وَأَمَّا"الْمَضْنُونُ بِهِ عَلَى غَيْرِ أَهْلِهِ"فَقَدْ كَانَ طَائِفَةٌ أُخْرَى مِنْ الْعُلَمَاءِ يُكَذِّبُونَ ثُبُوتَهُ عَنْهُ، وَأَمَّا أَهْلُ الْخِبْرَةِ بِهِ وَبِحَالِهِ؛ فَيَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ كَلَامُهُ؛ لِعِلْمِهِمْ بِمَوَادِّ كَلَامِهِ، وَمُشَابَهَةِ بَعْضِهِ بَعْضًا، وَلَكِنْ كَانَ هُوَ وَأَمْثَالُهُ - كَمَا قَدَّمْت - مُضْطَرِبِينَ، لَا يَثْبُتُونَ عَلَى قَوْلٍ ثَابِتٍ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمْ مِنْ الذَّكَاءِ وَالطَّلَبِ مَا يَتَشَوَّفُونَ بِهِ إلَى طَرِيقَةِ خَاصَّةِ الْخَلْقِ، وَلَمْ يُقَدَّرْ لَهُمْ سُلُوكُ طَرِيقِ خَاصَّةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّذِينَ وَرِثُوا عَنْ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ، وَهُمْ أَهْلُ حَقَائِقِ الْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَأَهْلُ الْفَهْمِ لِكِتَابِ اللَّهِ وَالْعِلْمِ وَالْفَهْمِ لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَتْبَاعِ هَذَا الْعِلْمِ بِالْأَحْوَالِ وَالْأَعْمَالِ الْمُنَاسِبَةِ لِذَلِكَ، كَمَا جَاءَتْ بِهِ الرِّسَالَةُ.
وَلِهَذَا كَانَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو بْنُ الصَّلَاحِ يَقُولُ - فِيمَا رَأَيْته بِخَطِّهِ: أَبُو حَامِدٍ كَثُرَ الْقَوْلُ فِيهِ وَمِنْهُ، فَأَمَّا هَذِهِ الْكُتُبُ - يَعْنِي: الْمُخَالِفَةَ لِلْحَقِّ -، فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا، وَأَمَّا الرَّجُلُ، فَيُسْكَتُ عَنْهُ وَيُفَوَّضُ أَمْرُهُ إلَى اللَّهِ.
وَمَقْصُودُهُ أَنَّهُ لَا يُذْكَرُ بِسُوءِ؛ لِأَنَّ عَفْوَ اللَّهِ عَنْ النَّاسِي وَالْمُخْطِئِ، وَتَوْبَةِ الْمُذْنِبِ تَأْتِي عَلَى كُلِّ ذَنْبٍ، وَذَلِكَ مِنْ أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ إلَى هَذَا وَأَمْثَالِهِ، وَلِأَنَّ مَغْفِرَةَ اللَّهِ بِالْحَسَنَاتِ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ وَتَكْفِيرُهُ الذُّنُوبِ بِالْمَصَائِبِ تَأْتِي عَلَى مُحَقِّقِ الذُّنُوبِ، فَلَا يَقْدُمُ الْإِنْسَانُ عَلَى انْتِفَاءِ ذَلِكَ فِي حَقٍّ مُعَيَّنٍ إلَّا بِبَصِيرَةِ، لَا سِيَّمَا مَعَ كَثْرَةِ الْإِحْسَانِ وَالْعِلْمِ الصَّحِيحِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالْقَصْدِ الْحَسَنِ.
وَهُوَ يَمِيلُ إلَى الْفَلْسَفَةِ، لَكِنَّهُ أَظْهَرَهَا فِي قَالَبِ التَّصَوُّفِ وَالْعِبَارَاتِ الْإِسْلَامِيَّةِ.
وَلِهَذَا فَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى أَخَصُّ أَصْحَابِهِ أَبُو بَكْرٍ بْنُ الْعَرَبِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ:"شَيْخُنَا أَبُو حَامِدٍ دَخَلَ فِي بَطْنِ الْفَلَاسِفَةِ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُمْ، فَمَا قَدَرَ".
وَقَدْ حُكِيَ عَنْهُ مِنْ الْقَوْلِ بِمَذَاهِبِ الْبَاطِنِيَّةِ مَا يُوجِب تَصْدِيقَ ذَلِكَ فِي كُتُبِهِ )) .
وما هذا التطويل إلا لقصد الذي أشرت إليه، ولأنه ينبئ عن منهج الشيخ ابن تيمية مع أمثال أبي حامد! رحمهم الله.
-وسأحيل إلى نقد شيخ الإسلام لبقية الكتب مصدراً لها باسم كتاب أبي حامد كالآتي:
1 -كتاب"مشكاة الأنوار": في"العقل والنقل" (10/ 282) أنه موضوع على قواعد المتفلسفة، وفي (10/ 270) فيه، وقبلها ص (205) ، و"جامع الرسائل" (1/ 163) ، و"منهاج السنة" (2/ 389، 8/ 21) ، و"المجموع" (13/ 238) .