قال: ... وهذا يدل على أن الله فطر عباده على معرفة الحق والسكون إليه وقبوله، وركز في الطباع محبة ذلك، والنفور من ضده ويدخل هذا في قوله في حديث عياض بن حمار:"إني خلقت عبادي حنفاء مسلمين فأتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، فحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا" (1) .
وقوله:"كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء قال أبو هريرة رضي الله عنه: اقرأوا إن شئتم: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} (2) ..." (3) .
ولهذا سمى الله ما أمر به معروفًا، وما نهى عنه منكرًا، فقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ} (4) .
وقال تعالى في صفة الرسول - صلى الله عليه وسلم: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} (5) .
وأخبر أن قلوب المؤمنين تطمئن بذكره، فالقلب الذي دخله نور الإيمان وانشرح به وانفسح سكن للحق، واطمأن به، ويقبله وينفر من الباطل ويكرهه ولا يقبله (6) .
(1) مسلم: كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار (4/ 2197) .
(2) سورة الروم آية (30) .
(3) أخرجه البخاري: كتاب التفسير، باب {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} (6/ 20) .
ومسلم: كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة (4/ 2047) .
(4) سورة النحل آية (90) .
(5) سورة الأعراف آية (157) .
(6) جامع العلوم والحكم (2/ 256) .