وورد في الأحاديث الصحيحة ما يدل دلالة واضحة على أن الله تعالى أراد بالاستواء حقيقة معناه الذي هو العلو والارتفاع، (1) وقد أجمع الصحابة على هذا المعنى من غير خلاف يذكر (2) ، وتبعهم أهل السنة والجماعة وآمنوا بأن الله تعالى مستوٍ على عرشه فوف السموات السبع بائن عن خلقه، ووصفوه بما وصف به نفسه من غير تكييف ولا تعطيل ولا تشبيه، وأنكروا تأويل الصفات وإخراجها عن حقيقة معناها.
فصار هذا منهجهم كما أشار إليه إمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس رحمه الله عندما سئل عن كيفية الاستواء، أطرف رأسه فقال:"الرحمن على العرش استوى كما يصف نفسه، ولا يقال كيف، وكيف عنه مرفوع، وأنت صاحب البدعة أخرجوه"اهـ (3) وفي رواية عنه"الكيف غير معقول والاستواء منه مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة"اهـ (4) .
وما من كتاب من كتب السلف التي ألفت في بيان عقيدة السلف إلا قد تناول هذه المسألة إثباتًا للاستواء وردًا على المنكرين والمؤولين، ونذكر هنا على سبيل المثال: الإمام هبة الله بن الحسن اللالكائي (418 هـ) قد جمع النصوص الواردة في هذا الأمر وذكر بأن الإثبات هو طريقة الصحابة والتابعين وأئمة الدين (5) .
(1) كما روي ذلك البخاري في كتاب التوحيد في باب"وكان عرشه على الماء وهو رب العرش العظيم"صحيح البخاري مع الفتح: 13/ 403.
(2) ينظر حاشية الحجة: 2/ 80.
(3) مختصر العلو للعلي الغفار، اختصار الألباني، الكتب الإسلامي، ط / 1 - 1412 هـ ص: 141 (131) وقد صححه الذهبي.
(4) المرجع السابق: ص: 141 (132)
(5) ينظر كتابه: شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة، دار طيبة للنشر والتوزيع الرياض، 3، 4/ 387 وما بعدها.