يمكن أن يقال إن موسى عليه السلام نفى الرؤية لأن الله تعالى سبحانه وتعالى صرح بإثبات الرؤية بقوله: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ} .
فالرؤية والإدراك كل منهما، يوجد مع الآخر وبدونه، والرب تبارك وتعالى يرى ولا يدرك كما يعلم ولا يحاط به علمًا، وهذا هو الذي فهمه الصحابة والأئمة من هذه الآية (1) .
ومما يدل على أن الإدراك قدر زائد على الرؤية أن هذه الشمس وهذه السماء المخلوقتان يتمكن كل إنسان من رؤيتهما ولا يتمكن أن يدركهما على ما هما عليه (2) .
الدليل الثاني: استدلوا بقوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي} الآية (3) .
قالوا: إن"لن"كلمة تدل على التأبيد فقوله: {لَنْ تَرَانِي} نفى فيه أن يكون مرئيًا البتة، وهذا يدل على استحالة الرؤية عليه (4) .
والجواب عن ذلك: أن هذه الآية كالآية السابقة لا حجة لهم بها، وادعاؤهم بأن لن تفيد النفي المؤبد غير صحيح لأن غاية ما تدل عليه"لن"النفي في المستقبل، ولا تفيد التأبيد حتى ولو قيدت بالتأبيد فكيف إذا أطلقت. والدليل قوله تعالى عن الكفار: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} (5) ومع ذلك أخبر سبحانه وتعالى أنهم يتمنونه يوم القيامة كما قال تعالى: {وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} (6) .
(1) انظر: حادي الأرواح لابن القيم (ص 207) وتفسير ابن كثير (2/ 160) .
(2) انظر: الشريعة للآجري (ص 276) وحادي الأرواح (ص 210) .
(3) سورة الأعراف آية (143) .
(4) انظر: شرح الأصول الخمسة (ص 264) .
(5) سورة البقرة آية (95) .
(6) سورة الزخرف آية (77) .