الصفحة 21 من 200

وهذا الموضوع كان يتوقف على مدى سُّنية وعلم الخليفة؛ إذا كان الخليفة سُنيًا وعالمًا ويحب السنة، ويحب أهل الحديث، فكانت الدولة تكون في عصره قوية وذات شوكة على أهل البدع، إذا ضعف علم الخليفة والوزراء من بعده فإن الخليفة إذا كان ضعيفًا فإن وزراءه أهل البدع يطلّون برؤوسهم ويتحكمون في مصائر المسلمين، وهذا ما سأستعرضه بشواهد تاريخية عن كيفية سقوط بلاد المسلمين عبر التاريخ بسبب الخلل العقدي، وتقريب هؤلاء الذين اتخذوهم بطانة من دون المؤمنين، وهو في صميم الولاء والبراء، وفي صميم الموالاة والمعاداة؛ أن تُقرِّب المؤمنين وتبعد الكافرين، تقرب أهل الصلاح وتبعد أهل المعاصي وأهل البدع، ولكن حدث العكس فحدث الانهيار الذي وصلنا إليه.

والذي نعيشه حتى الآن، هو نتيجةٌ وثمرةٌ من ثمرات هذا التميع والانحراف في التمسك والاستمساك بمفهوم الموالاة والمعاداة منذ القرن الرابع الهجري، وأنا أعتبرها من القرن الثالث أيضًا من أيام الخليفة المأمون، ولكن المسائل اتسعت وزادت بقوة منذ هذا القرن الرابع الهجري، وظهور أهل البدع، وحتى انحرافات كثيرة جدًا في اختطاف مصطلح"أهل السنة والجماعة"، فصار الأشاعرة يسمون أنفسهم بأهل السنة والجماعة لأنهم كانوا يردون على بعض الفرق كالروافض والشيعة، وكانوا يردون على المعتزلة، وكانوا يردون على فرق أخرى كالكرَّامية وغيرهم.

ولكن في النهاية شُوِّش العامة ولم يعودوا يعرفون منهج أهل السنة الحقيقي، فظهر علماء الحديث واستمسكوا بهذا وكانوا يردون، ولكن السلطان والقوة كان في أيد هؤلاء، ولذلك تم تمييع مفهوم الولاء والبراء وظهر هذا الانحراف.

رغم أنه إحقاقًا للحق فإن الأشاعرة رغم البدع -والأشاعرة طبعًا لهم أقسام، منهم الغلاة، ومنهم المتوسط-، ولكن على جميع المقاييس رغم ذلك فإن لهم مؤلفات في غاية القوة في الدفاع عن هذا الدين، ولهم مؤلفات قوية جدًا في مسائل في الكفر والإيمان، فابن حجر الهيثمي رغم أشعريته وهو أقرب للقبورية أيضًا رغم ذلك له كتاب (الإعلام بقواطع الإسلام) في غاية القوة والشدة في مسائل الكفر والإيمان وأحكام الردة والألفاظ هذه، ليت الأشاعرة المعاصرين يكونون مثلهم على الأقل في هذا الباب!

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام