التجسس يصفه البعض بأنه نوع من مظاهرة على المشركين بأن يكون عينًا. فالجاسوس هو العين التي تسعى في الأرض فسادًا، وهو نوع من مظاهرة الكفار على المسلمين. وسبب المشكلة أن الصورة القديمة لموضوع الجاسوسية أو الجاسوس بالصورة المشبهة قديمًا كأنها صورة الصحابي حاطب بن أبي بلتعة -رضي الله عنه- عندما أرسل الرسالة وأفشى سر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فاعتبروه أنه أفشى السر وأبلغ إذًا هذا جاسوس وهذا نوع من الموالاة الظاهرة.
ولأن العلماء قديمًا -كما قلنا لكم- حدث عندهم إشكال في القضية بسبب نص حديث قصة حاطب -رضي الله عنه- بأقوال الرسول -صلى الله عليه وسلم- التي فصلناها من قبل، فهناك شبهات في الموضوع، ولذلك البعض يقول: هو ارتكب فعلًا محرمًا -كما قلنا لكم- ولم يصل إلى مسألة الردة، وطبعًا لهم تأويلات وتكلمنا فيها. والبعض قال: هو ارتكب فعلًا مكفرًا ولكنه لم يكفر بسبب أنه أخطأ في التأويل لكن لم ينزل الرسول -صلى الله عليه وسلم- به العقوبة (يقتله يعني) لأنه من أهل بدر، وهذه هي الخاصية ولأن هذه العقوبة أصلًا ليست منصوص عليها مثل العقوبات الحدية التي فيها نص محدد كالسرقة مثلًا أو الزنا، فالخلاف جاء من هنا.
ولذلك الذين يقولون لا يجوز قتله يصورونها على هذه المسألة البسيطة، واحد راسل وانتهى الأمر كأنها مرة وانتهى الأمر. لكن الأمر في عصرنا الحاضر يختلف نهائيًا عن الجاسوس قديمًا. الجاسوسية قديمًا تختلف عن الجاسوسية حاليًا؛ الجاسوس حاليًا هو ترس من تروس منظومة متكاملة لأعداء الإسلام، فهذا الرجل الذي كان يرسل رسالة أو عبر الحمام الزاجل أو عبر أي وسيلة بشرية أخرى وكانت رسائل بسيطة، لكن الآن الجاسوس عبارة عن صاروخ، عبارة عن B-52 الطائرة هذه، عبارة عن توماهوك، عبارة عن قنابل موقوتة تدمر، والذي يضع شريحة في مسجد معين ممكن يقتل مسجدًا كاملًا وينفجر الحي بأكمله بسبب هذا الجاسوس.
وما نراه وما نسمعه من هؤلاء الجواسيس الذين يتسببون في خسائر بشرية ويقتلون الأبرياء، ويقتلون مئات وعشرات الأبرياء. فهذه الصورة التي ترونها، لأن بعض الناس يحتار كيف يقول الفقهاء أن هذا الجاسوس لا يُقتل، وهؤلاء كيف يختلفون ويقولون هو ليس مرتدًا يعني هو ارتكب كبيرة، أو أن أمره إلى الإمام؟! لأنهم