون الوسيلة مما جاء به الشرع، كالتوسل إلى الله تبارك وتعالى بأسمائه وصفاته، مثل أن تقول: اللهم يا غفور اغفر لي، ويا رزاق ارزقني، ويا رحيم ارحمني، وما أشبه ذلك، أو يتوسل إلى الله تبارك وتعالى بإيمانه به وبرسله، مثل أن يقول: اللهم إني آمنت بك وبرسلك فاغفر لي، كما حكى الله تبارك وتعالى عن أولي الألباب الذين يقولون: رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ [آل عمران:193]، أو يتوسل إلى الله تبارك وتعالى بذكر حاله هو من ضرورة وحاجة، كما في قول موسى عليه الصلاة والسلام: رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ [القصص:24].
هذه الأنواع التي تندرج تحت القسم الأول كلها جائزة؛ لورود الشرع بها، وكذلك أيضاً من هذا القسم: إذا توسل بدعاء غيره ممن يكونون أقرب إلى الإجابة منه، كما فعل عمر رضي الله عنه حين استسقى، فقال: اللهم إنا كنا نستسقي إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نستسقي إليك بعم نبينا -يعني: العباس - قم يا عباس فادع الله، فقام فدعا.
القسم الثاني من الوسائل: أن تكون الوسيلة مما لم يرد به الشرع، فهذه لا يجوز أن يُدعى اللهُ بها، لأن معنى ذلك أنك تقدم إلى الله تبارك وتعالى ما لم يكن سبباً للوصول إليه، وهذا يشبه الاستهزاء، ولهذا لو أنك توسلت إلى ملك من ملوك الدنيا بما لم يكن وسيلة إليه، مثل: أن تأتي برجل من سوقة الناس وتقول: اشفع لي عند الملك، فإن هذا يعتبر كالاستهزاء به والسخرية، كذلك إذا توسلت إلى الله تبارك وتعالى بما لم يكن سبباً، فإنه كالاستهزاء به وبآياته تبارك وتعالى.
ومن هذا النوع التوسل بما ذكره السائل من جاه النبي صلى الله عليه وسلم وحرمته وما أشبه ذلك، فإن جاه النبي صلى الله عليه وسلم لا ينتفع به إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط، أما غيره فإنه لا ينتفع به بمجرد أن للرسول صلى الله عليه وسلم جاهاً عند الله وحرمة، هذا لا ينفعه، ولهذا لم ينتفع أبو لهب وغيره ممن ليسوا أهلاً للرحمة والمغفرة بجاه النبي صلى الله عليه وسلم عند الله، وحتى في التوسل إلى العباد لقضاء الحاجة ما ينفع أن نتوسل إليه بجاه فلان، حتى يكون لفلان هذا تأثير بالطلب والسؤال، وكذلك التوسل إلى الله بحرمة الرسول صلى الله عليه وسلم وجاهه لم يجعله الله تبارك وتعالى وسيلة لإجابة الداعي، وكذلك أيضاً هو في الحقيقة ليس وسيلة، لأنه -كما أسلفنا آنفاً- لا ينتفع الإنسان بجاه شخص إذا لم يكن لهذا الإنسان سبب يوصل إليه، فحرمة الرسول عند الله ليست سبباً لقضاء حاجتك أنت.
وما وجه السبب؟
السبب إما فعلك أو حالك أو أسماء الله تعالى وصفاته، والنبي عليه الصلاة والسلام ليس هو الذي يجيب حتى نقول: إن السؤال بحرمته وتعظيمه وجاهه كالسؤال بأسماء الله وصفاته وما أشبه ذلك، فالرسول ليس هو الذي يدعى وهو الذي يجيب حتى نقول: إن وصفه بهذه الصفات الحميدة يقتضي الإجابة.
السؤال: هل زيارة قبور الصالحين تثلم التوحيد الإلهي، إن لم يجعل الزائر المقبورين أرباباً دون الله؟ وهل من فرق بين الألوهية والربوبية؟
الجواب: زيارة قبور الصالحين وغيرها من قبور المسلمين تنقسم إلى قسمين: زيارة شرعية، وزيارة بدعية، فالزيارة الشرعية هي أن يزورهم الإنسان للاتعاظ وتذكر الآخرة والدعاء لهم، يعني: يسأل الله أن يغفر لهم ويرحمهم، فهذه جائزة وشرعية أيضاً ومطلوبة من العبد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكركم الآخرة)، ولإرشاده صلى الله عليه وسلم من زار القبور أن يقول: ( السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين) إلى آخره، والدعاء معروف ومشهور.
وأما القسم الثاني: فهي الزيارة البدعية أو الشركية، وهي أن يزور الإنسان قبور الصالحين والمسلمين لأجل أن يدعوهم ويستغيث بهم في قضاء الحوائج وحصول المنافع، فهذا حرام ولا يجوز، بل يكون من الشرك، إما الأكبر أو الأصغر حسب ما تقتضيه الأدلة الشرعية، أو يزورهم لأجل أن يدعو الله عند قبورهم، اعتقاداً منه أن الدعاء عند القبور أفضل من دعاء الله تبارك وتعالى في مكان آخر، فهذا أيضاً من البدع، فإنه لا خصوصية للقبور في إجابة دعاء الله تبارك وتعالى.
وعلى هذا فإذا زار قبور الصالحين على الوجه الأول المذكور في القسم الأول، فهذا لا بأس به ولا حرج.
السؤال: ما الفرق بين الألوهية والربوبية؟
الفرق بينهما: أن الألوهية هي العبادة، فتوحيد الألوهية معناه توحيد الله تعالى بعبادتك، أي: أن تعبد الله مخلصاً له الدين، كما قال الله عز وجل: قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ [الزمر:11]، وأما توحيد الربوبية فهو إفراد الله تبارك وتعالى بالربوبية، وهي الخلق والتدبير الكوني والشرعي، كما قال الله عز وجل: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف:54] ويتضح ذلك بالمثال: فالرجل الذي يؤمن بالله رباً ومدبراً خالقاً متصرفاً كما يشاء ولكنه يسجد لصنم، فهذا مقر بالربوبية لكنه كافر بالألوهية، والإنسان الذي لا يعبد غير الله، ولكنه يعتقد أن هناك خالقاً مع الله أو معيناً له، فإن هذا مشرك بالربوبية كافر بها، وإن كان في العبودية مقراً، لكن هذا أيضاً لا ينفعه الإقرار، كما أن من أشرك في الألوهية لا ينفعه الإقرار بالربوبية، إذ لابد من التوحيدين جميعاً: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، وإنما ذكرنا ذلك لمجرد بيان الفرق، وإلا فالحكم واحد، فمن أشرك بالله في ألوهيته فهو مشرك وإن أقر بالربوبية، ومن أشرك بالله في الربوبية فهو مشرك وإن أقر بالألوهية وأخلص.
السؤال: هل تجوز الاستعانة بغير الله؟ وهل يجوز الحلف بغير الله؟
الجواب: الاستعانة بغير الله جائزة إذا كان المستعان ممن يمكنه أن يعين فيما استعين فيه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر الصدقات: ( وتعين الرجل في دابته تحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة)، وأما استعانة غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، فهذا لا يجوز وهو من الشرك.
وأما الحلف بغير الله فهو محرم، بل نوع من الشرك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت).
السؤال: هل يجوز شد الرحال لزيارة أياً كان من الصالحين الأموات؟
الجواب: لا يجوز للإنسان أن يشد الرحل لزيارة قبر من القبور أياً كان صاحب هذا القبر، لأن زيارة القبور من العبادة كما سبق، فإذا كانت من العبادة فإنه لا يجوز للإنسان أن يشد الرحل إلى مكان يختص بتلك العبادة سوى المساجد الثلاثة، التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى)، وما سوى هذه الأماكن لا يجوز للإنسان أن يشد الرحل إليه تعبداً لله وتقرباً إليه، وزيارة القبور -كما أسلفنا- هي من العبادة، فلا يجوز للإنسان أن يشد الرحل إلى القبر، لأنها عبادة تختص بهذا المكان، وهذا ممنوع في غير المساجد الثلاثة.
السؤال: هل يجوز للإنسان أن يذكر الله في الحشوش، وطبعاً يقصد بالحشوش الحمامات ودورات المياه التي تقضى فيها الحاجات، كأن يقول: سبحان الله، ويقول: أستغفر الله وهو جالس في الخلاء أجلكم الله؟
الجواب: المعروف عند كثير من أهل العلم أن ذلك من المكروه، إذا ذكر الله تعالى بلسانه، وأما ذكره له بالقلب وإمرار هذا على قلبه فلا بأس به ولا حرج.
السؤال: لماذا تؤكدون على الحجاج في كل سني الحج أن ينوي زيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا زيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قضاء مناسك الحج؟
الجواب: هذا السؤال له شقان: أحدهما قوله: لم تؤكدون على الحاج أن يزور المسجد النبوي؟
نقول: نحن لا نؤكد عليه ذلك، ونقول: إن زيارة المسجد النبوي لا تعلق لها بالحج، وأنها عبادة مستقلة ليست من متممات الحج، ولا ينقص الحج بفقدها، ومن حج فلم يزر فحجه تام صحيح وليس فيه أي نقص، ولكن أهل العلم ذكروا الزيارة بعد الحج، لأن الأسفار في ذلك الوقت صعبة، فيكون سفر المسلمين إلى الحج وإلى الزيارة واحداً أسهل عليهم، لذلك صاروا يذكرون الزيارة بعد الحج، وإلا فلا علاقة لها بالحج إطلاقاً، وتكون الزيارة في أي وقت من السنة.
وأما الشق الثاني فهو قال: إنكم تؤكدون أن ينوي زيارة المسجد. فنحن نقول ذلك، ينوي زيارة المسجد، وهذا السؤال له تعلق بالسؤال الثالث الذي ذكرناه قريباً، وذلك لأن شد الرحل لزيارة القبور منهي عنها، لأنها لا تشد الرحال إلا للمساجد الثلاثة فقط على سبيل العبادة.
استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
فتاوى نور على الدرب [707] | 3913 استماع |
فتاوى نور على الدرب [182] | 3693 استماع |
فتاوى نور على الدرب [460] | 3647 استماع |
فتاوى نور على الدرب [380] | 3501 استماع |
فتاوى نور على الدرب [221] | 3496 استماع |
فتاوى نور على الدرب [411] | 3478 استماع |
فتاوى نور على الدرب [21] | 3440 استماع |
فتاوى نور على الدرب [82] | 3438 استماع |
فتاوى نور على الدرب [348] | 3419 استماع |
فتاوى نور على الدرب [708] | 3341 استماع |