حديث رقم: 15489

سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ هَارُونَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، وَأَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ الْمُفِيدَ يَقُولَانِ : سَمِعْنَا أَبَا الْقَاسِمِ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، غَيْرَ مَرَّةٍ يَقُولُ : عِلْمُنَا مَضْبُوطُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَنْ لَمْ يَحْفَظِ الْقُرْآنَ وَلَمْ يَكْتُبِ الْحَدِيثَ وَلَمْ يَتَفَقَّهْ لَا يُقْتَدَى بِهِ وَكَانَ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ يَتَفَقَّهُ عَلَى مَذْهَبِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ مِثْلَ أَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ ، فَأَحْكَمَ الْأُصُولَ وَصَحِبَ الْحَارِثَ بْنَ أَسَدٍ الْمُحَاسِبِيَّ وَخَالَهُ السَّرِيَّ بْنَ مُغَلِّسٍ فَسَلَكَ مَسْلَكَهُمَا فِي التَّحْقِيقِ بِالْعِلْمِ وَاسْتِعْمَالِهِ

حديث رقم: 15490

سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ مِقْسَمٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ الْخَوَّاصَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : كَانَ الْحَارِثُ بْنُ أَسَدٍ الْمُحَاسِبِيُّ يَجِيءُ إِلَى مَنْزِلِنَا فَيَقُولُ : اخْرُجْ مَعِي نُصْحِرُ ، فَأَقُولُ لَهُ : تُخْرِجُنِي مِنْ عُزْلَتِي وَأَمْنِي عَلَى نَفْسِي إِلَى الطُّرُقَاتِ وَالْآفَاتِ وَرُؤْيَةِ الشَّهَوَاتِ ؟ ، فَيَقُولُ : اخْرُجْ مَعِي وَلَا خَوْفَ عَلَيْكَ ، فَأَخْرُجُ مَعَهُ فَكَانَ الطَّرِيقُ فَارِغًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ لَا نَرَى شَيْئًا نَكْرَهُهُ ، فَإِذَا حَصُلْتُ مَعَهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَجْلِسُ فِيهِ قَالَ لِي : سَلْنِي ، فَأَقُولُ لَهُ : مَا عِنْدِي سُؤَالٌ أَسْأَلُكَ فَيَقُولُ : سَلْنِي عَمَّا يَقَعُ فِي نَفْسِكَ ، فَتَنْثَالُ عَلَيَّ السُّؤَالَاتُ فَأَسْأَلُهُ عَنْهَا فَيُجِيبُنِي عَلَيْهَا فِي الْوَقْتِ ثُمَّ يَمْضِي إِلَى مَنْزِلِهِ فَيَعْمَلُهَا كُتُبًا فَكُنْتُ أَقُولُ لِلْحَارِثِ كَثِيرًا : عُزْلَتِي وَأُنْسِي وَتُخْرِجُنِي إِلَى وَحْشَةِ رُؤْيَةِ النَّاسِ وَالطُّرُقَاتِ فَيَقُولُ لِي : كَمْ تَقُولُ أُنْسِي وَعُزْلَتِي لَوْ أَنَّ نِصْفَ الْخَلْقِ تَقَرَّبُوا مِنِّي مَا وَجَدْتُ بِهِمْ أُنْسًا وَلَوْ أَنَّ النِّصْفَ الْآخَرَ نَأَوْا عَنِّي مَا اسْتَوْحَشْتُ لِبُعْدِهِمْ

حديث رقم: 15491

قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْحُسَيْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حُبَيْشٍ النَّاقِدِ الصُّوفِيِّ صَاحِبِ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ عَطَاءٍ بِبَغْدَادَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ مِنْ كِتَابِهِ فَأَقَرَّ بِهِ ، قُلْتُ : سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ : إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ عِقْدِ الْحِكْمَةِ تَعْرِيفُ الْمَصْنُوعِ صَانِعَهُ وَالْمُحْدَثِ كَيْفَ كَانَ أَحْدَثَهُ ؟ وَكَيْفَ كَانَ أَوَّلُهُ ؟ وَكَيْفَ أُحْدِثَ بَعْدَ مَوْتِهِ ؟ فَيَعْرِفُ صِفَةَ الْخَالِقِ مِنَ الْمَخْلُوقِ وَصِفَةَ الْقَدِيمِ مِنَ الْمُحْدَثِ ، فَيَعْرِفُ الْمَرْبُوبُ رَبَّهُ وْالْمَصْنُوعُ صَانِعَهُ وَالْعَبْدُ الضَّعِيفُ سَيِّدَهُ ، فَيَعْبُدُهُ وَيُوَحِّدُهُ وَيُعَظِّمُهُ وَيَذِلُّ لِدَعْوَتِهِ وَيَعْتَرِفُ بِوُجُوبِ طَاعَتِهِ فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ مَالِكَهُ لَمْ يَعْتَرِفْ بِالْمُلْكِ لِمَنِ اسْتَوْجَبَهُ وَلَمْ يُضِفِ الْخَلْقَ فِي تَدْبِيرِهِ إِلَى وَلِيِّهِ ، وَالتَّوْحِيدُ عِلْمُكَ وَإِقْرَارُكَ بِأَنَّ اللَّهَ فَرْدٌ فِي أَوَّلِيَّتِهِ ، وَأَزَلِيَّتِهِ لَا ثَانِيَ مَعَهُ وَلَا شَيْءَ يَفْعَلُ فِعْلَهُ وَأَفْعَالَهُ الَّتِي أَخْلَصَهَا لِنَفْسِهِ ، وَأَنْ يَعْلَمَ أَنْ لَيْسَ شَيْءٌ يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ وَلَا يُعْطِي وَلَا يَمْنَعُ وَلَا يُسْقِمُ وَلَا يُبْرِئُ وَلَا يَرْفَعُ وَلَا يَضَعُ وَلَا يَخْلُقُ وَلَا يَرْزُقُ وَلَا يُمِيتُ وَلَا يُحْيِي وَلَا يُسْكِنُ وَلَا يُحَرِّكُ غَيْرُهُ جَلَّ جَلَالُهُ فَقَدْ سُئِلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فَقِيلَ لَهُ : بَيِّنِ التَّوْحِيدَ وَعَلِّمْنَا مَا هُوَ ؟ فَقَالَ : هُوَ الْيَقِينُ ، فَقِيلَ لَهُ : بَيِّنْ لَنَا فَقَالَ : هُوَ مَعْرِفَتُكَ أَنَّ حَرَكَاتِ الْخَلْقِ وَسُكُونَهَا فِعْلُ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ فَقَدْ وَحَّدْتَهُ ، وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّكَ جَعَلْتَ اللَّهَ وَاحِدًا فِي أَفْعَالِهِ إِذْ كَانَ لَيْسَ شَيْءٌ يَفْعَلُ أَفْعَالَهُ وَإِنَّمَا الْيَقِينُ اسْمٌ لِلتَّوْحِيدِ إِذَا تَمَّ وَخَلُصَ ، وَإِنَّ التَّوْحِيدَ إِذَا تَمَّ تَمَّتِ الْمَحَبَّةُ وَالتَّوَكُّلُ وَسُمِّيَ يَقِينًا ، فَالتَّوَكُّلُ عَمَلُ الْقَلْبِ ، وَالتَّوْحِيدُ قَوْلُ الْعَبْدِ ، فَإِذَا عَرَفَ الْقَلْبُ التَّوْحِيدَ وَفَعَلَ مَا عَرَفَ فَقَدْ تَمَّ ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : إِنَّ التَّوَكُّلَ نِظَامُ التَّوْحِيدِ فَإِذَا فَعَلَ مَا عَرَفَ فَقَدْ تَمَّ إِيمَانُهُ وَخَلُصَ فَرْضُهُ لِأَنَّكَ إِذَا عَرَفْتَ أَنَّ فِعْلَ اللَّهِ لَا يَفْعَلُهُ شَيْءً غَيْرُ اللَّهِ ثُمَّ تَخَافُ غَيْرَهُ وَتَرْجُو غَيْرَهُ لَمْ تَأْتِ بِالْأَمْرِ الَّذِي يَنْبَغِي فَلَوْ عَمِلْتَ مَا عَرَفْتَ لَرَجَوْتَ اللَّهَ وَحْدَهُ حِينَ عَرَفْتَ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ فِعْلَهُ غَيْرُهُ ، فَالْقَوْلُ فِيمَنْ يَقْصُرُ عِلْمُ قَلْبِهِ أَنَّهُ نَاقِصُ التَّوْحِيدِ ؛ لِأَنَّ الْقَلْبَ مُشْتَغِلٌ بِالْفِتْنَةِ الَّتِي هِيَ آفَةُ التَّوْحِيدِ ، قُلْتُ : قِصَرُ عِلْمِ القَلْبِ مَا هُوَ ؟ قَالَ : ظَنُّكَ أَنَّ شَيْئًا يَفْعَلُ فِعْلَ اللَّهِ فَاسْمُ ذَلِكَ الظَّنِّ فِتْنَةٌ ، وَالْفِتْنَةُ هِيَ الشِّرْكُ اللَّطِيفُ ، قُلْتُ : أَوَلَيْسَ الْفِتْنَةُ مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ ؟ قَالَ : لَا وَلَكِنَّهَا دَاخِلَةٌ عَلَيْهِ وَمُفْسِدَةٌ لَهُ ، قُلْتُ : وَمَا هِيَ ؟ قَالَ : ظَنُّكَ بِاللَّهِ إِذْ ظَنَنْتَ أَنَّ مَنْ يَشَاءُ يَفْعَلُ فِعْلَهُ وَالْكَلَامُ فِي هَذَا يَطُولُ وَلَكِنْ مَنْ يَفْهَمْ يَقْنَعْ بِالْيَسِيرِ

حديث رقم: 15492

سَمِعْتُ الْحُسَيْنَ بْنَ مُوسَى ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا نَصْرٍ الطُّوسِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ عَبْدَ الْوَاحِدِ بْنَ عُلْوَانَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ ، يَقُولُ فِيمَا يَعِظُنِي بِهِ : يَا فَتَى الْزَمِ الْعِلْمَ وَلَوْ وَرَدَ عَلَيْكَ مِنَ الْأَحْوَالِ مَا وَرَدَ ، وَيَكُونُ الْعِلْمُ مَصْحُوبَكَ فَالْأَحْوَالُ تَنْدَرِجُ فِيكَ وَتَنْفَدُ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ : {{ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا }}

حديث رقم: 15493

أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ ، فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ وَحَدَّثَنِي عَنْهُ ، مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : رَأَيْتُ الْجُنَيْدَ فِي النَّوْمِ فَقُلْتُ : مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ ؟ قَالَ : طَاحَتْ تِلْكَ الْإِشَارَاتُ وَغَابَتْ تِلْكَ الْعِبَارَاتُ وَفَنِيَتْ تِلْكَ الْعُلومُ وَنَفِدَتْ تِلْكَ الرُّسُومُ ، وَمَا نَفَعَنَا إِلَّا رُكَيْعَاتٌ كُنَّا نَرْكَعُهَا فِي الْأَسْحَارِ

حديث رقم: 15494

سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ مِقْسَمٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا الْحُسَيْنِ بْنَ الدَّرَّاجِ ، يَقُولُ ذَكَرَ الْجُنَيْدُ أَهْلَ الْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ وَمَا يُرَاعُونَهُ مِنَ الْأَوْرَادِ وَالْعِبَادَاتِ بَعْدَ مَا أَلْطَفَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْكَرَامَاتِ فَقَالَ الْجُنَيْدُ : الْعِبَادَةُ عَلَى الْعَارِفِينَ أَحْسَنُ مِنَ التِّيجَانِ عَلَى رُؤُوسِ الْمُلُوكِ

حديث رقم: 15495

أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، فِي كِتَابِهِ , وَحَدَّثَنِي عَنْهُ الْحُسَيْنُ بْنُ يَحْيَى الْفَقِيهُ الْأَسْفِيعَانِيُّ قَالَ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ ، يَقُولُ : الطُّرُقُ كُلُّهَا مَسْدُودَةٌ عَلَى الْخَلْقِ إِلَّا مَنِ اقْتَفَى أَثَرَ الرَّسُولِ وَاتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَلَزِمَ طَرِيقَتَهُ فَإِنَّ طُرُقَ الْخَيْرَاتِ كُلَّهَا مَفْتُوحَةٌ عَلَيْهِ

حديث رقم: 15496

وَقَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حُبَيْشٍ فَقُلْتُ : سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : سَأَلْتُ عَنِ الْمَعْرِفَةِ وَأَسْبَابِهَا فَالْمَعْرِفَةُ مِنَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ هِيَ مَعْرِفَةٌ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ بِهَا وَاحِدٌ وَلَكِنْ لَهَا أَوَّلُ وَأَعْلَى فَالْخَاصَّةُ فِي أَعْلَاهَا وَإِنْ كَانَ لَا يَبْلُغُ مِنْهَا غَايَةً وَلَا نِهَايَةً إِذْ لَا غَايَةَ لِلْمَعْرُوفِ عِنْدَ الْعَارِفِينَ وَكَيْفَ تُحِيطُ الْمَعْرِفَةُ بِمَنْ لَا تَلْحَقُهُ الْفِكْرَةُ وَلَا تُحِيطُ بِهِ الْعُقُولُ وَلَا تَتَوَهَّمُهُ الْأَذْهَانُ وَلَا تُكَيِّفُهُ الرُّؤْيَةُ ؟ وَأَعْلَمُ خَلْقِهِ بِهِ أَشَدُّهُمْ إِقْرَارًا بِالْعَجْزِ عَنْ إِدْرَاكِ عَظَمَتِهِ أَوْ تَكَشُّفِ ذَاتِهِ لِمَعْرِفَتِهِمْ بِعَجْزِهِمْ عَنْ إِدْرَاكِ مَنْ لَا شَيْءَ مِثْلُهُ إِذْ هُوَ الْقَدِيمُ وَمَا سِوَاهُ مُحْدَثٌ وَإِذْ هُوَ الْأَزِلِيُّ وَغَيْرُهُ الْمُبْدَأُ وَإِذْ هُوَ الْإِلَهُ وَمَا سِوَاهُ مَأْلُوهٌ وَإِذْ هُوَ الْقَوِيُّ مِنْ غَيْرِ مُقَوٍّ وَكُلُّ قَوِيٍّ بِقُوَّتِهِ قَوِيٌّ وَإِذْ هُوَ الْعَالِمُ مِنْ غَيْرِ مُعَلِّمٍ ، وَلَا فَائِدَةَ اسْتَفَادَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَكُلُّ عَالِمٍ فَبِعِلْمِهِ عَلِمَ ، سُبْحَانَهُ الْأَوَّلُ بِغَيْرِ بِدَايَةٍ وَالْبَاقِي إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ وَلَا يَسْتَحِقُّ هَذَا الْوَصْفَ غَيْرُهُ وَلَا يَلِيقُ بِسِوَاهُ فَأَهْلُ الْخَاصَّةِ مِنْ أَوْلِيَائِهِ فِي أَعْلَى الْمَعْرِفَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَبْلُغُوا مِنْهَا غَايَةً وَلَا نِهَايَةً ، وَالْعَامَّةُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي أَوَّلِهَا وَلَهَا شَوَاهِدُ وَدَلَائِلُ مِنَ الْعَارِفِينَ عَلَى أَعْلَاهَا وَعَلَى أَدْنَاهَا ، فَالشَّاهِدُ عَلَى أَدْنَاهَا الْإِقْرَارُ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ وَخَلْعِ الْأَنْدَادِ مِنْ دُونِهِ ، وَالتَّصْدِيقُ بِهِ وَبِكِتَابِهِ وَفَرْضِهِ فِيهِ وَنَهْيِهِ ، وَالشَّاهِدُ عَلَى أَعْلَاهَا الْقِيَامُ فِيهِ بِحَقِّهِ ، وَاتِّقَاؤُهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَإِيثَارُهُ فِي جَمِيعِ خَلْقِهِ وَاتِّبَاعُ مَعَالِي الْأَخْلَاقِ وَاجْتِنَابُ مَا لَا يُقْرَبُ مِنْهُ ، فَالْمَعْرِفَةُ الَّتِي فَضَّلَتِ الْخَاصَّةَ عَلَى الْعَامَّةِ هِيَ عَظِيمُ الْمَعْرِفَةِ فِي قُلُوبِهِمْ بِعَظِيمِ الْقَدْرِ وَالْإِجْلَالِ وَالْقُدْرَةِ النَّافِذَةِ وَالْعِلْمِ الْمُحِيطِ وَالْجُودِ وَالْكَرَمِ وَالْآلَاءِ ؛ فَعَظُمَ فِي قُلُوبِهِمْ قَدْرُهُ وَقَدْرُ جَلَالَتِهِ ، وَهَيْبَتُهُ وَنَفَاذُ قُدْرَتِهِ ، وَأَلِيمُ عَذَابِهِ وَشِدَّةُ بَطْشِهِ وَجَزِيلُ ثَوَابِهِ وَكَرَمِهِ وَجُودِهِ بِجَنَّتِهِ وَتَحَنُّنِهِ وَكَثْرَةُ أَيَادِيهِ وَنِعَمِهِ وَإِحْسَانِهِ وَرَأْفَتِهِ وَرَحْمَتِهِ ، فَلَمَّا عَظُمَتِ الْمَعْرِفَةُ بِذَلِكَ عَظْمُ الْقَادِرُ فِي قُلُوبِهِمْ فَأَجَلُّوهُ وَهَابُوهُ وَأَحَبُّوهُ وَاسْتَحْيَوْا مِنْهُ وَخَافُوهُ وَرَجَوْهُ فَقَامُوا بِحَقِّهِ وَاجْتَنَبُوا كُلَّ مَا نَهَى عَنْهُ وَأَعْطَوْهُ الْمَجْهُودَ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ ، أَزْعَجَهُمْ عَلَى ذَلِكَ مَا اسْتَقَرَّ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ عَظِيمِ الْمَعْرِفَةِ ، بِعَظِيمِ قَدْرِهِ وَقَدْرِ ثَوَابِهِ وَعِقَابِهِ فَهُمْ أَهْلُ الْخَاصَّةِ مِنْ أَوْلِيَائِهِ ، فَلِذَلِكَ قِيلَ : فُلَانٌ بِاللَّهِ عَارِفٌ ، وَفُلَانٌ بِاللَّهِ عَالِمٌ لَمَّا رَأَوْهُ مُجِلًّا هَائِبًا رَاهِبًا رَاجِيًا طَالِبًا مُشْتَاقًا وَرِعًا مُتَّقِيًا بَاكِيًا حَزِينًا خَاضِعًا مُتَذَلِّلًا ، فَلَمَّا ظَهَرَتْ مِنْهُمْ هَذِهِ الْأَخْلَاقُ عَرَفَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُمْ بِاللَّهِ أَعْرَفُ وَأَعْلَمُ مِنْ عَوَّامِ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَلِكَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ فَقَالَ : {{ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ }} ، وَقَالَ دَاودُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : إِلَهِي مَا عَلِمَ مَنْ لَمْ يَخْشَكَ فَالْمَعْرِفَةُ الَّتِي فَضُلَتْ بِهَا الْخَاصَّةُ الْعَامَّةَ هِيَ عَظِيمُ الْمَعْرِفَةِ فَإِذَا عَظُمَتِ الْمَعْرِفَةُ بِذَلِكَ وَاسْتَقَرَّتْ وَلَزِمَتِ الْقُلُوبَ صَارَتْ يَقِينًا قَوِيًّا فَكَمُلَتْ حِينَئِذٍ أَخْلَاقُ الْعَبْدِ وَتَطَهَّرَ مِنَ الْأَدْنَاسِ فَنَالَ بِهِ عَظِيمَ الْمَعْرِفَةِ بِعَظِيمِ الْقَدْرِ وَالْجَلَالِ وَالتَّذَكُّرِ وَالتَّفَكُّرِ فِي الْخَلْقِ كَيْفَ خَلَقَهُمْ وَأَتْقَنَ صَنْعَتَهُمْ ؟ وَفِي الْمَقَادِيرِ كَيْفَ قَدَّرَهَا فَاتَّسَقَتْ عَلَى الْهَيْئَاتِ الَّتِي هَيَّأَهَا وَالْأَوْقَاتِ الَّتِي وَقَّتَهَا ، وَفِي الْأُمُورِ كَيْفَ دَبَّرَهَا عَلَى إِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ ؟ فَلَمْ يَمْتَنِعْ مِنْهَا شَيْءٌ عَنِ الْمُضِيِّ عَلَى إِرَادَتِهِ وَالِاتِّسَاقِ عَلَى مَشِيئَتِهِ ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ : إِنَّ النَّظَرَ فِي الْقُدْرَةِ يفْتَحُ بَابَ التَّعْظِيمِ لِلَّهِ فِي الْقَلْبِ ، وَمَرَّ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ بِمَالِكِ بْنِ دِينَارٍ فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ : عِظْنَا رَحِمَكَ اللَّهُ فَقَالَ : بِمَ أَعِظُكَ ؟ إِنَّكَ لَوْ عَرَفْتَ اللَّهَ أَغْنَاكَ ذَلِكَ عَنْ كُلِّ كَلَامٍ ، لَكِنْ عَرَفُوهُ عَلَى دَلَالَةِ أَنَّهُمْ لَمَّا نَظَرُوا فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَدَوَرَانِ هَذَا الْفَلَكِ وَارْتِفَاعِ هَذَا السَّقْفِ بِلَا عَمَدٍ وَمَجَارِي هَذِهِ الْأَنْهَارِ وَالْبِحَارِ عَلِمُوا أَنَّ لِذَلِكَ صَانِعًا وَمُدْبِرًا لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ أَعْمَالِ خَلْقِهِ فعَبْدُوهُ بِدَلَائِلِهِ عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى كَأَنَّهُمْ عَايَنُوهُ ، وَاللَّهُ فِي دَارِ جَلَالِهِ عَنْ رُؤْيَتِهِ ، فَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ أَنَّهُمْ بِعَظِيمِ قَدْرِهِ أَعْرَفُ وَأَعْلَمُ إِذْ هُمْ لَهُ أَجَلَّ وَأَهْيَبُ

