قدر، ومن الناس من يطعن في هذه الكتب، ويقول: إنها مكذوبة عليه، وآخرون يقولون: بل رجع عنها، وهذا أقرب الأقوال؛ قد صرّح بكفر الفلاسفة في مسائل، وتضليلهم في مسائل أكثر منها، وصرح بأن طريقتهم لا توصل إلى المطلوب )) اهـ.
فتأمل هاهنا أن الشيخ ابن تيمية يقرِّب أن يكون الشيخ أبو حامد الغزالي قد رجع عن أقوال الفلاسفة كما هو ظاهر حاله.
هذه مجمل أسباب الانحرافات في كتب الشيخ أبي حامد الغزالي التي دارت عليها اعتذارات شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو من القوة السبر والعدل والإنصاف ما يقرُّ به أهل الإنصاف كما قال تعالى: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8] .
-ولئن كان أكثر ما سبق من مثالب الغزالي وعثراته، فإن له من القول الجيد المسدد والأحكام الموفقة ما يقرب من ذلك، حتى كان هذا هو آخر ما استقر عليه أمره، لكن الأول أشهر عنه لانشغاله به في أكثر حياته وتصانيفه.
فمما نقله عنه شيخ الإسلام ابن تيمية من ثمين قوله وجميل عبارته كثير، هذه نماذج منه.
(أ) في ذمه للمناهج الفلسفية وكلامهم قال الشيخ في"الرد على المنطقيين" (198) :
(( والمقصود هنا أن كتب أبي حامد، وإن كان فيها كثير من كلامهم الباطل، إما بعبارتهم أو بعبارة أخرى؛ فهو في آخر أمره يبالغ في ذمهم، ويبين أن طريقتهم متضمنة من الجهل والكفر ما يوجب ذمها وفسادها أعظم من طريقة المتكلمين، ومات وهو مشتغل بالبخاري ومسلم ) ) [1] اهـ.
(ب) وقال في رده توحيد الفلاسفة في"العقل والنقل" (8/ 251) :
(( ولهذا بيَّن أبو حامد الغزالي وغيره من المسلمين، بل وابن رشد وأمثاله من الفلاسفة، فساد ما ذكروه في هذا التوحيد، وبطلان ما نفوه من هذه المعاني التي سموها تركيباً، وأنه لا حجة لهم على ذلك أصلاً، إلا ما توهموه من مدلول لفظ واجب الوجود بالمعنى الذي
(1) وانظر:"الدرء" (1/ 162) , و"منهاج السنة" (5/ 269) , و"المجموع" (4/ 72) .