يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ - يقول:"والمراد من النهي عن اتخاذهم أولياء أن يعاملوا معاملة الأولياء في المصادقة والمعاشرة والمناصرة، وقوله تعالى: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} تعليل للنهي؛ والمعنى أن بعض اليهود أولياء البعض الآخر منهم، وبعض النصارى أولياء البعض الآخر منهم، وليس المراد بالبعض إحدى طائفتي اليهود والنصارى وبالبعض الآخر الطائفة الأخرى للقطع بأنهم في غاية من العداوة والشقاق، لأن الله تعالى يقول عنهم: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ} ."
وقيل المراد أن كل واحدة من الطائفتين توالي الأخرى وتعاضدها وتناصرها على عداوة النبي -صلى الله عليه وسلم- وعداوة ما جاء به، وإن كانوا في ذات بينهم متعادين متضادين"؛ بالضبط كما نرى الآن التحالفات، اليهود والنصارى ضد المسلمين، ومعهم الآن تجد الصين والهند واليابان، وكل الملل والنحل؛ الملاحدة والشيوعين، كله داخل مع بعضه، كل هؤلاء في تحالف كامل ضد الإسلام وأهل الإسلام، رغم أن بينهم العداوة، الوثني اجتمع مع الملحد، اجتمع مع النصراني، اجتمع مع اليهودي، لاستئصال هوية الإسلام. أما هم فيما بينهم نعم، بينهم خلافات وحروب والحرب العالمية الأولى والثانية وغيرها وحروب تاريخية كلها ملايين البشر قُتلوا من جراء هذه العداوات الدينية التي بينهم، والتي ظاهرها أنها لمسائل نفوذ اقتصاد، ولكنها في الحقيقة كانت حروبًا دينيًا أصلًا."
"ووجه تعليل النهي بهذه الجملة -أي {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} -، فهي تقتضي أن هذه الموالاة هي شأن هؤلاء الكفار لا شأنكم أنتم أيها المؤمنون، فلا تفعلوا ما هو من فعلهم فتكونوا مثلهم، ولهذا عقَّب هذه الجملة التعليلية بما هو كالنتيجة لها، عندما قال: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} ، هذه النتيجة، أي فإنه من جملتهم وفي عدادهم وهو وعيد شديد، فإن المعصية الموجبة للكفر هي التي قد بلغت إلى غاية ليس وراءها غاية، وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} تعليل للجملة التي قبلها؛ أي أن وقوعهم في الكفر هو بسبب عدم هدايته -سبحانه وتعالى- لمن ظلم نفسه بما يوجب الكفر، كمن يوالي الكافرين"، هذا كلام الإمام الشوكاني.
الشيخ العلامة السعدي يعلق على هذه الآية ويشرحها يقول:"يرشد الله تعالى عباده المؤمنين حين بين لهم أحوال اليهود والنصارى وصفاتهم غير الحسنة، أن لا يتخذوهم أولياء، فإن بعضهم أولياء بعض، يتناصرون فيما"