سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : " سَأَلْتُ عَنِ الْمَعْرِفَةِ وَأَسْبَابِهَا فَالْمَعْرِفَةُ مِنَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ هِيَ مَعْرِفَةٌ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ بِهَا وَاحِدٌ وَلَكِنْ لَهَا أَوَّلُ وَأَعْلَى فَالْخَاصَّةُ فِي أَعْلَاهَا وَإِنْ كَانَ لَا يَبْلُغُ مِنْهَا غَايَةً وَلَا نِهَايَةً إِذْ لَا غَايَةَ لِلْمَعْرُوفِ عِنْدَ الْعَارِفِينَ وَكَيْفَ تُحِيطُ الْمَعْرِفَةُ بِمَنْ لَا تَلْحَقُهُ الْفِكْرَةُ وَلَا تُحِيطُ بِهِ الْعُقُولُ وَلَا تَتَوَهَّمُهُ الْأَذْهَانُ وَلَا تُكَيِّفُهُ الرُّؤْيَةُ ؟ وَأَعْلَمُ خَلْقِهِ بِهِ أَشَدُّهُمْ إِقْرَارًا بِالْعَجْزِ عَنْ إِدْرَاكِ عَظَمَتِهِ أَوْ تَكَشُّفِ ذَاتِهِ لِمَعْرِفَتِهِمْ بِعَجْزِهِمْ عَنْ إِدْرَاكِ مَنْ لَا شَيْءَ مِثْلُهُ إِذْ هُوَ الْقَدِيمُ وَمَا سِوَاهُ مُحْدَثٌ وَإِذْ هُوَ الْأَزِلِيُّ وَغَيْرُهُ الْمُبْدَأُ وَإِذْ هُوَ الْإِلَهُ وَمَا سِوَاهُ مَأْلُوهٌ وَإِذْ هُوَ الْقَوِيُّ مِنْ غَيْرِ مُقَوٍّ وَكُلُّ قَوِيٍّ بِقُوَّتِهِ قَوِيٌّ وَإِذْ هُوَ الْعَالِمُ مِنْ غَيْرِ مُعَلِّمٍ ، وَلَا فَائِدَةَ اسْتَفَادَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَكُلُّ عَالِمٍ فَبِعِلْمِهِ عَلِمَ ، سُبْحَانَهُ الْأَوَّلُ بِغَيْرِ بِدَايَةٍ وَالْبَاقِي إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ وَلَا يَسْتَحِقُّ هَذَا الْوَصْفَ غَيْرُهُ وَلَا يَلِيقُ بِسِوَاهُ فَأَهْلُ الْخَاصَّةِ مِنْ أَوْلِيَائِهِ فِي أَعْلَى الْمَعْرِفَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَبْلُغُوا مِنْهَا غَايَةً وَلَا نِهَايَةً ، وَالْعَامَّةُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي أَوَّلِهَا وَلَهَا شَوَاهِدُ وَدَلَائِلُ مِنَ الْعَارِفِينَ عَلَى أَعْلَاهَا وَعَلَى أَدْنَاهَا ، فَالشَّاهِدُ عَلَى أَدْنَاهَا الْإِقْرَارُ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ وَخَلْعِ الْأَنْدَادِ مِنْ دُونِهِ ، وَالتَّصْدِيقُ بِهِ وَبِكِتَابِهِ وَفَرْضِهِ فِيهِ وَنَهْيِهِ ، وَالشَّاهِدُ عَلَى أَعْلَاهَا الْقِيَامُ فِيهِ بِحَقِّهِ ، وَاتِّقَاؤُهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَإِيثَارُهُ فِي جَمِيعِ خَلْقِهِ وَاتِّبَاعُ مَعَالِي الْأَخْلَاقِ وَاجْتِنَابُ مَا لَا يُقْرَبُ مِنْهُ ، فَالْمَعْرِفَةُ الَّتِي فَضَّلَتِ الْخَاصَّةَ عَلَى الْعَامَّةِ هِيَ عَظِيمُ الْمَعْرِفَةِ فِي قُلُوبِهِمْ بِعَظِيمِ الْقَدْرِ وَالْإِجْلَالِ وَالْقُدْرَةِ النَّافِذَةِ وَالْعِلْمِ الْمُحِيطِ وَالْجُودِ وَالْكَرَمِ وَالْآلَاءِ ؛ فَعَظُمَ فِي قُلُوبِهِمْ قَدْرُهُ وَقَدْرُ جَلَالَتِهِ ، وَهَيْبَتُهُ وَنَفَاذُ قُدْرَتِهِ ، وَأَلِيمُ عَذَابِهِ وَشِدَّةُ بَطْشِهِ وَجَزِيلُ ثَوَابِهِ وَكَرَمِهِ وَجُودِهِ بِجَنَّتِهِ وَتَحَنُّنِهِ وَكَثْرَةُ أَيَادِيهِ وَنِعَمِهِ وَإِحْسَانِهِ وَرَأْفَتِهِ وَرَحْمَتِهِ ، فَلَمَّا عَظُمَتِ الْمَعْرِفَةُ بِذَلِكَ عَظْمُ الْقَادِرُ فِي قُلُوبِهِمْ فَأَجَلُّوهُ وَهَابُوهُ وَأَحَبُّوهُ وَاسْتَحْيَوْا مِنْهُ وَخَافُوهُ وَرَجَوْهُ فَقَامُوا بِحَقِّهِ وَاجْتَنَبُوا كُلَّ مَا نَهَى عَنْهُ وَأَعْطَوْهُ الْمَجْهُودَ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ ، أَزْعَجَهُمْ عَلَى ذَلِكَ مَا اسْتَقَرَّ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ عَظِيمِ الْمَعْرِفَةِ ، بِعَظِيمِ قَدْرِهِ وَقَدْرِ ثَوَابِهِ وَعِقَابِهِ فَهُمْ أَهْلُ الْخَاصَّةِ مِنْ أَوْلِيَائِهِ ، فَلِذَلِكَ قِيلَ : فُلَانٌ بِاللَّهِ عَارِفٌ ، وَفُلَانٌ بِاللَّهِ عَالِمٌ لَمَّا رَأَوْهُ مُجِلًّا هَائِبًا رَاهِبًا رَاجِيًا طَالِبًا مُشْتَاقًا وَرِعًا مُتَّقِيًا بَاكِيًا حَزِينًا خَاضِعًا مُتَذَلِّلًا ، فَلَمَّا ظَهَرَتْ مِنْهُمْ هَذِهِ الْأَخْلَاقُ عَرَفَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُمْ بِاللَّهِ أَعْرَفُ وَأَعْلَمُ مِنْ عَوَّامِ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَلِكَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ فَقَالَ : {{ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ }} ، وَقَالَ دَاودُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : إِلَهِي مَا عَلِمَ مَنْ لَمْ يَخْشَكَ فَالْمَعْرِفَةُ الَّتِي فَضُلَتْ بِهَا الْخَاصَّةُ الْعَامَّةَ هِيَ عَظِيمُ الْمَعْرِفَةِ فَإِذَا عَظُمَتِ الْمَعْرِفَةُ بِذَلِكَ وَاسْتَقَرَّتْ وَلَزِمَتِ الْقُلُوبَ صَارَتْ يَقِينًا قَوِيًّا فَكَمُلَتْ حِينَئِذٍ أَخْلَاقُ الْعَبْدِ وَتَطَهَّرَ مِنَ الْأَدْنَاسِ فَنَالَ بِهِ عَظِيمَ الْمَعْرِفَةِ بِعَظِيمِ الْقَدْرِ وَالْجَلَالِ وَالتَّذَكُّرِ وَالتَّفَكُّرِ فِي الْخَلْقِ كَيْفَ خَلَقَهُمْ وَأَتْقَنَ صَنْعَتَهُمْ ؟ وَفِي الْمَقَادِيرِ كَيْفَ قَدَّرَهَا فَاتَّسَقَتْ عَلَى الْهَيْئَاتِ الَّتِي هَيَّأَهَا وَالْأَوْقَاتِ الَّتِي وَقَّتَهَا ، وَفِي الْأُمُورِ كَيْفَ دَبَّرَهَا عَلَى إِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ ؟ فَلَمْ يَمْتَنِعْ مِنْهَا شَيْءٌ عَنِ الْمُضِيِّ عَلَى إِرَادَتِهِ وَالِاتِّسَاقِ عَلَى مَشِيئَتِهِ ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ : إِنَّ النَّظَرَ فِي الْقُدْرَةِ يفْتَحُ بَابَ التَّعْظِيمِ لِلَّهِ فِي الْقَلْبِ ، وَمَرَّ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ بِمَالِكِ بْنِ دِينَارٍ فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ : عِظْنَا رَحِمَكَ اللَّهُ فَقَالَ : بِمَ أَعِظُكَ ؟ إِنَّكَ لَوْ عَرَفْتَ اللَّهَ أَغْنَاكَ ذَلِكَ عَنْ كُلِّ كَلَامٍ ، لَكِنْ عَرَفُوهُ عَلَى دَلَالَةِ أَنَّهُمْ لَمَّا نَظَرُوا فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَدَوَرَانِ هَذَا الْفَلَكِ وَارْتِفَاعِ هَذَا السَّقْفِ بِلَا عَمَدٍ وَمَجَارِي هَذِهِ الْأَنْهَارِ وَالْبِحَارِ عَلِمُوا أَنَّ لِذَلِكَ صَانِعًا وَمُدْبِرًا لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ أَعْمَالِ خَلْقِهِ فعَبْدُوهُ بِدَلَائِلِهِ عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى كَأَنَّهُمْ عَايَنُوهُ ، وَاللَّهُ فِي دَارِ جَلَالِهِ عَنْ رُؤْيَتِهِ ، فَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ أَنَّهُمْ بِعَظِيمِ قَدْرِهِ أَعْرَفُ وَأَعْلَمُ إِذْ هُمْ لَهُ أَجَلَّ وَأَهْيَبُ "
وَقَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حُبَيْشٍ فَقُلْتُ : سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : سَأَلْتُ عَنِ الْمَعْرِفَةِ وَأَسْبَابِهَا فَالْمَعْرِفَةُ مِنَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ هِيَ مَعْرِفَةٌ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ بِهَا وَاحِدٌ وَلَكِنْ لَهَا أَوَّلُ وَأَعْلَى فَالْخَاصَّةُ فِي أَعْلَاهَا وَإِنْ كَانَ لَا يَبْلُغُ مِنْهَا غَايَةً وَلَا نِهَايَةً إِذْ لَا غَايَةَ لِلْمَعْرُوفِ عِنْدَ الْعَارِفِينَ وَكَيْفَ تُحِيطُ الْمَعْرِفَةُ بِمَنْ لَا تَلْحَقُهُ الْفِكْرَةُ وَلَا تُحِيطُ بِهِ الْعُقُولُ وَلَا تَتَوَهَّمُهُ الْأَذْهَانُ وَلَا تُكَيِّفُهُ الرُّؤْيَةُ ؟ وَأَعْلَمُ خَلْقِهِ بِهِ أَشَدُّهُمْ إِقْرَارًا بِالْعَجْزِ عَنْ إِدْرَاكِ عَظَمَتِهِ أَوْ تَكَشُّفِ ذَاتِهِ لِمَعْرِفَتِهِمْ بِعَجْزِهِمْ عَنْ إِدْرَاكِ مَنْ لَا شَيْءَ مِثْلُهُ إِذْ هُوَ الْقَدِيمُ وَمَا سِوَاهُ مُحْدَثٌ وَإِذْ هُوَ الْأَزِلِيُّ وَغَيْرُهُ الْمُبْدَأُ وَإِذْ هُوَ الْإِلَهُ وَمَا سِوَاهُ مَأْلُوهٌ وَإِذْ هُوَ الْقَوِيُّ مِنْ غَيْرِ مُقَوٍّ وَكُلُّ قَوِيٍّ بِقُوَّتِهِ قَوِيٌّ وَإِذْ هُوَ الْعَالِمُ مِنْ غَيْرِ مُعَلِّمٍ ، وَلَا فَائِدَةَ اسْتَفَادَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَكُلُّ عَالِمٍ فَبِعِلْمِهِ عَلِمَ ، سُبْحَانَهُ الْأَوَّلُ بِغَيْرِ بِدَايَةٍ وَالْبَاقِي إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ وَلَا يَسْتَحِقُّ هَذَا الْوَصْفَ غَيْرُهُ وَلَا يَلِيقُ بِسِوَاهُ فَأَهْلُ الْخَاصَّةِ مِنْ أَوْلِيَائِهِ فِي أَعْلَى الْمَعْرِفَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَبْلُغُوا مِنْهَا غَايَةً وَلَا نِهَايَةً ، وَالْعَامَّةُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي أَوَّلِهَا وَلَهَا شَوَاهِدُ وَدَلَائِلُ مِنَ الْعَارِفِينَ عَلَى أَعْلَاهَا وَعَلَى أَدْنَاهَا ، فَالشَّاهِدُ عَلَى أَدْنَاهَا الْإِقْرَارُ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ وَخَلْعِ الْأَنْدَادِ مِنْ دُونِهِ ، وَالتَّصْدِيقُ بِهِ وَبِكِتَابِهِ وَفَرْضِهِ فِيهِ وَنَهْيِهِ ، وَالشَّاهِدُ عَلَى أَعْلَاهَا الْقِيَامُ فِيهِ بِحَقِّهِ ، وَاتِّقَاؤُهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَإِيثَارُهُ فِي جَمِيعِ خَلْقِهِ وَاتِّبَاعُ مَعَالِي الْأَخْلَاقِ وَاجْتِنَابُ مَا لَا يُقْرَبُ مِنْهُ ، فَالْمَعْرِفَةُ الَّتِي فَضَّلَتِ الْخَاصَّةَ عَلَى الْعَامَّةِ هِيَ عَظِيمُ الْمَعْرِفَةِ فِي قُلُوبِهِمْ بِعَظِيمِ الْقَدْرِ وَالْإِجْلَالِ وَالْقُدْرَةِ النَّافِذَةِ وَالْعِلْمِ الْمُحِيطِ وَالْجُودِ وَالْكَرَمِ وَالْآلَاءِ ؛ فَعَظُمَ فِي قُلُوبِهِمْ قَدْرُهُ وَقَدْرُ جَلَالَتِهِ ، وَهَيْبَتُهُ وَنَفَاذُ قُدْرَتِهِ ، وَأَلِيمُ عَذَابِهِ وَشِدَّةُ بَطْشِهِ وَجَزِيلُ ثَوَابِهِ وَكَرَمِهِ وَجُودِهِ بِجَنَّتِهِ وَتَحَنُّنِهِ وَكَثْرَةُ أَيَادِيهِ وَنِعَمِهِ وَإِحْسَانِهِ وَرَأْفَتِهِ وَرَحْمَتِهِ ، فَلَمَّا عَظُمَتِ الْمَعْرِفَةُ بِذَلِكَ عَظْمُ الْقَادِرُ فِي قُلُوبِهِمْ فَأَجَلُّوهُ وَهَابُوهُ وَأَحَبُّوهُ وَاسْتَحْيَوْا مِنْهُ وَخَافُوهُ وَرَجَوْهُ فَقَامُوا بِحَقِّهِ وَاجْتَنَبُوا كُلَّ مَا نَهَى عَنْهُ وَأَعْطَوْهُ الْمَجْهُودَ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ ، أَزْعَجَهُمْ عَلَى ذَلِكَ مَا اسْتَقَرَّ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ عَظِيمِ الْمَعْرِفَةِ ، بِعَظِيمِ قَدْرِهِ وَقَدْرِ ثَوَابِهِ وَعِقَابِهِ فَهُمْ أَهْلُ الْخَاصَّةِ مِنْ أَوْلِيَائِهِ ، فَلِذَلِكَ قِيلَ : فُلَانٌ بِاللَّهِ عَارِفٌ ، وَفُلَانٌ بِاللَّهِ عَالِمٌ لَمَّا رَأَوْهُ مُجِلًّا هَائِبًا رَاهِبًا رَاجِيًا طَالِبًا مُشْتَاقًا وَرِعًا مُتَّقِيًا بَاكِيًا حَزِينًا خَاضِعًا مُتَذَلِّلًا ، فَلَمَّا ظَهَرَتْ مِنْهُمْ هَذِهِ الْأَخْلَاقُ عَرَفَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُمْ بِاللَّهِ أَعْرَفُ وَأَعْلَمُ مِنْ عَوَّامِ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَلِكَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ فَقَالَ : {{ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ }} ، وَقَالَ دَاودُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : إِلَهِي مَا عَلِمَ مَنْ لَمْ يَخْشَكَ فَالْمَعْرِفَةُ الَّتِي فَضُلَتْ بِهَا الْخَاصَّةُ الْعَامَّةَ هِيَ عَظِيمُ الْمَعْرِفَةِ فَإِذَا عَظُمَتِ الْمَعْرِفَةُ بِذَلِكَ وَاسْتَقَرَّتْ وَلَزِمَتِ الْقُلُوبَ صَارَتْ يَقِينًا قَوِيًّا فَكَمُلَتْ حِينَئِذٍ أَخْلَاقُ الْعَبْدِ وَتَطَهَّرَ مِنَ الْأَدْنَاسِ فَنَالَ بِهِ عَظِيمَ الْمَعْرِفَةِ بِعَظِيمِ الْقَدْرِ وَالْجَلَالِ وَالتَّذَكُّرِ وَالتَّفَكُّرِ فِي الْخَلْقِ كَيْفَ خَلَقَهُمْ وَأَتْقَنَ صَنْعَتَهُمْ ؟ وَفِي الْمَقَادِيرِ كَيْفَ قَدَّرَهَا فَاتَّسَقَتْ عَلَى الْهَيْئَاتِ الَّتِي هَيَّأَهَا وَالْأَوْقَاتِ الَّتِي وَقَّتَهَا ، وَفِي الْأُمُورِ كَيْفَ دَبَّرَهَا عَلَى إِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ ؟ فَلَمْ يَمْتَنِعْ مِنْهَا شَيْءٌ عَنِ الْمُضِيِّ عَلَى إِرَادَتِهِ وَالِاتِّسَاقِ عَلَى مَشِيئَتِهِ ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ : إِنَّ النَّظَرَ فِي الْقُدْرَةِ يفْتَحُ بَابَ التَّعْظِيمِ لِلَّهِ فِي الْقَلْبِ ، وَمَرَّ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ بِمَالِكِ بْنِ دِينَارٍ فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ : عِظْنَا رَحِمَكَ اللَّهُ فَقَالَ : بِمَ أَعِظُكَ ؟ إِنَّكَ لَوْ عَرَفْتَ اللَّهَ أَغْنَاكَ ذَلِكَ عَنْ كُلِّ كَلَامٍ ، لَكِنْ عَرَفُوهُ عَلَى دَلَالَةِ أَنَّهُمْ لَمَّا نَظَرُوا فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَدَوَرَانِ هَذَا الْفَلَكِ وَارْتِفَاعِ هَذَا السَّقْفِ بِلَا عَمَدٍ وَمَجَارِي هَذِهِ الْأَنْهَارِ وَالْبِحَارِ عَلِمُوا أَنَّ لِذَلِكَ صَانِعًا وَمُدْبِرًا لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ أَعْمَالِ خَلْقِهِ فعَبْدُوهُ بِدَلَائِلِهِ عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى كَأَنَّهُمْ عَايَنُوهُ ، وَاللَّهُ فِي دَارِ جَلَالِهِ عَنْ رُؤْيَتِهِ ، فَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ أَنَّهُمْ بِعَظِيمِ قَدْرِهِ أَعْرَفُ وَأَعْلَمُ إِذْ هُمْ لَهُ أَجَلَّ وَأَهْيَبُ