ونقول لهذا الشخص هل التشريع وفق نصوص الدستور المعمول بها اليوم من تعطيل للحدود واستبدالها بعقوبات مالية أو سجن، ومن إباحة الربا وحمايته أهو كفر مجرّد؟! أم أنّه معصية كحلق اللحية؟! وهل الطاعة في التشريع عبادة وشرك أم هي معصية كحلق اللحية؟!
وتنبّه إلى أن بعض العلماء حينما يقولون إن الحكم بغير ما أنزل الله كفر أصغر فإنهم يقصدون الحكام الجائرين المتهاونين كحكام بني أمية وبني العباس لا الحكام المبدّلين المشرّعين كحكام زماننا وشتان بين الفريقين!!
فالفرق بينهما كما بين الثرى والثرية، فالثاني كفر أكبر لم يختلفوا فيه وقد نقل أهل العلم الإجماع عليه، وأما الأول فهو الجور في الحكم وهو صورة من صور الحكم محتواها الجور والظلم في ترك تطبيق الحكم الشرعي ويكون هذا مع التزام أصل التشريع والحكم به ولا تعرض فيه لأي استبدال، وإن هذا الجور لا يتضمن بحال تغيير الأحكام الشرعية، وهذا الذي تجد فيه عبارات بعض العلماء أنه كفر دون كفر أو ظلم دون ظلم أو أنه فسق لا يخرج فاعله من ملة الإسلام، وليس هذا النوع من مقصود كتابنا هذا، فالواجب على المفتي أن يجيب الناس عن واقع الأمة، فإذا سُئل عن الحكم بغير ما أنزل الله فإن المقصود استبدال الشريعة كما هو واقع الأمة وليس المقصود الواقعة تكون للقاضي فيتبع هواه فيها، وهذا أمر مهم جدا، قال شيخ الإسلام في"منهاج السنة"5/ 131:
"فمن لم يلتزم تحكيم الله ورسوله فيما شجر بينهم فقد أقسم الله بنفسه أنه لا يؤمن، وأما من كان ملتزما لحكم الله ورسوله باطنا وظاهرا، لكن عصى واتبع هواه، فهذا بمنزلة أمثاله من العصاة".