فلئن كان الرجل يعتقد ما سطره؛ لم يبعد تكفيره، وإن كان لا يعتقده، فما أقرب تضليله.
وأما ما ذكرت من إحراق الكتاب؛ فلعمري إذا انتشر بين من لا معرفة له بسمومه القاتلة، خيف عليهم أن يعتقدوا إذاً صحة ما فيه؛ فكان تحريقه في معنى ما حرَّقته الصحابة من الصحف المصاحف التي تخالف المصحف العثماني )) اهـ.
والإمام الطرطوشي إنما ذكر هذا وعنَّف؛ لما فيه من السم المدهون بالعسل، والذي ينطلي - بلا شك - على من لا معرفة عنده بتلك الطرائق، كما هو حال الأعم الأغلب ممن عكف عليه، فتركه أوجب عليهم من مطالعته [1] . بالفعل فقد أحرق الإحياء سنة (503 هـ) في دولة المرابطين بسعاية الشيخ محمد بن علي بن حمديه (508) لدى الأمير علي بن يوسف بن تاشفين.
2 -ومن العلماء الذين اشتهر عنهم تعقب"الإحياء"ممن عدَّدهم الشيخ ابن تيمية أبو عبد الله محمد المازري الصقلي (536 هـ) ، صاحب شرح مسلم المسمى بـ"المعلم"، وهو في الفروع من أئمة المالكية، ومشربه ليس بعيداً عن أبي حامد الغزالي رحمهما الله.
ألف أبو عبد الله نقده وسماه"الكشف والإنباء عن كتاب الإحياء"
فقد نقل الذهبي في"السير" (19/ 330) عن الجبلي في"تاريخه"أنه قال: (( وقد رأيت كتاب"الكشف والإنباء عن كتاب الإحياء"للمازري، وفيه: ولقد أعجب عن قوم من المالكية يرون مالكاً الإمام يهرب من التحديد ويجانب أن يرسم رسماً، وإذ كان فيه أثرٌ ما أو قياس ما؛ تورعاً وتحفظاً من الفتوى فيما يحمل الناس عليه، ثم يستحسنون من رجل فتاوى بناها على ما لا حقيقة له، وفيه كثير من الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم، لفق فيها الثابت بغير الثابت، وكذا ما أورده عن السلف لا يمكن ثبوته كله، وأورد من ترنمات الأولياء ونفثات الأصفياء ما يجل موقعه، لكن مزج فيه النافع بالضار ... ) ).
وذكر جملاً أخر يطول المقام بذكرها؛ فحبذا مطالعتها في"السير" (340 - 342) لمن شاء!
(1) ونقل الونشريشي (914 ه) في"المعيار المعرب"جملاً من تلك الرسالة. وانظره فيها (12/ 186 - 187) , وذكر قبله اختلاف بعض علماء المغرب والأندلس في"الإحياء"وإحراقه (184 - 185) من المجلد ذاته.