أرأيت كيف أن الرجل الثاني ترك بيته يحترق وصلى ركعتي نافلة وأطال فيهما السجود وسأل الله أن ينقذ زوجته وأولاده بخارقة من عنده؟! أليس بذلك آثما مسيئًا؟ فأصحاب المشروع الإسلامي عليهم أن يستنفدوا الوسع والطاقة ويُعدوا ما استطاعوا ثم الله بعد ذلك يبارك في جهودهم بركة عظيمة.
لذا فهذه تذكرة لمن يطالب بتحكيم الشريعة بينما تراه في كثير من أوقاته سبهللاً لا في أمر دنيا ولا في أمر آخرة، ولا يحسن صنعة ولا حرفة. فشلك في حياتك العلمية أو العملية يخذل الناس عن دعوتك إلى الشريعة مهما جملت لهم المقال وحشدت لهم الأدلة. فالناس لن يتصوروا أن رجلا عالة على مجتمعه سيقيم دولة قوية ترعى أبناءها. ولن يستطيع نؤوم الضحى أن يخرج الأمة من ليلها إلى فجر جديد.
فمن يدعون إلى الشريعة لا بد أن يكونوا أصحاب همة تحيي الأمة، جادين مخلصين في مجالهم أيا كان مجالهم: الدعوة أو العلوم أو الحرف أو غيرها.
المثال الثاني: من يعلن تطبيق الشريعة ويكون صادقا في تطبيقها آخذا بالأسباب المادية لكنه يسيء التعامل مع الناس ويستثير حفيظتهم أو يسيء ترتيب الأولويات ويتوقع لصدقه في تطبيق الشريعة أن يرقع كل خرق، وهذا يخالف أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ قال لمعاذ وأبي موسى -رضي الله عنهما-: (يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا) ، وإذ قال لمعاذ: (وإياك وكرائم أموالهم) ، وإذ رتب لمعاذ الأولويات في عرض الدين على الناس.
فنحن وإن كنا نطالب أصحاب المشروع الإسلامي أن يقيموا دين الله ولا تأخذهم في الله لومة لائم ولا يتعذروا بردة فعل الشعب، إلا أن هذا كله لا يعني العنف في سياسة الناس. بل أصحاب المشروع الإسلامي هم أولى الناس بالرفق والتلطف بالرعية. والقوةُ في إقامة الدين لا تعارض حسن سياسة الناس وتألُّفَ قلوبهم ومداراة سفيههم ضمن حدود الشريعة. بل انظر كيف جعل الله المؤلفة قلوبهم