حديث رقم: 15497

سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ هَارُونَ بْنِ مُحَمَّدٍ السِّمْسَارَ يَقُولُ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : اعْلَمْ يَا أَخِي ، أَنَّ الْوُصُولَ إِذَا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ مَفَاوِزُ مُهْلُكَةٌ وَمَنَاهِلُ مُتْلِفَةٌ لَا تُسْلَكُ إِلَّا بِدَلِيلٍ ، وَلَا تُقْطَعُ إِلَّا بِدَوَامِ رَحِيلٍ وَأَنَا وَاصِفٌ لَكَ مِنْهَا مَفَازَةً وَاحِدَةً فَافْهَمْ مَا أَنْعَتُهُ لَكَ مِنْهَا وَقِفْ عِنْدَمَا أُشِيرُ لَكَ فِيهَا وَاسْتَمِعْ لِمَا أَقُولُ وَافْهَمْ مَا أَصِفُ : اعْلَمْ أَنَّ بَيْنَ يَدَيْكَ مَفَازَةً إِنْ كُنْتَ مِمَّنْ أُرِيدَ بِشَيْءٍ مِنْهَا وَأَسْتَوْدِعَكَ اللَّهَ مِنْ ذَلِكَ وَأَسْأَلُهُ أَنْ يَجْعَلَ عَلَيْكَ وَاقِيَةً بَاقِيَةً فَإِنَّ الْخَطَرَ فِي سُلُوكِهَا عَظِيمٌ وَالْأَمْرَ الْمَشَاهَدَ فِي الْمَمَرِّ بِهَا جَسِيمٌ فَإِنَّ مِنْ أَوَائِلِهَا أَنْ يُوغَلَ بِكَ فِي فَيْحِ بَرْزَخٍ لَا أَمَدَ لَهُ إِيغَالًا وَيُدْخَلَ بِكَ بِالْهُجُومِ فِيهِ إِدْخَالًا وَتُرْسَلَ فِي جُوَيْهِنَتِهِ إِرْسَالًا ، ثُمَّ تَتَخَلَّى مِنْكَ لَكَ وَيَتَخَلَّى مِنْكَ لَهُ فَمَنْ أَنْتَ حِينَئِذٍ ؟ وَمَا يُرَادُ بِكَ ؟ وَمَاذَا يُرَادُ مِنْكَ وَأَنْتَ حِينَئِذٍ فِي مَحَلٍّ أَمْنُهُ رَوْعٌ ، وَأُنْسُهُ وَحْشَةٌ وَضِيَاؤُهُ ظُلْمَةٌ ، وَرَفَاهِيَتُهُ شِدَّةٌ ، وَشَهَادَتُهُ غِيبَةٌ ، وَحَيَاتُهُ مَيْتَةٌ لَا دَرْكَ فِيهِ لِطَالِبٍ ، وَلَا مُهِمَّةَ فِيهِ لِسَارِبٍ وَلَا نَجَاةَ فِيهِ لِهَارِبٍ وَأَوَائِلُ مُلَاقَاتِهِ اصْطِلَامٌ وَفَوَاتِحُ بَدَائِعِهِ احْتِكَامٌ وَعَوَاطِفُ مَمَرِّهِ احْتِرَامٌ ، فَإِنْ غَمَرَتْكَ غَوَامِرُهُ انْتَسَفَتْكَ بَوَادِرُهُ وَذَهَبَ بِكَ فِي الِارْتِمَاسُ ، وَأَغْرَقَتْكَ بِكَثِيفِ الِانْطِمَاسِ فَذَهَبْتَ سِفَالًا فِي الِانْغِمَاسِ إِلَى غَيْرِ دَرْكِ نِهَايَةٍ وَلَا مُسْتَقَرٍ لِغَايَةٍ فَمَنِ الْمُسْتَنْفِذُ لَكَ مِمَّا هُنَالِكَ ؟ وَمَنِ الْمُسْتَخْرِجُ لَكَ مِنْ تِلْكِ الْمَهَالِكِ وَأَنْتَ فِي فَرْطِ الْإِيَاسِ مِنْ كُلِّ فَرَجٍ مُشَوَّهٍ بِكَ فِي إِغْرَاقِ لُجَّةِ اللُّجَجِ ؟ فَاحْذَرْ ثُمَّ احْذَرْ فَكَمْ مِنْ مُتَعَرِّضٍ اخْتُطِفَ وَمُتَكَلِفٍّ انْتُسِفَ ، وَأَتْلَفَ بِالْغِرَّةِ نَفْسَهُ وَأَوْقَعَ بِالسُّرْعَةِ حَتْفَهُ جَعَلْنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ مِنَ النَّاجِينَ وَلَا حَرَمَنَا وَإِيَّاكَ مَا خَصَّ بِهِ الْعَارِفِينَ ، وَاعْلَمْ يَا أَخِي ، أَنَّ الَّذِي وَصَفْتُهُ لَكَ مِنْ هَذِهِ الْمَفَاوِزِ وَعَرَّضْتُ بِبَعْضِ نَعْتِهِ إِشَارَةً إِلَى عِلْمٍ لَمْ أَصِفْهُ ، وَكَشْفُ الْعِلْمِ بِهَا يُبْعِدُ وَالْكَائِنُ بِهَا يَفْقِدُ فَخُذْ فِي نَعْتِ مَا تَعْرِفُهُ مِنَ الْأَحْوَالِ وَمَا يَبْلُغُهُ النَّعْتُ وَالسُّؤَالُ وَيوجَدُ فِي الْمُقَارِبِينَ وَالْأَشْكَالِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ بِظَفَرِكَ لِظَفَرِكَ وَأَبْعَدُ مِنْ حَظِّكَ لِحَظِّكَ وَاحْذَرْ مِنْ مُصَادَمَاتِ مُلَاقَاةِ الْأَبْطَالِ وَالْهُجُومِ عَلَى حِينِ وَقْتِ النَّزَالِ وَالتَّعَرُّضِ لِأَمَاكِنِ أَهْلِ الْكَمَالِ قَبْلَ أَنْ تُمَاتَ مِنْ حَيَاتِكَ ثُمَّ تِحْيَى مِنْ وَفَاتِكَ وَتُخْلَقَ خَلْقًا جَدِيدًا وَتَكُونَ فَرِيدًا وَحِيدًا ، وَكُلُّ مَا وَصَفْتُهُ لَكَ إِشَارَةٌ إِلَى عِلْمِ مَا أُرِيدُهُ

حديث رقم: 15498

سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ هَارُونَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ وَقَرَأَهُ عَلَيْنَا فِي كِتَابٍ كَتَبَ بِهِ إِلَى بَعْضِ إِخْوَانِهِ : اعْلَمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ أَنَّ أَقْرَبَ مَا اسْتُدْعِيَّ بِهِ قُلُوبُ الْمُرِيدِينَ وَنُبِّهَ بِهِ قُلُوبُ الْغَافِلِينَ وَزُجِرَتْ عَنْهُ نُفُوسُ الْمُتَخَلِّفِينَ مَا صَدَقَتْهُ مِنَ الْأَقْوَالِ جَمِيعِ مَا اتَّبَعَ بِهِ مِنَ الْأَفْعَالِ ، فَهَلْ يَحْسُنُ يَا أَخِي أَنْ يَدْعُوَ دَاعٍ إِلَى الْأَمْرِ لَا يَكُونُ عَلَيْهِ شِعَارُهُ وَلَا تَظْهَرُ مِنْهُ زِينَتُهُ وَآثَارُهُ ، وَأَلَّا يَكُونَ قَائِلُهُ عَامِلًا فِيهِ بِالتَّحْقِيقِ ، وَكُلِّ فِعْلٍ بِذَلِكَ الْقَوْلِ يَلِيقُ ، وَأَفِكَ مَنْ دَعَا إِلَى الزُّهْدِ وَعَلَيْهِ شِعَارُ الرَّاغِبِينَ وَأُمِرَ بِالتَّرْكِ وَكَانَ مِنَ الْآخِذِينَ وَأُمِرَ بِالْجِدِّ فِي الْعَمَلِ وَكَانَ مِنَ الْمُقَصِّرِينَ وَحُثَّ عَلَى الِاجْتِهَادِ وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ إِلَّا قَلَّ قَبُولُ الْمُسْتَمِعِينَ لِقِيلِهِ وَنَفَرَتْ قُلُوبُهُمْ لِمَا يَرَوْنَ مِنْ فِعْلِهِ وَكَانَ حُجَّةً لِمَنْ جَعَلَ التَّأْوِيلَ سَبَبًا إِلَى اتِّبَاعِ هَوَاهُ وَمُسَهِّلًا لِسَبِيلِ مَنْ آثَرَ آخِرَتَهُ عَلَى دُنْيَاهُ ، أَمَا سَمِعْتَ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ وَقَدْ وَصَفَ نَبِيَّهُ شُعَيْبًا وَهُوَ شَيْخُ الْأَنْبِيَاءِ وَعَظِيمٌ مِنْ عُظَمَاءِ الرُّسُلِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَهُوَ يَقُولُ {{ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ }} ، وَقَوْلُ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ لِمُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : {{ قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ }} فَهُوَ لَكُمْ ، {{ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ }} ، وَأَمَرَ اللَّهُ لَهُ بِالدُّعَاءِ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ {{ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }} ، فَهَذِهِ سِيرَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ وَالْأَوْلِيَاءِ ، وَالَّذِي يَجِبُ يَا أَخِي عَلَى مَنْ فَضَّلَهُ اللَّهُ بِالْعِلْمِ بِهِ وَالْمَعْرِفَةِ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي اسْتِتْمَامِ وَاجِبَاتِ الْأَحْوَالِ وَأَنْ يُصَدِّقَ الْقَوْلَ مِنْهُ الْفِعْلُ بِذَلِكَ أَوَّلًا عِنْدَ اللَّهِ وَيَحْظَى بِهِ مَنِ اتَّبَعَهُ آخِرًا ، وَاعْلَمْ يَا أَخِي أَنَّ لِلَّهَ ضَنَائِنَ مِنْ خَلْقِهِ أَوْدَعَ قُلُوبِهِمُ الْمَصُونَ مِنْ سِرِّهِ وَكَشَفَ لَهُمْ عَنْ عَظِيمِ أَثَرِهِمْ بِهِ مِنْ أَمْرِهِ فَهُمْ بِمَا اسْتَوْدَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ حَافِظُونَ وَبِجَلِيلِ قَدْرِ مَا أَمَّنَهُمْ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ عَارِفُونَ ، قَدْ فَتْحَ لِمَا اخْتَصَّهُمْ بِهِ مِنْ ذَلِكَ أَذْهَانَهُمْ ، وَقَرَّبَ مِنْ لَطِيفِ الْفَهْمِ عَنْهُ لِمَا أَرَادَهُ أَفْهَامَهُمْ ، وَرَفَعَ إِلَى مَلَكُوتِ عِزِّهِ هُمُومَهُمْ ، وَقَرَّبَ مِنَ الْمَحَلِّ الْأَعْلَى بِالْإِدْنَاءِ إِلَى مَكِينِ الْإِيوَاءِ بِحُبِّهِمْ ، وَأَفْرَدَ بِخَالِصِ ذِكْرِهِ قُلُوبَهُمْ فَهُمْ فِي أَقْرَبِ أَمَاكِنِ الزُّلْفَى لَدَيْهِ وَفِي أَرْفَعِ مَوَاطِنِ الْمُقْبِلِينَ بِهِ عَلَيْهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ إِذَا نَطَقُوا فَعَنْهُ يَقُولُونَ وَإِذَا سَكَتُوا فَبِوَقَارِ الْعِلْمِ بِهِ يَصْمُتُونَ ، وَإِذَا حَكَمُوا فَبِحُكْمِهِ لَهُمْ يَحْكُمُونَ ، جَعَلَنَا اللَّهُ يَا أَخِي مِمَّنْ فَضَّلَهُ بِالْعِلْمِ وَمَكَّنَهُ بِالْمَعْرِفَةِ وَخَصَّهُ بِالرِّفْعَةِ وَاسْتَعْمَلَهُ بِأَكْمَلِ الطَّاعَةِ وَجَمَعَ لَهُ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ

حديث رقم: 15499

أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ ، فِي كِتَابِهِ , وَحَدَّثَنِي عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْجُنَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، وَسُئِلَ عَمَّا تَنْهَى الْحِكْمَةُ ؟ فَقَالَ : الْحِكْمَةُ تَنْهَى عَنْ كُلِّ مَا يُحْتَاجُ أَنْ يُعْتَذَرَ مِنْهُ وَعَنْ كُلِّ مَا إِذَا غَابَ عِلْمُهُ عَنْ غَيْرِكَ ، أَحْشَمَكَ ذِكْرُهُ فِي نَفْسِكَ فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ : فَبِمَ تَأْمُرُ الْحِكْمَةُ ؟ قَالَ : تَأْمُرُ الْحِكْمَةُ بِكُلِّ مَا يُحْمَدُ فِي الْبَاقِي أَثَرُهُ وَيطِيبُ عِنْدَ جُمْلَةِ النَّاسِ خَبَرُهُ وَيُؤْمَنُ فِي الْعَوَاقِبِ ضَرَرُهُ ، قَالَ : فَمَنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُوصَفَ بِالْحِكْمَةِ ؟ قَالَ : مَنْ إِذَا قَالَ بَلَغَ الْمَدَى وَالْغَايَةَ فِيمَا يَتَعَرَّضُ لِنَعْتِهِ بِقَلِيلِ الْقَوْلِ وَيَسِيرِ الْإِشَارَةِ وَمَنْ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ مِمَّا يُرِيدُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ حَاضِرٌ عَتِيدٌ ، قَالَ : فَبِمَنْ تَأْنَسُ الْحِكْمَةُ ؟ وَإِلَى مَنْ تَسْتَرِيحُ وَتَأْوِي ؟ قَالَ : إِلَى مَنِ انْحَسَمَتْ عَنِ الْكُلِّ مَطَامِعُهُ وَانْقَطَعَتْ مِنَ الْفَضْلِ فِي الْحَاجَاتِ مُطَالِبُهُ وَمَنِ اجْتَمَعَتْ هُمُومُهُ وَحَرَكَاتُهُ فِي ذَاتِ رَبِّهِ وَمَنْ عَادَتْ مَنَافِعُهُ عَلَى سَائِرِ أَهْلِ دَهْرِهِ

حديث رقم: 15500

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : إِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا صَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانِهِمْ وَفَارَقُوهَا بِعُقُودِ أَيْمَانِهِمْ أَشْرَفَ بِهِمْ عِلْمُ الْيَقِينِ عَلَى مَا هُمْ إِلَيْهِ صَائِرُونَ وَفِيهِ مُقِيمُونَ وَإِلَيْهِ رَاجِعُونَ فَهَرَبُوا مِنْ مُطَالَبَةِ نُفُوسِهِمُ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ وَالدَّاعِيَةِ إِلَى الْمَهَالِكِ وَالْمُعِينَةِ لِلْأَعْدَاءِ وَالْمُتَّبِعَةِ لِلْهَوَى وَالْمَغْمُوسَةِ فِي الْبَلَاءِ وَالْمُتَمَكِّنَةِ بِأَكْنَافِ الْأَسْوَاءِ إِلَى قَبُولِ دَاعِي التَّنْزِيلِ الْمُحْكَمِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ إِذْ سَمِعُوهُ يَقُولُ : {{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ }} فَقَرَعَ أَسْمَاعَ فُهُومِهِمْ حَلَاوَةُ الدَّعْوَةِ لِتَصَفُّحِ التَّمْيِيزِ ، وَتَنَسَّمُوا بِرَوْحِ مَا أَدَّتْهُ إِلَيْهِمُ الْفُهُومُ الطَّاهِرَةُ مِنْ أَدْنَاسِ خَفَايَا مَحَبَّةِ الْبَقَاءِ فِي دَارِ الفَنَاءِ فَأَسْرَعُوا إِلَى حَذْفِ الْعَلَائِقِ الْمُشْغِلَةِ قُلُوبَ الْمُرَاقِبِينَ مَعَهَا ، وَهَجَمُوا بِالنُّفُوسِ عَلَى مُعَانَقَةِ الْأَعْمَالِ وَتَجَرَّعُوا مَرَارَةَ الْمُكَابَدَةِ وَصَدَقُوا اللَّهَ فِي مُعَامَلَتِهِ ، وَأَحْسَنُوا الْأَدَبَ فِيمَا تَوَجَّهُوا إِلَيْهِ وَهَانَتْ عَلَيْهِمُ الْمَصَائِبُ وَعَرَفُوا قَدْرَ مَا يَطْلُبُونَ ، وَاغْتَنَمُوا سَلَامَةَ الْأَوْقَاتِ وَسَلَامَةَ الْجَوَارِحِ وَأَمَاتُوا شَهَوَاتِ النُّفُوسِ وَسَجَنُوا هُمُومَهُمْ عَنِ التَّلَفُّتِ إِلَى مَذْكُورٍ سِوَى وَلِيِّهِمْ ، وَحَرَسُوا قُلُوبِهِمْ عَنِ التَّطَلُّعِ فِي مَرَاقِي الْغَفْلَةِ ، وَأَقَامُوا عَلَيْهَا رَقِيبًا مِنْ عِلْمِ مَنْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي بَرٍّ وَلَا بَحْرٍ وَمَنْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا وَأَحَاطَ بِهِ خُبْرًا فَانْقَادَتْ تِلْكَ النُّفُوسُ بَعْدَ اعْتِيَاصِهَا ، وَاسْتَبَقَتْ مُنَافِسَةً لِأَبْنَاءِ جِنْسِهَا نُفُوسٌ سَاسَهَا وَلِيُّهَا وَحَفِظَهَا بَارِئُهَا وَكَلَأَهَا كَافِيهَا ، فَتَوَهَّمْ يَا أَخِي إِنْ كُنْتَ ذَا بَصِيرَةٍ مَاذَا يَرِدُ عَلَيْهِمْ فِي وَقْتِ مُنَاجَاتِهِمْ ؟ وَمَاذَا يَلْقَوْنَهُ مِنْ نَوَازِلِ حَاجَاتِهِمْ ؟ تَرَ أَرْوَاحًا تَتَرَدَّدُ فِي أَجْسَادٍ قَدْ أَذْبَلَتْهَا الْخَشْيَةُ وَذَلَّلَتْهَا الْخِدْمَةُ وَتَسَرْبَلَهَا الْحَيَاءُ وَجَمَعَهَا الْقُرْبُ وَأَسْكَنَهَا الْوَقَارُ وَأَنْطَقَهَا الْحِذَارُ ، أَنِيسُهَا الْخَلْوَةُ وَحِدِيثُهَا الْفِكْرَةُ وَشِعَارُهَا الذِّكْرُ ، شُغْلُهَا بِاللَّهِ مُتَّصِلٌ وَعَنْ غَيْرِهِ مُنْفَصِلٌ ، لَا تَتَلَقَّى قَادِمًا وَلَا تُشَيِّعُ ظَاعِنًا ، غِذَاؤُهَا الْجُوعُ وَالظَّمَأُ وَرَاحَتُهَا التَّوَكُّلُ وَكَنْزُهَا الثِّقَةُ بِاللَّهِ وَمِعْوَلُهَا الِاعْتِمَادُ وَدَوَاؤُهَا الصَّبْرُ وَقَرِينُهَا الرِّضَا ، نُفُوسٌ قُدِّمَتْ لِتَأْدِيَةِ الْحُقُوقِ وَرُقِّيَتْ لِنَفِيسِ الْعِلْمِ الْمَخْزُونِ وَكُفِيَتْ ثِقَلَ الْمِحَنِ : {{ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ }} ، {{ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ }}

حديث رقم: 15501

سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ يَقُولُ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ ، يَقُولُ : مَا مِنْ شَيْءٍ أَسْقَطَ لِلْعُلَمَاءِ مِنْ عَيْنِ اللَّهِ مِنْ مُسَاكَنَةِ الطَّمَعِ مَعَ الْعِلْمِ فِي قُلُوبِهِمْ

حديث رقم: 15502

قَالَ : وَسَمِعْتُ الْجُنَيْدَ يَقُولُ : فَتْحُ كُلِّ بَابٍ وَكُلِّ عِلْمٍ نَفِيسٍ بَذْلُ الْمَجْهُودِ

حديث رقم: 15503

سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْعُثْمَانِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ عَطَاءٍ ، يَقُولُ : قَالَ الْجُنَيْدُ : لَوْلَا أَنَّهُ يُرْوَى أَنَّهُ يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ زَعِيمُ الْقَوْمِ أَرْذَلَهُمْ مَا تَكَلَّمْتُ عَلَيْكُمْ

حديث رقم: 15504

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، ثنا بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَالَ : قِيلَ لِلْجُنَيْدِ : مَا الْقَنَاعَةُ ؟ قَالَ : أَلَّا تَتَجَاوَزَ إِرَادَتُكَ مَا هُوَ لَكَ فِي وَقْتِكَ

حديث رقم: 15505

سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْجَهْضَمِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ عَطَاءٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحُرَيْضِ ، يَقُولُ : لَمَّا قَالَ الْجُنَيْدُ : إِنْ بَدَتْ عَيْنٌ مِنَ الْكَرَمِ أَلْحَقَتِ الْمُسِيءَ بِالْمُحْسِنِ ، قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ عَطَاءٍ : مَتَى تَبْدُو ؟ فَقَالَ لَهُ الْجُنَيْدُ : هِيَ بَادِيَةٌ قَالَ اللَّهُ : سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي

حديث رقم: 15506

أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ ، فِي كِتَابِهِ ، وَحَدَّثَنِي عَنْهُ ، مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : لَوْ أَنَّ الْعِلْمَ الَّذِي أَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ عِنْدِي لَفَنِيَ وَلَكِنَّهُ مِنْ حَقٍّ بَدَا وَإِلَى الْحَقِّ يَعُودُ وَرُبَّمَا وَقَعَ فِي قَلْبِي أَنَّ زَعِيمَ الْقَوْمِ أَرْذَلَهُمْ

حديث رقم: 15507

سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحُسَيْنِ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الدَّارِمِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الْعَطَوِيَّ ، يَقُولُ : كُنْتُ عِنْدَ الْجُنَيْدِ حِينَ مَاتَ فَخَتَمَ الْقُرْآنَ ثُمَّ ابْتَدَأَ مِنَ الْبَقَرَةِ فَقَرَأَ سَبْعِينَ آيَةً ثُمَّ مَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ

حديث رقم: 15508

حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ هَارُونَ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ وَسَأَلَهُ جَعْفَرٌ : مَا تَقُولُ أَكْرَمَكَ اللَّهُ فِي الذِّكْرِ الْخَفِيِّ ؟ مَا هُوَ الَّذِي لَا تَعْلَمُهُ الْحَفَظَةُ ؟ وَمِنْ أَيْنَ زَادَ عَمَلُ السِّرِّ عَلَى عَمَلِ الْعَلَانِيَةِ سَبْعِينَ ضِعْفًا ؟ فَأَجَابَهُ فَقَالَ : وَفَقَّنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ لِأَرْشَدِ الْأُمُورِ وَأَقْرَبِهَا إِلَيْهِ ، وَاسْتَعْمَلَنَا وَإِيَّاكُمْ بِأَرْضَى الْأُمُورِ وَأَحَبِّهَا إِلَيْهِ وَخَتَمَ لَنَا وَلَكُمْ بِخَيْرٍ ، فَأَمَّا الذِّكْرُ الَّذِي يَسْتَأْثِرُ اللَّهُ بِعِلْمِهِ دُونَ غَيْرِهِ فَهُوَ مَا اعْتَقَدَتْهُ الْقُلُوبُ وَطُوِيَتْ عَلَيْهِ الضَّمَائِرُ مِمَّا لَا تُحَرَّكُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ وَالْجَوَارِحُ وَهُوَ مِثْلُ الْهَيْبَةِ لِلَّهِ وَالتَّعْظِيمِ لِلَّهِ وَالْإِجْلَالِ لِلَّهِ وَاعْتِقَادِ الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ وَذَلِكَ كُلُّهُ فِيمَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا مَنْ يَعْلَمُ الْغَيْبَ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : {{ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ }} ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ وَهَذِهِ أَشْيَاءُ امْتِدِحَ اللَّهُ بِهَا فَهِيَ لَهُ وَحْدَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ، وَأَمَّا مَا تَعْلَمُهُ الْحَفَظَةُ فَمَا وُكِّلَتْ بِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ : {{ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }} ، وَقَوْلُهُ {{ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ }} فَهَذَا الَّذِي وُكِّلَ بِهِ الْمَلَائِكَةُ الْحَافِظُونَ مَا لَفِظَ بِهِ وَ بَدَا مِنْ لِسَانِهِ ، وَمَا يُعْلِنُونَ وَيَفْعَلُونَ هُوَ مَا ظَهَرَ بِهِ السَّعْيُ ، وَمَا أَضْمَرَتْهُ الْقُلُوبُ مِمَّا لَمْ يَظْهَرْ عَلَى الْجَوَارِحِ وَمَا تَعْتَقِدُهُ الْقُلُوبُ فَذَلِكَ يَعْلَمُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ، وَكُلُّ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ مَا عُقِدَ لَا يُجَاوِزُ الضَّمِيرَ فَهُوَ مِثْلُ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، وَمَا رُوِيَ فِي الْخَبَرِ مِنْ فَضْلِ عَمَلِ السِّرِّ عَلَى عَمَلِ الْعَلَانِيَةِ وَأَنَّ عَمَلَ السِّرِّ يَزِيدُ عَلَى عَمَلِ الْعَلَانِيَةِ سَبْعِينَ ضِعْفًا فَذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّ مَنْ عَمِلَ لِلَّهِ عَمَلًا فَأَسَرَّهُ فَقَدْ أَحَبَّ أَنْ يَنْفَرِدَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعِلْمِ ذَلِكَ الْعَمَلِ مِنْهُ وَمَعْنَاهُ أَنْ يسْتَغْنَى بِعِلْمِ اللَّهِ فِي عَمَلِهِ عَنْ عِلْمِ غَيْرِهِ وَإِذَا اسْتَغْنَى الْقَلْبُ بِعِلْمِ اللَّهِ أَخْلَصَ الْعَمَلَ فِيهِ ، وَلَمْ يَعْرُجْ عَلَى مَنْ دُونَهُ فَإِذَا عَلِمَ جَلَّ ذِكْرُهُ بِصِدْقِ قَصْدِ الْعَبْدِ إِلَيْهِ وَحْدَهُ ، وَسَقَطَ عَنْ ذِكْرِهِ مَنْ دُونَهُ أَثْبَتَ ذَلِكَ الْعَمَلَ فِي أَعْمَالِ الْخَالِصِينَ الصَّالِحِينَ الْمُؤْثِرِينَ لِلَّهِ عَلَى مَنْ سِوَاهُ وَجَازَاهُ اللَّهُ بِعِلْمِهِ بِصِدْقِهِ مِنَ الثَّوَابِ سَبْعِينَ ضِعْفًا عَلَى مَا عَمِلَ مَنْ لَا يَحِلُّ مَحَلَّهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

حديث رقم: 15509

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَارُونَ قَالَ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ فِي كِتَابِهِ إِلَى أَبِي الْعَبَّاسِ الدَّيْنَوَرِيِّ : مَنِ اسْتَخْلَصَهُ الْحَقُّ بِمُفْرَدِ ذِكْرِهِ وَصَافَاهُ يَكُونُ لَهُ وَلِيًّا مُنْتَخِبًا مُكْرِمًا مُوَاصِلًا يُوَرِّثُهُ غَرَائِبَ الْأَنْبِيَاءِ وَيَزِيدُهُ فِي التَّقْرِيبِ زُلْفًى وَيُثْبِتُهُ فِي مُحَاضِرِ النَّجْوَى وَيَصْطَنِعُهُ لِلْخُلَّةِ وَالِاصْطِفَاءِ وَيَرْفَعُهُ إِلَى الْغَايَةِ الْقُصْوَى وَيُبَلِّغُهُ فِي الرِّفْعَةِ إِلَى الْمُنْتَهَى وَيُشْرِفُ بِهِ مِنْ ذِرْوَةِ الذُّرَى عَلَى مَوَاطِنِ الرُّشْدِ وَالْهُدَى وَعَلَى دَرَجَاتِ الْبَرَرَةِ الْأَتْقِيَاءِ وَعَلَى مَنَازِلِ الصَّفْوَةِ وَالْأَوْلِيَاءِ فَيَكُونُ كُلُّهُ مُنْتَظِمًا وَعَلَيْهِ بِالتَّمْكِينِ مُحْتَوِيًا وَبِأَنْبَائِهِ خَبِيرًا عَالِمًا وَعَلَيْهِ بِالْقُوَّةِ وَالِاسْتِظْهَارِ حَاكِمًا وَبِإِرْشَادِ الطَّالِبِينَ لَهُ إِلَيْهِ قَائِمًا وَعَلَيْهِمْ بِالْفَوَائِدِ وَالْعَوَائِدِ وَالْمَنَافِعِ دَائِمًا ، وَلِمَا نَصَبَ لَهُ الْأَئِمَّةَ مِنَ الرِّعَايَةِ لَدَيْهِ بِهِ لَازِمًا ، وَذَلِكَ إِمَامُ الْهُدَاةِ السُّفَرَاءِ الْعُظَمَاءِ الْأَجِلَّةِ الْكُبَرَاءِ اللَّذَيْنِ جَعَلَهُمْ لِلدِّينِ عُمُدًا وَلِلْأَرْضِ أَوْتَادًا جَعَلَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ مِنْ أَرْفَعِهِمْ لَدَيْهِ قَدْرًا وَأَعْظَمِهِمْ فِي مَحَلِّ عِزِّهِ أَمْرًا إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ سُمَيْعٌ

حديث رقم: 15510

سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ هَانِئٍ ، يَقُولُ : سَأَلْتُ أَبَا الْقَاسِمِ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ قَوْلِهِ : {{ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ }} ، قَالَ : لَا أُحِبُّ مَنْ يَغِيبُ عَنْ عِيَانِي ، وَعَنْ قَلْبِي ، وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ أَنِّي إِنَّمَا أُحِبُّ مَنْ يَدُومُ لِي النَّظَرُ إِلَيْهِ وَالْعِلْمُ بِهِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ مَوْجُودًا غَيْرَ مَفْقُودٍ ، وَكَذَلِكَ رَأَيْنَا أَنَّ أَشَدَّ الْأَشْيَاءِ عَلَى الْمُحِبِّينَ أَنْ يَغِيبَ عَنْهُمْ مَنْ أَحَبُّوهُ ، وَأَنْ يَفْقِدُوا شَاهِدَهُمْ

حديث رقم: 15511

سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ جَعْفَرٍ ، يَقُولُ : سَأَلْتُ أَبَا الْقَاسِمِ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنِ الْإِيمَانِ ، مَا هُوَ ؟ فَقَالَ : الْإِيمَانُ هُوَ التَّصْدِيقُ وَالْإِيقَانُ وَحَقِيقَةُ الْعِلْمِ بِمَا غَابَ عَنِ الْأَعْيَانِ ؛ لِأَنَّ الْمُخْبِرَ لِي بِمَا غَابَ عَنِّي إِنْ كَانَ عِنْدِي صَادِقًا لَا يُعَارِضُنِي فِي صِدْقِهِ رَيْبٌ وَلَا شَكٌّ أَوْجَبَ عَلَيَّ تَصْدِيقِي إِيَّاهُ إِنْ ثَبَتَ لِي الْعِلْمُ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ وَمِنْ تَأْكِيدِ حَقِيقَةِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ تَصْدِيقُ الصَّادِقِ عِنْدِي يُوجِبُ عَلَيَّ أَنْ يَكُونَ مَا أَخْبَرَنِي بِهِ كَأَنِّي لَهُ مُعَايِنٌ وَذَلِكَ صِفَةُ قُوَّةُ الصِّدْقِ فِي التَّصْدِيقِ وَقُوَّةِ الْإِيقَانِ الْمُوجِبِ لِاسْمِ الْإِيمَانِ

حديث رقم: 15512

وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الرَّسُولِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ : اعْبُدِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ، فَأَمْرُهُ بِحَالَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا أَقْوَى مِنَ الْأُخْرَى ؛ لِأَنِّي كَأَنِّي أَرَى الشَّيْءَ بِقُوَّةِ الْعِلْمِ بِهِ ، وَحَقِيقَةُ التَّصْدِيقِ لَهُ أَقْوَى مِنْ أَنْ أَكُونَ أَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ يَرَانِي ، وَإِنْ كَانَ عِلْمِي بِأَنَّهُ يَرَانِي حَقِيقَةُ عِلْمِ مُوجِبَةٌ لِلتَّصْدِيقِ وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَوْلَى وَأَقْوَى وَالْفَضْلُ يَجْمَعُهَا عَلَى تَقْدِيمِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى ، قَالَ أَحْمَدُ : وَسَأَلْتُهُ عَنْ عَلَامَةِ الْإِيمَانِ قَالَ : الْإِيمَانُ عَلَامَتُهُ طَاعَةُ مَنْ آمَنْتَ بِهِ ، وَالْعَمَلُ بِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ وَتَرْكِ التَّشَاغُلِ عَنْهُ بِشَيْءٍ يَنْقَضِي عِنْدَهُ حَتَّى أَكُونَ عَلَيْهِ مُقْبِلًا وَلِمُوَافَقَتِهِ مُؤْثِرًا وَلِمَرْضَاتِهِ مُتَحَرِّيًا ؛ لِأَنَّ مِنْ صِفَةِ حَقِيقَةِ عَلَامَةِ الْإِيمَانِ أَلَّا أُوثِرَ عَلَيْهِ شَيْئًا دُونَهُ وَلَا أَتَشَاغَلَ عَنْهُ بِسَبَبٍ سِوَاهُ حَتَّى يَكُونَ الْمَالِكَ لِسِرِّي وَالْحَاثَّ لِجَوَارِحِي بِمَا أَمَرَنِي مَنْ آمَنْتُ بِهِ وَلَهُ عَرَفْتُ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَقَعُ الطَّاعَةُ لِلَّهِ عَلَى الِاسْتِوَاءِ وَمُخَالَفَةِ كُلِّ الْأَهْوَاءِ وَالْمُجَانَبَةِ لِمَا دَعَتْ إِلَيْهِ الْأَعْدَاءُ وَالْمُتَارَكَةِ لِمَا انْتَسَبَ إِلَى الدُّنْيَا وَالْإِقْبَالِ عَلَى مَنْ هُوَ أَوْلَى وَهَذِهِ بَعْضُ الشَّوَاهِدِ وَالْعَلَامَاتِ فِيمَا سَأَلْتَ عَنْهُ وَصِفَةُ الْكَلِّ يَطُولُ شَرْحُهُ ، قَالَ وَسَأَلْتُهُ : مَا الْإِيمَانُ ؟ فَقَالَ : هَذَا سُؤَالٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَلَا مَعْنَىً يُنْبِئُ عَنْ مَزِيدٍ مِنْ عِلْمٍ وَإِنَّمَا هُوَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مُجَرَّدًا ، وَحَقِيقَتُهُ فِي الْقُلُوبِ مُفْرَدًا وَإِنَّمَا هُوَ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ مِنَ الْعِلْمِ بِاللَّهِ وَالتَّصْدِيقِ ، وَبِمَا أَخْبَرَ مِنْ أُمُورِهِ فِي سَائِرِ سَمَوَاتِهِ وَأَرْضِهِ مِمَّا ثَبَتَ فِي الْإِيقَانِ وَإِنْ لَمْ أَرَهُ بِالْعِيَانِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلصِّدْقِ صِدْقٌ وَلِلْإِيقَانِ إِيقَانٌ ؟ وَإِنَّمَا الصِّدْقُ فِعْلٌ قَلْبِيٌّ وَالْإِيقَانُ مَا اسْتَقَرَّ مِنَ الْعِلْمِ عِنْدِي فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلِي وَإِنَّمَا أَنَا الْفَاعِلُ ؟ ، أَوْ يَعْلَمَ عِلْمِي وَإِنَّمَا أَنَا الْعَالِمُ ؟ وَالسُّؤَالُ فِي الِابْتِدَاءِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ وَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ لِلْإِيمَانِ إِيمَانٌ وَلِلتَّصْدِيقِ تَصْدِيقٌ جَازَ أَنْ يُوَالَى ذَلِكَ وَيُكَرَّرَ إِلَى غَايَةٍ تَكْثُرُ فِي الْعَدَدِ وَجَازَ أَنْ يَكُونَ كَمَا عَادَ عَلَيَّ ثَوَابُ إِيمَانِي وَثَوَابُ تَصْدِيقِي أَنْ يَعُودَ عَلَى إِيمَانِ إِيمَانِي ثَوَابٌ وَعَلَى تَصْدِيقِ تَصْدِيقِي جَزَاءٌ ، وَلَوْ أَرَدْتُ اسْتِقْصَاءَ الْقَوْلِ فِي وَاجِبِ ذَلِكَ لَاتَّسَعَ بِهِ الْكِتَابُ وَطَالَ بِهِ الْخَطَّابُ وَهَذَا مُخْتَصَرٌ مِنَ الْجَوَابِ

حديث رقم: 15513

أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ ، فِي كِتَابِهِ , وَحَدَّثَنِي عَنْهُ ، عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُثْمَانِيُّ قَالَ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : أَعْلَمُ النَّاسِ بِالْآفَاتِ أَكْثَرُهُمْ بَلَاءً وَآفَةً

حديث رقم: 15514

أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ ، وَحَدَّثَنِي عَنْهُ ، عُثْمَانُ قَالَ : كُنْتُ أَمْشِي مَعَ الْجُنَيْدِ فَلَقِيَهُ الشِّبْلِيُّ فَقَالَ لَهُ : يَا أَبَا الْقَاسِمِ ، مَا تَقُولُ فِيمَنِ الْحَقُّ حَسْبُهُ نَعْتًا وَعِلْمًا وَوُجُودًا ؟ فَقَالَ لَهُ : يَا أَبَا بَكْرٍ جَلَّتِ الْأُلُوهِيَّةُ وَتَعَاظَمَتِ الرُّبُوبِيَّةُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ أَكَابِرِ الطَّبَقَةِ أَلْفُ طَبَقَةٍ فِي أَوَّلِ طَبَقَةٍ مِنْهَا ذَهَبَ الِاسْمُ

حديث رقم: 15515

قَالَ : وَسَمِعْتُ الْجُنَيْدَ ، يَقُولُ : مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ يَصِلُ بِبَذْلِ الْمَجْهُودِ فَمُتَعَنٍّ وَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ يَصِلُ بِغَيْرِ بَذْلِ الْمَجْهُودِ فَمُتَمَنٍّ ، وَمُتَعَلِّمٌ يَتَعَلَّمُ الْحَقِيقَةَ يُوَصِّلُهُ اللَّهُ إِلَى الْهِدَايَةِ

حديث رقم: 15516

قَالَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ

حديث رقم: 15517

سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ مِقْسَمٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ الْمُطَرِّزَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ لِرَجُلٍ وَهُوَ يُكَلِّمُهُ فِي شَيْءٍ : لَا تَيَأَسْ مِنْ نَفْسِكِ وَأَنْتَ تُشْفِقُ مِنْ ذَنْبِكَ وَتَنْدَمُ عَلَيْهِ بَعْدَ فِعْلِكَ

حديث رقم: 15518

سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ مِقْسَمٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ الْمَحَلِّيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ ، يَقُولُ : كَانَ التَّوَكُّلُ حَقِيقَةً وَالْيَوْمَ هُوَ عِلْمٌ

حديث رقم: 15519

سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ مِقْسَمٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ الْخَوَّاصَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ ، يَقُولُ : مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً مَا نَاصَيْتُ أَحَدًا إِلَى حَقٍّ فَعَادَ إِلَيَّ

حديث رقم: 15520

وَقَالَ الْجُنَيْدُ : إِذَا أَصَبْتَ مَنْ يَصْبِرُ عَلَى الْحَقِّ فَتَمَسَّكْ بِهِ ، قَالَ : قُلْتُ : وَأَنِّي بِهِ ؟ هَاتِ مَنْ يَصْبِرُ لِي عَلَى سَمَاعِ الْحَقِّ لَا يَتَعَرَّضُ إِلَيْهِ

حديث رقم: 15521

أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، فِي كِتَابِهِ , وَحَدَّثَنِي عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ مِقْسَمٍ قَالَ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ ، يَقُولُ : لَوْ بَدَتْ عَيْنٌ مِنَ الْكَرَمِ لَأَلْحَقَتِ الْمُسِيئِينَ بِالْمُحْسِنِينَ وَبَقِيَتْ أَعْمَالُ الْعَامِلِينَ فَضْلًا لَهُمْ

حديث رقم: 15522

سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ مِقْسَمٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ الْمُرْتَعِشَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ ، يَقُولُ : كَتَبَ إِلَيَّ بَعْضُ إِخْوَانِي مِنْ عُقَلَاءِ أَهْلِ خُرَاسَانَ : اعْلَمْ يَا أَخِي ، يَا أَبَا الْقَاسِمِ ، أَنَّ عُقُولَ الْعُقَلَاءِ إِذَا تَنَاهَتْ تَنَاهَتْ إِلَى حَيْرَةٍ

حديث رقم: 15523

سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ مِقْسَمٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ الْمُطَرِّزَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : أَضَرُّ مَا عَلَى أَهْلِ الدِّيَانَاتِ الدَّعَاوَى

حديث رقم: 15524

سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحُسَيْنِ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ الرَّازِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : عَلَيْكُمْ بِحِفْظِ الْهِمَّةِ فَإِنَّ حِفْظَ الْهِمَّةِ مُقَدِّمَةُ الْأَشْيَاءِ

حديث رقم: 15525

سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحُسَيْنِ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ الرَّازِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : الْمُرُوءَةُ امْتِحَانُ زَلَلِ الْإِخْوَانِ

حديث رقم: 15526

سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ هَارُونَ يَقُولُ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ أَبَا الْقَاسِمِ ، يَقُولُ : وَرَأَى رُوَيْمًا وَقَدْ ، تَوَلَّى الْقَضَاءَ فَقَالَ : مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَنْ خَبَّأَ فِي سِرِّهِ حُبَّ الدُّنْيَا عِشْرِينَ سَنَةً فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا

حديث رقم: 15527

سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ هَارُونَ يَقُولُ : أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الْجُنَيْدِ قَالَ : إِنَّهُ وَقَفَ عَلَيَّ سَائِلٌ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ : حَرَّكَنِي فِعْلٌ لِي ، فَقَالَ الْجُنَيْدُ : لَا وَلَكِنَّ فِعْلَ اللَّهِ فِيكَ يَقْتَضِي مِنْكَ شُكْرَ مَا جَعَلَهُ فِيكَ

حديث رقم: 15528

سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ الْمُفِيدَ يَقُولُ : حَضَرْتُ الْجُنَيْدَ يَوْمًا فَسَأَلَهُ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا : يَا أَسْتَاذُ ، مَتَى يَكُونُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُقْبِلًا عَلَى عَبْدِهِ ؟ فَلَهَى عَنْهُمْ وَلَمْ يُجِبْهُمْ فَأَلَحُّوا عَلَيْهِ وَكَانَ ظَرِيفًا لَا يُحِبُّ أَنْ يَتَبَشَّعَ جَوَابُهُ عَلَى أَحَدٍ فَالْتَفَتْ إِلَيْهِمْ فَقَالَ : وَاعَجَبَاهُ يَقِفُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ بِلَا حُضُورٍ وَيَقْتَضِي بِهَذِهِ الْوَقْفَةِ إِقْبَالًا

حديث رقم: 15529

سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ مِقْسَمٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سَعِيدٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : وَسُئِلَ عَنْ حَقِيقَةِ الشُّكْرِ ، فَقَالَ : أَلَّا يُسْتَعَانَ بِشَيْءٍ مِنْ نِعَمِهِ عَلَى مَعَاصِيهِ

حديث رقم: 15530

سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ مِقْسَمٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ سَعِيدٍ ، وَأَبَا بَكْرٍ خَتَنَ الْجُنَيْدِ يَقُولَانِ : سَمِعْنَا الْجُنَيْدَ ، يَقُولُ : الْوَرَعُ فِي الْكَلَامِ أَشَدُّ مِنْهُ فِي الِاكْتِسَابِ

حديث رقم: 15531

أَنْشَدَنِي أَبُو الْحَسَنِ بْنُ مِقْسَمٍ قَالَ : أَنْشَدَنِي أَبُو بَكْرٍ خَتَنُ الْجُنَيْدِ قَالَ : أَنْشَدَنِي الْجُنَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ : تَحَمَّلْ عَظِيمَ الْجُرْمِ مِمَّنْ تُحِبُّهُ وَإِنْ كُنْتَ مَظْلُومًا فَقُلْ أَنَا ظَالِمٌ قَالَ : وَأَنْشَدَنِي : أُنَاسُ أَمَّنَّاهُمْ فَنَمُّوا حَدِيثَنَا فَلَمَّا كَتَمْنَا السِّرَّ عَنْهُمْ تَقَوَّلُوا وَلَمْ يَحْفَظُوا الْوُدَّ الَّذِي كَانَ بَيْنَنَا وَلَا حِينَ هَمُّوا بِالْقَطِيعَةِ أَجْمَلُوا

حديث رقم: 15532

سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا القَاسِمِ الْمُطَرِّزِ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ ، يَقُولُ : لَا تَسْكُنْ إِلَى نَفْسِكَ وَإِنْ دَامَتْ طَاعَتَهَا لَكَ فِي طَاعَةِ رَبِّكَ

حديث رقم: 15533

سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ مِقْسَمٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ النَّقَّاشِيَّ الصُّوفِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : مَتَى أَرَدْتَ أَنْ تَشَرَّفَ ، بِالْعِلْمِ وَتُنْسَبَ إِلَيْهِ وَتَكُونَ مِنْ أَهْلِهِ قَبْلَ أَنْ تُعْطِيَ الْعِلْمَ مَالَهُ عَلَيْكَ احْتَجَبَ عَنْكَ نُورُهُ وَبَقِيَ عَلَيْكَ وَسْمُهُ وَظُهُورُهُ ، ذَلِكَ الْعِلْمُ عَلَيْكَ لَا لَكَ وَذَلِكَ أَنَّ الْعِلْمَ يُشِيرُ إِلَى اسْتِعْمَالِهِ وَإِذَا لَمْ يُسْتَعْمَلِ الْعِلْمُ فِي مَرَاتِبِهِ رَحَلَتْ بَرَكَاتُهُ

حديث رقم: 15534

سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ النَّقَّاشِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ ، يَقُولُ : الْإِنْسَانُ لَا يُعَابُ بِمَا فِي طَبْعِهِ إِنَّمَا يُعَابُ إِذَا فَعَلَ بِمَا فِي طَبْعِهِ

حديث رقم: 15535

أَنْشَدَنِي أَبُو الْحَسَنِ بْنُ مِقْسَمٍ قَالَ : أَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْقُرَشِيُّ قَالَ : أَنْشَدَنِي الْجُنَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ : هَلْ مِنْ سَبِيلٍ إِلَى حَبِيبٍ أَوْقَفَنِي مَوْقِفَ الْعَبِيدِ وَاللَّهِ وَاللَّهِ لَوْ بَدَأَنِي بِكُلِّ ضَرْبٍ مِنَ الصُّدُودِ مَا كَانَ لِي مِنْ هَوَاهُ بُدٌّ وَلَوْ تَقَطَّعْتُ بِالْوُجُودِ

حديث رقم: 15536

سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ مِقْسَمٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ الْحَفَّارَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ ، وَقَدْ سَأَلَهُ رَجُلٌ : كَيْفَ الطَّرِيقُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ؟ فَقَالَ : تَوْبَةٌ تَحُلَّ الْإِصْرَارَ وَخَوْفٌ يُزِيلُ الْغِرَّةَ وَرَجَاءٌ مُزْعِجٌ إِلَى طَرِيقِ الْخَيْرَاتِ وَمُرَاقَبَةُ اللَّهِ فِي خَوَاطِرِ الْقُلُوبِ

حديث رقم: 15537

سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ مَالِكٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ ، وَسَأَلَهُ سَائِلٌ : الْعِنَايَةُ قَبْلَ أُمِّ الْبِدَايَةِ فَقَالَ : الْعِنَايَةُ قَبْلَ الطِّينِ وَالْمَاءِ

حديث رقم: 15538

قَالَ : وَسَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ الْجُنَيْدَ يَقُولُ : يَا مَنْ هُوَ كُلَّ يَوْمٍ فِي شَأْنٍ اجْعَلْنِي مِنْ بَعْضِ شَأْنِكَ

حديث رقم: 15539

أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ قَالَ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ ، يَقُولُ : الْمُرِيدُ الصَّادِقُ غَنِيٌّ عَنْ عُلُومِ الْعُلَمَاءِ ، يَعْمَلُ عَلَى بَيَانٍ يَرَى وَجْهَ الْحَقِّ مِنْ وُجُوهِ الْحَقِّ وَيَتَوَقَّى وُجُوهَ الشَّرِّ مِنْ وُجُوهِ الشَّرِّ

حديث رقم: 15540

قَالَ : وَسَمِعْتُ الْجُنَيْدَ ، يَقُولُ : اعْتَلَلْتُ بِمَكَّةَ فَقَوِيَ عَلَيَّ فِيهَا الْوُجُودُ حَتَّى لَمْ أَقْدِرْ أَنْ أَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ

حديث رقم: 15541

قَالَ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ يَقُولُ : مَكَثْتُ مُدَّةً طَوِيلَةً لَا يَقْدَمُ أَحَدٌ الْبَلَدَ مِنَ الْفُقَرَاءِ إِلَّا سُلِبْتُ حَالِي وَدُفِعْتُ إِلَى حَالِهِ فَأَطْلُبُهُ حَتَّى إِذَا وَجَدْتُهُ تَكَلَّمْتُ بِحَالِهِ وَكُنْتُ لَا أَرَى فِي النَّوْمِ شَيْئًا إِلَّا رَأَيْتُهُ فِي الْيَقَظَةِ

حديث رقم: 15542

سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو الْعُثْمَانِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ ، يَقُولُ : لَيْسَ يَتَبَشَّعُ عَلَيَّ مَا يَرِدُ عَلَيَّ مِنَ الْعَالَمِ ؛ لِأَنِّي قَدْ أَصَّلْتُ أَصْلًا وَهُوَ أَنَّ الدَّارَ دَارُ هَمٍّ وَغَمٍّ وَبَلَاءٍ وَفِتْنَةٍ وَأَنَّ الْعَالَمَ كُلَّهُ شَرٌّ وَمِنْ حُكْمِهِ أَنْ يَتَلَقَّانِي بِكُلِّ مَا أَكْرَهُ فَإِنْ تَلَقَّانِي بِكُلِّ مَا أُحِبُّ فَهُوَ فَضْلٌ وَإِلَّا فَالْأَصْلُ هُوَ الْأَوَّلُ

حديث رقم: 15543

سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ الْجَهْضَمِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْفَارِسِيَّ ، يَقُولُ : وَقَفَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَغْرِبِيُّ عَلَى الْجُنَيْدِ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ : {{ سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى }} ، قَالَ الْجُنَيْدُ : سَنُقْرِئُكَ التِّلَاوَةَ فَلَا تَنْسَى الْعَمَلَ ، وَسُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ : {{ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ }} ، قَالَ : تَرَكُوا الْعَمَلَ بِمَا فِيهِ ، فَقَالَ الْمَغْرِبِيُّ : حَرُجَتْ أُمَّةٌ أَنْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهَا لَا تُفَوِّضُ أَمْرَهَا إِلَيْكَ ، قَالَ : وَوَقَفَ الشِّبْلِيُّ عَلَيْهِ فَقَالَ : مَا تَقُولُ يَا أَبَا الْقَاسِمِ فِيمَنْ وُجُودُهُ حَقِيقَةٌ لَا عِلْمٌ ؟ فَقَالَ : يَا أَبَا بَكْرٍ بَيْنَكَ وَبَيْنَ أَكَابِرِ النَّاسِ سَبْعُونَ قَدَمًا أَدْنَاهَا أَنْ تَنْسَى نَفْسَكَ

حديث رقم: 15544

حَدَّثَنَا الْجَهْضَمِيُّ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ، ثنا أَبُو الْقَاسِمِ بُرْدَانُ الْهَاوَنْدِيُّ قَالَ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ ، يَقُولُ : جِئْتُ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ السُّدِّيِّ يَوْمًا فَدَقَقْتُ عَلَيْهِ الْبَابَ فَقَالَ : مَنْ هَذَا ؟ فَقُلْتُ : جُنَيْدٌ ، فَقَالَ : ادْخُلْ ، فَدَخَلْتُ فَإِذَا هُوَ قَاعِدٌ مُسْتَوْفِزٌ وَكَانَ مَعِي أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِ ، فَقَالَ لِي : أَبْشِرْ فَإِنَّكَ تُفْلِحُ فَإِنِّي احْتَجْتُ إِلَى هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ ، فَقُلْتُ : اللَّهُمَّ ابْعَثْهَا إِلَيَّ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ يُفْلِحُ عِنْدَكَ

حديث رقم: 15545

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، ثنا مَنْصُورُ بْنُ أَحْمَدَ ، ثنا جَعْفَرٌ الدُّئِلِيُّ قَالَ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : الْبَلَاءُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ عَلَى الْمُخْلِطِينَ عُقُوبَاتٌ وَعَلَى الصَّادِقِينَ تَمْحِيصُ جِنَايَاتٍ وَعَلَى الْأَنْبِيَاءِ مِنْ صِدْقِ الِاخْتِيَارَاتِ

حديث رقم: 15546

سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْعُثْمَانِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ حَكِيمَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : حَضَرَ الْجُنَيْدُ أَبُو الْقَاسِمِ مَوْضِعًا فِيهِ قَوْمٌ يَتَوَاجَدُونَ عَلَى سَمَاعٍ يَسْمَعُونَهُ وَهُوَ مُطْرِقٌ قِيلَ لَهُ : يَا أَبَا الْقَاسِمِ ، مَا نَرَاكَ تَتَحَرَّكُ ، قَالَ : {{ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرٌّ مَرَّ السَّحَابِ }}

حديث رقم: 15547

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُفِيدُ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ الْجُنَيْدَ ، يَقُولُ : يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَلَّا يُفْقَدَ مِنْ إِحْدَى ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ : مَوْطِنٌ يَعْرِفُ فِيهِ حَالَهُ أَمُزَادٌ أَمْ مُنْتَقَصٌ ؟ وَمَوْطِنٌ يَخْلُو فِيهِ بِتَأْدِيبِ نَفْسِهِ وَإِلْزَامِهَا مَا يَلْزَمُهَا وَيَتَقَصَّى فِيهِ عَلَى مَعْرِفَتِهَا وَمَوْطِنٌ يَسْتَحْضِرُ عَقْلَهُ بِرُؤْيَتِهِ مَجَارِيَ التَّدْبِيرِ عَلَيْهِ وَكَيْفَ تُقَلُّبُ فِيهِ الْأَحْكَامُ فِي آنَاءِ اللَّيْلِ وَأَطْرَافِ النَّهَارِ ؟ وَلَنْ يَصْفُوَ عَقْلٌ لَا يَصْدِرُ إِلَى فَهْمِ هَذَا الْحَالِ الْأَخِيرِ إِلَّا بِإِحْكَامِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ إِصْلَاحِ الْحَالَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ ، فَأَمَّا الْمَوْطِنُ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْرِفَ فِيهِ حَالَهُ أَمُزَادٌ هُوُ أَمْ مُنْتَقَصٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَطْلُبَ مَوَاضِعَ الْخَلْوَةِ لِكَيْ لَا يُعَارِضَهُ مُشْغِلٌ فَيُفْسِدُ مَا يُرِيدُ إِصْلَاحَهُ ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إِلَى مُوَافَقَةِ مَا أُلْزِمَ مِنْ تَأْدِيَةِ الْفَرْضِ الَّذِي لَا يَزْكُو حَالَ قُرْبِهِ إِلَّا بِإِتْمَامِ الْوَاجِبِ مِنَ الْفَرَائِضِ ثُمَّ يَنْتَصِبُ انْتِصَابَ عَبْدٍ بَيْنَ يَدَيْ سَيِّدِهِ يُرِيدُ أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَيْهِ مَا أُمِرَ بِتَأْدِيَتِهِ فَحِينَئِذٍ تُكْشَفُ لَهُ خَفَايَا النُّفُوسِ الْمُوَارِيَةِ فَيَعْلَمُ أَهُوَ مِمَّنْ أَدَّى مَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَمْ لَمْ يؤَدِّ ؟ ثُمَّ لَا يَبْرَحُ مِنْ مَقَامِهِ ذَلِكَ حَتَّى يُوقَعَ لَهُ الْعِلْمُ بِبُرْهَانِ مَا اسْتَكْشَفَهُ بِالْعِلْمِ فَإِنْ رَأَى خَلَلًا أَقَامَ عَلَى إِصْلَاحِهِ وَلَمْ يُجَاوِزْهُ إِلَى عَمَلِ سِوَاهُ ، وَهَذِهِ أَحْوَالُ أَهْلِ الصِّدْقِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَاللَّهُ يؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ ، إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ، وَأَمَّا الْمَوْطِنُ الَّذِي يَخْلُو فِيهِ بِتَأْدِيبِ نَفْسِهِ وَيَتَقَصَّى فِيهِ حَالَ مَعْرِفَتِهَا فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ عَزَمَ عَلَى ذَلِكَ وَأَرَادَ الْمُنَاصَحَةَ فِي الْمُعَامَلَةِ فَإِنَّ النُّفُوسَ رُبَّمَا خَبَتْ فِيهَا مِنْهَا أَشْيَاءُ لَا يَقِفُ عَلَى حَدِّ ذَلِكَ إِلَّا مَنْ تَصَفَّحَ مَا هُنَالِكَ فِي حِينِ حَرَكَةِ الْهَوَى فِي مَحَبَّةِ فِعْلِ الْخَيْرِ الْمَأْلُوفِ فَإِنَّ النَّفْسَ إِذَا أَلِفَتْ فِعْلَ الْخَيْرِ صَارَ خُلُقًا مِنْ أَخْلَاقِهَا وَسَكَنَتْ إِلَى أَنَّهَا مَوْضِعٌ لِمَا أُهِّلَتْ لَهُ وَتَرَى أَنَّ الَّذِي جَرَى عَلَيْهَا مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ الْخَيْرِ فِيهَا هِيَ لَهُ أَهْلٌ وَيَرْصُدُهَا الْعَدُوُّ الْمُقِيمُ بِفِنَائِهَا الْمَجْعُولُ لَهُ السَّبِيلُ عَلَى مَجَارِي الدَّمِ فِيهَا فَيَرَى هُوَ بِكَيْدِهِ خَفِيَ غَفْلَتِهَا فَيَخْتَلِسُ مِنْهَا بِمُسَاءَلَةِ الْهَوَى مَا لَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إِلَى اخْتِلَاسِهِ فِي غَيْرِ تِلْكَ الْحَالِ فَإِنْ تَأَلَّمَ لَوَكْزَتِهِ مِنْهُ وَعَرَفَ طَعْنَتَهُ أَسْرَعَ بِالْأَمَانَةِ إِلَى مَنْ لَا تَقَعُ الْكِفَايَةُ مِنْهُ إِلَّا بِهِ فَاسْتَقْصَى مِنْ نَفْسِهِ عِلْمَ الْحَالِ الَّتِي مِنْهَا وَصَلَ عَدُوُّهُ إِلَيْهِ فَحَرَسَهَا بِلِيَاذَةِ اللَّجَأَ وَإِلْقَاءِ الْكَنَفِ وَشِدَّةِ الِافْتِقَارِ وَطَلَبِ الِاعْتِصَامِ ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ابْنُ النَّبِيِّ ابْنِ النَّبِيِّ ، الْكَرِيمُ ابْنُ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ كَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : الْكَرِيمُ ابْنُ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ : {{ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ }} ، وَعَلِمَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ كَيِدَ الْأَعْدَاءِ مَعَ قُوَّةِ الْهَوَى لَا يَنْصَرِفُ بِقُوَّةِ النَّفْسِ : {{ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }} ، وَأَمَّا الْمَوْطِنُ الَّذِي يَسْتَحْضِرُ فِيهِ عَقْلَهُ لِرُؤْيَةِ مَجَارِي الْأَحْكَامِ ، وَكَيْفَ يُقَلِّبُهُ التَّدْبِيرُ ؟ فَهُوَ أَفْضَلُ الْأَمَاكِنِ وَأَعْلَى الْمَوَاطِنِ فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ جَمِيعَ خَلْقِهِ أَنْ يُوَاصِلُوا عِبَادَتَهُ وَلَا يَسْأَمُوا خِدْمَتَهُ فَقَالَ : {{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }} ، فَأَلْزَمَهُمْ دَوَامَ عِبَادَتِهِ وَضَمِنَ لَهُمْ عَلَيْهَا فِي الْعَاجِلِ الْكِفَايَةَ وَفِي الْأُخْرَى جَزِيلَ الثَّوَابِ ، فَقَالَ : {{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }} ، وَهَذِهِ كُلُّهَا تَلْزَمُ كُلَّ الْخَلْقِ ، وَوَقَفَ لِيرَى كَيْفَ تُصَرَّفُ الْأَحْكَامُ ؟ وَقَدْ عَرَضَ لِرَفِيعِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ ، أَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَالَ : {{ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ }} ؟ ، يَعْنِي شَأْنَ الْخَلْقِ ، وَأَنْتَ أَيُّهَا الْوَاقِفُ أَتَرَى أَنَّكَ مِنَ الْخَلْقِ الَّذِي هُوَ فِي شَأْنِهِمْ ؟ أَوْ تَرَى شَأْنَكَ مَرْضِيًّا عِنْدَهُ ؟ وَلَنْ يَقْدِرَ أَحَدٌ عَلَى اسْتِحْضَارِ عَقْلِهِ إِلَّا بِانْصِرَافِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا عَنْهُ وَخُرُوجِهَا مِنْ قَلْبِهِ فَإِذَا انْقَضَتِ الدُّنْيَا وَبَادَتْ وَبَادَ أَهْلُهَا وَانْصَرَفَتْ عَنِ الْقَلْبِ خَلَا بِمُسَامَرَةِ رُؤْيَةِ التَّصَرُّفِ وَاخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ وَتَفْصِيلِ الْأَقْسَامِ وَلَنْ يَرْجِعَ قَلْبُ مَنْ هَذَا وَصْفُهُ إِلَى شَيْءٍ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِمَا فِي هَذِهِ الَّتِي عَنْهَا خَرَجَ وَلَهَا تَرَكَ وَمِنْهَا هَرَبَ أَلَا تَرَى إِلَى حَارِثَةَ حِينَ يَقُولُ : عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا ، ثُمَّ يَقُولُ : وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا وَكَأَنِّي بِأَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ وَكَأَنِّي وَهَذِهِ بَعْضُ أَحْوَالِ الْقَوْمِ

حديث رقم: 15548

أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ ، فِي كِتَابِهِ , وَحَدَّثَنِي عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : كَانَ يُعَارِضُنِي فِي بَعْضِ أَوْقَاتِي أَنْ أَجْعَلَ نَفْسِي كَيُوسُفَ وَأَكُونَ أَنَا كَيَعْقُوبَ فَأَحْزَنَ عَلَى نَفْسِي لِمَا فَقَدْتُ مِنْهَا كَمَا حَزِنَ يَعْقُوبُ عَلَى فَقْدِهِ لِيُوسُفَ فَمَكَثْتُ أَعْمَلُ مُدَّةً فِيمَا أَجِدُهُ عَلَى حَسْبِ ذَلِكَ

حديث رقم: 15549

أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ ، فِي كِتَابِهِ ، وَحَدَّثَنَا عَنْهُ مُحَمَّدٌ قَالَ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : كُنْتُ يَوْمًا عِنْدَ السَّرِيِّ بْنِ الْمُغَلِّسِ بْنِ الْحُسَيْنِ وَهُوَ مُتَّزِرٌ بِمِئْزَرٍ ، وَكُنَّا خَالِيَيْنِ ، فَنَظَرْتُ إِلَى جَسَدِهِ كَأَنَّهُ جَسَدٌ سَقِيمٌ دَنِفٌ مُضْنًى وَأَجْهَدُ مَا يَكُونُ ، فَقَالَ : انْظُرْ إِلَى جَسَدِي هَذَا فَلَوْ شِئْتُ أَنْ أَقُولَ إِنَّ مَا بِي هَذَا مِنَ الْمَحَبَّةِ كَانَ كَمَا أَقُولُ ، وَكَانَ وَجْهُهُ يَصْفَرُّ ثُمَّ اشْرَأَبَّ حُمْرَةً حَتَّى تَوَرَّدَ ثُمَّ اعْتَلَّ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ أَعُودُهُ فَقُلْتُ لَهُ : كَيْفَ تَجِدُكَ ؟ فَقَالَ : كَيْفَ أَشْكُو مَا بِي إِلَى طَبِيبِي ؟ وَالَّذِي أَصَابَنِي مِنْ طَبِيبِي ، فَأَخَذْتُ الْمِرْوَحَةَ أُرَوِّحُهُ فَقَالَ : كَيْفَ يَجِدُ رَوْحَ الْمِرْوَحَةِ مَنْ جَوْفُهُ يَحْتَرِقُ مِنْ دَاخِلٍ ؟ ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ : الْقَلْبُ مُحْتَرِقٌ وَالدَّمْعُ مُسْتَبِقُ وَالْكَرْبٌ مُجْتَمِعٌ وَالصَّبْرُ مُفْتَرِقُ كَيْفَ الْقَرَارُ عَلَى مَنْ لَا قَرَارَ لَهُ ؟ مِمَّا جَنَاهُ الْهَوَى وَالشَّوْقُ وَالْقَلَقُ يَا رَبِّ إِنْ كَانْ شَيْءٌ فِيهِ لِي فَرَجٌ فَامْنُنْ عَلَيَّ بِهِ مَا دَامَ لِي رَمَقُ

حديث رقم: 15550

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُفِيدُ ، قَالَ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : أَعْلَى دَرَجَةِ الْكِبْرِ وَشَرُّهَا أَنْ تَرَى نَفْسَكَ ، وَدُونَهَا وَأَدْنَاهَا فِي الشَّرِّ أَنْ تَخْطُرَ بِبَالِكَ

حديث رقم: 15551

أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ هَارُونَ قَالَ : سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ الْغَلَّابَ ، يَقُولُ : قِيلَ لِلْجُنَيْدِ : هَلْ عَايَنْتَ أَوْ شَاهَدْتَ ؟ قَالَ : لَوْ عَايَنْتُ تَزَنْدَقْتُ ، وَلَوْ شَاهَدْتُ تَحَيَّرْتُ وَلَكِنْ حَيْرَةٌ فِي تِيهٍ وَتِيهٌ فِي حَيْرَةٍ

حديث رقم: 15552

قَالَ : وَسَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : حَرَّمَ اللَّهُ الْمَحَبَّةَ عَلَى صَاحِبِ الْعَلَاقَةِ

حديث رقم: 15553

قَالَ : وَسُئِلَ الْجُنَيْدُ عَنِ الدُّنْيَا ، مَا هِيَ ؟ قَالَ : مَا دَنَا مِنَ الْقَلْبِ وَشَغَلَ عَنِ اللَّهِ

حديث رقم: 15554

أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، فِي كِتَابِهِ ، وَحَدَّثَنِي عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : دَخَلْتُ يَوْمًا عَلَى سَرِيٍّ السَّقَطَيِّ فَرَأَيْتُ عَلَيْهِ هَمًّا فَقُلْتُ : أَيُّهَا الشَّيْخُ أَرَى عَلَيْكَ هَمًّا فَقَالَ : السَّاعَةَ دَقَّ عَلَيَّ دَاقٌّ الْبَابَ فَقُلْتُ : ادْخُلْ ، فَدَخَلَ عَلَيَّ شَابٌّ فِي حُدُودِ الْإِرَادَةِ فَسَأَلَنِي عَنْ مَعْنَى التَّوْبَةِ ، فَأَخْبَرْتُهُ وَسَأَلَنِي عَنْ شَرْطِ التَّوْبَةِ ، فَأَنْبَأْتُهُ فَقَالَ : هَذَا مَعْنَى التَّوْبَةِ وَهَذَا شَرْطُهَا ، فَمَا حَقِيقَتُهَا ؟ فَقُلْتُ : حَقِيقَةُ التَّوْبَةِ عِنْدَكُمْ أَنْ لَا تَنْسَى مَا مِنْ أَجْلِهِ كَانَتِ التَّوْبَةُ فَقَالَ : لَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ عِنْدَنَا ، فَقُلْتُ لَهُ : فَمَا حَقِيقَةُ التَّوْبَةِ عِنْدَكُمْ ؟ فَقَالَ : حَقِيقَةَ التَّوْبَةِ أَلَا تَذْكُرَ مَا مِنْ أَجْلِهِ كَانَتِ التَّوْبَةُ ، وَأَنَا أَفَكِّرُ فِي كَلَامِهِ ، قَالَ الْجُنَيْدُ : فَقُلْتُ : مَا أَحْسَنَ مَا قَالَ ، قَالَ : فَقَالَ لِي : يَا جُنَيْدُ ، وَمَا مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ ؟ فَقَالَ : يَا أَسْتَاذُ إِذَا كُنْتُ مَعَكَ فِي حَالِ الْجَفَاءِ وَنَقَلْتَنِي مِنْ حَالِ الْجَفَاءِ إِلَى حَالِ الصَّفَاءِ فَذِكْرِي لِلْجَفَاءِ فِي حَالِ الصَّفَاءِ غَفْلَةٌ ، قَالَ : وَدَخَلْتُ عَلَيْهِ يَوْمًا آخَرَ فَرَأَيْتُ عَلَيْهِ هَمًّا فَقُلْتُ : أَيُّهَا الشَّيْخُ أَرَاكَ مَشْغُولَ الْقَلْبِ ، فَقَالَ : أَمْسِ كُنْتُ فِي الْجَامِعِ فَوَقَفَ عَلَيَّ شَابٌّ وَقَالَ لِي : أَيُّهَا الشَّيْخُ ، أَيَعْلَمُ الْعَبْدُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ قَبِلَهُ ؟ فَقُلْتُ : لَا يَعْلَمُ ، فَقَالَ : بَلَى يَعْلَمُ ، وَقَالَ لِي ثَانِيًا : بَلَى يَعْلَمُ ، فَقُلْتُ لَهُ : فَمِنْ أَيْنَ يَعْلَمُ ؟ قَالَ : إِذَا رَأَيْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ عَصَمَنِي مِنْ كُلِّ مَعْصِيَةٍ وَوَفَّقَنِي لِكُلِّ طَاعَةٍ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ قَبِلَنِي

حديث رقم: 15555

أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، فِي كِتَابِهِ , وَحَدَّثَنِي عَنْهُ ، مُحَمَّدٌ قَالَ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : رَأَيْتُ بَعْدَ أَنْ أَدَّيْتُ ، وِرْدِي وَوضِعْتُ جَنْبِي ؛ لِأَنَامَ كَأَنَّ هَاتِفًا يَهْتِفُ بِي : إِنَّ شَخْصًا يَنْتَظِرُكَ فِي الْمَسْجِدِ ، فَخَرَجْتُ فَإِذَا شَخْصٌ وَاقِفٌ فِي سَوَاءِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ لِي : يَا أَبَا الْقَاسِمِ ، مَتَى تَصِيرُ النَّفْسُ دَاؤُهَا دَوَاؤُهَا ؟ قُلْتُ : إِذَا خَالَفَتْ هَوَاهَا صَارَ دَاؤُهَا دَوَاءَهَا ، قَالَ : قُلْتُ هَذَا لِنَفْسِي ، فَقَالَتْ : لَا أَقْبَلُ مِنْكَ حَتَّى تَسْأَلَ عَنْهُ الْجُنَيْدَ ، فَقُلْتُ : مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ : أَنَا فُلَانٌ الْجِنِّيُّ ، وَقَدْ جِئْتُ إِلَيْكَ مِنَ الْمَغْرِبِ

حديث رقم: 15556

قَالَ : وَسَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : لَا تَكُونُ عَبْدَ اللَّهِ بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى لَا تَبْقَى عَلَيْكَ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ بَقِيَّةٌ

حديث رقم: 15557

قَالَ : وَسَمِعْتُ الْجُنَيْدَ ، يَقُولُ : لَا تَكُونُ عَبْدَ اللَّهِ حَقًّا وَأَنْتَ لِشَيْءٍ سِوَاهُ مُسْتَرَقًّا

حديث رقم: 15558

حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ هَارُونَ قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ الْوَاحِدِ بْنَ مُحَمَّدٍ الْإِصْطَخْرِيَّ أَبَا الْأَزْهَرِ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ عُثْمَانَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : دَخَلْتُ الْبَادِيَةَ بِعَقْدِ التَّوَكُّلِ فِي وَسَطِ السَّنَةِ فَمَضَتْ عَلَيَّ أَيَّامٌ فَانْتَهَيْتُ إِلَى مَجْمَعِ مَاءٍ وَخُضْرَةٍ فَتَوَضَّأْتُ وَمَلَأْتُ رِكْوَتِي وَقُمْتُ أَرْكَعُ فَإِذَا بِشَابٍّ قَدْ أَقْبَلَ بِزِيِّ التُّجَّارِ كَأَنَّهُ قَدْ غَدَا مِنْ بَيْتِهِ إِلَى سُوقِهِ أَوْ يَرْجِعُ مِنْ سُوقِهِ إِلَى بَيْتِهِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ فَقُلْتُ : الشَّابُّ مُنْ أَيْنَ ؟ فَقَالَ : مِنْ بَغْدَادَ ، فَقُلْتُ : مَتَى خَرَجْتَ مِنْ بَغْدَادَ ؟ قَالَ : أَمْسِ ، فَتَعَجَّبْتُ مِنْهُ وَكُنْتُ قَدْ مَضَتْ عَلَيَّ أَيَّامٌ حَتَّى بَلَغْتُ إِلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَجَلَسَ يُكَلِّمُنِي وَأُكَلِّمُهُ فَأَخْرَجَ شَيْئًا مِنْ كُمِّهِ يَأْكُلُهُ فَقُلْتُ لَهُ : أَطْعِمْنِي مِمَّا تَأْكُلُ ، فَوَضَعَ فِي يَدِي حَنْظَلَةً فَأَكَلْتُهُ فَوَجَدْتُ طَعْمَهُ كَالرُّطَبِ ، وَمَضَى وَتَرَكَنِي فَلَمَّا دَخَلْتُ مَكَّةَ بَدَأْتُ بِالطَّوَافِ فَجَذَبَ ثَوْبِي مِنْ وَرَائِي فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِشَابٍّ كَالشَّنِّ الْبَالِي عَلَيْهِ قِطْعَةُ عَبَاءٍ وَعَلَى عَاتِقِهِ بَعْضُهُ فَقُلْتُ لَهُ : زِدْنِي فِي الْمَعْرِفَةِ ، فَقَالَ : أَنَا الشَّابُّ الَّذِي أَطْعَمْتُكَ الْحَنْظَلَ ، فَقُلْتُ لَهُ : مَا شَأْنُكَ ؟ فَقَالَ : يَا أَبَا الْقَاسِمِ ذَرَءُونَا حَتَّى أَوْقَعُونَا ، قَالُوا : اسْتَمْسِكْ

حديث رقم: 15559

أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ وَحَدَّثَنِي عَنْهُ عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ : سُئِلَ الْجُنَيْدُ أَيُّمَا أَتَمُّ اسْتِغْرَاقُ الْعِلْمِ فِي الْوُجُودِ أَوِ اسْتِغْرَاقُ الْوُجُودِ فِي الْعِلْمِ ؟ قَالَ : اسْتِغْرَاقُ الْعِلْمِ فِي الْوُجُودِ لَيْسَ الْعَالِمُونَ بِاللَّهِ كَالْوَاجِدِينَ لَهُ قَالَ : وَسَأَلَهُ الْحَرِيرِيُّ عَنْ قَوْلِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ : {{ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ }} ، قَالَ : هُوَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ تَعْلَمُ مَا أَنَا لَكَ عَلَيْهِ وَمَا لَكَ عِنْدِي وَلَا أَعْلَمُ مَا لِي عِنْدَكَ إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي بِهِ وَأَطْلَعْتَنِي عَلَيْهِ فَهَذَا مَعْنَاهُ

حديث رقم: 15560

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ هَارُونَ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ الطَّبَرِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الْحُسَيْنَ بْنَ يَسِينَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ ، يَقُولُ : الْأَقْوَاتُ ثَلَاثَةٌ : فَقُوتٌ بِالطَّعَامِ وَهُوَ مَوْلِدٌ لِلْأَعْرَاضِ ، وَقُوتٌ بِالذِّكْرِ فَهَذَا يُشْمِمُهُمُ الصِّفَاتِ ، وَقُوتٌ بِرُؤْيَةِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ الَّذِي يَفْنَى وَيَبِيدُ ، قَالَ : ثُمَّ أَنْشَدَ يَقُولُ : إِذَا كُنْتَ قُوتَ النَّفْسِ ثُمَّ هِجَرْتَهَا فَلَمْ تَلْبَثِ النَّفْسُ الَّتِي أَنْتَ قُوتُهَا

حديث رقم: 15561

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُفِيدُ ، فِي كِتَابِهِ , وَحَدَّثَنَا عَنْهُ عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، قَبْلَ أَنْ لَقِيتُهُ ، ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَبَلِيُّ قَالَ : كَتَبَ الْجُنَيْدُ إِلَى أَبِي إِسْحَاقَ الْمَارِسْتَانِيُّ : يَا أَخِي ، كَيْفَ أَنْتَ فِي تَرِكْ مُوَاصَلَةِ مَنْ عَرَّضَكَ لِلتَّقْصِيرِ وَدَعَاكَ إِلَى النَّقْصِ وَالْفُتُورِ ؟ وَكَيْفَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مُبَايَنَتُكَ لَهُ وَهُجْرَانُكَ ؟ وَكَيْفَ إِعْرَاضُ سِرِّكَ وَنُبُوُّ قَلْبِكَ وَعُزُوفُ ضَمِيرِكَ عَنْهُ ؟ حَقِيقٌ عَلَيْكَ عَلَى مَا وَهَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَخَصَّكَ بِهِ مِنَ الْعِلْمِ الْجَلِيلِ وَالْمُنْزِلِ الشَّرِيفِ أَنْ تَكُونَ عَنِ الْمُقْبِلِينَ عَلَى الدُّنْيَا مُعْرِضًا وَأَنْ تَكُونَ لَهُمْ بِسِرِّكَ وَجَهْرِكَ قَالِيًا ، وَأَنْ تَكُونَ لَهُمْ فِي بَلَائِهِمْ إِلَى اللَّهِ شَافِعًا ، فَذَلِكَ بَعْضُ حَقِّكَ لَكَ وَحَرِيٌّ بِكَ أَنْ تَكُونَ لِلْمُذْنِبِينَ ذَائِدًا وَأَنْ تَكُونَ لَهُمْ بِفَهْمِ الْخِطَابِ إِلَى اللَّهِ رَائِدًا وَفِي اسْتِنْقَاذِهِمْ وَافِدًا فَتِلْكَ حَقَائِقُ الْعُلَمَاءِ وَأَمَاكِنُ الْحُكَمَاءِ وَأَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ ، وَأَعَمُّهُمْ نَفْعًا لِجُمْلَةِ خَلْقِهِ ، جَعَلَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ مِنْ أَخَصِّ مَنْ أَخْلَصَهُ بِالْإِخْلَاصِ إِلَيْهِ وَأَقْرَبِهِمْ فِي مَحَلِّ الزُّلْفَى لَدَيْهِ أَيَحْسُنُ بِالْعَاقلِ اللَّبِيبِ وَالْفَهِمِ الْأَدِيبِ الطَّالِبِ الْمَطْلُوبِ الْمُحِبِّ الْمَحْبُوبِ الْمُكْلَأِ الْمُعَلَّمِ ، الْمُزَلَّفِ الْمُقَرَّبِ الْمَجَالِسِ الْمُؤَانِسِ أَنْ يُعِيرَ الدُّنْيَا طَرْفَهُ أَوْ يوَافِقَهَا بِلَحْظِهِ وَقَدْ سَمِعَ سَيِّدَهُ وَمَوْلَاهُ وَهُوَ يَقُولُ لِأَجَلِّ أَصْفِيَائِهِ وَسَيِّدِ رُسُلِهِ وَأَنْبِيَائِهِ : {{ وَلَا تُمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زُهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنِفْتِنَهُمْ فِيهِ }} ، الْآيَةَ ، أَفَشَاهِدٌ أَنْتَ لِفَهْمِ الْخِطَابِ وَإِمْكَانِ رَدِّ الْجَوَّابِ ؟ فَتَرَكَ حَظَّهُ مِنَ اللَّهِ مِمَّا فَاتَهُ ، وَمُصَافَاتُهُ وَمُكَافَأَتُهُ وَمَكَانُهُ مِنْهُ وَمُوَالَاتُهُ أَنْ يُوَادَّ مَنْ لَا يُوَادُّهُ أَوْ يَأْلَفَ مَنْ لَا يُوَافِقُهُ ، غُضَّ يَا أَخِي بَصَرَ سِرِّكَ وَبَصِيرَةَ قَلْبِكَ عَنِ الْإِيمَاءِ إِلَى النَّظَرِ إِلَيْهِمْ دُونَ الْمُوَاصَلَةِ لَهُمْ وَصُنْ بِالْمَضْمُونِ مِنْ ضَمِيرِكَ عَنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ بِالْقَوْمِ مُؤَالَفَةٌ ، فَوَاللَّهِ لَا وَالَى اللَّهُ مَنْ يُحَادُّهُ وَلَا أَقْبَلَ عَلَى مَنْ يُبْغِضُهُ وَلَا عَظَّمَ مَنْ يُعَظِّمُ مَا صَغَّرَهُ وَقَلَّلَهُ إِلَّا أَنْ يَنْزِعَ عَنْ ذَلِكَ فَكُنْ مِنْ ذَلِكَ عَلَى يَقِينٍ وَكُنْ لِأَمَاكِنِ مَنْ أَعْرَضَ عَنِ الْحَقِّ مُسْتَهِينًا ، وَبَعْدُ يَا أَخِي فَتَفَضَّلْ بِاحْتِمَالِي إِنْ غَلُظَ عَلَيْكَ مَقَالِي وَتَجَشَّمِ الصَّبْرَ عَلَى أَنْ يُوَافِقَ قَلْبُكَ مَا فِي كِتَابِي فَإِنَّ الْمُنَاصَحَةَ وَالْمُفَاصَحَةَ خَيْرٌ مِنَ الْإِغْضَاءِ مَعَ الْمُتَارَكَةِ وَإِنِّي أَخْتِمُ كِتَابِي وَأَسْتَدْعِي جَوَابِي بِقَوْلِي : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا

حديث رقم: 15562

سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ هَانِئٍ ، يَقُولُ : سَأَلْتُ أَبَا الْقَاسِمِ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، قُلْتُ : مَتَى يَكُونُ الرَّجُلُ مَوْصُوفًا بِالْعَقْلِ ؟ قَالَ : إِذَا كَانَ لِلْأُمُورِ مُمَيِّزًا وَلَهَا مُتَصَفِّحًا وَعَمَّا يُوجِبُهُ عَلَيْهِ الْعَقْلُ بَاحِثًا : يَبْحَثُ يَلْتَمِسُ بِذَلِكَ طَلَبَ الَّذِي هُوَ بِهِ أَوْلَى لَيَعْمَلَ بِهِ وَيُؤْثِرَهُ عَلَى مَا سِوَاهُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمِنْ صِفَتِهِ رُكُوبُ الْفَضْلِ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ بَعْدَ إِحْكَامِ الْعَمَلِ بِمَا قَدْ فُرِضَ عَلَيْهِ ، وَلَيْسَ مِنْ صِفَةِ الْعُقَلَاءِ إِغْفَالُ النَّظَرِ لِمَا هُوَ أَحَقُّ وَأَوْلَى وَلَا مِنْ صِفَتِهِمُ الرِّضَا بِالنَّقْصِ وَالتَّقْصِيرِ فَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتُهُ بَعْدَ إِحْكَامِهِ لِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ عَمَلِهِ تَرَكَ التَّشَاغُلَ بِمَا يَزُولُ وَتَرَكَ الْعَمَلَ بِمَا يَفْنَى وَيَنْقَضِي وَذَلِكَ صِفَةُ كُلِّ مَا حَوَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ لَا يَرْضَى أَنْ يَشْغَلَ نَفْسَهِ بِقَلِيلٍ زَائِلٍ وَيَسِيرٍ حَائِلٍ يَصُدُّهُ التَّشَاغُلُ بِهِ وَالْعَمَلُ لَهُ عَنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ الَّتِي يَدُومُ نَعِيمُهَا وَنَفْعُهَا وَيَتَّصِلُ بِقَاؤُهَا ، وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يَدُومُ نَفْعُهُ وَيَبْقَى عَلَى الْعَامِلِ لَهُ حَظُّهُ وَمَا سِوَى ذَلِكَ زَائِلٌ مَتْرُوكُ مَفَارِقُ مَوْرُوثٌ يَخَافُ مَعَ تَرْكِهِ سُوءُ الْعَاقِبَةِ فِيهِ وَمُحَاسَبَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، فَكَذَلِكَ صِفَةُ الْعَاقِلِ لِتَصَفُّحِهِ الْأُمُورَ بِعَقْلِهِ وَالْأَخْذِ مِنْهَا بِأَوْفَرِهِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {{ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ }} ، كَذَلِكُ وَصَفَهُمُ اللَّهُ وَذَوُو الْأَلْبَابِ هُمْ ذَوُو الْعُقُولِ ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الثَّنَاءُ عَلَيْهِمْ بِمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِهِ لِلْأَخْذِ بِأَحْسَنِ الْأُمُورِ عِنْدَ اسْتِمَاعِهَا ، وَأَحْسَنُ الْأُمُورِ وَهُوَ أَفْضَلُهَا وَأَبْقَاهَا عَلَى أَهْلِهَا نَفْعًا فِي الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ وَإِلَى ذَلِكَ نَدَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ عَقَلَ فِي كِتَابِهِ

حديث رقم: 15563

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى قَالَ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ الْجُرَيْرِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : مَا أَخَذْنَا التَّصَوُّفَ عَنِ الْقَالِ وَالْقِيلِ ، لَكِنْ عَنِ الْجُوعِ وَتَرْكِ الدُّنْيَا ، وَقَطْعِ الْمَأْلُوفَاتِ ، وَالْمُسْتَحْسَنَاتِ ، ؛ لِأَنَّ التَّصَوُّفَ هُوَ صَفَاءُ الْمُعَامَلَةِ مَعَ اللَّهِ ، وَأَصْلُهُ الْعُزُوفُ عَنِ الدُّنْيَا ، كَمَا قَالَ حَارِثَةُ : عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا ، فَأَسْهَرْتُ لِيَلِي وَأَظْمَأْتُ نَهَارِي

حديث رقم: 15564

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الرَّازِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ الْجُرَيْرِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ ، يَقُولُ لِرَجُلٍ ذَكَرَ الْمَعْرِفَةَ فَقَالَ الرَّجُلُ : أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ يَصِلُونَ إِلَى تَرْكِ الْحَرَكَاتِ مِنْ بَابِ الْبِرِّ وَالتَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ ، فَقَالَ الْجُنَيْدُ : إِنَّ هَذَا قَوْلُ قَوْمٍ تَكَلَّمُوا بِإِسْقَاطِ الْأَعْمَالِ ، وَهَذِهِ عِنْدِي عَظِيمَةٌ وَالَّذِي يَسْرِقُ وَيَزْنِي أَحْسَنُ حَالًا مِنَ الَّذِي يَقُولُ هَذَا وَإِنَّ الْعَارِفِينَ بِاللَّهِ أَخَذُوا الْأَعْمَالَ عَنِ اللَّهِ ، وَإِلَيْهِ رَجَعُوا فِيهَا وَلَوْ بَقِيَتْ أَلْفَ عَامٍ لَمْ أُنْقِصْ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ ذَرَّةً إِلَّا أَنْ يُحَالَ بِي دُونَهَا وَإِنَّهُ لَأَوْكَدُ فِي مَعْرِفَتِي وَأَقْوَى فِي حَالِي

حديث رقم: 15565

أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، فِي كِتَابِهِ ، وَحَدَّثَنِي عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : حَاجَةُ الْعَارِفِينَ إِلَى كَلَاءَتِهِ وَرِعَايَتِهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {{ قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ }} ، وَنُجْحُ قَضَاءِ كُلِّ حَاجَةٍ مِنَ الدُّنْيَا تَرْكُهَا وَفَتْحُ كُلِّ بَابٍ شَرِيفٍ بَذْلُ الْمَجْهُودِ ، قَالَ : وَرَأَيْتُ الْجُنَيْدَ فِي الْمَنَامِ فَقُلْتُ : أَلَيْسَ كَلَامُ الْأَنْبِيَاءِ إِشَارَاتٌ عَنْ مُشَاهَدَاتٍ , فَتَبَسَّمَ وَقَالَ : كَلَامُ الْأَنْبِيَاءِ بِنَاءٌ عَنْ حُضُورٍ ، وَكَلَامُ الصِّدِّيقِينَ إِشَارَاتٌ عَنْ مُشَاهَدَاتٍ ، قَالَ : وَكَتَبَ الْجُنَيْدُ إِلَى بَعْضِ إِخْوَانِهِ : مَنْ أَشَارَ إِلَى اللَّهِ وَسَكَنَ إِلَى غَيْرِهِ ابْتَلَاهُ اللَّهُ وَحَجَبَ ذِكْرَهُ عَنْ قَلْبِهِ وَأَجْرَاهُ عَلَى لِسَانِهِ فَإِنَّهُ انْتَبَهَ وَانْقَطَعَ عَمَّنْ سَكَنَ إِلَيْهِ وَرَجَعَ إِلَى مَنْ أَشَارَ إِلَيْهِ ، كَشَفَ اللَّهُ مَا بِهِ مِنَ الْمِحَنِ وَالْبَلْوَى فَإِنْ دَامَ نَزَعَ اللَّهُ عَلَى سُكُونِهِ مِنْ قُلُوبِ الْخَلْقِ الرَّحْمَةَ عَلَيْهِ وَأُلْبِسَ لِبَاسَ الطَّمَعِ لِتَزْدَادَ مُطَالَبَتُهُ مِنْهُمْ مَعَ فُقْدَانِ الرَّحْمَةِ مِنْ قُلُوبِهِمْ فَتَصِيرُ حَيَاتُهُ عَجْزًا وَمَوْتُهُ كَدًّا وَمَعَادُهُ أَسَفًا ، وَنَحْنُ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ السُّكُونِ إِلَى غَيْرِهِ

حديث رقم: 15566

وَقَالَ الْجُنَيْدُ : لَوْ أَقْبَلَ صَادِقٌ عَلَى اللَّهِ أَلْفَ أَلْفَ سَنَةٍ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهُ لَحْظَةً كَانَ مَا فَاتَهُ أَكْثَرَ مِمَّا نَالَهُ ، وَقَالَ رَجُلٌ لِلْجُنَيْدِ : عَلَامَ يَتَأَسَّفُ الْمُحِبُّ ؟ قَالَ : عَلَى زَمَانِ بَسْطَ أَوْرَثَ قَبْضًا ، أَوْ زَمَانِ أُنْسٍ أَوْرَثَ وَحْشَةً ؟ وَأَنْشَأَ يَقُولُ : قَدْ كَانَ لِي مَشْرَبٌ يَصْفُو بِرُؤْيَتِكُمْ فَكَدَّرَتْهُ يَدُ الْأَيَّامِ حِينَ صَفَا

حديث رقم: 15567

كَتَبَ إِلَيَّ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، وَأَخْبَرَنِي عَنْهُ يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَوَّاسُ قَالَ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُخْلِصُ إِلَى الْقُلُوبِ مِنْ بِرِّهِ حَسْبَمَا خَلُصَتِ الْقُلُوبُ بِهِ إِلَيْهِ مِنْ ذِكْرِهِ فَانْظُرْ مَاذَا خَالَطَ قَلْبَكَ ؟

حديث رقم: 15568

كَتَبَ إِلَيَّ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، وَأَخْبَرَنِي عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ ، يَقُولُ : يَا ذَاكِرَ الذَّاكِرِينَ بِمَا بِهِ ذَكَرُوهُ ، وَيَا بَادِئَ الْعَارِفِينَ بِمَا بِهِ عَرَفُوهُ ، وَيَا مُوَفِّقَ الْعَامِلِينَ لِصَالِحِ مَا عَمِلُوهُ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَكَ إِلَّا بِإِذْنِكَ وَمَنْ ذَا الَّذِي يَذْكُرُكُ إِلَّا بِفَضْلِكَ

حديث رقم: 15569

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَارُونَ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ وَكَتَبَ إِلَى بَعْضِ إِخْوَانِهِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي اسْتَخْلَصَ لِنَفْسِهِ صَفْوَةَ مَنْ خَلَقَهُ وَخَصَّهُمْ بِالْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ بِهِ فَاسْتَعْمَلَهُمْ بِأَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَيْهِ وَأَقْرَبِهَا مِنَ الزُّلْفَى لَدَيْهِ ، وَبَلَّغَهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْغَايَةَ الْقُصْوَى وَالذِّرْوَةَ الْمُتَنَاهِيَةَ الْعُلْيَا ، وَبَعْدُ فَإِنِّي أُوصِيكَ بِتَرْكِ الِالْتِفَاتِ إِلَى كُلِّ حَالٍ مَاضِيَةٍ فَإِنَّ الِالْتِفَاتَ إِلَى مَا مَضَى شُغْلٌ عَمَّا يَأْتِي مِنَ الْحَالَةِ الْكَائِنَةِ وَأُوصِيكَ بِتَرْكِ الْمُلَاحَظَةِ لِلْحَالِ الْكَائِنَةِ وَبِتَرْكِ الْمُنَازَلَةِ لَهَا بِجَوَلَانِ الْهِمَّةِ لِمْلُتَقَى الْمُسْتَقْبَلِ مِنَ الْوَقْتِ الْوَارِدِ بِذِكْرِ مَوْرِدِهِ وَنَسَقِ ذِكْرِ مَوْجُودِهِ فَإِنَّكَ إِذَا كُنْتَ هَكَذَا كُنْتَ تَذْكُرُ مَنْ هُوَ أَوْلَى وَلَا تَضُرُّكَ رُؤْيَةُ الْأَشْيَاءِ وَأُوصِيكَ بِتَجْرِيدِ الْهَمِّ وَتَفْرِيدِ الذِّكْرِ وَمُخَالَصَةِ الرَّبِّ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَاعْمَلْ عَلَى تَخْلِيصِ هَمِّكَ مِنْ هَمِّكَ لِهَمِّكَ وَاطْلُبِ الْخَالِصَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَلْبِكَ وَكُنْ حَيْثُ يَرَاكَ لِمَا يُرَادُ لَكَ وَلَا تَكُنْ حَيْثُ يُرَادُ لَكَ لِمَا تُرِيدُ لِنَفْسِكَ ، وَاعْمَلْ عَلَى مَحْوِ شَاهِدِكَ مِنْ شَاهِدِكَ حَتَّى يَكُونَ الشَّاهِدُ عَلَيْكَ شَاهِدًا لَكَ بِمَا يَخْلُصُ مِنْ شَاهِدِكَ ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ إِنْ كُنْتَ كُلَّكَ لَهُ كَانَ لَكَ بِكُلِّ الْكُلِّ فِيمَا تُحِبُّهُ مِنْهُ فَكُنْ مُؤْثِرًا لَهُ بِكُلِّ مَنِ انْبَسَطَ لَهُ مِنْكَ وَمِنْهُ بَدَا لَكَ وَمِنْهُ بِهِ يَبْسُطُ عَلَيْكَ مَا لَا يُحِيطُ بِهِ عِلْمُكَ وَلَا تَبْلُغُ إِلَى أَمَانِيكَ وَآمَالِكِ وَإِذَا بُلِيتَ بِمُعَاشَرَةِ طَائِفَةٍ مِنَ النَّاسِ فَعَاشِرْهُمْ عَلَى مَقَادِيرِ أَمَاكِنِهِمْ وَكُنْ مُشْرِفًا عَلَيْهِمْ بِجَمْيلِ مَا آتَاكَ اللَّهُ وَفَضَّلَكَ بِهِ ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَعَلَى آلِهِ وَصَحِبِهِ وَسَلَّمَ

