سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ الْجُنَيْدَ ، يَقُولُ : " يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَلَّا يُفْقَدَ مِنْ إِحْدَى ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ : مَوْطِنٌ يَعْرِفُ فِيهِ حَالَهُ أَمُزَادٌ أَمْ مُنْتَقَصٌ ؟ وَمَوْطِنٌ يَخْلُو فِيهِ بِتَأْدِيبِ نَفْسِهِ وَإِلْزَامِهَا مَا يَلْزَمُهَا وَيَتَقَصَّى فِيهِ عَلَى مَعْرِفَتِهَا وَمَوْطِنٌ يَسْتَحْضِرُ عَقْلَهُ بِرُؤْيَتِهِ مَجَارِيَ التَّدْبِيرِ عَلَيْهِ وَكَيْفَ تُقَلُّبُ فِيهِ الْأَحْكَامُ فِي آنَاءِ اللَّيْلِ وَأَطْرَافِ النَّهَارِ ؟ وَلَنْ يَصْفُوَ عَقْلٌ لَا يَصْدِرُ إِلَى فَهْمِ هَذَا الْحَالِ الْأَخِيرِ إِلَّا بِإِحْكَامِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ إِصْلَاحِ الْحَالَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ ، فَأَمَّا الْمَوْطِنُ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْرِفَ فِيهِ حَالَهُ أَمُزَادٌ هُوُ أَمْ مُنْتَقَصٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَطْلُبَ مَوَاضِعَ الْخَلْوَةِ لِكَيْ لَا يُعَارِضَهُ مُشْغِلٌ فَيُفْسِدُ مَا يُرِيدُ إِصْلَاحَهُ ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إِلَى مُوَافَقَةِ مَا أُلْزِمَ مِنْ تَأْدِيَةِ الْفَرْضِ الَّذِي لَا يَزْكُو حَالَ قُرْبِهِ إِلَّا بِإِتْمَامِ الْوَاجِبِ مِنَ الْفَرَائِضِ ثُمَّ يَنْتَصِبُ انْتِصَابَ عَبْدٍ بَيْنَ يَدَيْ سَيِّدِهِ يُرِيدُ أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَيْهِ مَا أُمِرَ بِتَأْدِيَتِهِ فَحِينَئِذٍ تُكْشَفُ لَهُ خَفَايَا النُّفُوسِ الْمُوَارِيَةِ فَيَعْلَمُ أَهُوَ مِمَّنْ أَدَّى مَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَمْ لَمْ يؤَدِّ ؟ ثُمَّ لَا يَبْرَحُ مِنْ مَقَامِهِ ذَلِكَ حَتَّى يُوقَعَ لَهُ الْعِلْمُ بِبُرْهَانِ مَا اسْتَكْشَفَهُ بِالْعِلْمِ فَإِنْ رَأَى خَلَلًا أَقَامَ عَلَى إِصْلَاحِهِ وَلَمْ يُجَاوِزْهُ إِلَى عَمَلِ سِوَاهُ ، وَهَذِهِ أَحْوَالُ أَهْلِ الصِّدْقِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَاللَّهُ يؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ ، إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ، وَأَمَّا الْمَوْطِنُ الَّذِي يَخْلُو فِيهِ بِتَأْدِيبِ نَفْسِهِ وَيَتَقَصَّى فِيهِ حَالَ مَعْرِفَتِهَا فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ عَزَمَ عَلَى ذَلِكَ وَأَرَادَ الْمُنَاصَحَةَ فِي الْمُعَامَلَةِ فَإِنَّ النُّفُوسَ رُبَّمَا خَبَتْ فِيهَا مِنْهَا أَشْيَاءُ لَا يَقِفُ عَلَى حَدِّ ذَلِكَ إِلَّا مَنْ تَصَفَّحَ مَا هُنَالِكَ فِي حِينِ حَرَكَةِ الْهَوَى فِي مَحَبَّةِ فِعْلِ الْخَيْرِ الْمَأْلُوفِ فَإِنَّ النَّفْسَ إِذَا أَلِفَتْ فِعْلَ الْخَيْرِ صَارَ خُلُقًا مِنْ أَخْلَاقِهَا وَسَكَنَتْ إِلَى أَنَّهَا مَوْضِعٌ لِمَا أُهِّلَتْ لَهُ وَتَرَى أَنَّ الَّذِي جَرَى عَلَيْهَا مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ الْخَيْرِ فِيهَا هِيَ لَهُ أَهْلٌ وَيَرْصُدُهَا الْعَدُوُّ الْمُقِيمُ بِفِنَائِهَا الْمَجْعُولُ لَهُ السَّبِيلُ عَلَى مَجَارِي الدَّمِ فِيهَا فَيَرَى هُوَ بِكَيْدِهِ خَفِيَ غَفْلَتِهَا فَيَخْتَلِسُ مِنْهَا بِمُسَاءَلَةِ الْهَوَى مَا لَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إِلَى اخْتِلَاسِهِ فِي غَيْرِ تِلْكَ الْحَالِ فَإِنْ تَأَلَّمَ لَوَكْزَتِهِ مِنْهُ وَعَرَفَ طَعْنَتَهُ أَسْرَعَ بِالْأَمَانَةِ إِلَى مَنْ لَا تَقَعُ الْكِفَايَةُ مِنْهُ إِلَّا بِهِ فَاسْتَقْصَى مِنْ نَفْسِهِ عِلْمَ الْحَالِ الَّتِي مِنْهَا وَصَلَ عَدُوُّهُ إِلَيْهِ فَحَرَسَهَا بِلِيَاذَةِ اللَّجَأَ وَإِلْقَاءِ الْكَنَفِ وَشِدَّةِ الِافْتِقَارِ وَطَلَبِ الِاعْتِصَامِ ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ابْنُ النَّبِيِّ ابْنِ النَّبِيِّ ، الْكَرِيمُ ابْنُ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ كَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْكَرِيمُ ابْنُ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ : {{ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ }} ، وَعَلِمَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ كَيِدَ الْأَعْدَاءِ مَعَ قُوَّةِ الْهَوَى لَا يَنْصَرِفُ بِقُوَّةِ النَّفْسِ : {{ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }} ، وَأَمَّا الْمَوْطِنُ الَّذِي يَسْتَحْضِرُ فِيهِ عَقْلَهُ لِرُؤْيَةِ مَجَارِي الْأَحْكَامِ ، وَكَيْفَ يُقَلِّبُهُ التَّدْبِيرُ ؟ فَهُوَ أَفْضَلُ الْأَمَاكِنِ وَأَعْلَى الْمَوَاطِنِ فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ جَمِيعَ خَلْقِهِ أَنْ يُوَاصِلُوا عِبَادَتَهُ وَلَا يَسْأَمُوا خِدْمَتَهُ فَقَالَ : {{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }} ، فَأَلْزَمَهُمْ دَوَامَ عِبَادَتِهِ وَضَمِنَ لَهُمْ عَلَيْهَا فِي الْعَاجِلِ الْكِفَايَةَ وَفِي الْأُخْرَى جَزِيلَ الثَّوَابِ ، فَقَالَ : {{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }} ، وَهَذِهِ كُلُّهَا تَلْزَمُ كُلَّ الْخَلْقِ ، وَوَقَفَ لِيرَى كَيْفَ تُصَرَّفُ الْأَحْكَامُ ؟ وَقَدْ عَرَضَ لِرَفِيعِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ ، أَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَالَ : {{ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ }} ؟ ، يَعْنِي شَأْنَ الْخَلْقِ ، وَأَنْتَ أَيُّهَا الْوَاقِفُ أَتَرَى أَنَّكَ مِنَ الْخَلْقِ الَّذِي هُوَ فِي شَأْنِهِمْ ؟ أَوْ تَرَى شَأْنَكَ مَرْضِيًّا عِنْدَهُ ؟ وَلَنْ يَقْدِرَ أَحَدٌ عَلَى اسْتِحْضَارِ عَقْلِهِ إِلَّا بِانْصِرَافِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا عَنْهُ وَخُرُوجِهَا مِنْ قَلْبِهِ فَإِذَا انْقَضَتِ الدُّنْيَا وَبَادَتْ وَبَادَ أَهْلُهَا وَانْصَرَفَتْ عَنِ الْقَلْبِ خَلَا بِمُسَامَرَةِ رُؤْيَةِ التَّصَرُّفِ وَاخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ وَتَفْصِيلِ الْأَقْسَامِ وَلَنْ يَرْجِعَ قَلْبُ مَنْ هَذَا وَصْفُهُ إِلَى شَيْءٍ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِمَا فِي هَذِهِ الَّتِي عَنْهَا خَرَجَ وَلَهَا تَرَكَ وَمِنْهَا هَرَبَ أَلَا تَرَى إِلَى حَارِثَةَ حِينَ يَقُولُ : عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا ، ثُمَّ يَقُولُ : وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا وَكَأَنِّي بِأَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ وَكَأَنِّي وَهَذِهِ بَعْضُ أَحْوَالِ الْقَوْمِ "
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُفِيدُ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ الْجُنَيْدَ ، يَقُولُ : يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَلَّا يُفْقَدَ مِنْ إِحْدَى ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ : مَوْطِنٌ يَعْرِفُ فِيهِ حَالَهُ أَمُزَادٌ أَمْ مُنْتَقَصٌ ؟ وَمَوْطِنٌ يَخْلُو فِيهِ بِتَأْدِيبِ نَفْسِهِ وَإِلْزَامِهَا مَا يَلْزَمُهَا وَيَتَقَصَّى فِيهِ عَلَى مَعْرِفَتِهَا وَمَوْطِنٌ يَسْتَحْضِرُ عَقْلَهُ بِرُؤْيَتِهِ مَجَارِيَ التَّدْبِيرِ عَلَيْهِ وَكَيْفَ تُقَلُّبُ فِيهِ الْأَحْكَامُ فِي آنَاءِ اللَّيْلِ وَأَطْرَافِ النَّهَارِ ؟ وَلَنْ يَصْفُوَ عَقْلٌ لَا يَصْدِرُ إِلَى فَهْمِ هَذَا الْحَالِ الْأَخِيرِ إِلَّا بِإِحْكَامِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ إِصْلَاحِ الْحَالَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ ، فَأَمَّا الْمَوْطِنُ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْرِفَ فِيهِ حَالَهُ أَمُزَادٌ هُوُ أَمْ مُنْتَقَصٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَطْلُبَ مَوَاضِعَ الْخَلْوَةِ لِكَيْ لَا يُعَارِضَهُ مُشْغِلٌ فَيُفْسِدُ مَا يُرِيدُ إِصْلَاحَهُ ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إِلَى مُوَافَقَةِ مَا أُلْزِمَ مِنْ تَأْدِيَةِ الْفَرْضِ الَّذِي لَا يَزْكُو حَالَ قُرْبِهِ إِلَّا بِإِتْمَامِ الْوَاجِبِ مِنَ الْفَرَائِضِ ثُمَّ يَنْتَصِبُ انْتِصَابَ عَبْدٍ بَيْنَ يَدَيْ سَيِّدِهِ يُرِيدُ أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَيْهِ مَا أُمِرَ بِتَأْدِيَتِهِ فَحِينَئِذٍ تُكْشَفُ لَهُ خَفَايَا النُّفُوسِ الْمُوَارِيَةِ فَيَعْلَمُ أَهُوَ مِمَّنْ أَدَّى مَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَمْ لَمْ يؤَدِّ ؟ ثُمَّ لَا يَبْرَحُ مِنْ مَقَامِهِ ذَلِكَ حَتَّى يُوقَعَ لَهُ الْعِلْمُ بِبُرْهَانِ مَا اسْتَكْشَفَهُ بِالْعِلْمِ فَإِنْ رَأَى خَلَلًا أَقَامَ عَلَى إِصْلَاحِهِ وَلَمْ يُجَاوِزْهُ إِلَى عَمَلِ سِوَاهُ ، وَهَذِهِ أَحْوَالُ أَهْلِ الصِّدْقِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَاللَّهُ يؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ ، إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ، وَأَمَّا الْمَوْطِنُ الَّذِي يَخْلُو فِيهِ بِتَأْدِيبِ نَفْسِهِ وَيَتَقَصَّى فِيهِ حَالَ مَعْرِفَتِهَا فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ عَزَمَ عَلَى ذَلِكَ وَأَرَادَ الْمُنَاصَحَةَ فِي الْمُعَامَلَةِ فَإِنَّ النُّفُوسَ رُبَّمَا خَبَتْ فِيهَا مِنْهَا أَشْيَاءُ لَا يَقِفُ عَلَى حَدِّ ذَلِكَ إِلَّا مَنْ تَصَفَّحَ مَا هُنَالِكَ فِي حِينِ حَرَكَةِ الْهَوَى فِي مَحَبَّةِ فِعْلِ الْخَيْرِ الْمَأْلُوفِ فَإِنَّ النَّفْسَ إِذَا أَلِفَتْ فِعْلَ الْخَيْرِ صَارَ خُلُقًا مِنْ أَخْلَاقِهَا وَسَكَنَتْ إِلَى أَنَّهَا مَوْضِعٌ لِمَا أُهِّلَتْ لَهُ وَتَرَى أَنَّ الَّذِي جَرَى عَلَيْهَا مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ الْخَيْرِ فِيهَا هِيَ لَهُ أَهْلٌ وَيَرْصُدُهَا الْعَدُوُّ الْمُقِيمُ بِفِنَائِهَا الْمَجْعُولُ لَهُ السَّبِيلُ عَلَى مَجَارِي الدَّمِ فِيهَا فَيَرَى هُوَ بِكَيْدِهِ خَفِيَ غَفْلَتِهَا فَيَخْتَلِسُ مِنْهَا بِمُسَاءَلَةِ الْهَوَى مَا لَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إِلَى اخْتِلَاسِهِ فِي غَيْرِ تِلْكَ الْحَالِ فَإِنْ تَأَلَّمَ لَوَكْزَتِهِ مِنْهُ وَعَرَفَ طَعْنَتَهُ أَسْرَعَ بِالْأَمَانَةِ إِلَى مَنْ لَا تَقَعُ الْكِفَايَةُ مِنْهُ إِلَّا بِهِ فَاسْتَقْصَى مِنْ نَفْسِهِ عِلْمَ الْحَالِ الَّتِي مِنْهَا وَصَلَ عَدُوُّهُ إِلَيْهِ فَحَرَسَهَا بِلِيَاذَةِ اللَّجَأَ وَإِلْقَاءِ الْكَنَفِ وَشِدَّةِ الِافْتِقَارِ وَطَلَبِ الِاعْتِصَامِ ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ابْنُ النَّبِيِّ ابْنِ النَّبِيِّ ، الْكَرِيمُ ابْنُ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ كَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : الْكَرِيمُ ابْنُ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ : {{ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ }} ، وَعَلِمَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ كَيِدَ الْأَعْدَاءِ مَعَ قُوَّةِ الْهَوَى لَا يَنْصَرِفُ بِقُوَّةِ النَّفْسِ : {{ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }} ، وَأَمَّا الْمَوْطِنُ الَّذِي يَسْتَحْضِرُ فِيهِ عَقْلَهُ لِرُؤْيَةِ مَجَارِي الْأَحْكَامِ ، وَكَيْفَ يُقَلِّبُهُ التَّدْبِيرُ ؟ فَهُوَ أَفْضَلُ الْأَمَاكِنِ وَأَعْلَى الْمَوَاطِنِ فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ جَمِيعَ خَلْقِهِ أَنْ يُوَاصِلُوا عِبَادَتَهُ وَلَا يَسْأَمُوا خِدْمَتَهُ فَقَالَ : {{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }} ، فَأَلْزَمَهُمْ دَوَامَ عِبَادَتِهِ وَضَمِنَ لَهُمْ عَلَيْهَا فِي الْعَاجِلِ الْكِفَايَةَ وَفِي الْأُخْرَى جَزِيلَ الثَّوَابِ ، فَقَالَ : {{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }} ، وَهَذِهِ كُلُّهَا تَلْزَمُ كُلَّ الْخَلْقِ ، وَوَقَفَ لِيرَى كَيْفَ تُصَرَّفُ الْأَحْكَامُ ؟ وَقَدْ عَرَضَ لِرَفِيعِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ ، أَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَالَ : {{ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ }} ؟ ، يَعْنِي شَأْنَ الْخَلْقِ ، وَأَنْتَ أَيُّهَا الْوَاقِفُ أَتَرَى أَنَّكَ مِنَ الْخَلْقِ الَّذِي هُوَ فِي شَأْنِهِمْ ؟ أَوْ تَرَى شَأْنَكَ مَرْضِيًّا عِنْدَهُ ؟ وَلَنْ يَقْدِرَ أَحَدٌ عَلَى اسْتِحْضَارِ عَقْلِهِ إِلَّا بِانْصِرَافِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا عَنْهُ وَخُرُوجِهَا مِنْ قَلْبِهِ فَإِذَا انْقَضَتِ الدُّنْيَا وَبَادَتْ وَبَادَ أَهْلُهَا وَانْصَرَفَتْ عَنِ الْقَلْبِ خَلَا بِمُسَامَرَةِ رُؤْيَةِ التَّصَرُّفِ وَاخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ وَتَفْصِيلِ الْأَقْسَامِ وَلَنْ يَرْجِعَ قَلْبُ مَنْ هَذَا وَصْفُهُ إِلَى شَيْءٍ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِمَا فِي هَذِهِ الَّتِي عَنْهَا خَرَجَ وَلَهَا تَرَكَ وَمِنْهَا هَرَبَ أَلَا تَرَى إِلَى حَارِثَةَ حِينَ يَقُولُ : عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا ، ثُمَّ يَقُولُ : وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا وَكَأَنِّي بِأَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ وَكَأَنِّي وَهَذِهِ بَعْضُ أَحْوَالِ الْقَوْمِ