فهرس الكتاب
الصفحة 195 من 344

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في: (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) (ص:29 - دار الكتب العلمية) : ( ... إن كان في الحديث وعيد على فعل، من لعنة، أو: غضب، أو: عذاب، أو: نحوِ ذلك، فلايجوز أن يقال: إن ذلك العالم، الذي أباح هذاأو: فعله، داخل في هذا الوعيد.

وهذا مما لا نعلم بين الأمة فيه خلافاً، إلا شيئاً يحكى عن بعض معتزلة بغداد، مثل بشرالمرسي [1] وأضرابه، أنهم زعموا: أن المخطئ من المجتهدين يعاقب على خطئه.

وهذا لأن لحوق الوعيد، لمن فعل المحرم مشروط بعلمه بالتحريم، أو: بتمكنه من العلم بالتحريم.

فإن من نشأ ببادية، أو: كانحديث عهد بإسلام، وفعل شيئاً من المحرمات غير عالم بتحريمها، لم يأثم، ولم يحد، وإن لم يستند في استحلاله إلى دليل شرعي.

فمن لم يبلغه الحديث المحرم، واستند في الإباحة إلى دليل شرعي، أولى أن يكون معذوراً، ولهذا كان هذا مأجوراً محموداً، لأجل اجتهاده، قال الله سبحانه: (وداود وسليمان، إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم، وكنا لحكمهم شاهدين، ففهمناها سليمان، وكلا آتينا حكماً وعلماً) (سورة الأنبياء، رقم:78/ 79) فاختص سليمان بالفهم، وأثنى عليهما بالحكم والعلم.

وفي: (الصحيحين) عن عمرو بن العاص-رضي الله تعالى عنه-أن النبي-صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم-قال: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر) [2] ... ).

(1) -هو بشر بن غياث بن أبي كريمة عبد الرحمن المريسي، العدوي بالولاء، أبو عبد الرحمن، فقيه معتزلي عارف بالفلسفة، هو رأس الطائفة (المريسية) القائلة بالإرجاء، وإليه نسبتها، أخذ الفقه عن القاضي أبي يوسف، قال برأي الجهمية، وأوذي دولة هارون الرشيد، قيل: كان أبوه يهودياً، له تصانيف. وللدارمي كتاب: (النقض على بشر المريسي) في الرد على مذهبه توفي سنة: (218 هـ) انتهى من هامش: (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) (ص:29) .

(2) -رواه البخاري: (4/ 372) ، أو: (13/ 318/رقم:7352 - مع الفتح) ، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو: أخطأ، ومسلم في: (صحيحه) في كتاب الأقضية، باب: بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو: أخطأ، (3/ 1342 رقم:1716) ، وأبو عوانة (4/ 12/13) ، وأبو داود (3574) ، والنسائي في القضاء من: (الكبرى) -كما في:"الأطراف المزي" (8/ 158) -، وابن ماجه (2314) ، وأحمد (4/ 198/204) ، والطيالسي (1451 - منحة) ، والشافعي في: (مسنده) الجزء الثاني (رقم:621/ 622) ، وابن حبان (7/رقم:5039) ، والطحاوي في: (مشكل الآثار) (1/ 326) ، والدارقطني (4/ 210/211) ، والبيهقي (10/ 118/119) ، والخطيب في: (التلخيص) (1/ 169/446) ، والبغوي في: (شرح السنة) (10/ 115) من طريق أبي قيس مولى عمرو بن العاص، عن عمرو بن العاص فذكره مرفوعاً. انظر: (النافلة) (2/ 98/رقم:134) لشيخنا أبي إسحاق، و (جامع الأصول) (10/ 171) .

(وهذا الحديث أصل في أبواب الاجتهاد، والاختلاف في الأحكام، فإنه لا يجوز بحال من الأحوال الإنكار على المجتهدين في اجتهاداتهم وإن خالفناهم فيها إن لم تخرج هذه الاختلافات عن أقوال السلف الصالح، وإن لم تشذ عن أقوال أهل العلم، وأما فرض الرأي والرأي الواحد فقط في المسائل التي وقع فيها الخلاف فلا يقول به رجل عاقل، ولا فقيه راشد، ولا عالم رباني، وقد أفرد الأستاذ عمرو عبد المنعم في هذه المسألة رسالة لطيفة باسم:(الرأي والرأي الآخر) ... انتهى من هامش: (شبهة حول السلفية) (ص:128) للمحدث الألباني، جمعها وشرحها عمر عبد المنعم، من مطبوعات، دار النوادر للنشر والتوزيع.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام