أيضًا هناك كلام أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يرد على عمر قوله وإنما سكت. ومعنى أنه سكت أي أنه أقر، والرسول لا يسكت على باطل. فكان ذلك إقرارًا على أن حكم المظاهرة هو الكفر والشرك. لكن الرسول بعد ذلك استفسر واستفصل من حاطب وسأله: ما هذا يا حاطب؟ ما الذي فعلته؟ يريد أن يستجلي الأمر، لأنه سينزل حكمًا على معين الآن. فالفعل الذي فعله هذا كفر ولكنه الآن يستفصل من حاطب على الباعث الذي جعله أقدم على ذلك. لأنه سينزل الحكم على المعين.
فلما تبين الأمر خطَّأ عمر، يعني عمر أخطأ في ماذا؟ هو لم يخطئ في الحكم على الفعل، هو أخطأ في إنزال الحكم على حاطب بالتعيين، ولذلك العلماء يفرقون بين من أخطأ في وصف فعل بأنه كفر، ومن أخطأ في تنزيل الوصف على المعين. فهنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- وضح له الأمر، أن حاطبًا دافع عن نفسه وقال:"والله ما فعلته كفرًا"وحاطب كما في النص الذي أمامنا قال له:"لا تعجل عليّ، إني كنت امرئًا ملصقًا .."ثم قال:"وما فعلته كفرًا ولا ارتدادًا ولا رضًا بالكفر بعد الإسلام". الشاهد هنا أن ما فعله حاطب هو كفر، بدليل أن حاطب قال: ما فعلت كفرًا، لا تعجل علي يا رسول الله وما ارتددت بعد الإيمان. طيب بالله عليك لو كانت المسألة أن حاطب فعل فعلًا محرمًا عاديًا يعني كبيرة أو أي شيء من الكبائر التي يستغفر الإنسان عنها وهكذا هل كان سيقول أنا ما كفرت؟ لا أحد يقولها مما يعلم أنه ليس كفرًا مخرجًا من الملة.
فهو لما قال ما فعلته كفرًا ولا رضًا ولا ارتدادًا بعد الإسلام، إذًا هو يعلم حاطب أن هذا الفعل كفر. وإلا لماذا يعتذر يقول أنا ما فعلت هذا كفرًا؟ لأن هذا هو الذي في ذهنه، أن فعله هذا موالاة كفرية. ولذلك قال لرسول الله:"ما فعلته كفرًا". فلو كانت المسألة ليست كفرًا كان من الممكن أن يقول له أستغفر الله يا رسول الله، والله أنا أخطأت، كما يحدث لأي إنسان يرتكب ذنبًا، أو شيئًا محرمًا سيقول ذلك. أما أن يقول أنا والله ما كفرت، ولا ارتددت، فلماذا يقول كل هذا الكلام؟ إذًا هو حاطب يعلم أن هذا الفعل كفر، أن الموالاة هنا ظاهرها الكفر، وليست فعلًا محرمًا كما يقول بعض العلماء.