وقول الفريق الثاني الذين قالوا إنها إخفاء العداوة يستدلون بقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} [المائدة: 51 - 52] . فهؤلاء المذكورون في الآية حكم الله بكفرهم بموالاتهم الكفار بقوله: {فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} رغم خوفهم. لأنهم تعللوا بـ {نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} . إذًا هم كانوا يتعللون بالخوف، فبين الله تعالى في هذه الآية أن مجرد الخوف من أذى الكفار إذا ظهروا على المؤمنين ليس بعذر في المسارعة إلى موالاتهم، ولو كان الخوف يُرخص به في الموالاة لما أكفرهم الله. فإذا كان الخوف يُرخص في التقية ولا يُرخص في الموالاة عُلم بذلك أن التقية غير الموالاة. الشاهد أن التقية بهذا المفهوم هي غير الموالاة، كما قال ابن القيم ليست التقية بموالاة.
لأن ابن القيم لما نظر إلى الآيات القرآنية وإلى هذه التعريفات وصل إلى أن التقية عبارة عن إخفاء ما في النفس من عداوة بسبب خوفه منهم، قيدوها بهذا. ولكن الذين نظروا إليها أن التقية موالاة ظاهرة قالوا لها نفس شروط الإكراه؛ يعني لا تجوز التقية إلا في حالات معينة: في حالات التهديد بالقتل أو أنه سيتلف منه عضو أو سيُعذب عذابًا شديدًا -كما قلنا لكم في شروط الإكراه-.
نستطيع أن نخلص بأن مجرد الخوف هو الأذى المتوقع من الكفار يُرخص في التقية بإخفاء معاداتهم أو بمداراتهم، واحد يقول أنا خائف منهم وأتوقع أنهم سيؤذونني ففي هذه الحالة يُرخص بإخفاء المعاداة، يعني لا تظهر له المعاداة وتظهر له لين الكلام. -وسنتكلم في هذه المسألة إن شاء الله عن الفرق بين المداهنة والمداراة في الدرس القادم إن شاء الله-.
أما الإكراه فهو الأذى الواقع فعلًا من الكفار، أو أنه سينفذه هذا المتسلط أو هذا الذي يهددك وأنت تعلم أنه في الغالب ينفذ، فيُرخص في الموالاة الظاهرة التي هي نوع من الكفر الأكبر مع اطمئنان القلب بالإيمان،