الصفحة 41 من 200

بينهم، ويكونون يدًا على من سواهم، فأنتم لا تتخذوهم أولياء، فإنهم الأعداء على الحقيقة، ولا يبالون بضركم، بل لا يدّخرون من مجهودهم شيئًا على إضلالكم، فلا يتولاهم إلا من هو مثلهم. ولهذا قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} ، لأن التولي التام يوجب الانتقال إلى دينهم، والتولي القليل يدعو إلى الكثير ثم يتدرج شيئًا فشيئًا حتى يكون العبد منهم، {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} أي الذين وصفهم اللهُ بالظلم، حال الذين وصفهم هذا الظلم وإليه يُرجعون أي إليه يعودون، {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ} "، يعني لماذا نتعب أنفسنا ونقربهم!"

وكلمة"الظلم"هذه تجدونها في القرآن، معناها أن تضع الشيء في غير موضعه، مناقض لكلمة الحكمة والعدل، الحكمة أن تضع الشيء في موضعه. عندما تقرب لله ورسوله وعدو لك، الله قال أنه عدوك أيضًا فتقربه إليك، إذًا أنت ظالم لأنك وضعت الشيء في غير موضعه، وكذلك لو أنك قربت المؤمنين وواليتهم وتبرأت وبعّدت من الكافرين والمشركين والملحدين وكل هذه الأصناف فأنت إذًا وضعت الشيء في موضعه فهذه الحالة أنت لست بظالم، {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} ؛ لا يوفقهم للهداية بعد أن بيَّن لهم، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} .

طبعًا بقية هذه الأدلة سنستعرضها في المحاضرة القادمة -إن شاء الله-، ولكن أختم بهذه الآية قول الله تعالى في سورة النساء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا} ، هذه الآية من [سورة النساء آية 144] .

يقول الحافظ بن كثير:"ينهى الله تعالى عباده المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين، يعني مصاحبتهم ومصادقتهم ومناصحتهم وإسرار المودة إليهم وإفشاء أحوال المؤمنين الباطنة إليهم، كما قال تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} ؛ أي يحذركم عقوبته في ارتكابكم نهيه، ولهذا قال هنا: {أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا} "؛ سلطان مبين أي حجة، تجعلوا لله حجة عليكم في عقوبته إياكم، أيها المؤمنون كيف تفعلون ذلك؟ يعني تريد الله -سبحانه وتعالى- يجعل عليك حجة دامغة سلطان عليك يعاقبك به؟!

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام