ورغم ذلك لما قال عمر لم يُعنّفه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، نريد أن نلقي الضوء على هذه المسائل. أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: (صدقكم) ، ما المقصود بقوله: (صدقكم) ؟ وهل خوف حاطب على أهله في مكة عذر معتبر شرعًا (أي مانع من تكفيره) ؟ وهل قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- للصحابة ولعمر بصفة خاصة عندما قال له: (ما يدريك، لعل الله اطلع على أهل بدر فقال افعلوا ما شئتم) فهل شهود بدر مانع من الكفر الأكبر؟ وإذا كان حاطب قد فعل فعلًا محرمًا -أي ارتكب كبيرة- فلم لم يعاقبه الرسول -صلى الله عليه وسلم-؟
هذا هو الذي سندندن حوله اليوم -إن شاء الله- من هذه الموضوعات. ولكن قبل أن نلج في أصل الموضوعات لا بد أن نقدم بين أيديكم نص حديث حاطب ابن أبي بلتعة، لأن هذا هو المنطلق الذي سننطلق منه اليوم بإذن الله.
هذا الحديث (حديث حاطب بن أبي بلتعة) رواه الإمام البخاري في كتاب التفسير، ورواه أيضًا في كتاب المغازي وفي كتاب الجهاد. وأنتم تعلمون طريقة البخاري أنه كان يقسم الحديث ويفرقه على عدة أبواب من أبواب كتابه.
فقال البخاري في الحديث: -وسنأخذ النص الموجود في كتاب المغازي، وهناك نص شبيه به أيضًا في كتاب التفسير من (صحيح البخاري) - ساق بسنده البخاري عن عبيد الله ابن أبي رافع قال: «سمعت عليًا -رضي الله عنه- يقول: بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنا والزبير والمقداد بن الأسود قال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة ومعها كتاب فخذوه منها. فانطلقنا تَعادى بنا خيلنا حتى انتهينا إلى الروضة، فإذا نحن بالظعينة فقلنا أخرجي الكتاب فقالت: ما معي من كتاب. فقلنا: لتُخرجِنَّ الكتاب أو لنُلقينّ الثياب. فأخرجته من عِقاصها، فأتينا به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا فيه: من حاطب ابن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين من أهل مكة، يخبرهم ببعض أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا حاطب ما هذا؟ قال يا رسول الله: لا تعجل علي، إني كنت امرءًا ملصقًا في قريش، ولم أكن من أنْفُسها، وكان مع من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة، يحمون بها أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني