الصفحة 155 من 200

وابن القيم له كلام جيد أيضًا في هذا الموضوع في كتابه (الروح) :"والفرق بين المداراة والمداهنة أن المداراة التلطف بالإنسان لتستخرج منه الحق أو ترده عن الباطل، والمداهنة التلطف به لتُقرّه على باطله وتتركه على هواه، فالمداراة لأهل الإيمان والمداهنة لأهل النفاق".

وهناك تعريفات كثيرة للعلماء في هذا الأمر وكلام جيد في هذا الموضوع، لكن ما حكم المداراة من الناحية الشرعية؟

حكمها من الناحية الشرعية جائز بالكتاب والسنة ومن عمل السلف، وبعضهم يقول قد تكون مندوبة لمصلحة معتبرة، ويستدلون على ذلك ببعض الأحاديث والآيات القرآنية كما في سورة القصص يقول الله تعالى: {وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} ، ومن السنة ما رواه العلماء كما (صحيح البخاري) : عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أخبرته أن عيينة بن حصن استأذن النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال -صلى الله عليه وسلم-: (ائذنوا له فبئس ابن العشيرة أو بئس أخو العشيرة) ، فلما دخل ألان له الكلام، فقلت له: يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له في القول؟ فقال: (يا عائشة إن شر الناس منزلة عند الله من تُرك أو وَدَعهُ الناس اتقاء فُحشه) . فهذا يدل على جواز المداراة في هذه الحالة.

والعلماء لهم كلام كثير في هذا الأمر، ولكن خلاصة هذا الموضوع أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- عندما قال: (بئس ابن العشيرة أو بئس أخو العشيرة) ، ثم ألان له القول، قال العلماء: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلم عائشة أم المؤمنين ويعلم الصحابة أن هناك حالات معينة لمثل هذا الرجل، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- بين حاله حتى لا يغتر به أحد، فإذا ألان له فليس هذا معناه أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- راضٍ عنه فليحذروا، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يبين الحالة الجرح في هذا الرجل، وهو (بئس ابن العشيرة أو بئس أخو العشيرة) لأنه غليظ.

وعيينة بن حصن بعد ذلك كان من جملة الذين ارتدوا بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام