وأبو حامد الغزالي في مجال البحث والمناظرة والجدل ليس له منهج محدد، حيث صرَّح في كتابه"تهافت الفلاسفة"ص (68) بذلك فقال:
(( ... فألزمهم تارة مذهب المعتزلة، وأخرى مذهب الكرامية، وطوراً مذهب الواقفة، ولا انتهض ذاباً عن مذهب مخصوص ) ).
في هذا قال شيخ الإسلام في"العقل والنقل" (1/ 163) : (( ولهذا تجد أبا حامد في مناظرته للفلاسفة إنما يبطل طرقهم ولا يثبت طريقة معينة، بل هو كما قال: نناظرهم - يعني: مع كلام الأشعري - تارة بكلام المعتزلة، وتارة بكلام الكرامية، وتارة بطريقة الواقفة. وهذه الطريقة هي الغالب عليه في منتهى كلامه ) ).
وللتمثيل على صدق هذا المنهج في أبي حامد في مسألة كلام الله تبعاً لمذهب الفلاسفة، قال شيخ الإسلام في رسالة الجواب عمن يقول في صفات الله نسب وإضافات من"جامع الرسائل" (1/ 163 - 164) :
(( وَهَذَا القَوْل - في كلام الله - هُوَ قَول المتفلسفة، وَوَقع فِيهِ طوائف من المنتسبين إِلَى الْملَل من الْيَهُود وَالنَّصَارَى، وَمن المنتسبين إِلَى الْمُسلمين، مِمَّن خلط الفلسفة بالتصوف، مثل أهل الْكَلَام الْمَسْئُول عَنهُ وَأَمْثَاله، وَمثل مَا وَقع لأبي حَامِد فِي كتاب"المضنون بِهِ على غير أَهله"الأول وَالثَّانِي، وَنَحْو ذَلِك من المصنفات، مثل"مشكاة الْأَنْوَار"و"مسائل النفخ والتسوية"و"كيمياء السَّعَادَة"و"جواهر الْقُرْآن"، وَمَا يُشِير إِلَيْهِ أَحْيَانًا فِي"الْإِحْيَاء"وَغَيره؛ فَإِنَّهُ كثيراً مَا يَقع فِي كَلَامه مَا هُوَ مَأْخُوذ من كَلَام الفلاسفة، ويخلطه بِكَلَام الصُّوفِيَّة أَو عباراتهم، فَيَقَع فِيهِ كثير من المتصوفة، الَّذين لَا يميزون بَين حَقِيقَة دين الْإِسْلَام وَبَين مَا يُخَالِفهُ من الفلسفة الْفَاسِدَة وَغَيرهَا، لَاسِيمَا إِذا بُني على ذَلِك وَاتَّبَعت لوازمه؛ فَإِنَّهُ يُفْضِي إِلَى قَول ابْن سبعين وَابْن عَرَبِيّ صَاحب"الفصوص"وأمثالهما مِمَّن يَقُول بِمثل هَذَا الْكَلَام، وَحَقِيقَة مَذْهَبهم يؤول إِلَى التعطيل الْمَحْض، وَأَنه لَيْسَ للْعَالم ربّ مباين لَهُ، بل الْخَالِق هُوَ الْمَخْلُوق، والمخلوق هُوَ الْخَالِق ) ).
وانظر أيضاً موافقة أبي حامد الغزالي الفلاسفة في الأصول"الدرء" (4/ 281) وما بعدها.
ففي هذا بيان اضطراب منهج أبي حامد الغزالي في منهجه، وخلطه لمذهب الأشعري بكلام الفلاسفة وعبارات الصوفية، مما يفضي إلى لوازم خطيرة عند فلاسفة الصوفية، مما يؤول إلى غاية