حديث رقم: 15570

سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ حُبَيْشٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، وَسُئِلَ ، عَنِ الرِّضَا ، فَقَالَ : سَأَلْتُمُ عَنِ الْعَيْشِ الْهَنِيءِ ، وَقُرَّةِ الْعَيْنِ ، مَنْ كَانَ عَنِ اللَّهِ رَاضِيًا ، قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ : أَهْنَأُ الْعَيْشِ عَيْشُ الرَّاضِينَ عَنِ اللَّهِ ، فَالرِّضَا اسْتِقْبَالُ مَا نَزَلَ مِنَ الْبَلَاءِ بِالطَّاقَةِ وَالْبِشْرِ وَانْتِظَارِ مَا لَمْ يَنْزِلْ مِنْهُ بِالتَّفَكُّرِ وَالِاعْتِبَارِ وَذَلِكَ أَنَّ رَبَّهُ عِنْدَهُ أَحْسَنُ صُنْعًا بِهِ وَأَرْحَمُ بِهِ وَأَعْلَمُ بِمَا يُصْلِحُهُ فَإِذَا نَزَلَ الْقَضَاءُ لَمْ يَكْرَهْهُ وَكَانَ ذَلِكَ إِرَادَتَهُ ، مُسْتَحْسِنًا ذَلِكَ الْفِعْلَ مِنْ رَبِّهِ فَإِذَا عَدَّ مَا نَزَلَ بِهِ إِحْسَانًا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ رَضِيَ فَالرِّضَا هُوَ الْإِرَادَةُ مَعَ الِاسْتِحْسَانِ بِأَنْ يَكُونَ مَرِيدًا لِمَا صَنَعَ مُحِبًّا رَاضِيًا عَنِ اللَّهِ بِقَلْبِهِ

حديث رقم: 15571

سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ هَارُونَ بْنِ مُحَمَّدٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ وَكَتَبَ إِلَى بَعْضِ إِخْوَانِهِ كِتَابًا يَقُولُ فِيهِ : إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَا يُخَلِّي الْأَرْضَ مِنْ أَوْلِيَائِهِ وَلَا يُعَرِّيهَا مِنْ أَحِبَّائِهِ لِيَحْفَظَ بِهِمْ مَنْ جَعَلَهُمْ سَبَبًا لِحِفْظِهِ وَيَحْفَظَ بِهِمْ مَنْ جَعَلَهُمْ سَبَبًا لِكَوْنِهِ وَأَنَا أَسْأَلُ الْمَنَّانَ بِفَضْلِهِ وَطَوْلِهِ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكَ مِنَ الْأُمَنَاءِ عَلَى سِرِّهِ الْحَافِظِينَ لِمَا اسْتُحْفِظُوهُ مِنْ جَلِيلِ أَمْرِهِ تَجْمِيلًا مِنْهُ لَنَا بِأَعْظَمِ الرُّتَبِ وَإِشْرَافًا بِنَا عَلَى كُلِّ ظَاهَرٍ وَمُحْتَجَبٍ ، وَقَدْ رَأَيْتُ اللَّهَ تَعَالَى وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ زَيَّنَ بَسِيطَ أَرْضِهِ وَفَسِيحَ سَعَةِ مُلْكِهِ بِأَوْلِيَائِهِ وَأُولِي الْعِلْمِ بِهِ وَجَعَلَهُمْ أَبْهَجَ لَامِعٍ سَطَعَ نُورُهُ وَعَنَّ لِقُلُوبِ الْعَارِفِينَ ظُهُورُهُ ، وَهُمْ أَحْسَنُ زِينَةً مِنَ السَّمَاءِ الْبَهِجَةِ بِضِيَاءِ نُجُومِهَا وَنُورِ شَمْسِهَا وَقَمَرِهَا ، أُولَئِكَ أَعْلَامٌ لِمَنَاهِجِ سَبِيلِ هِدَايَتِهِ ، وَمَسَالِكِ طُرُقِ الْقَاصِدِينَ إِلَى طَاعَتِهِ ، وَمَنَارُ نُورٍ عَلَى مَدَارِجِ السَّاعِينَ إِلَى مُوَافَقَتِهِ وَهُمْ أَبْيَنُ فِي مَنَافِعِ الْخَلِيقَةِ أَثَرًا وَأَوْضَحُ فِي دِفَاعِ الْمَضَّارِ عَنِ الْبَرِيَّةِ خَيْرًا مِنَ النُّجُومِ الَّتِي بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ يُهْتَدَى وَبِأَثَرِهَا عِنْدَ مُلْتَبِسِ الْمَسَالِكِ يُقْتَدَى ؛ لِأَنَّ دِلَالَاتِ النُّجُومِ تَكُونُ بِهَا نَجَاةُ الْأَمْوَالِ وَالْأَبْدَانِ ، وَدِلَالَاتُ الْعُلَمَاءِ بِهَا تَكُونُ سَلَامَةُ الْأَدْيَانِ وَشَتَّانَ مَا بَيْنَ مَنْ يَفُوزُ بِسَلَامَةِ دِينِهِ وَمَنْ يَفُوزُ بِسَلَامَةِ دُنْيَاهُ وَبَدَنِهِ

حديث رقم: 15572

سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْعُثْمَانِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ الْبَغْدَادِيَّ يَقُولُ : سُئِلَ الْجُنَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ الْمَحَبَّةِ ، أَمِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ أَمْ مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ ؟ فَقَالَ : إِنَّ مَحَبَّةَ اللَّهِ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي مَحْبُوبِهِ بَيِّنٌ فَالْمَحَبَّةُ نَفْسُهَا مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ وَلَمْ يَزَلِ اللَّهُ تَعَالَى مُحِبًّا لِأَوْلِيَائِهِ وَأَصْفِيَائِهِ ، فَأَمَّا تَأْثِيرُهَا فِيمَنْ أَثَّرَتْ فِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ ، فَاعْلَمْ أَرْشَدَكَ اللَّهُ لِلصَّوَابِ

حديث رقم: 15573

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ ، فِي كِتَابِهِ ، وَحَدَّثَنِي عَنْهُ ، عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : اعْلَمْ أَنَّهُ إِذَا عَظُمَتْ فِيكَ الْمَعْرِفَةُ بِاللَّهِ وَامْتَلَأَ مِنْ ذَلِكَ قَلْبُكَ وَانْشَرَحَ بِالِانْقِطَاعِ إِلَيْهِ صَدْرُكَ وَصَفَا لَذِكْرِهِ فُؤَادُكَ وَاتَّصَلَ بِاللَّهِ فَهْمُكَ ، ذَهَبَتْ آثَارُكَ وَامْتُحِيَتْ رُسُومُكَ وَاسْتَضَاءَتِ بِاللَّهِ عُلُومُكَ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَبْدُو عِلْمُ الْحَقِّ

حديث رقم: 15574

سَمِعْتُ عَبْدَ الْمُنْعِمِ بْنَ عُمَرَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدِ بْنَ الْأَعْرَابِيِّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الْعَطَّارَ ، يَقُولُ : حَضَرْتُ الْجُنَيْدَ أَبَا الْقَاسِمِ عِنْدَ الْمَوْتِ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ : وَكَانَ قَاعِدًا يُصَلِّي وَيثْنِي رِجْلَهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى خَرَجَتِ الرُّوحُ مِنْ رِجْلِهِ فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ حَرَكَتُهَا فَمَدَّ رِجْلَيْهِ فَرَآهُ بَعْضُ أَصْدِقَائِهِ مِمَّنْ حَضَرَ ذَلِكَ الْوَقْتَ يُقَالُ لَهُ الْبَسَّامِيُّ وَكَانَتْ رِجْلَا أَبِي الْقَاسِمِ تَوَرَّمَتَا فَقَالَ : مَا هَذَا يَا أَبَا الْقَاسِمِ ؟ قَالَ : هَذِهِ نِعَمُ اللَّهِ ، اللَّهُ أَكْبَرُ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ لَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُرَيْرِيُّ : يَا أَبَا الْقَاسِمِ لَوِ اضْطَجَعْتَ ، فَقَالَ : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، هَذَا وَقْتُ مِنَّةَ ، اللَّهُ أَكْبَرُ ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ حَالُهُ حَتَّى مَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الشَّيْخُ : كَانَ الْجُنَيْدُ رَحِمَهُ اللَّهُ مِمَّنْ أَحْكَمَ عِلْمَ الشَّرِيعَةِ ، فَكَانَ عِنْدَهُ اقْتِبَاسُ آثَارِ الذَّرِيعَةِ ، وَقَبُولُهُ الْمُدْرَجَةَ الْبَدِيعَةَ وَكَانَ الْقِيَامُ بِحَقَائِقِ الْآثَارِ يَدْفَعَهُ عَنِ الرِّوَايَةِ وَالْآثَارِ

حديث رقم: 15575

وَمِنْ مَسَانِيدِ حَدِيثِهِ مَا حَدَّثَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ الْحَافِظُ بِهَا قَالَ : حَدَّثَنِي بُكَيْرُ بْنُ أَحْمَدَ الصُّوفِيُّ ، بِمَكَّةَ ، ثنا الْجُنَيْدُ أَبُو الْقَاسِمِ الصُّوفِيُّ ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْكُوفِيُّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلَائِيِّ ، عَنْ عَطِيَّةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيٍّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : احْذَرُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنْ ؛ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ وَقَرَأَ : {{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ }} ، قَالَ : لِلْمُتَفَرِّسِينَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ ، ثَنَا عَبْدَانُ بْنُ أَحْمَدَ ، ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ ، عَنْ عَطِيَّةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِثْلَهُ

حديث رقم: 15576

سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ هَارُونَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَشَكَا إِلَيْهِ الضِّيقَ فَعَلَّمَهُ وَقَالَ : قُلِ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْكَ مَا هُوَ لَكَ وَأَسْتَعِيذُكَ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ يُسْخِطُكَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ صَفَاءِ الصَّفَاءِ صَفَاءً أَنَالُ بِهِ مِنْكَ شَرَفَ الْعَطَاءِ اللَّهُمَّ وَلَا تَشْغَلْنِي شُغُلَ مَنْ شَغَلَهُ عَنْكَ مَا أَرَادَ مِنْكَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَكَ ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِمَّنْ يَذْكُرُكَ ذِكْرَ مَنْ لَا يُرِيدُ بِذَاكِرِهِ مِنْكَ إِلَّا مَا هُوَ لَكَ ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ غَايَةَ قَصْدِي إِلَيْكَ مَا أَطْلُبُهُ مِنْكَ اللَّهُمَّ أَمْلَأْ قَلْبِي بِكَ فَرَحًا وَلِسَانِي لَكَ ذِكْرًا وَجَوَارِحِي فِيمَا يُرْضِيكَ شُغُلًا اللَّهُمَّ امْحُ عَنْ قَلْبِيَ كُلَّ ذِكْرٍ إِلَّا ذِكْرَكَ وَكُلَّ حُبٍّ إِلَّا حُبَّكَ وَكُلَّ وُدٍّ إِلَّا وُدَّكَ وَكُلَّ إِجْلَالٍ إِلَّا إِجْلَالَكَ ، وَكُلَّ تَعْظِيمٍ إلِاَّ تَعْظِيْمَكَ ، وَكُلَّ رَجَاءٍ إلَّا لَكَ ، وَكُلَّ خَوْفٍ إِلَّا مِنْكَ وَكُلَّ رَغْبَةٍ إِلَّا إِلَيْكَ وَكُلَّ رَهْبَةٍ إِلَّا لَكَ وَكُلَّ سُؤَالٍ إِلَّا مِنْكَ ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِمَّنْ لَكَ يُعْطِي وَلَكَ يَمْنَعُ وَبِكَ يَسْتَعِينُ وَإِلَيْكَ يَلْجَأُ وَبِكَ يَتَعَزَّزُ وَلَكَ يَصْبِرُ وَبِحُكْمِكَ يَرْضَى ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِمَّنْ يَقْصِدَ إِلَيْكَ قَصْدَ مَنْ لَا رُجُوعَ لَهُ إِلَّا إِلَيْكَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِضَائِي بِحُكْمِكَ فِيمَا ابْتَلَيْتَني فِي كُلِّ وَقْتٍ مُتَّصِلًا غَيْرَ مُنْفَصِلٍ ، وَاجْعَلْ صَبْرِي لَكَ عَلَى طَاعَتِكَ صَبْرَ مَنْ لَيْسَ لَهُ عَنِ الصَّبْرِ صَبْرٌ إِلَّا الْقِيَامَ بِالصَّبْرِ ، وَاجْعَلْ تَصَبُّرِي عَمَّا يُسْخِطُكَ فِيمَا نَهَيْتَنِي عَنْهُ تَصَبُّرَ مَنِ اسْتَغْنَى عَنِ الصَّبْرِ بِقُوَّةِ الْعِصْمَةِ مِنْكَ لَهُ اللَّهُمَّ وَاجْعَلْنِي مِمَّنْ يَسْتَعِينُ بِكَ اسْتِعَانَةَ مَنِ اسْتَغْنَى بِقُوَّتِكَ عَنْ جَمِيعِ خَلْقِكَ اللَّهُمَّ وَاجْعَلْنِي مِمَّنْ يَلْجَأُ إِلَيْكَ لُجْءَ مَنْ لَا مَلْجَأَ لَهُ إِلَّا إِلَيْكَ وَاجْعَلْنِي مِمَّنْ يَتَعَزَّى بِعَزَائِكَ وَيَصْبِرُ لِقَضَائِكَ أَبَدًا مَا أَبْقَيْتَنِي ، اللَّهُمَّ وَكُلُّ سُؤَالٍ سَأَلْتُهُ فَعَنْ أَمْرٍ مِنْكَ لِي بِالسُّؤَالِ فَاجْعَلْ سُؤَالِي لَكَ سُؤَالَ مَحَابِّكَ وَلَا تَجْعَلْنِي مِمَّنْ يَتَعَمَّدُ بِسُؤَالِهِ مَوَاضِعَ الْحُظُوظِ ، بَلْ يَسْأَلُ الْقِيَامَ بِوَاجِبِ حَقِّكَ

حديث رقم: 15577

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِهِ ، وَحَدَّثَنِي عَنْهُ عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُثْمَانِيُّ قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَحْمَدَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ وَهُوَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ : الْحَمْدَ لِلَّهِ إِلَهِي حَمْدًا كَإِحْصَاءِ عِلْمِكَ حَمْدًا يَرْقَى إِلَيْكَ عَلَى الْأَلْسِنَةِ الطَّاهِرَةِ مُبَرَّأً مِنْ كُلِّ زَيْغٍ وَتُهْمَةٍ مُعَرًّى مِنِ الْعَاهَاتِ وَالشُّبُهَاتِ قَائِمًا فِي عَيْنِ مَحَبَّتِكَ بِحَنِينِ صِدْقِ إِخْلَاصِهِ لِيَكُونَ نُورُ وَجْهِكَ الْعَظِيمِ غَايَتَهُ وَقُدُسَ عَظَمَتِكَ نِهَايَتَهُ لَا يَسْتَقِرُّ إِلَّا عِنْدَ مَرْضَاتِكَ خَالِصًا بِوَفَاءِ إِرَادَتِكَ نُصْبَ إِرَادَتِكَ حَتَّى يَكُونَ لِمَحَامِدِكَ سَائِقًا قَائِدًا ، إِلَهِي لَيْسَ فِي أُفُقِ سَمَوَاتِكَ وَلَا فِي قَرَارِ أَرْضِكَ فِي فَسَحَاتِ أَقَالِيمِهَا مَنْ يُحِبِّ أَنْ يَحْمَدَ غَيْرَكَ إِذْ أَنْتَ مُنْشِئُ الْمُنْشَآتِ لَا تَعْرِفُ شَيْئًا إِلَّا مِنْكَ ، وَكَيْفَ لَا تَعْرِفُكَ الْأَشْيَاءُ وَلَمْ يُقِرَّ الْخَلْقُ إِلَّا لَكَ وَبَدْؤُهُ مِنْكَ وَأَمْرُهُ إِلَيْكَ وَعَلَانِيَتُهُ وَسَرُّهُ مُحْصًي فِي إِرَادَتِكَ فَأَنْتَ الْمُعْطِي وَالْمَانِعُ وَقَضَاؤُكَ الضَّارُّ وَالنَّافِعُ وَحِلْمُكَ يُمْهِلُ خَلْقَكَ ، وَقَضَاؤُكَ يَمْحُو مَا تَشَاءُ مِنْ قَدَرِكَ تُحْدِثُ مَا شِئْتَ أَنْ تُحْدِثَهُ وَتَسْتَأْثِرُ بِمَا شِئْتَ أَنْ تَسْتَأْثِرَهَ ، وَتَخْلُقُ مَا أَنْتَ مُسْتَغْنٍ عَنْ صُنْعِهِ ، وَتَصْنَعُ مَا يَبْهَرُ الْعُقُولَ مِنْ حُسْنِ حِكْمَتِهِ لَا تُسْأَلُ عَمَّا تَفْعَلُ لَكَ الْحُجَّةُ فِيمَا تَفْعَلُ ، وَعِنْدَكَ أَزِمَّةُ مَقَادِيرِ الْبَشَرِ وَتَصَارِيفِ الدُّهُورِ وَغَوَامِضِ سِرِّ النُّشُورِ ، وَمِنْكَ فَهْمُ مَعْرِفَةِ الْأَشْخَاصِ النَّاطِقَةِ بِتَفَرِّيدِكَ لَا يَغِيبُ عَنْكَ مَا فِي أَكِنَّةِ سَرَائِرِ الْمُلْحِدِينَ وَلَا يَتَوَارَى عَنْ عِلْمِكَ اكْتِسَابُ خَوَاطِرِ الْمُبْطِلِينَ وَلَا يَهِيمُ فِي قَضَائِكَ إِلَّا الْجَاهِلُونَ وَلَا يَغْفُلُ عَنْ ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ إِلَّا الْغَافِلُونَ ، وَلَا تَحْتَجِبُ عَنْكَ وَسَاوِسُ الصُّدُورِ وَلَا وَهْمُ الْهَوَاجِسِ ، وَلَا إِرَادَةُ الْهِمَمِ وَلَا عُيونُ الْهِمَمِ الَّتِي تُخْرِجُ بَصَائِرَ الْقُلُوبِ ، إِلَهِي فَكَيْفَ أَنْظُرُ إِنْ نَظَرْتُ إِلَّا إِلَى رَحْمَتِكَ ؟ وَإِنْ غَضَضْتَ فَعَلَيَّ نِعَمُكَ ، فَمِنْ فَضْلِكَ جَعَلْتَ حُكْمَكَ يَحْتَمِلُ عَلَى عَطْفِكَ وَمْنِ فَضْلِكَ جَعَلْتَ نِعَمَكَ تَعُمُّ جَمِيعَ خَلْقِكَ فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ مَا لَا يَمْلِكُ غَيْرُكَ مِمَّا تَعْلَمُهُ يَا وَهَّابُ يَا فَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ ، وَاجْعَلْنِي مِنْ خَاصَّةِ أَوْلِيَائِكِ يَا خَيْرَ مَدْعُوٍّ وَأَكْرَمَ رَاحِمٍ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

حديث رقم: 15578

سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ هَارُونَ يَقُولُ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : اعْلَمْ أَنَّ الْمُنَاصَحَةَ ، مِنْكَ لِلْخَلْقِ وَالْإِقْبَالَ عَلَى مَا هُوَ أَوْلَى بِكَ فِيكَ وَفِيهِمْ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ لَكَ فِي حَيَاتِكَ وَأَقْرَبُهَا إِلَى أَوْلِيَائِكِ فِي وَقْتِكَ , وَاعْلَمْ أَنَّ أَفْضَلَ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً وَأَعْظَمَهُمْ دَرَجَةً فِي كُلِّ وَقْتٍ وَزَمَنٍ وَفِي كُلِّ مَحَلٍّ وَوَطَنٍ أَحْسَنُهُمْ إِحْكَامًا لِمَا عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ ، وَأَسْبَقُهُمْ بِالْمُسَارَعَةِ إِلَى اللَّهِ فِيمَا يُحِبُّهُ ، وَأَنْفَعُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لِعِبَادِهِ فَخُذْ بِالْحَظِّ الْمُوفَرِ لِنَفْسِكَ وَكُنْ عَاطِفًا بِالْمَنَافِعِ عَلَى غَيْرِكَ وَاعْلَمْ أَنَّكَ لَنْ تَجِدَ سَبِيلًا تَسْلُكُهُ إِلَى غَيْرِكَ وَعَلَيْكَ بَقِيَّةٌ مُفْتَرَضَةٌ مِنْ حَالِكِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُؤَهَّلِينَ لِلرِّعَايَةِ إِلَى سَبِيلِ الْهِدَايَةِ وْالْمُرَادِينَ لِمَنَافِعِ الْخَلِيقَةِ وَالْمُرَتَّبِينَ لِلنَّذَارَةِ وَالْبِشَارَةِ أُيِّدُوا بِالتَّمْكِينَ وَأُسْعِدُوا بِرَاسِخِ عِلْمِ الْيَقِينِ وَكُشِفَ لَهُمْ عَنْ غَوَامِضَ مَعَالِمِ الدِّينِ وَفُتِحَ لَهُمْ فِي فَهْمِ الْكِتَابِ الْمُسْتَبِينِ ، فَبَلَغُوا مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ فَضْلِهِ وَجَادَ بِهِ مِنْ عَظِيمِ أَمْرِهِ إِحْكَامَ مَا بِهِ أُمِرُوا ، وَالْمُسَارَعَةَ إِلَى مَا إِلَيْهِ نُدِبُوا وَالدِّعَايَةَ إِلَى اللَّهِ بِمَا بِهِ مُكِّنُوا ، وَهَذِهِ سِيرَةُ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِيمَنْ بُعِثُوا إِلَيْهِمْ مِنَ الْأُمَمِ ، وَسِيرَتُهُمْ فِي تَأْدِيَةِ مَا عَلِمُوهُ مِنَ الْحِكَمِ ، وَسِيرَةُ الْمُتَّبِعِينَ لِآثَارِهِمْ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ وَالصِّدِّيقِينَ وَسَائِرِ الدُّعَاةِ إِلَى اللَّهِ مِنْ صَالِحِي الْمُؤْمِنِينَ

حديث رقم: 15579

كَتَبَ إِلَيَّ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، وَقَالَ : أَنْشَدَنِي الْجُنَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ : وَسِرْتُ بِنَاسٍ فِي الْغُيوبِ قُلُوبُهُمْ وَجَالُوا بِقُرْبِ الْمَاجِدِ الْمُتَفَضِّلِ وَنَالُوا مِنَ الْجَبَّارِ عَطْفًا وَرَأْفَةً وَفَضْلًا وَإِحْسَانًا وَبِرًّا يُعَجَّلُ أُولَئِكَ نَحْوَ الْعَرْشِ هَامَتْ قُلُوبُهُمْ وَفِي مَلَكُوتِ الْعِزِّ تَأْوِي وَتَنْزِلُ

حديث رقم: 15580

أَنْشَدَنِي عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُثْمَانِيُّ قَالَ : أَنْشَدَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورٍ الصُّوفِيُّ لِلْجُنَيْدِ بْنِ مُحَمَّدٍ : تُرِيدُ مِنِّي اخْتِبَارَ سِرِّي وَقَدْ عَلِمْتَ الْمُرَادَ مِنِّي فَلَيْسَ لِي مِنْ سِوَاكَ حَظٌّ فَكَيْفَمَا شِئْتَ فَامْتَحِنِّي كُلُّ بَلَاءٍ عَلَيَّ مِنِّي يَا لَيْتَنِي قَدْ أُخِذْتُ عَنِّي

حديث رقم: 15581

كَتَبَ إِلَيَّ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ الْخَلَدِيُّ ، وَسَمِعْتُ أَبَا طَاهِرٍ الْمُحْتَسِبَ ، يَقُولُ : قَرَأْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ وَهُوَ يَسْمَعُ قَالَ : كَانَ الْجُنَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ عَلَى مَرِّ الْأَيَّامِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا دَائِمًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا مَوْفُورًا لَا انْقِطَاعَ لَهُ ، وَلَا زَوَالَ وَلَا نَفَاذَ لَهُ ، وَلَا فَنَاءَ كَمَا يَنْبَغِي لِكَرِيمِ وَجْهِكَ وَعِزَّ جَلَالِكَ ، وَكَمَا أَنْتَ أَهْلُ الْحَمْدِ فِي عَظِيمِ رُبُوبِيَّتِكَ وَكِبْرِيَائِكَ ، وَلَكَ مِنْ كُلٍّ تَسْبِيحٌ وَتَقْدِيسٌ وَتَمْجِيدٌ وَتَهْلِيلٌ وَتَحْمِيدٌ وَتَعْظِيمٌ ، وَمِنْ كُلِّ قَوْلٍ حَسَنٍ زَاكٍ جَمِيلٍ تَرْضَاهُ مِثْلُ ذَلِكَ ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى عَبْدِكَ الْمُصْطَفَى الْمُنْتَخَبِ الْمُخْتَارِ الْمُبَارَكِ سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَعَلَى أَشْيَاعِهِ وَأَتْبَاعِهِ وَأَنْصَارِهِ وَإِخْوَانِهِ مِنَ النَّبِيِّينَ ، وَصَلِّ اللَّهُمَّ عَلَى أَهْلِ طَاعَتِكَ أَجْمَعِينَ مِنْ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِينَ وَصَلِّ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ وَعِزْرَائِيلَ وَرِضْوَانٍ وَمَالِكٍ ، اللَّهُمَّ وَصَلِّ عَلَى الْكَرُوبِيِّينَ وَالرُّوحَانِيِّينَ وَالْمُقَرَّبِينَ وَالسَّيَّاحِينَ وَالْحَفَظَةِ وَالسَّفَرَةِ وَالْحَمَلَةِ ، وَصَلِّ عَلَى مَلَائِكَتِكَ وَأَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَأَهْلِ الْأَرَضِينَ وَحَيْثُ أَحَاطَ بِهِمْ عِلْمُكَ فِي جَمِيعِ أَقْطَارِكَ كُلِّهَا صَلَاةً تَرْضَاهَا وَتُحِبُّهَا وَكَمَا هُمْ لِذَلِكَ كُلِّهِ أَهْلٌ ، وَأَسْأَلُكُ اللَّهُمَّ بِجُودِكَ وَمَجْدِكَ وَبَذْلِكَ وَفَضْلِكَ وَطَوْلِكَ وَبِرِّكَ وَإِحْسَانِكَ وَمَعْرُوفِكَ وَكَرَمِكَ ، وَبِمَا اسْتَقَلَّ بِهِ الْعَرْشُ مِنْ عِظَمِ رُبُوبِيَّتِكَ ، أَسْأَلُكَ يَا جَوَّادُ يَا كَرِيمُ مَغْفِرَةَ كُلِّ مَا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُكَ مِنْ ذُنُوبِنَا وَالتَّجَاوُزَ عَنْ كُلِّ مَا كَانَ مِنَّا وَأَدِّ اللَّهُمَّ مَظَالِمَنَا وَقُمْ بِأَوَدِنَا فِي تَبِعَاتِنَا جُودًا مِنْكَ وَمَجْدًا وَبَذْلًا مِنْكَ وَطَوْلًا ، وَبَدِّلْ قَبِيحَ مَا كَانَ مِنَّا حَسَنًا ، يَا مَنْ يَمْحُو مَا يَشَاءُ ، وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ، أَنْتَ كَذَلِكَ لَا كَذَلِكَ غَيْرُكَ اعْصِمْنَا فِيمَا بَقِيَ مِنَ الْأَعْمَارِ إِلَى مُنْتَهَى الْآجَالِ عِصْمَةً دَائِمَةً كَامِلَةً تَامَّةً وَكَرِّهْ إِلَيْنَا كُلَّ الَّذِي تَكْرَهُ وَحَبِّبْ إِلَيْنَا كُلَّ الَّذِي تَرْضَاهُ وَتُحِبُّهُ وَاسْتَعْمِلْنَا بِهِ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي تُحِبُّ وَأَدِمْ ذَلِكَ لَنَا إِلَى أَنْ تَتَوَفَّانَا عَلَيْهِ ، أَكِّدْ عَلَى ذَلِكَ عَزَائِمَنَا وَاشْدُدْ عَلَيْهَا نِيَّاتِنَا وَأَصْلِحْ لَهَا سَرَائِرَنَا وَابْعَثْ لَهَا جَوَارِحَنَا وَكُنْ وَلِيَّ تَوْفِيقِنَا وَزِيَادَتِنَا وَكِفَايَتِنَا ، هَبِ لَنَا اللَّهُمَّ هَيْبَتَكَ وَإِجْلَالَكَ وَتَعْظِيمَكَ وَمُرَاقَبَتَكَ وَالْحَيَاءَ مِنْكَ وَحُسْنَ الْجَدِّ ، وَالْمُسَارَعَةَ وَالْمُبَادَرَةَ إِلَى كُلِّ قَوْلٍ زَكِيٍّ حَمِيدٍ تَرْضَاهُ وَهَبْ لَنَا اللَّهُمَّ مَا وَهَبْتَ لِصَفْوَتِكَ وَأَوْلِيَائِكَ وَأَهْلِ طَاعَتِكَ مِنْ دَائِمِ الذِّكْرِ لَكَ وَخَالِصِ الْعَمَلِ لِوَجْهِكَ عَلَى أَكْمَلِهِ وَأَدْوَمِهِ وَأَصْفَاهُ وَأَحَبِّهِ إِلَيْكَ ، وَأَعِنَّا عَلَى الْعَمَلِ بِذَلِكَ إِلَى مُنْتَهَى الْآجَالِ ، اللَّهُمَّ وَبَارِكْ لَنَا فِي الْمَوْتِ إِذَا نَزَلَ بِنَا وَاجْعَلْهُ يَوْمَ حِبَاءٍ وَكَرَامَةٍ وَزُلْفًى وَسُرُورٍ وَاغْتِبَاطٍ ، وَلَا تَجْعَلْهُ يَوْمَ نَدَمٍ وَلَا يَوْمَ آسًى ، وَأَوْرِدْنَا مِنْ قُبُورِنَا عَلَى سُرُورٍ وَفَرَحٍ وَقُرَّةِ عَيْنٍ وَاجْعَلْهَا رِيَاضًا مِنْ رِيَاضِ جَنَّتِكَ وَبِقَاعًا مِنْ بِقَاعِ كَرَامَتِكَ وَرَأْفَتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَلَقِّنَا فِيهَا الْحُجَجَ وَآمِنَّا فِيهَا مِنَ الرَّوْعَاتِ وَاجْعَلْنَا آمِنَيْنَ مُطْمَئِنَّيْنَ إِلَى يَوْمِ تَبْعَثُنَا يَا جَامِعَ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ ، لَا رَيْبَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عِنْدَنَا آمِنَّا مِنْ رَوْعَاتِهِ وَخَلِّصْنَا مِنْ شَدَائِدِهِ وَاكْشُفْ عَنَّا عَظِيمَ كَرْبِهِ وَاسْقِنَا مِنْ ظَمَئِهِ ، وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَةِ مُحَمَّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْمُصْطَفَى الَّذِي انْتَخَبْتَهُ وَاخْتَرْتَهُ وَجَعَلْتَهُ الشَّافِعَ لِأَوْلِيَائِكَ الْمُقَدَّمَ عَلَى جَمِيعِ أَصْفِيَائِكَ الَّذِي جَعَلْتَ زُمْرَتَهُ آمِنَةً مِنَ الرَّوْعَاتِ ، أَسْأَلُكَ يَا مَنْ إِلَيْهِ لُجُؤُنَا وَإِلَيْهِ إِيَابُنَا وَعَلَيْهِ حِسَابُنَا أَنْ تُحَاسِبَنَا حِسَابًا يَسِيرًا لَا تَقْرِيعَ فِيهِ وَلَا تَأْنِيبَ وَلَا مُنَاقَشَةَ وَلَا مُوَاقَفَةَ ، وَعَامِلْنَا بِجُودِكَ وَمَجْدِكَ كَرَمًا وَاجْعَلْنَا مِنَ السُّرْعَانِ الْمَغْبُوطِينَ وَأَعْطِنَا كُتُبَنَا بِالْأَيْمَانِ ، وَأَجِزْنَا الصِّرَاطَ مَعَ السُّرْعَانِ وَثَقِّلْ مَوَازِينَنَا يَوْمَ الْوَزْنِ ، وَلَا تُسْمِعْنَا لِنَارِ جَهَنَّمَ حَسِيسًا وَلَا زَفِيرًا وَأَجِرْنَا مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ مَا يُقَرِّبُ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ ، وَاجْعَلْنَا بِجُودِكَ وَمَجْدِكَ وَكَرَمِكَ فِي دَارِ كَرَامَتِكَ وَحُبُورِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا وَاجْمَعْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ آبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا وَقَرَابَاتِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا فِي دَارِ قُدُسِكَ وَدَارِ حُبُورِكَ عَلَى أَفْضَلِ حَالٍ وَأَسَرِّهَا وَضُمَّ إِلَيْنَا إِخْوَانَنَا الَّذِينَ هُمْ عَلَى أُلْفَتِنَا وَالَّذِينَ كَانُوا عَلَى ذَلِكَ مِنْ كُلِّ ذَكَرٍ وَأُنْثَى بَلِّغْهُمْ مَا أَمَّلُوهُ وَفَوْقَ مَا أَمَّلُوهُ وَأَعْطِهِمْ فَوْقَ مَا طَلَبُوهُ وَاجْمَعْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فِي دَارِ قُدُسِكَ وَدَارِ حُبُورِكَ عَلَى أَفْضَلِ حَالٍ وَأَسَرِّهَا وَعُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَمِيعًا بِرَأْفَتِكَ وَرَحْمَتِكَ الَّذِينَ فَارَقُوا الدُّنْيَا عَلَى تَوْحِيدِكَ كُنْ لَنَا وَلَهُمْ وَلِيًّا كَالِئًا كَافِيًا وَارْحَمْ جُفُوفَ أَقْلَامِهِمْ ، وَوُقُوفَ أَعْمَالِهِمْ وَمَا حَلَّ بِهِمْ مِنَ الْبَلَاءِ ، وَالْأَحْيَاءُ مِنْهُمْ تُبْ عَلَى مُسِيئِهِمْ وَاقْبَلْ تَوْبَتَهُمْ وَتَجَاوَزْ عَنِ الْمُسْرِفِ مِنْهُمْ وَانْصُرْ مَظْلُومَهُمْ وَاشْفِ مَرِيضَهُمْ وَتُبْ عَلَيْنَا وَعَلَيْهِمْ تَوْبَةً نَصُوحًا تَرْضَاهَا فَإِنَّكَ الْجَوَّادُ بِذَلِكَ الْمُجِيدُ بِهِ الْقَادِرُ عَلَيْهِ وَكُنِ اللَّهُمَّ لِلْمُجَاهِدِينَ مِنْهُمْ وَلِيًّا وَكَالِئًا وَكَافِيًا وَنَاصِرًا وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ نَصْرًا عَزِيزًا وَاجْعَلْ دَائِرَةَ السَّوْءِ عَلَى أَعْدَائِكَ وَأَعْدَائِنَا ، وَاسْفِكِ اللَّهُ دِمَاءَهُمْ وَأَبِحْ حَرِيمَهُمْ وَاجْعَلْهُمْ فَيْئًا لِإِخْوَانِنَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَصْلِحِ الرَّاعِيَ وَالرَّعِيَّةَ وَكُلَّ مَنْ وَلَّيْتَهُ شَيْئًا مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ صَلَاحًا بَاقِيًا دَائِمًا اللَّهُمَّ أَصْلِحْهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ ، وَأَصْلِحْهُمْ لِمَنْ وَلَّيْتَهُمْ عَلَيْهِمْ وَهَبْ لَهُمُ الْعَطْفَ وَالرَّأْفَةَ وَالرَّحْمَةَ بِهِمْ ، وَأَدِمْ ذَلِكَ لَنَا فِيهِمْ وَلَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ ، اللَّهُمَّ اجْمَعْ لَنَا الْكَلِمَةَ وَاحْقِنِ الدِّمَاءَ وَأَزِلْ عَنَّا الْفِتْنَةَ وَأَعِذْنَا مِنَ الْبَلَاءِ كُلِّهِ ، تَوَلَّ ذَلِكَ لَنَا بِفَضْلِكَ مِنْ حَيْثُ أَنْتَ بِهِ أَعْلَمُ وَعَلَيْهِ أَقْدِرُ وَلَا تُرِنَا فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ سَيْفَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَلَا تُرِنَا بَيْنَهُمْ خِلَافًا ، اجْمَعْهُمْ عَلَى طَاعَتِكَ وَعَلَى مَا يُقَرِّبُ إِلَيْكَ ؛ فَإِنَّكَ وَلِيُّ ذَلِكَ وَأَهْلُهُ اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكُ أَنْ تُعِزَّنَا وَلَا تُذِلَّنَا ، وَتَرْفَعَنَا وَلَا تَضَعَنَا وَتَكُونَ لَنَا وَلَا تَكُونَ عَلَيْنَا وَتَجْمَعَ لَنَا سَبِيلَ الْأُمُورِ كُلِّهَا ، أُمُورِ الدُّنْيَا الَّتِي هِيَ بَلَاغٌ لَنَا إِلَى طَاعَتِكَ وَمَعُونَةٌ لَنَا عَلَى مُوَافَقَتِكَ ، وَأُمُورِ الْآخِرَةِ الَّتِي فِيهَا أَعْظَمُ رَغْبَتِنَا وَعَلَيْهَا مُعَوَّلُنَا وَإِلَيْهَا مُنْقَلَبُنَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَتِمُّ لَنَا إِلَّا بِكَ وَلَا يَصْلُحُ لَنَا إِلَّا بِتَوْفِيقِكَ ، اللَّهُمَّ وَهَبْ لَنَا هَيْبَتَكَ وَإِجْلَالَكَ وَتَعْظِيمَكَ ، وَمَا وَهَبْتَ لِخَاصَّتِكَ مِنْ صَفْوَتِكِ مِنْ حَقِيقَةِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ بِكَ ، وَمُنَّ عَلَيْنَا بِمَا مَنَنْتَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ آيَاتِكِ وَكَرَامَتِكَ وَاجْعَلْ ذَلِكَ دَائِمًا لَنَا يَا مَنْ لَهُ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، اللَّهُمَّ وَهَبْ لَنَا الْعَافِيَةَ الْكَامِلَةَ فِي الْأَبْشَارِ وَجَمِيعِ الْأَحْوَالِ ، وَفِي جَمِيعِ الْإِخْوَانِ وَالذُّرِّيَّاتِ وَالْقَرَابَاتِ ، وَعُمَّ بِذَلِكَ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وأَجْرِ عَلَيْنَا مِنْ أَحْكَامِكَ أَرْضَاهَا لَكَ وَأَحَبَّهَا إِلَيْكَ وَأَعْوَنَهَا عَلَى كُلِّ مُقَرَّبٍ مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ يَا سَامِعَ الْأَصْوَاتِ وَيَا عَالِمَ الْخَفِيَّاتِ ، وَيَا جَبَّارَ السَّمَاوَاتِ صَلِّ عَلَى عَبْدِكَ الْمُصْطَفَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ أَوَّلًا وَآخِرًا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَاسْمَعْ وَاسْتَجِبْ وَافْعَلْ بِنَا مَا أَنْتَ أَهْلُهُ يَا أَكْرَمَ الْأَكْرَمِينَ وَيَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