هذا درس عظيم لأي حكم إسلامي سيقوم يومًا من الأيام: ضع للناس هدفا عظيما؛ تتلاشى المشاكل الصغيرة.
الطرح السائد هذه الأيام أن أي حكم إسلامي يقوم؛ عليه أن يصلح الوضع الاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي ويتدرج في فطم الناس عن عاداتهم المحرمة قبل أن يخطو أية خطوة عسكرية.
بينما التاريخ يعلمنا أن ما يحصل عادة هو العكس! الهدف العظيم يشحن همم الناس ويفجر الطاقات ويستخرج مذخور القوى.
أبو بكر رضي الله عنه، عند وفاة النبي ورِدة القبائل، وضع لأهل مكة والمدينة والطائف، وكثيرٌ منهم كان حديث عهد بكفر لم يمر على إسلامه سوى سنتين، وضع لهم هدفا عظيمًا، بعثَ أسامة لقتال الروم عملا بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال له الصحابة: (يا أبا بكر رُد هؤلاء توجه هؤلاء إلى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة؟!) فقال أبو بكر:"والذي لا إله إلا هو، لو جرت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله ما رددت جيشا وجهه رسول الله ولا حللت لواء عقده رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". فوجه أسامة لقتال الروم، فجعل لا يمر بقبيل يريدون الارتداد إلا قالوا لولا أن لهؤلاء قوة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم -يعني لولا أن أبا بكر والصحابة عندهم جيوش كثيرة لما أخرجوا هذا الجيش لقتال الروم في هذا الوقت العصيب، قالوا ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم فلقوا الروم فهزموهم وقتلوهم ورجعوا سالمين، فثبت على الإسلام كثير ممن فكر في الردة.
هدف عظيم: الطاعة المطلقة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. لم يكن هدفًا واقعيًا ولا منطقيًا بحسابات البشر، لكنه فجر الطاقات وشحن العزائم.
تصور معي لو قام حكم الشريعة في مصر مثلاً وأطلق الحكام شعار: (مصر أمل الأمة) ، أو: (خَلَاص الأمة على أيدينا) ، أو: (لن ننكسر لغير الله) ، أو: (سنعيدها خلافة على منهاج النبوة) ،