فهرس الكتاب
الصفحة 29 من 196

ولا ينفس عنه أصلا، بل يتركه معلقا ويهول الأمر عليه ويعظمه فى نفسه ويقول له: لا تعجل، فإن الدين أجل من أن يعبث به، أو أن يوضع فى غير موضعه ويكشف لغير أهله، هيهات، هيهات!

جئتمانى لتعلما سر سعدى ... تجدانى بسر سعدى شحيحا

ثم يقول له لا تعجل! إن ساعدتك السعادة سنبث إليك سر ذلك، أ ما سمعت قول صاحب الشرع: إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهر «1» أبقى «2» .

وهكذا لا يزال يسوقه ثم يدافعه حتى إن رآه أعرض عنه واستهان به وقال: ما لي ولهذا الفضول، وكان لا يحيك فى صدره حرارة هذه الشكوك، قطع الطمع عنه؛ وإن رآه متعطشا إليه وعده فى وقت معين، وأمره بتقديم الصوم والصلاة والتوبة قبله؛ وعظّم أمر هذا السر المكتوم. حتى إذا وافى الميعاد قال له: إن هذه الأسرار مكتومة لا تودع إلّا فى سر محصن؛ فحصن حرزك، وأحكم مداخله حتى أودعه فيه. فيقول المستجيب: وما طريقه؟ فيقول: أن آخذ عهد الله وميثاقه على كتمان هذا السر ومراعاته عن التضييع فإنه الدر الثمين والعلق النفيس؛ وأدنى درجات الراغب فيه صيانته عن التضييع؛ وما أودع الله هذه الأسرار أنبياءه إلا بعد أخذه عهدهم وميثاقهم؛ وتلا قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ [الأحزاب: 7] الآية وقال تعالى: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب: 23] ؛ وقال تعالى: وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها [النحل: 91] . وأما النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فلم يفشه إلا بعد أخذ العهد على الخلفاء وأخذ البيعة على الأنصار تحت الشجرة «3» . فإن كنت راغبا فاحلف لى على كتمانه، وأنت

(1) كذا فى المطبوعة؛ والصحيح: ولا ظهرا.

(2) رواه مسلم فى صحيحه؛ وأبو داود والنسائى وابن حبان.

(3) وتسمى بيعة الرضوان؛ وكانت يوم الحديبية وشملت المهاجرين والأنصار جميعا يقول تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح: 18] .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام