حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ ، حَدَّثَنَا الْمُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : التَّمْرُ بِالتَّمْرِ ، وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ ، فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَهُوَ رِبًا إِلَّا مَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ ، فَوَجَدْنَا الْأَلْوَانَ الْمَذْكُورَةَ فِيهِ هِيَ الْأَنْوَاعُ مِنَ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَاتِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يَدْخُلُهَا الرِّبَا لَا مَا سِوَاهَا ؛ لِأَنَّا لَمْ نَجِدْ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ اخْتِلَافًا أَنَّ الْأَسْوَدَ مِنَ التَّمْرِ وَغَيْرَ الْأَسْوَدِ مِنْهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ لَا يُبَاعُ بِاللَّوْنِ الْآخَرِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ ، وَوَجَدْنَا ذَلِكَ مَرْوِيًّا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ .
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ ، حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ سَالِمٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : مَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ مِنَ الطَّعَامِ فَلَا بَأْسَ بِهِ يَدًا بِيَدٍ ، التَّمْرُ بِالْبُرِّ ، وَالزَّبِيبُ بِالشَّعِيرِ ، وَكَرِهَهُ نَسِيئَةً وَوَجَدْنَا كَلَامَ النَّاسِ يَجْرِي عَلَى هَذَا ؛ لِأَنَّا وَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ : جَاءَنَا فُلَانٌ بِأَلْوَانٍ مِنَ الطَّعَامِ ، يُرِيدُونَ أَنْوَاعًا مِنَ الطَّعَامِ ، وَيَقُولُونَ : كَلَّمَنَا فُلَانٌ بِأَلْوَانٍ مِنَ الْكَلَامِ ، وَكَانَ هَذَا أَوْلَى مَا حُمِلَ عَلَيْهِ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ لِمَا قَدْ صَدَّقَهُ مَا رُوِّينَاهُ فِيهِ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، وَلِمَا وَجَدْنَاهُ مُسْتَعْمَلًا فِي كَلَامِ النَّاسِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ ، وَاللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، أَخْبَرَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَقَالَ : إِنَّ ابْنَ ابْنِي مَاتَ ، فَمَا لِي مِنْ مِيرَاثِهِ ؟ قَالَ : لَكَ السُّدُسُ فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ ، قَالَ : لَكَ سُدُسٌ آخَرُ فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ ، فَقَالَ : إِنَّ السُّدُسَ الْآخَرَ طُعْمَةٌ فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَحْتَاجُ إِلَى الْوُقُوفِ عَلَى الْمَعْنَى الْمُرَادِ بِهِ ، وَذَلِكَ أَنَّ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ لِلْجَدِّ الَّذِي سَأَلَهُ مَا لَهُ مِنْ مِيرَاثِ ابْنِ ابْنِهِ ، فَقَالَ : لَكَ السُّدُسُ وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَقْتَصِرْ بِهِ عَلَى السُّدُسِ إِلَّا وَلِبَقِيَّةِ الْمِيرَاثِ مُسْتَحِقٌّ سِوَاهُ ، إِذْ كَانَ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْجَدِّ أَبِي الْأَبِ إِذَا لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ مِيرَاثِ ابْنِ ابْنِهِ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : لَكَ سُدُسٌ آخَرُ ، ثُمَّ أَعْلَمَهُ أَنَّ ذَلِكَ السُّدُسَ طُعْمَةٌ ، فَعَقَلْنَا أَنَّهُ لَمْ يُطْعِمْهُ إِلَّا مِمَّا لَا مُسْتَحِقَّ لَهُ بِمَوْرِثِهِ لَهُ عَنْ ذَلِكَ الْمُتَوَفَّى ، وَكَانَ هَذَا عِنْدَنَا قَبْلَ أَنْ يُنْزِلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ فِي مِيرَاثِ الْجَدِّ أَبِي الْأَبِ مِنَ ابْنِ ابْنِهِ إِلَّا السُّدُسَ الَّذِي أَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَوَّلًا الْجَدَّ الَّذِي سَأَلَهُ ، وَكَانَ مَا بَقِيَ مِنْ مِيرَاثِهِ أَنَّهُ مِمَّا أَطْعَمَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْهُ ذَلِكَ الْجَدَّ السُّدُسَ الْآخَرَ مِمَّا لَمْ يُنْزِلِ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِيهِ شَيْئًا ، فَكَانَ حُكْمُ ذَلِكَ فِي حُكْمِ مَالٍ تَرَكَهُ تَارِكٌ لَا مُسْتَحِقَّ لَهُ بِمِيرَاثِهِ عَنْهُ ، فَأَعْطَى النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْجَدَّ مِنْهُ مَا أَعْطَاهُ مِنْهُ طُعْمَةً لَهُ ، وَأَرْجَأَ مَا بَقِيَ مِنْهُ لِيَرَى فِيهِ رَأْيَهُ ، وَقَدْ كَانَتِ الْمَوَارِيثُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ إِنَّمَا تَجْرِي عَلَى سَبِيلِ الْوَصَايَا بِهَا ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : {{ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ }} ، فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ الْوَالِدَيْنِ لَمْ يَكُونَا مُسْتَحِقَّيْنِ مِنْ مِيرَاثِ وَلَدِهِمَا إِلَّا مَا أَوْصَى بِهِ لَهُمَا مِنْهُ ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ، كَانَ حُكْمُ ذَلِكَ الْمِيرَاثِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ فِيهِ وَصِيَّةٌ لَهُمَا فِي حُكْمِ مَالٍ لَا مُسْتَحِقَّ لَهُ مِمَّا يَرْجِعُ حُكْمُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَضَعُهُ فِيمَا يَرَى وَضْعَهُ فِيهِ ، ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِالْمَوَارِيثِ الَّتِي فَرَضَهَا فِي تَرِكَاتِ الْمُتَوَفَّيْنَ ، وَلَمْ يُنْزِلْهَا جُمْلَةً ، وَإِنَّمَا أَنْزَلَ بَعْضَهَا بَعْدَ بَعْضٍ ، فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الَّذِي كَانَ أَنْزَلَهُ مِنْهَا حِينَئِذٍ السُّدُسَ مِنْ مَالِ الْمُتَوَفَّى لِجَدِّهِ فَدَفَعَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ذَلِكَ السُّدُسَ إِلَى الْجَدِّ الَّذِي سَأَلَهُ مِنْ مِيرَاثِ ابْنِ ابْنِهِ ، وَأَطْعَمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ بَقِيَّتِهِ مَا أَطْعَمَهُ مِنْهُ ، وَبَقِيَ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ ذَلِكَ الْمِيرَاثِ لَا فَرْضَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ ، وَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمَوَارِيثِ الَّتِي لَيْسَتْ لِوَارِثٍ بِعَيْنِهِ ، فَهَذَا أَحْسَنُ مَا وَجَدْنَاهُ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ فِيهِ ، وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ أَيْضًا حَدِيثٌ آخَرُ وَهُوَ :
مَا قَدْ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ ، عَنْ يُونُسَ يَعْنِي ابْنَ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أُتِيَ بِ فَرِيضَةٍ فِيهَا جَدٌّ ، فَأَعْطَاهُ سُدُسًا أَوْ ثُلُثَا وَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَنَا غَيْرَ مُخَالِفٍ لِلْحَدِيثِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِمَّا أَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ جَدَّ ذَلِكَ الْمُتَوَفَّى هُوَ الثُّلُثُ أَوِ السُّدُسُ ، وَكَانَ الْأَوْلَى بِنَا أَنْ نَجْعَلَهُ السُّدُسَ الَّذِي حَفِظَهُ عِمْرَانُ عَنْهُ ، فَيَكُونُ الَّذِي أَعْطَاهُ ذَلِكَ السُّدُسَ بِمَوْرِثِهِ إِيَّاهُ عَنْ ذَلِكَ الْمُتَوَفَّى ، وَلَمْ يَحْفَظْ مَعْقِلٌ مَا كَانَ مِنْهُ فِي بَقِيَّةِ ذَلِكَ الْمِيرَاثِ ، وَحَفِظَهُ عِمْرَانُ ، فَكَانَ مَنْ حَفِظَ شَيْئًا أَوْلَى بِهِ مِمَّنْ قَصُرَ عَنْهُ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ أَبِي عَقِيلٍ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : لَوْ كَانَ مُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا ، فَكَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى لَأَطْلَقْتُهُمْ لَهُ ، يَعْنِي أَسْرَى بَدْرٍ ، وَكَانَتْ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ يَدٌ فَسَأَلَ سَائِلٌ عَنْ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ ، وَقَالَ : كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُطْلِقَ لَهُ مَنْ قَدْ صَارَ فِي أَسْرِهِ مِنَ الْكُفَّارِ الَّذِينَ حُكْمُهُمْ حُكْمُ الْقَتْلِ أَوِ الْفِدَاءِ الَّذِي يَرْجِعُ إِلَيْهِ وَإِلَى أَصْحَابِهِ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : {{ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ ، فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً }} . فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ فِيَ هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي تَلَاهَا عَلَيْنَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي سَأَلْنَا عَنْهُ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِنَبِيِّهِ فِيهَا بَعْدَ شَدِّ الْوَثَاقِ الْمَنَّ أَوِ الْفِدَاءَ ، فَكَانَ قَدْ جَعَلَ إِلَيْهِ أَنْ يَمُنَّ فَيُطْلِقَ مَنْ مَنَّ عَلَيْهِ ، أَوْ يَأْخُذَ مِنْهُ الْفِدَاءَ الَّذِي يَفْتَدِي بِهِ مِنَ الْقَتْلِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ ، وَكَانَ الْمَنُّ هُوَ الَّذِي قَالَ : إِنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ لِلْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ لَوْ كَانَ سَأَلَهُ فِيهِمْ ، فَكَانَ ذَلِكَ مُوَافِقًا لِحَدِيثِ جُبَيْرٍ الَّذِي ذَكَرْنَا ، وَقَدْ مَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي غَيْرِ أَسْرَى بَدْرٍ ، وَهُمْ سَبْيُ هَوَازِنَ لَمَّا كَلَّمُوهُ فِيهِمْ ، فَأَجَابَهُمْ بِأَنْ قَالَ : أَحَبُّ الْقَوْلِ إِلَيَّ أَصْدَقُهُ ثُمَّ خَيَّرَهُمْ بَيْنَ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ : إِمَّا السَّبْيُ ، وَإِمَّا الْمَالُ ، فَاخْتَارُوا السَّبْيَ ، فَأَطْلَقَهُمْ لَهُمْ ، وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ فِيمَا بَعْدُ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَاللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، حَدَّثَنِي عَقِيلُ بْنُ خَالِدٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، قَالَ : وَزَعَمَ عُرْوَةُ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ ، وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ ، أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَ سَبْيَهُمْ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : مَعِي مَنْ تَرَوْنَ ، وَأَحَبُّ الْقَوْلِ إِلَيَّ أَصْدَقُهُ ، وَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ : إِمَّا السَّبْيَ ، وَأَمَّا الْمَالَ ، وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَدِ انْتَظَرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنَ الطَّائِفِ ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ غَيْرَ رَادٍّ إِلَيْهِمْ إِلَّا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ قَالُوا : نَخْتَارُ سَبْيَنَا ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي الْمُسْلِمِينَ ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ، ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ هَؤُلَاءِ قَدْ جَاءُوا تَائِبِينَ ، وَإِنِّي رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ ، فَلْيَفْعَلْ ، وَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَقِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللَّهُ عَلَيْنَا ، فَلْيَفْعَلْ فَقَالَ النَّاسُ : قَدْ طَيَّبْنَا لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَهُمْ ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : إِنِّي لَا أَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ ، فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ فَرَجَعَ النَّاسُ ، فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا فَقَالَ قَائِلٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَمْ يُطْلِقْ مَنْ أَطْلَقَ مِنْ سَبَايَا هَوَازِنَ حَتَّى أَطْلَقَ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ فِيهِمْ ، وَقَدْ رَوَيْتَ لَنَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ مِنْ كِتَابِكَ هَذَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لِجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ لَمَّا كَلَّمَهُ فِي أَسْرَى بَدْرٍ : شَيْخٌ لَوْ جَاءَنِي ، يَعْنِي أَبَاهُ ، فَكَلَّمَنِي فِيهِمْ لَأَطْلَقْتُهُمْ لَهُ ، فَفِي هَذَا إِخْبَارُهُ جُبَيْرًا أَنَّ أَبَاهُ لَوْ كَانَ كَلَّمَهُ فِي الْأَسْرَى الَّذِينَ كَلَّمَهُ فِيهِمْ جُبَيْرٌ ، لَأَطْلَقَهُمْ لَهُ بِغَيْرِ ذِكْرٍ مِنْهُ حَاجَتَهُ إِلَى إِطْلَاقِ الْمُسْلِمِينَ ذَلِكَ لَهُ فِيهِمْ ، وَهَذَا اخْتِلَافٌ شَدِيدٌ . فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ : أَنَّ الَّذِيَ كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِمَّا خَاطَبَ بِهِ جُبَيْرًا فِي أَسْرَى بَدْرٍ ، كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ فِي أَسْرَى سَبِيلُهُمُ الْقَتْلُ لَهُمْ ، أَوِ الْمَنُّ عَلَيْهِمْ ، أَوْ أَخْذُ الْفِدَاءِ مِنْهُمْ وَإِطْلَاقُهُمْ ، وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ وُقُوعُ مِلْكٍ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ ، إِنَّمَا كَانَتِ السَّبِيلُ فِيهِمْ هَذِهِ الْوُجُوهُ الَّتِي ذَكَرْنَا لَا غَيْرَهَا ، فَكَانَ إِلَى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنْ يُمْضِيَ فِيهِمْ مَا رَآهُ مِنْهَا لَا حَاجَةَ بِهِ إِلَى إِطْلَاقِ الْمُسْلِمِينَ لَهُ ذَلِكَ فِيهِمْ ، وَسَبْيُ هَوَازِنَ كَانَ فِي نِسَاءٍ قَدْ وَقَعَتِ الْأَمْلَاكُ عَلَيْهِنَّ ؛ لِأَنَّهُنَّ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ الرِّجَالِ ، إِذْ كُنَّ لَا يُقْتَلْنَ وَالرِّجَالُ يُقْتَلُونَ ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَدْ قَسَمَهُنَّ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَمَلَكُوهُنَّ ، فَلَمْ يَصْلُحْ لَهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِخْرَاجُهُنَّ عَنْ أَمْلَاكِهِمْ إِلَّا بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ بِذَلِكَ ، وَرِضَاهُمْ بِهِ ، وَمِمَّا رُوِيَ مِمَّا قَدْ دَلَّ عَلَى قِسْمَتِهِ كَانَتْ إِيَّاهُنَّ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَ فِيهِنَّ مَا يَسْأَلُ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ :
مَا قَدْ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ ، حَدَّثَنِي عَقِيلٌ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ رَدَّ سِتَّةَ آلَافٍ مِنْ سَبْيِ هَوَازِنَ مِنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ وَالصِّبْيَانِ إِلَى هَوَازِنَ حِينَ أَسْلَمُوا وَخَيَّرَ نِسَاءً كُنَّ عِنْدَ رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، مِنْهُمْ : عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ قَدْ كَانَا اسْتَسْرَا الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُمَا مِنْ هَوَازِنَ ، فَخَيَّرَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَاخْتَارَتَا قَوْمَهُمَا فَقَالَ هَذَا الْقَائِلُ : هَذَا حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ ، فَهَلْ عِنْدَكَ فِي الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْتَ حَدِيثٌ مُتَّصِلٌ ؟ فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ : أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحَدِيثِ الْمُتَّصِلِ :
مَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ ، أَنَّ أَيُّوبَ ، حَدَّثَهُ أَنَّ نَافِعًا حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ بَعْدَ أَنْ رَجَعَ مِنَ الطَّائِفِ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، فَكَيْفَ تَرَى ؟ قَالَ : اذْهَبْ فَاعْتَكِفْ يَوْمًا قَالَ : وَكَانَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَدْ أَعْطَاهُ جَارِيَةً مِنَ الْخُمُسِ ، فَلَمَّا أَعْتَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ سَبَايَا أَوْطَاسٍ سَمِعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَصْوَاتَهُمْ يَقُولُونَ : أَعْتَقَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ قَالُوا : أَعْتَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ سَبَايَا أَوْطَاسٍ ، فَقَالَ عُمَرُ : يَا عَبْدَ اللَّهِ ، اذْهَبْ إِلَى تِلْكَ الْجَارِيَةِ ، فَخَلِّ سَبِيلَهَا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَهَذَا الْحَدِيثُ ، فَفِي سَبْيِ هَوَازِنَ وَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يُذْكَرْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ بِالْجِعْرَانَةِ ، وَكَانَتِ الْجِعْرَانَةُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ ، وَفِيهَا كَانَتْ غَزْوَةُ هَوَازِنَ ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذَا الْمَعْنَى :
مَا قَدْ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ ، قَالَ : قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَارِيَةً مِنْ سَبْيِ هَوَازِنَ ، فَوَهَبَهَا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ابْنِهِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : فَحَدَّثَنِي نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : بَعَثْتُ بِهَا إِلَى أَخْوَالِي مِنْ بَنِي جُمَحٍ لِيُصْلِحُوا لِي مِنْهَا حَتَّى أَطُوفَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ آتِيَهُمْ ، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُصِيبَهَا إِذَا رَجَعْتُ إِلَيْهَا ، فَخَرَجْتُ مِنَ الْمَسْجِدِ حِينَ فَرَغْتُ ، فَإِذَا النَّاسُ يَشْتَدُّونَ ، فَقُلْتُ : مَا شَأْنُكُمْ ؟ قَالُوا : رَدَّ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا ، قُلْتُ : تِلْكُمْ صَاحِبَتُكُمْ فِي بَنِي جُمَحٍ ، فَاذْهَبُوا فَخُذُوهَا فَذَهَبُوا فَأَخَذُوهَا فَكَشَفَ هَذَا الْحَدِيثُ مَا قَدْ ذَكَرْنَا ، وَبَانَ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ لَا تَضَادَّ فِي شَيْءٍ مِمَّا قَدْ رُوِّينَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ ، وَفِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ مِمَّا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي سَبَايَا أَهْلِ بَدْرٍ ، وَمَا كَانَ مِنْهُ فِي سَبَايَا هَوَازِنَ ، وَأَنَّ الَّذِي كَانَ مِنْهُ فِي سَبَايَا بَدْرٍ كَانَ فِي سَبَايَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِمْ أَمْلَاكُ الْمُسْلِمِينَ ، فَلَمْ يَكُنْ بِهِ حَاجَةٌ إِلَى إِطْلَاقِ الْمُسْلِمِينَ لَهُ فِيهِمْ مَا يُرِيدُ أَنْ يَفْعَلَهُ فِيهِمْ مِنْ مَنٍّ وَمِنْ غَيْرِهِ ، وَأَنَّ الَّذِي كَانَ مِنْهُ فِي سَبَايَا هَوَازِنَ مِنْ طَلَبِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِطِيبِ ذَلِكَ لَهُ إِنَّمَا كَانَ مِنْهُ لِوُقُوعِ أَمْلَاكِهِمْ عَلَيْهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ ، فَلَمْ يَصْلُحْ رَفْعُ أَمْلَاكِهِمْ عَنْهُمْ إِلَّا بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ بِذَلِكَ ، وَإِطْلَاقِهِمْ إِيَّاهُ ، وَإِذْنِهِمْ فِيهِ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .
مَا قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، أَنْبَأَنَا هَارُونُ بْنُ مُوسَى الْفَرْوِيُّ ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ، قَالَ : قَالَ ابْنُ شِهَابٍ ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ ، أَنَّ مَرْوَانَ ، وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ ، أَخْبَرَاهُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حِينَ أَذِنَ لَهُ الْمُسْلِمُونَ فِي عِتْقِ سَبْيِ هَوَازِنَ ، قَالَ : إِنِّي لَا أَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ ، فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ فَرَجَعَ النَّاسُ ، فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ ، فَرَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَأَخْبَرُوهُ فَاسْتَدَلَّ بِمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى قَبُولِ الْحُكَّامِ مِنَ الْوُكَلَاءِ مَا يُقِرُّونَ بِهِ عَلَى مُوَكِّلِيهِمْ فِيمَا وَكَّلُوهُمْ بِهِ عِنْدَهُمْ ؛ لِأَنَّ الْعُرَفَاءَ فِيمَا ذَكَرْنَا قَدْ أَقَامَهُمُ الَّذِينَ هُمْ عُرَفَاءُ عَلَيْهِمْ فِي أُمُورِهِمْ أَكْثَرَ مِنْ مَقَامِ الْوُكَلَاءِ فِيمَا وَكَّلُوهُمْ بِهِ عِنْدَ الْحُكَّامِ الَّذِينَ وَكَّلُوهُمْ بِمَا وَكَّلُوهُمْ بِهِ عِنْدَهُمْ ، وَمِمَّنْ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى ذَلِكَ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ، وَقَالُوا : أَلَا تَرَوْنَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَمْ يَحْتَجْ بَعْدَ مَا نَقَلَ إِلَيْهِ الْعُرَفَاءُ عَنِ الْقَوْمِ الَّذِينَ هُمْ عُرَفَاءُ عَلَيْهِمْ مَا نَقَلُوهُ إِلَيْهِ عَنْهُمْ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْوُقُوفِ عَلَى ذَلِكَ مِنْهُمْ ، وَأَنَّهُ أَطْلَقَ بِذَلِكَ السَّبَايَا لِقَوْمِهِمُ الَّذِينَ كَلَّمُوهُمْ فِيهِمْ ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ تَحْرِيمُ فُرُوجِهِنَّ عَلَى مَنْ كَانَتْ حَلَّتْ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِمَّنْ وَقَعَ مِلْكُهُ عَلَيْهِنَّ ، وَهَذِهِ حُجَّةٌ صَحِيحَةٌ ، وَإِنْ كَانَ لِقَائِلِهَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مُخَالِفُونَ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى ، وَيَقُولُونَ : لَا يُقْبَلُ إِقْرَارُ الْوُكَلَاءِ عَلَى مُوَكِّلِيهِمْ بِمَا يُقِرُّونَ بِهِ عَلَيْهِمْ ، وَلَكِنَّهُمْ مُخْرَجُونَ مِمَّا وُكِّلُوا مِنْهُ بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ ، وَمِمَّنْ كَانَ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ زُفَرُ ، وَأَبُو يُوسُفَ وَأَكْثَرُ أَهْلُ الْعِلْمِ سِوَاهُمَا وَسِوَى أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَاللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ : أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ قَتْلَ الْأَسِيرِ صَبْرًا ، وَيَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ : {{ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً }}
وَكَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ الْكُوفِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ : أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ قَتْلَ الْمُشْرِكِ صَبْرًا ، وَيَتْلُو عَلَيْنَا : {{ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ }} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : فَنَسَخَهَا قَوْلُهُ : {{ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ }} قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَتَأَمَّلْنَا مَا قَالَ عَطَاءٌ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ ، فَوَجَدْنَا اللَّهَ قَدْ ذَكَرَ هَذَا الْمَعْنَى فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ ، أَحَدُهُمَا : الْمَوْضِعُ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِهِ ، وَالْآخَرُ الْمَذْكُورُ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) ، إِلَى قَوْلِهِ : {{ عَذَابٌ عَظِيمٌ }} ، فَكَانَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِعْلَامُ اللَّهِ رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ أَسْرَى مِنَ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُثْخِنَ الْقَتْلَ فِيهِمْ ، وَمَعْقُولٌ أَنَّ الْقَتْلَ فِيهِمْ بِمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَوْلَى مِنَ الْأَسْرِ لَهُمْ ، وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى إِطْلَاقِهِ لَهُمْ قَتْلَهُمْ ، وَاسْتِعْمَالُ الَّذِي هُوَ أَوْلَى بِهِمْ مِنَ الْأَسْرِ الَّذِي هُمْ فِيهِ ، وَهَذَا فَقَدْ دَلَّ عَلَى إِبَاحَةِ قَتْلِ الْأَسْرَى لَا عَلَى الْمَنْعِ مِنْ قَتْلِهِمْ ، وَكَانَتِ الْآيَةُ الَّتِي تَلَاهَا عَطَاءٌ فِي حَدِيثِهِ كَانَ نُزُولُهَا بَعْدَ إِحْلَالِ اللَّهِ لَهُمُ الْغَنَائِمَ الَّتِي قَدْ كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ حَرَامًا عَلَيْهِمْ ، أَلَا تَرَاهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ : {{ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا }} أَيْ : مَنَافِعَهَا بِالْأَسْرِ الَّذِي فَعَلْتُمُوهُ حَتَّى تَأْخُذُوا الْفِدَاءَ مِمَّنْ أَسَرْتُمُوهُ ، {{ وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ، وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }} ، ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِالْوَعِيدِ الَّذِي أَتْبَعَهُ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ : {{ لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }} ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ وَمَا قَدْ رُوِيَ فِيهِ ، وَمَا قَدْ تَأَوَّلَ عَلَيْهِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا ، وَكَانَ الْأَخْذُ الْمُرَادُ فِي ذَلِكَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، هُوَ الْأَسْرُ الَّذِي يَكُونُ سَبَبًا لِذَلِكَ ، وَلَمْ نَكُنْ بَيِّنًا ذَلِكَ هَذَا الْبَيَانَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا فِي كِتَابِنَا هَذَا ، فَذَكَرْنَاهُ هَاهُنَا لِنَقِفَ عَلَيْهِ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي قَتْلِ الْأَسْرَى :
مَا قَدْ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : أَرَادَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ أَنْ يَسْتَعْمِلَ مَسْرُوقًا ، فَقَالَ لَهُ عُمَارَةُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ : أَتَسْتَعْمِلُ رَجُلًا مِنْ بَقَايَا قَتَلَةِ عُثْمَانَ ؟ فَقَالَ لَهُ مَسْرُوقٌ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ، وَكَانَ فِي أَنْفُسِنَا غَيْرَ كَذُوبٍ ، أَنَّ أَبَاكَ لَمَّا أَتَى إِلَى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِهِ ، فَقَالَ : مَنْ لِلصِّبْيَةِ يَا مُحَمَّدُ ؟ قَالَ : النَّارُ فَقَدْ رَضِيتُ لَكَ بِمَا رَضِيَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ ، جَمِيعًا ، قَالَ الرَّبِيعُ : حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ ، قَالَا : حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ ، يَقُولُ : بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ سَيِّدُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَقَالَ : مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ ؟ قَالَ : عِنْدِي يَا رَسُولَ اللَّهِ خَيْرٌ ، إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ ، وَإِنْ تُرِدِ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ ، فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حَتَّى كَانَ الْغَدُ ، فَقَالَ : مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ ؟ قَالَ : عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ ، ثُمَّ أَعَادَ مِثْلَ كَلَامِهِ الْأَوَّلِ ، فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ ، قَالَ : مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ ؟ قَالَ : عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ ، ثُمَّ أَعَادَ مِثْلَ كَلَامِهِ الْأَوَّلِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ ، فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، يَا مُحَمَّدُ ، مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إِلَيَّ ، وَاللَّهِ مَا كَانَ دِينٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ ، وَاللَّهِ مَا كَانَ بَلَدٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ ، فَأَصْبَحَ أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَيَّ ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ ، فَمَاذَا تَرَى ؟ فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ ، قَالَ لَهُ قَائِلٌ : أَصَبَوْتَ يَا ثُمَامَةُ ؟ قَالَ : لَا ، وَلَكِنْ أَسْلَمْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ ، وَوَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنَ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ ، يَقُولُ : بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ خَيْلًا لَهُ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ زَنْجُوَيْهِ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ ابْنَا عُمَرَ ، عَنْ سَعِيدٍ يَعْنِي الْمَقْبُرِيَّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ ثُمَامَةَ الْحَنَفِيَّ أُسِرَ ، فَكَانَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَغْدُو إِلَيْهِ فَيَقُولُ : مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ ؟ فَيَقُولُ : إِنْ تَقْتُلْ تُقْتَلْ ذَا دَمٍ ، وَإِنْ تَمُنَّ تَمُنَّ عَلَى شَاكِرٍ ، وَإِنْ تُرِدِ الْمَالَ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ ، فَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يُحِبُّونَ الْفِدَاءَ ، وَيَقُولُونَ : مَا نَصْنَعُ بِقَتْلِ هَذَا ، فَمَنَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَوْمًا فَأَسْلَمَ ، فَحَلَّهُ وَبَعَثَ مَعَهُ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِلَى حَائِطِ أَبِي طَلْحَةَ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ ، فَاغْتَسَلَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : حَسُنَ إِسْلَامُ أَخِيكُمْ أَوَلَا تَرَى إِلَى وُقُوفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلَى قَوْلِ ثُمَامَةَ لَهُ وَهُوَ أَسِيرٌ : إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ ، وَلَمْ يَدْفَعْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ ، وَيَقُولُ لَهُ : إِنَّ مَنْ أُسِرَ أَمِنَ ، يَعْنِي : أَنْ لَا أَقْتُلَ الْأَسِيرَ ، وَأَنْتَ أَسِيرٌ . وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ ، أَيْضًا ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَسَرَّ ثُمَامَةَ بْنَ أُثَالٍ ، فَكَانَ يَمُرُّ بِهِ ، فَيَقُولُ : يَا ثُمَامَةُ مَا عِنْدَكَ ؟ فَيَقُولُ : إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ ، وَإِنْ تَمُنَّ تَمُنَّ عَلَى شَاكِرٍ ، ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ فَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّهُ كَانَ جَائِزًا لَهُ قَتْلُهُ .
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، أَنَّ مَالِكًا ، أَخْبَرَهُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ ، فِي حَدِيثَيْهِمَا جَمِيعًا ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَهُ رَجُلٌ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَذَا ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : اقْتُلُوهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَابْنُ خَطَلٍ يَوْمَئِذٍ فِي حُكْمِ الْأَسِيرِ .
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ الْحَفَرِيُّ ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ ، قَالَ : زَعَمَ السُّدِّيُّ ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أَ مَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ النَّاسَ إِلَّا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ ، وَقَالَ : اقْتُلُوهُمْ وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعَلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ : عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَطَلٍ ، وَمِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ ، فَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَطَلٍ فَأُتِيَ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ ، فَاسْتَبَقَ إِلَيْهِ سَعِيدُ بْنُ حُرَيْثٍ ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، فَسَبَقَ سَعِيدٌ عَمَّارًا ، وَكَانَ أَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ فَقَتَلَهُ ، وَأَمَّا مِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ فَأَدْرَكَهُ النَّاسُ بِالسُّوقِ فَقَتَلُوهُ ، وَأَمَّا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ فَرَكِبَ الْبَحْرَ ، فَأَصَابَهُمْ رِيحٌ عَاصِفٌ ، فَقَالَ أَصْحَابُ السَّفِينَةِ لِأَهْلِ السَّفِينَةِ : أَخْلِصُوا ؛ فَإِنَّ آلِهَتَكُمْ لَا تُغْنِي عَنْكُمْ هَاهُنَا شَيْئًا ، فَقَالَ عِكْرِمَةُ : وَاللَّهِ لَئِنْ لَمْ يُنَجِّنِي فِي الْبَحْرِ إِلَّا الْإِخْلَاصُ لَا يُنَجِّينِي فِي الْبَرِّ غَيْرُهُ ، اللَّهُمَّ إِنَّ لَكَ عَلَيَّ عَهْدًا إِنْ أَنْتَ أَنْجَيْتَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ أَنْ آتِيَ مُحَمَّدًا صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، ثُمَّ أَضَعَ يَدِي فِي يَدِهِ ، فَلَأَجِدَنَّهُ عَفُوًّا كَرِيمًا ، فَنَجَا فَأَسْلَمَ ، وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ ، فَإِنَّهُ اخْتَبَأَ عِنْدَ عُثْمَانَ ، فَلَمَّا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ النَّاسَ لِلْبَيْعَةِ ، جَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : بَايِعْ عَبْدَ اللَّهِ ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى ، فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ ، فَقَالَ : أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا حِينَ رَآنِي كَفَفْتُ عَنْ بَيْعَتِهِ فَيَقْتُلَهُ قَالُوا : مَا دَرَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فِي نَفْسِكَ ، فَهَلَّا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ ؟ فَقَالَ : إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلنَّبِيِّ أَنْ يَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ عَيْنٍ وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا فَهْدٌ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ ، ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ أَفَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَدْ قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِأَصْحَابِهِ مَا
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَيُّوبَ الشَّعِيرِيُّ ، وَشَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخٍ وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الْمَكِّيُّ ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْجُدِّيُّ ، قَالُوا : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ أَبُو غَالِبٍ ، قَالَ : رَأَيْتُ جَنَازَةً كَثِيرَةَ الْأَهْلِ ، فِيهَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، فَقَالَ أَنَسٌ : غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الْكُفَّارِ أَشَدَّ النَّاسِ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : لَئِنْ أَمْكَنَهُ اللَّهُ مِنْهُ لَيَضْرِبَنَّ عُنُقَهُ ، فَأَظْفَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُسْلِمِينَ بِهِمْ ، وَكَانُوا يَجِيئُونَ بِهِمْ أُسَارَى فَيُبَايِعُهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حَتَّى جِيءَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ ، فَكَفَّ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَنْ بَيْعَتِهِ لِيَفِيَ الرَّجُلُ بِنَذْرِهِ ، وَكَرِهَ الرَّجُلُ أَنْ يَقُومَ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ قُدَّامَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَا يَصْنَعُ شَيْئًا بَايَعَهُ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَجَاءَ الرَّجُلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَقَالَ : كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِنَذْرِي ؟ فَقَالَ : قَدْ كَفَفْتُ عَنْهُ لِتَفِيَ بِنَذْرِكَ ، فَلَمْ تَصْنَعْ شَيْئًا فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْلَا أَوْمَضْتَ إِلَيَّ ؟ فَقَالَ : مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُومِضَ وَفِي حَدِيثِ يَزِيدَ خَاصَّةً : وَكَانَ ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا مِثْلُ مَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ .
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ الْكَيْسَانِيُّ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ ، قَالَا : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ ، حَدَّثَنِي عَاصِمُ ابْنُ بَهْدَلَةَ ، حَدَّثَنِي أَبُو وَائِلٍ ، حَدَّثَنِي ابْنُ مُعَيْزٍ السَّعْدِيُّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ جَالِسًا ، فَجَاءَهُ ابْنُ النَّوَّاحَةِ وَرَجُلٌ مَعَهُ يُقَالُ لَهُ ابْنُ وَثَالٍ ، قَدِمَ مَعَهُ وَافِدَيْنَ مِنْ عِنْدِ مُسَيْلِمَةَ ، فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : أَتَشْهَدَانِ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ؟ فَقَالَا : أَتَشْهَدُ أَنْتَ أَنَّ مُسَيْلِمَةَ رَسُولُ اللَّهِ ؟ قَالَ : آمَنْتُ بِاللَّهِ وَبِرُسُلِهِ ، لَوْ كُنْتُ قَاتِلًا وَافِدًا لَقَتَلْتُكُمَا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَهُمَا حِينَئِذٍ كَالْأَسِيرَيْنِ ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى إِبَاحَةِ قَتْلِ الْأَسْرَى ، وَاللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَرْوَانَ الْوَاسِطِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ سَعِيدٍ يَعْنِي ابْنَ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ ، عَنْ حَمَلِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّابِغَةِ ، قَالَ : كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ مُلَيْكَةُ وَأُمُّ عَفِيفٍ ، فَرَجَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَأَصَابَتْ قُبُلَهَا وَهِيَ حَامِلٌ ، فَأَلْقَتْ جَنِينًا وَمَاتَتْ ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلَةِ ، وَقَضَى فِي الْجَنِينِ غُرَّةً : عَبْدًا أَوْ أَمَةً أَوْ مِائَةً مِنَ الشَّاءِ ، أَوْ عْشًرا مِنَ الْإِبِلِ ، فَقَامَ أَبُوهَا أَوْ رَجُلٌ مِنْ عَصَبَتِهَا ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ ، وَلَا صَاحَ وَلَا اسْتَهَلَّ ، وَمِثْلُ ذَلِكَ دَمُهُ يُطَلُّ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : لَسْنَا مِنْ أَسَاجِيعِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي شَيْءٍ فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ بَعْدَ وُقُوفِنَا عَلَى إِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي مِقْدَارِ الْغُرَّةِ الْوَاجِبَةِ فِي الْجَنِينِ مِنَ الدِّيَةِ أَنَّهُ نِصْفُ عُشْرِهَا ، فَوَجَدْنَا فِيهِ ذِكْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْغُرَّةَ أَنَّهَا عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ إِعْلَامُ النَّاسِ بِالْغُرَّةِ مَا هِيَ ؟ ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : أَوْ مِائَةً مِنَ الشَّاءِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنَ الْغُرَّةِ فِي شَيْءٍ ، وَلَكِنَّهُ الْجُزْءُ الَّذِي هُوَ مِقْدَارُ الْغُرَّةِ مِنَ الدِّيَةِ مِنَ الشَّاءِ مَا هُوَ ؛ لَأَنَّ الدِّيَةَ مِنَ الشَّاءِ فِي قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُ الشَّاءَ صِنْفًا مِنْ أَصْنَافِ الدِّيَاتِ أَلْفَا شَاةٍ ، فَالْمِائَةُ مِنْهَا نِصْفُ عُشْرِهَا ، وَمِمَّنْ كَانَ يَجْعَلُ الدِّيَةَ مِنَ الشَّاءِ هَذَا الْمِقْدَارَ أَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ، فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ ، فَلَمْ يَكُنْ يَجْعَلُ الدِّيَةَ إِلَّا فِي الْإِبِلِ ، وَفِي الدَّرَاهِمِ وَفِي الدَّنَانِيرِ خَاصَّةً . وَأَمَّا مَالِكٌ فَكَانَ يَجْعَلُهَا فِي الْإِبِلِ ، وَفِي الدَّنَانِيرِ ، وَفِي الدَّرَاهِمِ . وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ ، فَكَانَ يَجْعَلُهَا فِي الْإِبِلِ خَاصَّةً دُونَ مَا سِوَاهَا ، وَكَانَ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي ذَلِكَ أَوْلَى ، وَلَمْ يَكُنْ مَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي قَصْدِهِ بِالدِّيَةِ لِقَتِيلِ الْأَنْصَارِ إِلَى مِائَةٍ مِنَ الْإِبِلِ ، وَلَا بِقَوْلِهِ فِي قَتِيلِ خَطَأِ الْعَمْدِ فِيهِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ ، فَدَافَعَ أَنْ تَكُونَ الدِّيَةُ أَصْنَافًا غَيْرَ الْإِبِلِ ، ثُمَّ قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ : أَوْ عَشْرًا مِنَ الْإِبِلِ فَكَانَ هَذَا عِنْدَنَا وَهْمًا فِي النَّقْلِ ؛ لِخُرُوجِهِ عَنْ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ جَمِيعًا ؛ وَلِتَلَقِّيهِمْ إِيَّاهُ بِالْخِلَافِ لَهُ ، وَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ إِنَّمَا دَارَ عَلَى أَبِي الْمَلِيحِ ، فَمِمَّنْ رَوَاهُ عَنْهُ قَتَادَةُ كَمَا ذَكَرْنَا ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ .
كَمَا حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْمَلِيحِ الْهُذَلِيَّ ابْنَ أُسَامَةَ ، وَكَانَ قَدْ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، هَكَذَا حَدَّثَنَاهُ الرَّبِيعُ فِي مُسْنَدِ أَسَدٍ فِي نَوْعٍ تُرْجِمَ بِمُسْنَدِ أُسَامَةَ الْهُذَلِيِّ ، فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ مَكَانَ ابْنِ أُسَامَةَ : عَنْ أُسَامَةَ ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ فِيهِ : وَقَدْ كَانَ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَأَبُو الْمَلِيحِ فَلَمْ يَصْحَبِ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَلَا عَلِمْنَاهُ رَآهُ ، وَالَّذِي صَحِبَ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ هُوَ أَبُوهُ وَهُوَ أُسَامَةُ بْنُ عُمَيْرٍ ، قَالَ : كَانَ فِينَا امْرَأَتَانِ ، فَضَرَبَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِعَمُودٍ ، فَقَتَلَتْهَا ، وَقَتَلَتْ مَا فِي بَطْنِهَا ، فَقَضَى النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوِ أَمَةٍ أَوْ بِفَرَسٍ ، أَوْ عَشْرٍ مِنَ الْإِبِلِ ، أَوْ كَذَا وَكَذَا مِنَ الْغَنَمِ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ رَهْطِ الْقَاتِلَةِ : كَيْفَ نَعْقِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لَا أَكَلَ وَلَا شَرِبَ وَلَا صَاحَ ، وَلَا اسْتَهَلَّ ، فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : أَسَجَّاعَةٌ أَنْتَ ؟ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّ مِيرَاثَ الْمَقْتُولَةِ لِزَوْجِهَا وَلِوَلدِهَا ، وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَةِ الْقَاتِلَةِ فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ مِنْ أَيُّوبَ عَلَى قَتَادَةَ ، ذِكْرُ الْفَرَسِ وَكَانَ فِيهِ : أَوْ عَشْرًا مِنَ الْإِبِلِ ، كَمَا فِي حَدِيثِ قَتَادَةَ ، وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَنَا مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ ، كَمَا هُوَ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ فِي الْوَهْمِ فِي الْعَدَدِ الَّذِي ذُكِرَ فِيهِمَا مِنَ الْإِبِلِ ؛ لِأَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي مِقْدَارِ الدِّيَةِ مِنَ الْإِبِلِ أَنَّهُ مِائَةُ الْإِبِلِ ، وَنِصْفُ الْعُشْرِ مِنْهَا إِنَّمَا هُوَ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ لَا عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ ، وَمِمَّنْ رَوَاهُ عَنْهُ أَيْضًا سَلَمَةُ بْنُ تَمَّامٍ ، وَهُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّقَرِيُّ
كَمَا حَدَّثَنَا فَهْدٌ ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مُرَّةَ الْقُرَشِيُّ ، حَدَّثَنَا الْمِنْهَالُ بْنُ خَلِيفَةَ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ تَمَّامٍ ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يُخَاصِمُ امْرَأَةً ، فَقَالَ : إِنِّي تَزَوَّجْتَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ ، وَإِنَّ ضَرَّتَهَا ضَرَبَتْ بَطْنَهَا ، فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : دُوْهُ وَكَانَ مَعَهَا أَخٌ لَهَا يُقَالُ لَهُ : عِمْرَانُ بْنُ عُوَيْمِرٍ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنَدِي مَنْ لَا أَكَلَ وَلَا شَرِبَ ، وَلَا صَاحَ وَلَا اسْتَهَلَّ ، وَمِثْلُهُ يُطَلُّ ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : دَعْنِي مِنْ أَرَاجِيزِ الْبَادِيَةِ أَوْ أَرَاجِيزِ الْأَعْرَابِ ، فِيهِ غُرَّةٌ : عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ ، أَوْ خَمْسُ مِائَةِ دِرْهَمٍ ، أَوْ فَرَسٌ ، أَوْ عِشْرُونَ وَمِائَةُ شَاةٍ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَصْبَحْتُ أَمْلِكُ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَلَا شَيْئًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَأَخِيهَا ، وَكَانَ يَوْمَئِذٍ عَلَى صَدَقَاتِ هُذَيْلٍ : اقْبِضْ مِنْ تَحْتِ يَدِكَ عِشْرِينَ وَمِائَةَ شَاةٍ فَفَعَلَ وَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْغُرَّةِ أَنَّهَا عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ ، أَوْ فَرَسٌ ، وَكَانَ فِيهِ أَيْضًا : أَوْ خَمْسُ مِائَةِ دِرْهَمٍ ، فَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الدَّرَاهِمَ جِنْسٌ مِنْ أَجْنَاسِ الدِّيَةِ ، وَأَنَّ مِقْدَارَهَا مِنْهَا عَشْرَةُ الَآفِ دِرْهَمٍ كَمَا يَقُولُ الْكُوفِيُّونَ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا يَقُولُ الْحِجَازِيُّونَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْكُوفِيِّينَ يَجْعَلُونَ مِقْدَارَ الدِّيَةِ مِنَ الدَّرَاهِمِ عَشْرَةَ آلَافٍ ، وَالْحِجَازِيُّونَ يَجْعَلُونَهَا مِنْهَا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّا قَدْ رُوِيَ مُوَافِقًا لِمَا قَالُوهُ فِيهِ :
مَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْعَوَقِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَضَى بِالدِّيَةِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا ، وَفِي ذَلِكَ نَزَلَتْ : {{ وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ }} ، بِأَخْذِهِمُ الدِّيَةَ فَطَعَنَ طَاعِنٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ، فَقَالَ : قَدْ رَوَاهُ عَنْ عَمْرٍو مَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، وَهُوَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ ابْنَ عَبَّاسٍ وَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَاهُ بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ عَمْرٍو ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، بِهَذَا الْحَدِيثِ ، وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنَ عَبَّاسٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ . فَكَانَ مِنْ حُجَّتِنَا لَهُمْ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ ابْنَ عُيَيْنَةَ قَدْ كَانَ رُبَّمَا رَفَعَ هَذَا الْحَدِيثَ وَذَكَرَ فِيهِ ابْنَ عَبَّاسٍ ، وَرُبَّمَا لَمْ يَذْكُرِ ابْنَ عَبَّاسٍ فِيهِ ، فَمِمَّنْ رَوَاهُ عَنْهُ بِإِثْبَاتِهِ ابْنَ عَبَّاسٍ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ الْمَكِّيُّ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْخَيَّاطُ
كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ عَمْرٍو ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، سَمِعْنَاهُ مَرَّةً يَقُولُ : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَضَى بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا يَعْنِي فِي الدِّيَةِ فَعَادَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ وَمُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ مِقْدَارِ الدِّيَةِ مِنَ الدَّرَاهِمِ مَا فِيهِ ، وَهُوَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي مَلِيحٍ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّهَا عَشْرَةُ آلَافٍ ، وَهَذَا مِمَّا لَا يُدْرَكُ بِالِاسْتِنْبَاطِ ، وَلَا بِالِاسْتِخْرَاجِ ، وَإِنَّمَا يُقَالُ فِيهِ بِالتَّوَقُّفِ ، وَالْعَشْرَةُ آلَافٍ قَدْ تَيَقَّنَّا وُجُوبَهَا وَلَمْ نَتَيَقَّنْ وُجُوبَ مَا جَاوَزَهَا ، فَكَانَ أَوْلَى الْأَشْيَاءِ بِنَا أَنْ لَا نَقْضِيَ فِي الدِّيَةِ مِنَ الدَّرَاهِمِ إِلَّا بِعَشَرَةِ آلَافٍ ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ : أَوْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الشَّاءِ ، وَهَذَا مِمَّا لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْعُلَمَاءِ ذَهَبَ إِلَيْهِ ، وَفِي إِجْمَاعِهِمْ عَلَى خِلَافِهِ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى فَسَادِهِ ، وَعَلَى أَنَّ الْأَوْلَى فِي ذَلِكَ مَا فِي حَدِيثِ قَتَادَةَ مِمَّا تَعُودُ بِهِ الدِّيَةُ مِنَ الشَّاءِ إِلَى أَلْفَيْ شَاةٍ ، غَيْرَ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ طَعَنَ فِي حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ تَمَّامٍ هَذَا ، وَذَكَرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ جَعَلَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي مَلِيحٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، وَذَكَرَ فِي ذَلِكَ :
مَا قَدْ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ ، حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ ، أَخْبَرَنَا الْمِنْهَالُ بْنُ خَلِيفَةَ ، حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ تَمَّامٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي مَلِيحٍ الْهُذَلِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ بَعْدَ أَبِيهِ أَحَدًا : أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أُتِيَ بِامْرَأَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُ : حَمَلُ بْنُ مَالِكٍ ، فَضَرَبَتْ إِحْدَاهُمَا بَطْنَ صَاحِبَتِهَا بِعَمُودِ فُسْطَاطٍ ، فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا ، فَانْطَلَقَ بِهِمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَمَعَهَا أَخٌ لَهَا يُقَالُ لَهُ : عِمْرَانُ ، فَقَصَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَقَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ ، فَقَالَ : أَنَدِي مَنْ لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ ، وَلَا صَاحَ وَلَا اسْتَهَلَّ فَمِثْلُهُ يُطَلُّ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : دَعْنِي مِنْ أَرَاجِيزِ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَوْ مِنْ أَرَاجِيزِ الْأَعْرَابِ فِيهِ غُرَّةٌ : عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ ، أَوْ خَمْسُ مِائَةِ دِرْهَمٍ ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا هِيَ ، أَوْ فَرَسٌ ، أَوْ عِشْرُونَ وَمِائَةُ شَاةٍ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ لَهَا بَنِينَ هُمْ سَادَةُ الْحَيِّ أَحَقُّ بِعَقْلِهَا مِنِّي ، فَقَالَ : أَنْتَ أَحَقُّ بِالْعَقْلِ عَنْ أُخْتِكَ مِنْ وَلَدِهَا فَقَالَ : مَا لَنَا شَيْءٌ نَعْقِلُ وَلَا نَدِي ، فَقَالَ لِحَمَلِ بْنِ مَالِكٍ وَهُوَ زَوْجُ الْمَرْأَتَيْنِ ، وَهُوَ عَلَى صَدَقَاتِ هُذَيْلٍ : اقْبِضْ مِنْ تَحْتِ يَدِكَ مِنْ صَدَقَاتِ هُذَيْلٍ عِشْرِينَ وَمِائَةَ شَاةٍ فَعَادَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ تَمَّامٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الْمَلِيحِ ، عَنْ أَبِيهِ ، فَعَادَ بِذَلِكَ مُنْقَطِعًا ، غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَلَمَةُ بْنُ تَمَّامٍ أَخَذَهُ عَنِ ابْنِ أَبِي مَلِيحٍ كَذَلِكَ وَحَدَّثَ بِهِ أَبُو مَلِيحٍ عَنْ أَبِيهِ كَمَا فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ مُرَّةَ ، وَذَلِكَ أَوْلَى مَا حُمِلَ عَلَيْهِ ؛ لِجَلَالَةِ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ وَإِتْقَانِهِ وَحِفْظِهِ ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ وَافَقَهُ أَيُّوبُ فِي رِوَايَتِهِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ أَبِي مَلِيحٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ ، وَإِيَّاهُ نَسْأَلَهُ التَّوْفِيقَ .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ الْغُدَانِيُّ ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ ، عَنْ أَبِي الْجُوَيْرِيَةِ ، عَنْ مَعْنِ بْنِ يَزِيدَ ، قَالَ : بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَا وَأَبِي وَجَدِّي ، وَخَطَبَ عَلَيَّ فَأَنْكَحَنِي ، وَخَاصَمْتُ إِلَيْهِ ، وَكَانَ أَبِي خَرَجَ بِدَنَانِيرَ يَتَصَدَّقُ بِهَا ، فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَجُلٍ ، فَأَخَذْتُهَا فَأَتَيْتُهُ بِهَا ، فَقَالَ : وَاللَّهِ مَا إِيَّاكَ أَرَدْتُ بِهَا ، فَخَاصَمْتُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَقَالَ : لَكَ مَا نَوَيْتَ لِأَبِي ، وَلَكَ مَا أَخَذْتَ يَا مَعْنُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فَوَجَدْنَا فِيهِ ذِكْرَ مَعْنٍ أَنَّ أَبَاهُ خَرَجَ بِالدَّنَانِيرِ الَّتِي كَانَ خَرَجَ بِهَا لَيَتَصَدَّقَ بِهَا ، فَوَضَعَهَا عِنْدَ الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ وَضَعَهَا عِنْدَهُ ، فَكَانَ ذَلِكَ الْوَضْعُ مِنْهُ عِنْدَ ذَلِكَ الرَّجُلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِتِلْكَ الدَّنَانِيرِ ؛ لِيَضَعَهَا فِي الْوَجْهِ الَّذِي أَخْرَجَهَا لَهُ ، وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ لَهُ فِي ذَلِكَ وَكِيلًا ، وَكَانَ تَقَدَّمَ مِنْ يَزِيدَ إِرَادَتُهُ بِتِلْكَ الدَّنَانِيرِ الصَّدَقَةَ عَلَى غَيْرِ ابْنِهِ عَلَى مَا فِي الْحَدِيثِ مِمَّا قَالَهُ لِابْنِهِ مَعْنٍ بَعْدَ أَخْذِهِ صَدَقَتَهُ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ ، وَكَانَتِ الْوِكَالِاتُ إِنَّمَا تَكُونُ بِمَا يَتَكَلَّمُ بِهِ الْمُوَكِّلُونَ وَيُخَاطِبُونَ بِهِ وُكَلَاءَهُمْ لَا بِمَا يَنْوُونَهُ فِي ذَلِكَ ، وَيَكْتُمُونَهُ عَنْهُمْ فِي قُلُوبِهِمْ ، وَكَانَ الثَّوَابُ إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَكُونُ مِنْ نِيَّاتِ الْمُتَصَدِّقِينَ وَمَنْ سِوَاهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَعْمَالِ الَّتِي يُطْلَبُ بِهَا الْقُرْبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى مِمَّا سَنَذْكُرُهُ فِيمَا بَعْدُ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ فِيمَا ذَكَرْنَا كَمَا وَصَفْنَا ، وَكَانَ مِنْ يَزِيدَ أَبِي مَعْنٍ مَا كَانَ مِنْهُ مِنَ النِّيَّةِ الَّتِي كَانَ نَوَاهَا فِيمَا كَانَ أَخْرَجَهُ لَيَتَصَدَّقَ بِهِ ، كَانَ لَهُ ثَوَابُ نِيَّتِهِ ، وَكَانَ مَا أَخَذَهُ ابْنُهُ مَعْنٌ مِنْ ذَلِكَ قَدْ أَخَذَهُ مِمَّنْ وُكِّلَ فِيهِ جَائِزُ الْوَكَالَةِ بِمَا فَعَلَهُ فِيهِ ، فَجَازَ لِمَعْنٍ مَا فَعَلَهُ لَهُ فِيهِ وَكِيلُ أَبِيهِ فِيمَا دَفَعَهُ إِلَيْهِ ، وَكَانَ لِأَبِيهِ ثَوَابُ مَا نَوَاهُ مِنَ الصَّدَقَةِ بِهِ عَلَى الْغَرِيبِ الَّذِي كَانَ أَرَادَ أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً عَلَيْهِ ، وَقَدِ احْتَجَّ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِقَوْلِهِ فِيمَنْ تَصَدَّقَ بِزَكَاةِ مَالِهِ عَلَى رَجُلٍ يَرَاهُ أَجْنَبِيًّا مِنْهُ ، ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ أَبُوهُ أَوِ ابْنُهُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ ، وَلَيْسَ هَذَا عِنْدَنَا مِنْ قَوْلِهِ بِشَيْءٍ ، وَلَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ حُجَّةٌ لَهُ فِيهِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، أَنَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِقَابِضِهَا ؛ لِأَنَّهَا زَكَاةُ مَالِ أَبِيهِ ، وَزَكَاةُ مَالِ أَبِيهِ أَوْ مَالِ ابْنِهِ لَا تَحِلُّ لَهُ ، وَإِذَا كَانَتْ لَا تَحِلُّ لَهُ كَانَتْ غَيْرَ جَازِيَةٍ عَنْ أَبِيهِ ، أَوْ عَنِ ابْنِهِ الَّذِي أَعْطَاهُ إِيَّاهَا ، وَمِثْلُ ذَلِكَ الرَّجُلِ يَدْفَعُ زَكَاةَ مَالِهِ إِلَى رَجُلٍ عَلَى أَنَّهُ فَقِيرٌ ، ثُمَّ يَعْلَمُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ غَنِيٌّ ، فَلَا تُجْزِئِهُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهَا حَرَامٌ عَلَى الَّذِي أُعْطِيَهَا ، وَإِذَا كَانَتْ حَرَامًا عَلَيْهِ ، كَانَتْ غَيْرَ جَازِيَةٍ عَنْ مُعْطِيهِ إِيَّاهَا ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ، وَهُوَ أَوْلَى مَا قِيلَ فِي هَذَا الْبَابِ عِنْدَنَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، وَإِيَّاهُ نَسْأَلَهُ التَّوْفِيقَ
مَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ ، عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : أَيُّمَا رَجُلٍ شَارَطَ امْرَأَةً فَعِشْرَتُهُمَا ثَلَاثُ لَيَالٍ ، فَإِنْ أَحَبَّا أَنْ يَتَنَاقَضَا تَنَاقَضَا ، وَإِنْ أَحَبَّا أَنْ يَزِيدَا فِي الْأَجَلِ زَادَا ، قَالَ سَلَمَةُ : لَا أَدْرِي أَكَانَتْ لَنَا خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً ؟
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : أَيُّمَا رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ تَمَتَّعَا فَعِشْرَتُهُمَا بَيْنَهُمَا ثَلَاثُ لَيَالٍ ، فَإِنْ أَحَبَّا أَنْ يَزْدَادَا ازْدَادَا وَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَتِ الْمُتْعَةُ طَلْقًا ، وَكَانَتْ حَلَالًا أَنَّهَا إِذَا عُقِدَتْ عَلَى وَقْتٍ بِعَيْنِهِ ، فَانْعَقَدَتْ عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَحَبَّ مُتَعَاقِدَاهَا أَنْ يَزِيدَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُدَّةً أَحَبَّاهَا ، وَذَكَرَا مِقْدَارَهَا أَنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ لَاحِقَةٌ بِالْمُدَّةِ الْأُولَى ، وَأَنَّ حُكْمَ الْمُدَّةِ الثَّانِيَةِ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْمُدَّةِ الْأُولَى ، فَمِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا الْبَيْعُ إِذَا وَقَعَ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ بِثَمَنٍ بِعَيْنِهِ ، ثُمَّ أَرَادَ وَاحِدٌ مِنْ مُتَعَاقِدَيْهِ زِيَادَةَ صَاحِبِهِ فِيمَا مَلَّكَهُ إِيَّاهُ فِيهِ شَيْئًا ، فَزَادَهُ إِيَّاهُ ، وَقَبِلَهُ مِنْهُ أَنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ لَاحِقَةٌ بِهِ ، وَدَاخِلَةٌ فِي حُكْمِهِ ، وَقَدْ رَوَيْنَا حَدِيثَ جَابِرٍ الَّذِي قَدْ رَوَيْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ فِي تَثْبِيتِ هَذَا الْمَعْنَى :
وَقَدْ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ ، فِي مِثْلِهِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ ، عَنْ جَابِرٍ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ اشْتَرَى مِنْهُ بَعِيرًا بِأُوقِيَّةٍ مِنْ ذَهَبٍ ، فَأَمَرَ بِلَالًا فَوَزَنَ لَهُ وَزَادَهُ قِيرَاطًا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي اسْتِعْمَالِهِمْ فِي الزِّيَادَاتِ فِي الْبِيَاعَاتِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَا يُوَافِقُ هَذَا الْمَعْنَى ، فَمِنْ ذَلِكَ :
مَا قَدْ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ رِجَالٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ : قَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ : وَدِدْنَا لَوْ أَنَّ عُثْمَانَ ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ تَبَايَعَا حَتَّى نَنْظُرَ أَيُّهُمَا أَعْظَمُ جَدًّا فِي التِّجَارَةِ ، فَاشْتَرَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنْ عُثْمَانَ فَرَسًا بِأَرْضٍ لَهُ أُخْرَى بِأَرْبَعِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ، شَكَّ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي الْعَدَدِ ، إِنْ أَدْرَكَتْهَا الصَّفْقَةُ وَهِيَ سَالِمَةٌ ، ثُمَّ أَجَازَ قَلِيلًا ، فَرَجَعَ ، فَقَالَ : أَزِيدُكَ سِتَّةَ آلَافٍ إِنْ وَجَدَهَا رَسُولِي سَالِمَةً ، قَالَ : نَعَمْ ، فَوَجَدَهَا رَسُولُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَدْ مَاتَتْ ، قَالَ : فَخَرَجَ مِنْهَا بِالشَّرْطِ الْآخَرِ ، فَقَالَ رَجُلٌ لِلزُّهْرِيِّ : فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ؟ قَالَ : فَهِيَ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا قَدْ دَلَّ عَلَيْهِ مِمَّا قَالَهُ الزُّهْرِيُّ فِي آخِرِهِ أَنَّ الْبَيْعَ لَوْ مَضَى عَلَى الْعِقْدِ الْأَوَّلِ كَانَ مَوْتُ الْفَرَسِ مِنْ مَالِ مُبْتَاعِهَا ، وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، ثُمَّ زَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عُثْمَانَ فِي ثَمَنِهَا زِيَادَةً زَادَهُ بِهَا عُثْمَانُ شَرْطًا أَوْجَبَ لَهُ إِنْ مَاتَتْ قَبْلَ وُصُولِ رَسُولِهِ إِلَيْهَا مَاتَتْ مِنْ مَالِ عُثْمَانَ وَهُوَ بَائِعُهَا ، فَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى إِلْحَاقِ الزِّيَادَاتِ فِي الْعُقُودِ ، وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ عُثْمَانَ ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بِحَضْرَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الَّذِينَ كَانُوا يَتَمَنَّوْنَ أَنْ يَتَبَايَعَا ؛ لِيَقِفُوا عَلَى أَيِّهِمَا أَعْظَمُ جَدًّا فِي التِّجَارَةِ ، فَلَمْ يُنْكِرُوا مَا كَانَ مِنْهُمَا عَلَيْهِمَا ، وَلَمْ يُخَالِفُوهُمَا فِي ذَلِكَ ، فَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى مُتَابَعَتِهِمْ إِيَّاهُمَا عَلَيْهِ . وَمِنْ ذَلِكَ :
مَا قَدْ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، أَخْبَرَنَا الْأَجْلَحُ الْكِنْدِيُّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ ، قَالَ : رَأَيْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ خَرَجَ مِنَ الْقَصْرِ فَاشْتَرَى قَتًّا بِدِرْهَمٍ ، فَاسْتَزَادَ صَاحِبَ الْقَتِّ حَبْلًا ، فَنَازَعَهُ حَتَّى أَخَذَ هَذَا قِطْعَةً مِنْهُ ، وَهَذَا قِطْعَةً مِنْهُ ، ثُمَّ احْتَمَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ حَتَّى دَخَلَ الْقَصْرَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَهَذَا كَانَ مِنْ عَمَّارٍ وَهُوَ أَمِيرٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْكُنِ الْقَصْرَ الَّذِي كَانَ الْأُمَرَاءُ يَسْكُنُونَهُ إِلَّا وَهُوَ أَمِيرٌ ، وَقَدْ حَقَّقَ ذَلِكَ :
مَا قَدْ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ ، حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكُ ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ وَالْأَجْلَحِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ ، قَالَ : رَأَيْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ خَرَجَ وَهُوَ أَمِيرٌ فَاشْتَرَى قَتًّا ، فَاسْتَزَادَهُ حَبْلًا ، فَجَعَلَ هَذَا يَمُدُّ ، وَهَذَا يَمُدُّ فَقَالَ أَبُو سِنَانٍ فَلَا أَدْرِي أَيُّهُمَا غَلَبَ وَقَالَ الْأَجْلَحُ : فَاقْتَسَمَاهُ نِصْفَيْنِ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ عَمَّارًا وَهُوَ أَمِيرٌ لَا تَصْلُحُ لَهُ الْهَدِيَّةُ ، وَلَا يَصْلُحُ لَهُ قَبُولُ هِبَةٍ مِنْ أَحَدٍ اسْتَزَادَ بَائِعَهُ ذَلِكَ الْقَتَّ ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ مِنْهُ إِلَّا لِأَنَّهُ يَلْحَقُ الْبَيْعَ ، فَيَكُونُ مِنْهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ ثَمَنِهِ ، كَهُوَ لَوْ وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَيْهِ مَعَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ سِوَاهُ ، وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي أَخْبَرَنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي هَذَا الْبَابِ فِيمَا قِيلَ فِيهِ ، وَهَذِهِ الزِّيَادَاتِ عِنْدَنَا إِنَّمَا تَلْحَقُ بِمَا زِيدَتْ فِيهِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الَّذِي زِيدَتْ فِيهِ فِي الْحَالِ الَّذِي اسْتُؤْنِفَ الْبَيْعُ عَلَيْهَا جَازَ ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَهُ مَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَمَوْتِ الْمَبِيعِ ، أَوْ كَعَتَاقِ مُبْتَاعِهِ إِيَّاهُ ، أَوْ كَخُرُوجِهِ مِنْ مِلْكِهِ إِلَى مِلْكِ مَنْ سِوَاهُ ، فَإِنَّ تِلْكَ الزِّيَادَاتِ إِنْ كَانَتْ ، كَانَتْ بِخِلَافِ هَذَا الْمَعْنَى ، وَلَمْ تَلْحَقْ بِذَلِكَ الْعِقْدِ الَّذِي قَدْ زِيدَتْ فِيهِ ، وَهُوَ الْمُوَفِّقُ وَهُوَ الْمُسْتَعَانُ .
حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ أَبَانَ الْبَصْرِيُّ أَبُو شُعَيْبٍ ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مَهْدِيٍّ الْأُبُلِّيُّ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا جَهْمِ بْنَ حُذَيْفَةَ مُصَدِّقًا ، فَلَاحَاهُ رَجُلٌ فِي صَدَقَتِهِ ، فَأَخَذَهُ فَضَرَبَهُ فَشَجَّهُ أَبُو جَهْمٍ ، فَأَتَوَا النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَقَالُوا : الْقَوَدُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : لَكُمْ كَذَا وَكَذَا فَلَمْ يَرْضَوْا ، فَقَالَ : لَكُمْ كَذَا وَكَذَا فَرَضُوا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : إِنِّي خَاطِبٌ الْعَشِيَّةَ عَلَى النَّاسِ وَمُخْبِرُهُمْ بِرِضَاكُمْ فَقَالُوا : نَعَمْ ، فَخَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَقَالَ : إِنَّ هَؤُلَاءِ اللَّيْثِيِّينَ أَتَوْنِي يُرِيدُونَ الْقَوَدَ ، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِمْ كَذَا وَكَذَا فَرَضُوا قَالَ : أَرَضِيتُمْ ؟ قَالُوا : لَا ، قَالَ : فَهَمَّ بِهِمُ الْمُهَاجِرُونُ ، فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَكُفُّوا عَنْهُمْ ، ثُمَّ دَعَاهُمُ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَزَادَهُمْ ، فَقَالَ : أَرَضِيتُمْ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ : فَإِنِّي خَاطِبٌ عَلَى النَّاسِ وَمُخْبِرُهُمْ بِرِضَاكُمْ قَالُوا : نَعَمْ ، فَخَطَبَ النَّاسَ ، فَقَالَ : أَرَضِيتُمْ ؟ قَالُوا : نَعَمْ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَعْنًى لَطِيفٌ مِنَ الْفِقْهِ يَجِبُ أَنْ يُوقَفَ عَلَيْهِ ، وَيُوقَفَ بِهِ عَلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي هَذَا الْمَعْنَى بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ فِي الْمَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ ، وَذَلِكَ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْمَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ زِيَادَةٌ فِي بَيْعٍ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَتَنَاقَضَهُ مُتَعَاقِدَاهُ ، ثُمَّ يَتَعَاقَدَانِهِ مِنْ ذِي قَبْلِ ، وَتَزْوِيجٌ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَتَنَاقَضَاهُ ، أَوْ يَتَعَاقَدَانِهِ مِنْ ذِي قَبْلٍ بِمَا يَتَعَاقَدَانِهِ ، فَجَازَتْ فِي ذَلِكَ الزِّيَادَةُ ، وَكَانَ الصُّلْحُ عَنْ أَبِي جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ مِمَّا لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَنَاقَضَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَالَّذِينَ صَالَحَهُمْ بِهِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ رَجُلًا لَوْ شَجَّ رَجُلًا شَجَّةً ، أَوْ جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً ، فَصَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى شَيْءٍ أَوْ صُولِحَ عَنْهُ مِنْهَا عَلَى شَيْءٍ ، ثُمَّ أَرَادَ مُتَعَاقِدَا ذَلِكَ الصُّلْحِ أَنْ يَتَنَاقَضَاهُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُمَا لَا يَقْدِرَانِ عَلَى ذَلِكَ ، وَأَنَّهُمَا إِنْ نَقَضَاهُ ، لَمْ يَنْتَقِضْ ، وَمَا هَذِهِ سَبِيلُهُ ، فَالزِّيَادَةُ فِيهِ غَيْرُ لَاحِقَةٍ بِأَصْلِهِ وَمُخْتَلَفٌ فِيهَا ، فَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ تَقُولُ : إِنَّهَا بَاطِلَةٌ ، وَإِنَّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى الَّذِي زَادَهَا ، وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَأَبُو يُوسُفَ ، وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ تَقُولُ : إِنَّهَا هِبَةٌ مِنَ الَّذِي زَادَهَا لِلَّذِي زَادَهَا إِيَّاهُ ، فَإِنْ سَلَّمَهَا إِلَيْهِ جَازَتْ لَهُ ، وَإِنْ مَنَعَهُ مِنْهَا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى تَسْلِيمِهَا إِلَيْهِ ، وَهَذَا مَعْنًى قَدْ ذَكَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ قَاسِمٍ مَا يَدُلُّ فِي جَوَابَاتِهِ اشْتِهَارُهُ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِيهِ ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ فِيهِ ، وَقَدْ مَالَ إِلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي بَعْضِ مَسَائِلِهِ الَّتِي تَدْخُلُ فِي هَذَا الْبَابِ ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَمْ يَدْفَعْ إِلَى أُولَئِكَ الْقَوْمِ مَا لَا يَحِلُّ لَهُمْ أَخْذُهُ ، وَأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ إِلَى أَحَدٍ إِلَّا مَا يَكُونُ طَيِّبًا لَهُ ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرِيعَتِهِ فِي مِثْلِ هَذَا تَحْرِيمُ أَكْلِ الرِّبَا ، وَتَحْرِيمُ إِطْعَامِهِ ، وَفِي إِبَاحَتِهِ إِيَّاهُمْ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى طِيبِهِ لَهُمْ ، وَأَنَّ ذَلِكَ قَدْ صَارَ إِلَيْهِمْ هِبَةً مِنْهُ لَهُمْ ، كَمَا قَالَ ذَلِكَ مَنْ قَالَهُ مِمَّنْ ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ هُوَ الْحُجَّةُ عَلَى النَّاسِ جَمِيعًا ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ النُّعْمَانِ السَّقَطِيُّ ، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، حَدَّثَنَا مُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيُّ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : زَنَى رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ فَدَكٍ ، فَكَتَبَ أَهْلُ فَدَكٍ إِلَى نَاسٍ مِنَ الْيَهُودِ بِالْمَدِينَةِ أَنْ سَلُوا مُحَمَّدًا عَنْ ذَلِكَ ، فَإِنْ أَمَرَكُمْ بِالْجَلْدِ فَخُذُوهُ ، وَإِنْ أَمَرَكُمْ بِالرَّجْمِ فَلَا تَأْخُذُوهُ عَنْهُ ، فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ : أَرْسِلُوا إِلَيَّ أَعْلَمَ رَجُلَيْنِ فِيكُمْ فَجَاءُوهُ بِرَجُلٍ أَعْوَرَ ، يُقَالُ لَهُ : ابْنُ صُورِيَّا وَآخَرُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : أَنْتُمَا أَعْلَمُ مَنْ قِبَلَكُمَا ؟ فَقَالَا : قَدْ نَحَلَنَا قَوْمُنَا بِذَلِكَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَهُمَا : أَلَيْسَ عِنْدَكُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ؟ فَقَالَا : بَلَى ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : فَنَشَدْتُكُمَا بِالَّذِي فَلَقَ الْبَحْرَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى ، وَأَنْزَلَ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى ، وَظَلَّلَ عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ ، وَأَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ، مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ مِنْ شَأْنِ الرَّجْمِ ؟ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ : مَا نُشِدْتُ بِمِثْلِهِ قَطُّ ، ثُمَّ قَالَا : نَجِدُ أَنَّ النَّظَرَ زَنْيَةٌ ، وَالِاعْتِنَاقَ زَنْيَةٌ ، وَالْقُبْلَةَ زَنْيَةٌ ، فَإِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ أَنَّهُمْ رَأَوْهُ يُبْدِي وَيُعِيدُ كَمَا يَدْخُلُ الْمِيلُ فِي الْمُكْحُلَةِ فَقَدْ وَجَبَ الرَّجْمُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : هُوَ ذَاكَ فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ ، وَنَزَلَتْ : {{ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ، وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا ، وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ }} الْآيَةَ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ فِي الْآيَةِ الْمَتْلُوَّةِ فِيهِ لِنَبِيِّهِ الْخِيَارَ فِي أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ الْيَهُودِ إِذَا جَاءُوهُ ، وَفِي أَنْ يُعْرِضَ عَنْهُمْ ، فَلَا يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ، فَقَالَ قَوْمٌ : هَذِهِ آيَةٌ مُحْكَمَةٌ ، وَكَانَ مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ رَجْمِ النَّبِيِّ ذَلِكَ الْيَهُودِيَّ بِاخْتِيَارِهِ أَنْ يَرْجُمَهُ ، وَقَدْ كَانَ لَهُ أَنْ لَا يَرْجُمَهُ لِقَوْلِ اللَّهِ : {{ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ }} ، أَيْ : فَلَا تَحْكُمْ بَيْنَهُمْ ، وَقَدْ خَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَذَكَرُوا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ : {{ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ }} ، وَرَوَوْا مَا قَالُوا فِي ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ :
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْحَارِثِ الْوَاسِطِيُّ الْبَاغَنْدِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ ، عَنِ الْحَكَمِ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : آيَتَانِ نُسِخَتَا مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ ، يَعْنِي سُورَةَ الْمَائِدَةِ : {{ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ }} ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مُخَيَّرًا إِنْ شَاءَ حَكَمَ بَيْنَهُمْ ، وَإِنْ شَاءَ أَعْرَضَ عَنْهُمْ ، فَرَدَّهُمْ إِلَى أَحْكَامِهِمْ ، فَنَزَلَتْ : {{ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ }} ، قَالَ : فَأُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ عَلَى كِتَابِنَا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَكَانَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا قَدْ حَقَّقَ نَسْخَ هَذِهِ الْآيَةِ بِالْآيَةِ الْمَتْلُوَّةِ فِي حَدِيثِهِ ، وَكَانَ حُكْمُ مَنْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي ذَلِكَ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ عَلَى مِثْلِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْهَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا ، وَكَانَ الْأَوْلَى بِالْأَحْكَامِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ هُوَ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ لَوْ لَمْ تَكُنِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةً ، لَا الْإِعْرَاضُ عَنْهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ إِذَا حَكَمُوا بَيْنَهُمْ ، شَهِدَ لَهُمُ الْفَرِيقَانِ اللَّذَانِ ذَكَرْنَا بِالنَّجَاةِ وَتَرْكِ مَفْرُوضٍ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَنْ يَقُولُ : إِنَّهُمْ حَكَمُوا : وَعَلَيْهِمْ أَنْ يَحْكُمُوا بِهِ ، يَقُولُ : قَدْ أَدُّوا الْمُفْتَرَضَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ ، وَيَقُولُ الْآخَرُونَ : قَدْ حَكَمُوا بِمَا لَهُمْ أَنْ يَحْكُمُوا بِهِ ، وَخَرَجَ الْحُكَّامُ بِذَلِكَ عِنْدَهُمْ مِنْ تَرْكِ مُفْتَرَضٍ إِنْ كَانَ عَلَيْهِمْ فِيهِ ، وَإِذَا أَعْرَضُوا عَنْهُمْ ، وَتَرَكُوا الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ ، فَأَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ يَقُولُ : قَدْ تَرَكُوا مُفْتَرَضًا عَلَيْهِمْ ، وَالْفَرِيقُ الْآخَرُ يَقُولُ : قَدْ تَرَكُوا مَا لَهُمْ تَرْكُهُ ، وَكَانَ مَا يُوجِبُ النَّجَاةَ لَهُمْ عِنْدَ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا أَوْلَى بِهِمْ مِمَّا يُوجِبُ لَهُمُ النَّجَاةَ عِنْدَ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ ، وَلَا يُوجِبُهُ لَهُمْ عِنْدَ الْفَرِيقِ الْآخَرِ ، هَذَا لَوْ لَمْ تَكُنِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةً ، فَإِذًا وَجَبَ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي ذَكَرْنَا مَعَ اتِّصَالِ إِسْنَادِهِ ، وَحُسْنِ سِيَاقَتِهِ أَنْ تَكُونَ مَنْسُوخَةً بِالْآيَةِ الَّتِي تَلَوْنَا بَعْدَهَا ، كَانَ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ أَوْلَى ، وَكَانَ التَّمَسُّكُ بِهَا أَحْرَى ، وَوَجَدْنَا قَوْلَهُ تَعَالَى : {{ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ }} يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ : وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِذَا تَحَاكَمُوا إِلَيْكَ ، وَأَنْ يَكُونَ عَلَى مَعْنَى : وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِوُقُوفِكَ عَلَى مَا كَانَ بَيْنَهُمْ مِمَّا يُوجِبُ ذَلِكَ الْحُكْمَ عَلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ يَتَحَاكَمُوا إِلَيْكَ . فَنَظَرْنَا : هَلْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ ؟
فَوَجَدْنَا فَهْدًا قَدْ حَدَّثَنَا ، قَالَ : حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ النَّخَعِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ ، عَنِ الْبَرَاءِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : مُرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِيَهُودِيٍّ قَدْ حُمِّمَ وَجْهُهُ ، وَقَدْ ضُرِبَ يُطَافُ بِهِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : مَا شَأْنُ هَذَا ؟ فَقَالُوا : زَنَى ، فَقَالَ : مَا تَجِدُونَ حَدَّ الزِّنَى فِي كِتَابِكُمْ ؟ قَالُوا : يُحَمَّمُ وَجْهُهُ ، وَيُعَزَّرُ وَيُطَافُ بِهِ ، فَقَالَ : أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ ، مَا تَجِدُونَ حَدَّهُ فِي كِتَابِكُمْ ؟ فَأَشَارُوا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ ، فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَقَالَ الرَّجُلُ : نَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ الرَّجْمَ ، وَلَكِنَّهُ كَثُرَ فِي أَشْرَافِنَا ، فَكَرِهْنَا أَنْ نُقِيمَ الْحَدَّ عَلَى سِفْلَتِنَا وَنَتْرُكَ أَشْرَافَنَا ، فَاصْطَلَحْنَا عَلَى شَيْءٍ ، فَوَضَعْنَا هَذَا ، فَرَجَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَقَالَ : أَنَا أَوْلَى مَنْ أَحْيَا مَا أَمَاتُوا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ رَجَمَ ذَلِكَ الْيَهُودِيَّ بِلَا تَحَاكُمٍ مِنَ الْيَهُودِ إِلَيْهِ فِيهِ ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ أَوْلَى الِاحْتِمَالَيْنِ بِالْآيَةِ الَّتِي تَلَوْنَاهَا الْمُوَافِقُ لِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْهُمَا ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ : {{ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ }} ، أَيْ : وَأَنِ احْكُمْ عَلَيْهِمْ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْكَ فِي الْكِتَابِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكَ بَعْدَ عِلْمِكَ بِوُجُوبِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يُحْكَمُ بِهِ عَلَيْهِ تَحَاكَمُوا فِي ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَحْكُمَ بَيْنَهُمْ فِيهِ أَوْ لَمْ يَتَحَاكَمُوا إِلَيْكَ فِيهِ ، وَاللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .
مَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، أَنَّ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ ، أَخْبَرَهُ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ مِنْ شَأْنِ الرَّجْمِ ؟ فَقَالُوا : نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ ، كَذَبْتُمْ ، إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ ، فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا ، فَوَضَعَ يَدَهُ أَحَدُهُمْ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ ، فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ : ارْفَعْ يَدَكَ ، فَرَفَعَ يَدَهُ ، فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ ، قَالُوا : صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ ، فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ ، فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَرُجِمَا ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ : فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَحْنِي عَلَى الْمَرْأَةِ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الَّذِيَ لَهُ تَرَكُوا رَجْمَ الزُّنَاةِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْدَ وُقُوفِهِمْ عَلَى هَذِهِ الْآثَارِ ، وَمَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِيهَا أَنَّ الْحُكْمَ كَانَ عِنْدَهُمْ فِي الْيَهُودِ ، يَعْنِي فِي حَدِّ الزِّنَى فِي التَّوْرَاةِ ، الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ رَجَمَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَنْ رَجَمَهُ مِنَ الْيَهُودِ الْمَذْكُورِينَ فِيهَا إِنَّمَا هُوَ بِالزِّنَى خَاصَّةً كَانَ مَعَهُ إِحْصَانٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِحْصَانٌ ، وَكَانَ الدَّلِيلُ عِنْدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ سُؤَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْيَهُودَ : مَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ ؟ ، فَأَجَابُوا بِمَا أَجَابُوهُ بِهِ مِمَّا ذُكِرَ ، يَعْنِي فِي الْآثَارِ الَّتِي قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي ذَلِكَ ، وَلَمْ يَكُنْ فِي سُؤَالِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِيَّاهُمْ ذِكْرُ زَانٍ مُحْصَنٍ ، وَلَا ذِكْرُ زَانٍ غَيْرُ مُحْصَنٍ ، وَكَذَلِكَ كَانَ فِي جَوَابِهِمْ إِيَّاهُ عَنْ ذَلِكَ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ زَنًى مِنْ مُحْصَنٍ ، وَلَا زَنًى مِنْ غَيْرِ مُحْصَنٍ ، فَاسْتَدَلُّوا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعُقُوبَةَ كَانَتْ فِي الزِّنَى فِي التَّوْرَاةِ كَذَلِكَ ، ثُمَّ كَانَتِ الْعُقُوبَةُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الزُّنَاةِ فِي الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ ذَلِكَ ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : {{ وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ ، فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا }} ، فَكَانَ ذَلِكَ حَدَّ الزَّانِيَاتِ ، ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : {{ وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا ، فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا }} ، فَكَانَ ذَلِكَ حَدَّ الرِّجَالِ فِي ذَلِكَ بِلَا جَلْدٍ وَلَا رَجْمٍ ، ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِالسَّبِيلِ الَّذِي قَدْ كَانَ تَقَدَّمَ فِي ذِكْرِهَا بِقَوْلِهِ فِي كِتَابِهِ : {{ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا }} ، فَقَالَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَا ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ .
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : خُذُوا عَنِّي ، فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ، الْبِكْرُ يُجْلَدُ وَيُنْفَى ، وَالثَّيِّبُ يُجْلَدُ وَيُرْجَمُ
وَكَمَا حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيُّ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، قَالَ : وَأَخْبَرَنَا مَنْصُورُ بْنُ زَاذَانَ ، عَنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حِطَّانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيُّ ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : خُذُوا عَنِّي ، فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَرَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ فَبَيَّنَ بِذَلِكَ السَّبِيلَ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ مَا هِيَ ، وَأَعْلَمَ بِحُدُودِ كُلِّ صِنْفٍ مِنَ الْأَبْكَارِ وَمِنَ الثَّيِّبِ . ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَبَعْدَ عِلْمِهِ بِرَجْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَنْ كَانَ يَرْجُمُهُ فِي الزِّنَى مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
مَا قَدْ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ ، حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ غَيْرُ مُحْصَنِينَ ، وَإِذَا كَانُوا كَذَلِكَ لَمْ يَكُونُوا فِي الزِّنَى مَرْجُومِينَ ، وَهُوَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمَأْمُونُ عَلَى مَا قَالَ ، وَلَمَّا خَرَجَ أَهْلُ الْكِتَابِ مِنَ الْإِحْصَانِ الَّذِي يُوجِبُ الرَّجْمَ بَعْدَ إِطْلَاقِ اللَّهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ ، وَأَنْ لَا يَتَّبِعَ أَهْوَاءَهُمْ وَكَانَ النَّاسُ جَمِيعًا فِي الْبَدْءِ غَيْرَ مُحْصَنِينَ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمُ الْأَسْبَابُ الَّتِي تُوجِبُ لَهُمُ الْإِحْصَانَ ، فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ عُقُوبَاتُ الزِّنَى إِذَا كَانَ مِنْهُمْ ، وَهُوَ الْجَلْدُ الَّذِي هُوَ حَدُّهُمْ قَبْلَ أَنْ يَكُونُوا مُحْصَنِينَ ، كَانُوا عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا غَيْرَ خَارِجِينَ عَنْهُ حَتَّى تَقُومَ الْحُجَّةُ بِخُرُوجِهِمْ عَنْهُ إِلَى مَا يَنْقِلُ عُقَوبَاتِهِمْ فِي زِنَاهُمْ مِنَ الْجَلْدِ إِلَى الرَّجْمِ ، وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ الرَّجُلَ الْمُسْلِمَ يَكُونُ مُحْصَنًا بِزَوْجَتِهِ الْمُسْلِمَةِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَا حُرَّيْنِ بِالِغَيْنِ قَدْ جَامَعَهَا وَهُمَا بَالِغَانِ ، فَوَجَبَ بِذَلِكَ لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى نَقْلِ حُكْمِ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ سَبِيلَهُ مِنَ الْجَلْدِ إِلَى الرَّجْمِ إِذَا كَانَ مِنْهُ الزِّنَى ، وَتَرْكُهُ مَنْ سِوَاهُ عَلَى حَدِّهِ الْأَوَّلِ الَّذِي قَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ كَانَ حَدَّهُ فِي الزِّنَى حَتَّى يُجْمِعُوا كَذَلِكَ عَلَى نَقْلِهِ مِنْ ذَلِكَ الْحَدِّ إِلَى الرَّجْمِ الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَا ، وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ فِي أُمُورِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى مَا قَالَهُ مَنْ قَالَهُ مِنَ انْتِفَاءِ الرَّجْمِ مِنْهُ . وَقَدْ دَخَلَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى ، فَذَكَرَ عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي مُخْتَصَرِهِ الصَّغِيرِ الَّذِي أَلَّفَهُ عَلَى قَوْلِهِ ، وَكَتَبْنَاهُ عَمَّنْ حَدَّثَنَاهُ عَنْهُ ، قَالَ : وَإِذَا أَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ ثُمَّ زَنَى ، وَقَدْ تَزَوَّجَ فِي النَّصْرَانِيَّةِ ، فَلَا يَكُونُ مُحْصَنًا حَتَّى يَطَأَ زَوْجَتَهُ فِي الْإِسْلَامِ ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ يُعْتَقُ وَلَهُ زَوْجَةٌ ، فَيَزْنِي ، فَلَا يَكُونُ مُحْصَنًا حَتَّى يَطَأَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ ، ثُمَّ يَزْنِيَ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَكُونَ مُحْصَنًا ، وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ تُعْتَقُ وَلَهَا زَوْجٌ ، فَلَا تَكُونُ مُحْصَنَةً حَتَّى تَزْنِيَ بَعْدَمَا يُصِيبُهَا زَوْجُهَا بَعْدَ الْعِتْقِ . فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ كَانَ فِي الْإِحْصَانِ أَنَّ مَا كَانَ مِنَ النَّصْرَانِيِّ فِي نَصْرَانِيَّتِهِ مِنَ التَّزْوِيجِ وَالْجِمَاعِ لَا يُحَصِّنُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يُحَصِّنُهُ فِي حَالِ نَصْرَانِيَّتِهِ ، لَكَانَ الْإِسْلَامُ إِذَا طَرَأَ عَلَيْهِ وَكَّدَهُ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ ، دَلَّ أَنَّ مِنْ أَسْبَابِ الْإِحْصَانِ الَّتِي يَجِبُ بِهَا الرَّجْمُ فِي الزِّنَى الْإِسْلَامُ ، وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى لُزُومِهِ فِي ذَلِكَ مَا قَدْ قَالَهُ مُخَالِفُهُ فِيهِ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .
كَمَا حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ الْجُعْفِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ ، أَخْبَرَنَا مُجَالِدٌ ، عَنْ عَامِرٍ ، عَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : أُتِيَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِيَهُودِيٍّ وَيَهُودِيَّةٍ قَدْ زَنَيَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِلْيَهُودِ : مَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تُقِيمُوا عَلَيْهِمَا الْحَدَّ ؟ فَقَالُوا : قَدْ كُنَّا نَفْعَلُ إِذْ كَانَ الْمُلْكُ لَنَا وَفِينَا ، فَأَمَّا إِذْ ذَهَبَ مُلْكُنَا فَلَا نَجْتَرِئُ عَلَى الْقَتْلِ ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : ائْتُونِي بِأَعْلَمِ رَجُلَيْنِ مِنْكُمْ فَأَتَوْهُ بِابْنَيْ صُورِيَّا ، فَقَالَ لَهُمَا : أَنْتُمَا أَعْلَمُ مَنْ وَرَاءَكُمَا ؟ قَالَا : كَذَلِكَ يَقُولُونَ ، فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : أَنْشُدُكُمَا بِالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى ، كَيْفَ تَجِدُونَ حَدَّهُمَا فِي التَّوْرَاةِ ؟ فَقَالَا : نَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ : الرَّجُلُ يُقَبِّلُ الْمَرْأَةَ زَنْيَةٌ وَفِيهِ عُقُوبَةٌ ، وَالرَّجُلُ يُوجَدُ عَلَى بَطْنِ الْمَرْأَةِ زَنْيَةٌ وَفِيهِ عُقُوبَةٌ ، فَإِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ أَنَّهُمْ رَأَوْهُ يُدْخِلُهُ فِي فَرْجِهَا كَمَا يَدْخُلُ الْمِيلُ فِي الْمُكْحُلَةِ رُجِمَا ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : ائْتُونِي بِشُهُودٍ فَشَهِدَ أَرْبَعَةٌ مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ ، فَرَجَمَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَكَذَلِكَ وَجَدْنَا الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَئِمَّةِ الْأَمْصَارِ فِي الْفِقْهِ فِي قَبُولِ شَهَادَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ ، وَإِنْ كَانُوا قَدِ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ مَعَ اخْتِلَافِ مِلَلِهِمْ ، فَأَمَّا فِي اتِّفَاقِهَا فَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي ذَلِكَ ، مِنْهُمْ شُرَيْحٌ وَهُوَ قَاضِي الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ : عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ شَيْخٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ ، عَنْ شُرَيْحٍ : أَنَّهُ كَانَ يُجِيزُ شَهَادَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَمِنْهُمْ : عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَعَ عِلْمِهِ وَأَمَانَتِهِ وَمَوْضِعِهِ مِنَ الْإِسْلَامِ .
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَجَازَ شَهَادَةَ مَجُوسِيٍّ عَلَى نَصْرَانِيٍّ ، وَنْصَرَانِيٍّ عَلَى مَجُوسِيٍّ وَمِنْهُمُ : الشَّعْبِيُّ .
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ أَبِي الْحُصَيْنِ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ : أَنَّهُ كَانَ يُجِيزُ شَهَادَةَ النَّصْرَانِيِّ عَلَى الْيَهُودِيِّ ، وَالْيَهُودِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ
وَكَمَا حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ : أَنَّهُ كَانَ يُجِيزُ شَهَادَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَمِنْهُمُ : ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ .
كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، قَالَ : تَجُوزُ شَهَادَةُ النَّصْرَانِيِّ وَالْيَهُودِيِّ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ ، وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْيَهُودِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ ، وَلَا النَّصْرَانِيِّ عَلَى الْيَهُودِيِّ
وَكَمَا حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُنْقِذٍ ، حَدَّثَنِي إِدْرِيسُ بْنُ يَحْيَى ، عَنْ بَكْرِ بْنِ مُضَرَ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، قَالَ : كَانَ يَقُولُ : شَهَادَةُ النَّصْرَانِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ ، وَكَانَ يَرَى شَهَادَةَ الْيَهُودِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ ، أَوِ النَّصْرَانِيِّ عَلَى الْيَهُودِيِّ لَا تَجُوزُ وَمِنْهُمْ : يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ . كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ أَنَّهُ سَمِعَ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِهِ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ سَوَاءً . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَقَدْ تَمَسَّكَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهُمُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ . كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ اللَّيْثَ يَقُولُ ذَلِكَ ، يَعْنِي مِثْلَ الَّذِي ذَكَرَهُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَهَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْأَمْصَارِ وَفُقَهَاؤُهُمْ . وَقَدْ سَمِعْتُ يُونُسَ يَقُولُ : سَمِعْتُ ابْنَ وَهْبٍ يَقُولُ : خَالَفَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ مُعَلِّمِيهِ فِي رَدِّ شَهَادَةِ النَّصَارَى بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ ، كَانَ ابْنُ شِهَابٍ ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةُ يُجِيزُونَهَا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ أَبِي عِمْرَانَ يَقُولُ : سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ أَكْثَمَ يَقُولُ وَذَكَرَ هَذَا الْبَابَ ، فَقَالَ : جَمَعْتُ فِيهِ قَوْلَ مِائَةِ فَقِيهٍ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي قَبُولِ شَهَادَاتِ أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ ، وَمَا وَجَدْتُ فِيهِ اخْتِلَافًا مِنْ أَمْثَالِهِمْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ إِلَّا عَنْ رَبِيعَةَ ، فَإِنِّي وَجَدْتُ عَنْهُ قَبُولَهَا ، وَوَجَدْتُ عَنْهُ رَدَّهَا . وَقَالَ قَائِلٌ : كَيْفَ يَجُوزُ قَبُولُ شَهَادَتِهِمْ مَعَ الْكُفْرِ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ قَالَ : وَإِذَا كَانَ فُسَّاقُنَا بِمَا هُوَ دُونَ الْكُفْرِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ ، كَانَ الْكُفَّارُ مِنْ غَيْرِنَا أَحْرَى أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُمْ . فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ : أَنَّ الْكُفْرَ الَّذِي أَهْلُ الْكِتَابِ عَلَيْهِ ، لَمْ يُخْرِجْهُمْ مِنْ حَالِ وِلَايَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا فِي تَزْوِيجِ بَنَاتِهِمْ ، وَفِي الْوَلَايَةِ عَلَى صِغَارِهِمْ مِمَّنْ هُمْ آبَاؤُهُمْ فِي الْبَيْعِ لَهُمْ ، وَفِي الِابْتِيَاعِ لَهُمْ ، وَكَانَ مِثْلُ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ مِنْ فُسَّاقِنَا فِي أَمْثَالِ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ أَبْنَائِهِمْ ، وَكَانَ مَنْ كَانَ مِنْ فُسَّاقِنَا وَاجِبٌ عَلَيْنَا مُنَابَذَتُهُ ، وَتَرْكُ إِقْرَارِهِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ فِسْقِهِ حَتَّى نُزِيلَهُ عَنْهُ إِلَى الْوَاجِبِ عَلَيْهِ بِالشَّرِيعَةِ الَّتِي هُوَ مِنْ أَهْلِهَا ، وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ بِخِلَافِ ذَلِكَ ، إِذْ كَانُوا مُخَلِّينَ عَلَى حُكْمِ شَرِيعَتِهِمْ غَيْرَ مَأْخُوذِينَ بِتَرْكِ ذَلِكَ ، وَلَا بِالزَّوَالِ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ ، وَإِذَا كَانُوا فِيمَا ذَكَرْنَا كَذَلِكَ ، كَانُوا بِخِلَافِ الْفُسَّاقِ مِنَّا ، وَكَانُوا فِي سَائِرِ مَا فِي شَرِيعَتِهِمْ كَنَحْنُ فِي مَا تُوجِبُهُ شَرِيعَتُنَا ، وَمِمَّنْ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ : أَبُو حَنِيفَةَ ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَسَائِرُ الْكُوفِيِّينَ سِوَاهُمْ ، إِلَّا مَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ مِنْ مِلَلِهِمْ إِذَا اخْتَلَفَتْ ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ لَا يُرَاعِي ذَلِكَ ، وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يُخَالِفُونَهُمْ فِي ذَلِكَ ، وَلَا يَقْبَلُونَ شَهَادَةَ أَهْلِ مِلَّةٍ مِنْهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التِّرْمِذِيُّ ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : كَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ ، وَعَدِيُّ بْنُ بَدَّاءٍ يَخْتَلِفَانِ إِلَى مَكَّةَ لِلتِّجَارَةِ ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَهْمٍ ، فَتُوُفِّيَ بِأَرْضٍ لَيْسَ بِهَا مُسْلِمٌ ، فَأَوْصَى إِلَيْهِمَا بِتَرِكَتِهِ ، فَدَفَعَا بِتَرِكَتِهِ إِلَى أَهْلِهِ ، وَحَبَسَا جَامًا مِنْ فِضَّةٍ مُخَوَّصًا مِنْ ذَهَبٍ ، فَاسْتَحْلَفَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِاللَّهِ : مَا كَتَمْنَا وَلَا أَطْلَعْنَا ، ثُمَّ عُرِفَ الْجَامُ بِمَكَّةَ عِنْدَ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ ، فَقَالُوا : اشْتَرَيْنَاهُ مِنْ عَدِيٍّ وَتَمِيمٍ ، فَقَامَ رَجُلَانِ مِنْ أَوْلِيَاءِ السَّهْمِيِّ ، فَحَلَفَا بِاللَّهِ : إِنَّ هَذَا لَجَامُ السَّهْمِيِّ ، وَلَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا ، وَمَا اعْتَدَيْنَا ، إِنَّا إِذًا لِمَنَ الظَّالِمِينَ ، فَأُخِذَ الْجَامُ ، وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ هَذَا كُوفِيٌّ ثِقَةٌ يُعْرَفُ بِالشَّنِّيِّ ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ غَيْرُ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ ، مِنْهُمْ : أَبُو أُسَامَةَ وَحَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَكَمِ الْحَبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعُرَنِيُّ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْمُهَلَّبِ أَبُو كُدَيْنَةَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، مِثْلَهُ فَقَالَ قَائِلٌ : فَهَذِهِ آيَةٌ قَدْ أَنْزَلَهَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ ، وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي حُكْمِهِ بِمَا أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ فِيهَا مَا قَدْ رَوَيْتُهُ فِي هَذَا الْبَابِ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ الَّذِي رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ فِي تَمَسُّكِهِ بِهَا ، وَأَنَّهَا عِنْدَهُ مِمَّا الْحُكْمُ بِمَا فِيهَا قَائِمٌ لَمْ يَلْحَقْهُ نَسْخٌ .
وَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْهَرَوِيُّ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ ، حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يَقُولُ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : {{ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ }} ، قَالَ : مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مِنَ الْكُفَّارِ ، إِذَا لَمْ تَجِدُوا الْمُسْلِمِينَ
وَكَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ يَعْنِيَ ابْنَ زِيَادٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : {{ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ }} ، قَالَ : مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ مُحْكَمَةً غَيْرَ مَنْسُوخَةٍ . وَرُوِي عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ كَانَ فِيهَا كَمَذْهَبِ ابْنِ عَبَّاسٍ .
كَمَا حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ الْكَيْسَانِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ الْأَزْرَقُ ، قَالَ : سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ : قَضَى أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ بِدَقُوقَاءَ بِهَذِهِ الْآيَةِ : {{ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ }}
وَكَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْهَرَوِيُّ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ ، عَنْ عَامِرٍ ، قَالَ : خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي خَثْعَمٍ ، فَتُوُفِّيَ بِدَقُوقَاءَ ، فَلَمْ يَشْهَدْ وَصِيَّتَهُ إِلَّا رَجُلَانِ نَصْرَانِيَّانِ مِنْ أَهْلِهِ ، فَأَشْهَدَهُمَا عَلَى وَصِيَّتِهِ ، فَقَدِمَا الْكُوفَةَ ، فَأَحْلَفَهُمَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ دُبُرَ صَلَاةِ الْعَصْرِ فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ مَا خَانَا وَلَا بَدَّلَا وَلَا كَتَمَا ، وَإِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ ، ثُمَّ أَجَازَ شَهَادَتَهُمَا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَهُ مُحْكَمَةً غَيْرَ مَنْسُوخَةٍ ، وَلَا نَعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ خِلَافًا لَهُمَا ، يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ ، وَأَبَا مُوسَى فِي ذَلِكَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، ثُمَّ التَّابِعُونَ فِي ذَلِكَ قَدْ كَانَ أَكْثَرُهُمْ عَلَى مِثْلِ الَّذِي كَانَا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ .
فَذَكَرَ مَا حَدَّثَنَا بَكَّارُ بْنُ قُتَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : كَتَبَ هِشَامُ بْنُ هُبَيْرَةَ إِلَى شُرَيْحٍ يَسْأَلُهُ عَنْ شَهَادَةِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ : أَنْ لَا تَجُوزَ شَهَادَةُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إِلَّا فِي وَصِيَّةٍ ، وَلَا تَجُوزُ فِي وَصِيَّةٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا الْهَرَوِيُّ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ شُرَيْحٍ ، قَالَ : لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْيَهُودِيِّ وَلَا النَّصْرَانِيِّ إِلَّا فِي السَّفَرِ ، وَلَا تَجُوزُ فِي السَّفَرِ إِلَّا فِي الْوَصِيَّةِ قَالَ : فَهَذَا شُرَيْحٌ وَهُوَ قَاضِي الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ قَدْ كَانَ مَذْهَبُهُ فِيهَا أَيْضًا أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ .
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ : {{ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ }} قَالَ : مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ .
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا الْهَرَوِيُّ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، عَنْ عَبِيدَةَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : {{ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ }} قَالَ : هِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ قَالَ : وَقَالَ مَعْمَرٌ : قَالَ قَتَادَةُ مِثْلَهُ
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ عَبِيدَةَ عَنْهَا ، فَقَالَ : مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمِلَّةِ فَدَلَّ ذَلِكَ أَيْضًا عَلَى مِثْلِ مَا قَدْ دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ .
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ ، حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ : {{ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ }} : أَنْ يَمُوتَ الْمُسْلِمُ فَيَحْضُرَ مَوْتَهُ مُسْلِمَانِ ، أَوْ كَافِرَانِ ، وَلَا يَحْضُرَ غَيْرُ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ ، فَإِنْ رَضِيَ وَرَثَتُهُ بِمَا غَلَبَا عَنْهُ مِنْ تَرَكْتِهِ ، فَذَلِكَ وَيَحْلِفَانِ : إِنَّهُمَا صَادِقَانِ ، فَإِنْ عَثَرَ بِلَطْخٍ وُجِدَ ، أَوْ لُبِسَ ، أَوْ تَشْبِيهٍ ، حَلَفَ الِاثْنَانِ لِلْأَقْرَبِينَ مِنَ الْوَرَثَةِ فَاسْتَحَقَّا وَأَبْطَلَا أَيْمَانَ الشَّاهِدِينَ فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ مُجَاهِدٍ ، كَمَا ذَكَرْنَاهَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ عِنْدَ غَيْرِهِ .
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ الْمُغِيرَةُ : وَأَخْبَرَنِي مَنْ ، سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ : {{ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ }} ، قَالَا : مِنْ غَيْرِ دِينِكُمْ وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ ، حَدَّثَنَا أَبُو هِلَالٍ الرَّاسِبِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ مِثْلَهُ . فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، وَابْنِ سِيرِينَ كَذَلِكَ أَيْضًا . فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ : أَنَّ الَّذِيَ ذَكَرَهُ كَمَا ذَكَرَهُ أَنَّ الْقَوْلَ فِيهِ هُوَ الْقَوْلُ فِي هَذِهِ الْآثَارِ ، وَقَدْ قَالَ بِهِ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ ابْنُ أَبِي لَيْلَى . كَمَا حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْوَلِيدِ ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ : وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ فِي ذَلِكَ ، فَذَكَرَ مِثْلَ الْقَوْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ مَنْ تَقَدَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ . وَقَالَ بِهِ الْأَوْزَاعِيُّ .
كَمَا أَجَازَهُ لَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ ، قَالَ : سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيَّ يَقُولُ فِي رَجُلٍ مُسْلِمٍ مَاتَ فِي قَرْيَةٍ لَيْسَ فِيهَا مُسْلِمُونَ فَأَوْصَى ، قَالَ : يُغَسِّلُونَهُ وَيَدْفِنُونَهُ ، وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ ، يَعْنِي عَلَى وَصِيَّتِهِ وَقَالَ بِهِ الثَّوْرِيُّ أَيْضًا
كَمَا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَزَرِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الدِّعْلِجِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي خِدَاشٍ ، عَنِ الْمُعَافَى بْنِ عِمْرَانَ ، قَالَ : وَسُئِلَ يَعْنِي الثَّوْرِيَّ عَنْ شَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي السَّفَرِ ، هَلْ يُعْمَلُ بِذَلِكَ الْيَوْمَ ؟ فَذَكَرَ عَنْ سُلَيْمَانَ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ شُرَيْحٍ ، قَالَ : لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْيَهُودِيِّ وَلَا النَّصْرَانِيِّ إِلَّا فِي وَصِيَّةٍ ، وَلَا تَجُوزُ فِي وَصِيَّةٍ إِلَّا فِي السَّفَرِ قَالَ سُفْيَانُ : حَيْثُ لَا يُوجَدُ مُسْلِمٌ ، قِيلَ لِسُفْيَانَ : أَيُؤْخَذُ بِهَا أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ ، فَقَالَ : قَدْ عَمِلَ بِهَا أَبُو مُوسَى فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ مَا يُخَالِفُ أَقْوَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرْتَ .
فَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا الْهَرَوِيُّ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ ، أَخْبَرَنَا عَوْفٌ ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ : {{ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكِمْ }} ، قَالَ : مِنْ غَيْرِ أَهْلِ قِبْلَتِكُمْ ، كُلُّهُمْ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ ، أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ : {{ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ }} ؟ فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ : أَنَّا لَا نَدْفَعَ أَنْ يَكُونَ أَهْلُ الْعِلْمِ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ ، وَكَيْفَ نَدْفَعُ أَنْ يَكُونُوا اخْتَلَفُوا فِيهِ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي أَصْحَابِهِ ، وَمَالِكٌ فِي أَصْحَابِهِ ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَصْحَابِهِ يَذْهَبُونَ إِلَى أَنَّهَا بِخِلَافِ مَا هِيَ عَلَيْهِ مِمَّنْ قَدْ ذَكَرْنَا ؟ فَمِنْهُمْ مَنْ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ : {{ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ }} ، وَهَذَا مِمَّا لَا يُقْطَعُ فِيهِ عَلَى الْمُخَالِفِ بِقِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ بِالنَّسْخِ لِمَا قَدْ أَنْزَلَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ ، وَعَمِلَ بِهِ رَسُولُهُ ، وَعَمِلَ بِهِ مَنْ عَمِلَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَخَ مَا قَدْ أُجْمِعَ عَلَى ثُبُوتِهِ إِلَّا لَقِيَامِ الْحُجَّةِ بِمَا يُوجِبُ ذَلِكَ فِيهِ ، فَأَمَّا مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ مِمَّا يَسْتَدِلُّ بِهِ الْحَسَنُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ : {{ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ }} مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا دَلِيلَ عِنْدَنَا فِيهِ ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ إِلَى الْوَقْتِ الَّذِي يُعَظِّمُهُ أَهْلُ الْأَدْيَانِ جَمِيعًا وَهُوَ مَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَيَتَوَقَّوْنَهُ وَيَخَافُونَ نُزُولَ الْعُقُوبَةِ بِهِمْ عِنْدَ الْمَعْصِيَةِ فِيهِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ : ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : رَجُلٌ حَلَفَ بَعْدَ الْعَصْرِ عَلَى سِلْعَةٍ أَنَّهُ أُعْطِيَ بِهَا كَذَا وَكَذَا كَاذِبًا وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ بِإِسْنَادِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا ، فَإِذَا كَانَ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي هَذَا كَمَا قَدْ ذَكَرْنَا ، بَقِيَ حُكْمُ الْآيَةِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ مِثْلُهُ مِمَّا يُوجِبُ نَسْخَهَا ، وَقَدْ كَانَ الزُّهْرِيُّ ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ يَذْهَبَانِ إِلَى أَنَّهَا مِمَّا قَدْ نُسِخَ الْعَمَلُ بِهِ .
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، عَنْ عَقِيلٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي اخْتِلَافِ مَنْ ذَكَرَهُ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي ذَلِكَ مَا قَدْ ذَكَرَهُ فِيهِ ، وَقَالَ بِعَقِبِ ذَلِكَ : وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ كَافِرٍ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَمْوَالِ فِي حَضَرٍ وَلَا سَفَرٍ
وَكَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ : {{ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ }} الْآيَةَ ، قَالَ : ذَلِكَ كَانَ فِي رَجُلٍ تُوُفِّيَ وَلَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ ، وَذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَالْأَرْضُ حَرْبٌ ، وَالنَّاسُ كُفَّارٌ إِلَّا رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ بِالْمَدِينَةِ ، وَكَانَ النَّاسُ يَتَوَارَثُونَ بِالْوَصِيَّةِ ، ثُمَّ نُسِخَتِ الْوَصِيَّةُ ، وَفُرِضَتِ الْفَرَائِضُ ، وَعَمِلَ بِهَا الْمُسْلِمُونَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَلَيْسَ فِي هَذَا إِلَى الْآنَ مَا يُوجِبُ نَسْخَ هَذِهِ الْآيَةِ ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ .
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ مُوسَى ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ حَبِيبٍ الْمُعَلِّمِ ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : لَا يَنْكِحُ الزَّانِي إِلَّا مَجْلُودًا مِثْلَهُ هَكَذَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ هَذَا الْحَدِيثَ ، وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَنَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، عَلَى الْمَجْلُودِ فِي الزَّانِي الْمُقِيمِ بَعْدَ الْجَلْدِ عَلَى الزِّنَى الَّذِي كَانَ جُلِدَ فِيهِ ، لَا عَلَى تَرْكٍ مِنْهُ لِذَلِكَ ، وَلَا نُزُوعٍ مِنْهُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ وَصْفَهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِيَّاهُ بِالْجَلْدِ ذُكِرَ لَهُ بِحَالٍ هُوَ عِنْدَهُ فِيهَا مَذْمُومٌ ؛ لِأَنَّ الْجَلْدَ فِي الزِّنَى فِيهِ كَفَّارَةٌ لِلْمَجْلُودِ ، وَذَمَّهُ بِذَلِكَ مِمَّا يَدْفَعُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْجَلْدُ كَانَ لَهُ كَفَّارَةً إِذَا كَانَ مُقِيمًا عَلَى مَا يُوجِبُ عَلَيْهِ مِثْلَهُ ، ثُمَّ نَظَرْنَا : هَلْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ بِغَيْرِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ ؟
فَوَجَدْنَا إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ قَدْ حَدَّثَنَا ، قَالَ : أَخْبَرَنَا أَزْهَرُ بْنُ مَرْوَانَ الرَّقَاشِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا حَبِيبٌ الْمُعَلِّمُ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : الزَّانِي مَجْلُودٌ هَكَذَا قَالَ وَإِنَّمَا هُوَ : الزَّانِي الْمَجْلُودُ لَا يَنْكِحُ إِلَّا مِثْلَهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْقَصْدُ فِي ذِكْرِ النَّاكِحِ وَالْمَنْكُوحِ جَمِيعًا بِالْجَلْدِ لَا بِالزِّنَى الَّذِي كَانَا جُلِدَا فِيهِ ، فَكَانَ ذَلِكَ مَعْقُولًا أَنَّهُ أُرِيدَ بِمَا ذُكِرَ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الزِّنَى الَّذِي كَانَ جُلِدَ فِيهِ لَا نَفْسُ الْجَلْدِ الَّذِي كَانَ جُلِدَ فِيهِ . ثُمَّ نَظَرْنَا : هَلْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ بِمَعْنًى يُخَالِفُ فِيهِ عَبْدَ الْوَارِثِ مِمَّا رَوَيْنَاهُ عَنْهُ عَلَيْهِ ؟
فَوَجَدْنَا عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ حَرْبٍ قَدْ حَدَّثَنَا ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو الْأَشْعَثِ أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ الْعِجْلِيُّ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، حَدَّثَنَا حَبِيبٌ الْمُعَلِّمُ ، قَالَ : قُلْتُ لِعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ : إِنَّ فُلَانًا يَقُولُ : إِنَّ الزَّانِيَ لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً مِثْلَهُ ، قَالَ : وَمَا يُعْجِبُكَ مِنْ ذَلِكَ ؟ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً مِثْلَهُ ، وَالْمَجْلُودُ لَا يَنْكِحُ إِلَّا مَجْلُودَةً مِثْلَهُ وَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي الْحَدِيثَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ ، وَهِيَ : لَا يَتَزَوَّجُ الزَّانِي إِلَّا زَانِيَةً ، فَكَانَ ذَلِكَ عَلَى الزَّانِيَيْنِ الْمُقِيمَيْنِ عَلَى الْأَحْوَالِ الْمَذْمُومَةِ ، أَيْ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَنْكِحُ صَاحِبَهُ إِلَّا لِلْأَحْوَالِ الْمَذْمُومَةِ الَّتِي يُوَافِقُهُ عَلَيْهَا ، وَفِيهِ أَنَّ الْمَجْلُودَ لَا يَنْكِحُ إِلَّا مَجْلُودَةً عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى ، وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَنَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، عَلَى مَجْلُودٍ فِي زَنًى هُوَ مُقِيمٌ عَلَيْهِ ، مَجْلُودَةٍ فِي زَنًى هِيَ مُقِيمَةٌ عَلَيْهِ ، لَا عَلَى زَانِيَيْنِ جُلِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي زِنَاهُ جَلْدًا جَعَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كَفَّارَةً لَهُ ، إِذْ كَانَ قَدْ نَزَعَ عَنْ ذَلِكَ الزِّنَى الَّذِي جُلِدَ فِيهِ ذَلِكَ الْجَلْدُ وَتَابَ إِلَى اللَّهِ مِنْهُ . وَوَجَدْنَا حَدِيثًا قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِيهِ ذِكْرُ شَيْءٍ قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ هُوَ الْمَقْصُودُ لِمَا ذُكِرَ فِيهَا إِلَيْهِ ، وَهُوَ :
مَا قَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سلميَانَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْحَضْرَمِيِّ ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَهُوَ ابْنُ لَاحِقٍ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو : أَنَّ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا : أُمُّ مَهْزُولٍ ، وَكَانَتْ تَكُونُ بِأَجْيَادٍ ، وَتَشْتَرِطُ لِلرَّجُلِ يَتَزَوَّجُهَا أَنْ تَكْفِيَهُ النَّفَقَةَ ، وَأَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِيهَا ، فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ ، أَوْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : {{ الزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ }}
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ الْوَاسِطِيُّ ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ ، عَنِ التَّيْمِيِّ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَلَمْ يُذْكَرْ بَيْنَهُمَا الْحَضْرَمِيُّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، وَلَمْ يَقُلِ : ابْنُ عَمْرٍو ، قَالَ : كُنَّ نِسَاءٌ بَغَايَا مَعْلُومَاتٌ ، كَانَ الرَّجُلُ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ مِنْهُنَّ لِتُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْهُنَّ أُمُّ مَهْزُولٍ
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَخْنَسِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ : أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ : مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : أَنْكِحُ عَنَاقًا ؟ لِبَغِيٍّ كَانَتْ بِمَكَّةَ ، قَالَ : فَسَكَتَ عَنِّي رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : {{ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ }} ، فَقَالَ : يَا مَرْثَدُ فَقُلْتُ : لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَتَلَا عَلَيَّ هَذِهِ الْآيَةَ ، وَقَالَ : لَا تَنْكِحْهَا فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مَا فِي الْآثَارِ الْأُوَلِ هُوَ الَّذِي يَنْكِحُ الْمَرْأَةَ لِهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي يُطْلَقُ لَهَا فِعْلُهُ ، لِيَصِلَ مِمَّا تَكْتَسِبُهُ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ إِلَى مَا يُوَصِّلُهُ إِلَيْهِ مِنَ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ ، وَكِفَايَتُهُ الْمُؤْنَةَ فِي نَفْسِهِ وَفِيهَا ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ ، كَانَ فَاعِلًا لِمَا يَكُونُ سَبَبًا لِلزِّنَى ، وَكَانَ الذَّمُّ لَهُ عَلَى ذَلِكَ مِمَّا لَا خَفَاءَ بِهِ . فَقَالَ قَائِلٌ : أَفَيَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى بِمَا يُسَمَّى بِهِ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مِنَ الزِّنَى ، الَّذِي سُمِّيَ بِهِ فِيهِ ، وَيُطْلَقُ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ الزِّنَى ؟ فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ : أَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ هَذَا الِاسْمُ إِذَا كَانَ قَدْ صَارَ سَبَبًا لِإِطْلَاقِهِ إِيَّاهُ إِلَى مَنْ يَفْعَلُهُ ، وَإِبَاحَتِهِ إِيَّاهُ ذَلِكَ ، كَمَا قَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ .
مِمَّا قَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ ، حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ عُمَارَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ غُنَيْمَ بْنَ قَيْسٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ وَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا رِيحَهَا ، فَهِيَ زَانِيَةٌ ، وَكُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ وَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِطْلَاقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلَيْهَا الزِّنَى ، وَكَانَ مِنْهَا السَّبَبُ الَّذِي يَكُونُ عَنْهُ الزِّنَى ، فَمِثْلُ ذَلِكَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، كَانَ إِطْلَاقُهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الزِّنَى عَلَى مَنْ أَطْلَقَهُ عَلَيْهِ فِي الْآثَارِ الْأُوَلِ ، لِفِعْلِهِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِلزِّنَى الَّذِي أَطْلَقَهُ عَلَيْهِ ، فَبَانَ بِحَمْدِ اللَّهِ وَنِعْمَتِهِ الْمَعْنَى الَّذِي حَمَلْنَا عَلَيْهِ الْآثَارَ الْأُوَلَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي هَذَا الْبَابِ بِهَذَا الْأَثَرِ الثَّانِي الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِيهِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ مِنَ الرَّضَاعِ وَالْمَصَّتَانِ
وَحَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ مَرْزُوقٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ ، وَهْبُ اللَّهِ بْنُ رَاشِدٍ ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ مِنَ الرَّضَاعِ وَلَا الْمَصَّتَانِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَاخْتَلَفَ اللَّيْثُ وَوَهْبُ اللَّهِ بْنُ رَاشِدٍ عَلَى يُونُسَ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ ، فَقَالَ فِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْهُ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ فِيهِ ، ثُمَّ نَظَرْنَا فِي حَقِيقَةِ إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ كَيْفَ هِيَ ؟
فَوَجَدْنَا أَحْمَدَ بْنَ شُعَيْبٍ قَدْ حَدَّثَنَا ، قَالَ : أَخْبَرَنِي زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : قَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ فَوَقَفْنَا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ قَدْ رَجَعَ إِلَى عَائِشَةَ ، إِمَّا عَنْ عُرْوَةَ عَنْهَا ، وَإِمَّا عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَنْهَا ، ثُمَّ نَظَرْنَا : هَلْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ غَيْرُ الزُّهْرِيِّ أَمْ لَا ؟
فَوَجَدْنَا مُحَمَّدَ بْنَ خُزَيْمَةَ قَدْ حَدَّثَنَا ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَالرَّضْعَتَانِ . وَوَجَدْنَا يَحْيَى بْنَ عُثْمَانَ قَدَّ حَدَّثَنَا ، قَالَ : حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيُّ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَوَجَدْنَا يُوسُفَ بْنَ يَزِيدَ قَدْ حَدَّثَنَا ، قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَوَجَدْنَا مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الْمَكِّيَّ قَدْ حَدَّثَنَا ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ ، قَدْ رَوَاهُ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ يُؤْخَذُ عِلْمُهُ عَنْهُمْ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنْهُمْ عَنْهُ ، وَرَدُّوهُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ لَا إِلَى عَائِشَةَ ، غَيْرَ أَنَّا وَجَدْنَا مِنْ أَصْحَابِهِ رَجُلًا وَاحِدًا قَدْ خَالَفَ كُلَّ مَنْ رَوَاهُ عَنْهُ فِيهِ ، فَذَكَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنِ الزُّبَيْرِ .
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْجَحْدَرِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ أَبُو بَكْرٍ الْعَلَائِيُّ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ أَوِ الْمَصَّتَانِ ، أَوِ الْإِمْلَاجَةُ أَوِ الْإِمْلَاجَتَانِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ إِنَّمَا دَارَ عَلَى عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، إِمَّا عَنْ عَائِشَةَ ، وَإِمَّا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، ثُمَّ وَجَدْنَاهُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ بَعْدَ وُقُوفِهِ عَلَى مَا عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ ، إِمَّا عَنْ عَائِشَةَ ، وَإِمَّا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَدْ قَالَهُ فِي الرَّضَاعِ الَّذِي يُحَرِّمُ مَا يُخَالِفُ مَا فِي هَذِهِ الْآثَارِ .
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنِ الرَّضَاعَةِ ، فَقَالَ : مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ وَإِنْ كَانَ قَطْرَةً وَاحِدَةً فَهُوَ يُحَرِّمُ ، وَمَا كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ فَإِنَّمَا هُوَ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ . قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُقْبَةَ : ثُمَّ سَأَلْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ ، فَقَالَ كَمَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ عُرْوَةَ مَعَ جَلَالَةِ قَدْرِهِ وَمَوْضِعِهِ مِنَ الْعِلْمِ لَمْ يَدَعْ مَا فِي ذَلِكَ عِنْدَهُ عَنْ عَائِشَةَ ، أَوْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِلَى مَا يُخَالِفُهُ إِلَّا وَقَدْ ثَبَتَ نَسْخُ ذَلِكَ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ، لَسَقَطَ بِذَلِكَ عَدْلُهُ ، وَإِذَا سَقَطَ عَدْلُهُ سَقَطَتْ رِوَايَتُهُ ، وَحَاشَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ ، وَأَنْ يَكُونَ مَا قَالَ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا أَفْتَى بِهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُقْبَةَ إِلَّا بِمَا هُوَ أَوْلَى عِنْدَهُ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ مِمَّا حَدَّثَتْهُ بِهِ عَائِشَةُ أَوْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ مِمَّا هُوَ نَاسِخٌ لَهُ . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : وَمَا الَّذِي نَسَخَ ذَلِكَ ؟ قِيلَ لَهُ : مَا قَدْ رَوَيْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَمْرَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ .
كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَمْرَةَ ، أَنَّ عَائِشَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ : كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ ، ثُمَّ سَقَطَ : أَنْ لَا يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعِ إِلَّا عَشْرُ رَضَعَاتٍ ، ثُمَّ نَزَلَ بَعْدُ : أَوْ خَمْسُ رَضَعَاتٍ فَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سُقُوطُ ذَلِكَ مِنَ الْقُرْآنِ سُقُوطًا لَهُ مِنَ الْأَحْكَامِ ، وَيَكُونَ تَرْكُ عُرْوَةَ لِمُرَاعَاةِ الْخَمْسِ لِثُبُوتِ سُقُوطِ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ مِنَ الْأَحْكَامِ . فَقَالَ قَائِلٌ : فَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ عَائِشَةَ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فِي هَذَا الْبَابِ مَا يُوَافِقُ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْهُمَا فِيهِ مِنْ نَفْيِ التَّحْرِيمِ بِالْإِمْلَاجَةِ وَالْإِمْلَاجَتَيْنِ .
فَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، أَخْبَرَنَا قَتَادَةُ ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : لَا تُحَرِّمُ الْإِمْلَاجَةُ وَلَا الْإِمْلَاجَتَانِ
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ ، أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَعِنْدَهُ امْرَأَةٌ أُخْرَى ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَقَالَ : إِنَّ امْرَأَتِي الْأُولَى زَعَمَتْ أَنَّهَا أَرْضَعَتِ امْرَأَتِي الْأُخْرَى ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : لَا تُحَرِّمُ الْإِمْلَاجَةُ وَلَا الْإِمْلَاجَتَانِ وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ أَبَانَ الْبَصْرِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ خَلَفٍ ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَيُّوبَ ، يَذْكُرُ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ ، أَنَّهَا قَالَتْ : دَخَلَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَهُوَ فِي بَيْتِي ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّهُ كَانَتْ لِيَ امْرَأَةٌ فَتَزَوَّجْتُ عَلَيْهَا أُخْرَى ، وَإِنَّ امْرَأَتِي الْأُولَى زَعَمَتْ أَنَّهَا أَرْضَعَتِ امْرَأَتِي الْأُخْرَى رَضْعَةً أَوْ رَضْعَتَيْنِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : لَا تُحَرِّمُ الْإِمْلَاجَةُ وَلَا الْإِمْلَاجَتَانِ قَالَ : فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا كَمَا فِي حَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ . فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ : أَنَّ مَنْ عَلِمَ شَيْئًا أَوْلَى مِمَّنْ قَصُرَ عَنْهُ ، فَكَانَ عُرْوَةُ مِمَّنْ قَدْ وَقَفَ مِنْ حَقِيقَةِ هَذَا الْحُكْمِ عَلَى مَا وَقَفَ عَلَيْهِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ ، وَقَصُرَ عَنْ ذَلِكَ رُوَاةُ هَذَا الْحَدِيثِ ، وَكَانَ مَا وَقَفَ عَلَيْهِ عُرْوَةُ مِنْ ذَلِكَ حُجَّةً عَلَى رُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ بِإِيجَابِهِ تَرْكَ مَا قَدْ ذَهَبَ عَلَيْهِمْ إِلَى مَا رَوَاهُ عُرْوَةُ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ . فَقَالَ قَائِلٌ : فَإِنَّ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ مَا قَدْ خَالَفَ مَا قَدْ رُوِّيتُهُ عَنِ الْقَاسِمِ ، عَنْ عَمْرَةَ عَنْهَا .
فَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، أَنَّ مَالِكًا ، حَدَّثَهُ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ عَمْرَةَ ابْنَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّهَا قَالَتْ : كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ : عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَهُوَ مِمَّا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ قَالَ : فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى بَقَاءِ حُكْمِ الْخَمْسِ . فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ : أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ فِي الْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ فَوْقَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَى مَا رَوَى مِنْ ذَلِكَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَهُوَ فَوْقَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَيْضًا .
كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ عَمْرَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ : لَا يُحَرِّمُ إِلَّا عَشْرُ رَضَعَاتٍ ، ثُمَّ نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ : أَوْ خَمْسُ رَضَعَاتٍ
وَكَمَا حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي اللَّيْثُ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ عَمْرَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّهَا قَالَتْ : أُنْزِلَ فِي الْقُرْآنِ : عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ ، ثُمَّ أُنْزِلَ : خَمْسٌ مَعْلُومَاتٌ وَالْقَاسِمُ ، وَيَحْيَى أَوْلَى بِالْحِفْظِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ؛ لِعُلُوِّ مَرْتَبَتِهِمَا فِي الْعِلْمِ ؛ وَلِأَنَّ اثْنَيْنِ أَوْلَى بِالْحِفْظِ مِنْ وَاحِدٍ لَوْ كَانَ يُكَافِئُ وَاحِدًا مِنْهُمَا ، فَكَيْفَ وَهُوَ يَقْصُرُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ أَنَّ حَدِيثَهُ مُحَالٌ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَا رَوَى كَمَا رَوَى ، لَوَجَبَ أَنْ يُلْحَقَ بِالْقُرْآنِ ، وَأَنْ يُقْرَأَ بِهِ فِي الصَّلَوَاتِ كَمَا يُقْرَأُ فِيهَا سَائِرُ الْقُرْآنِ ، وَأَنْ يَكُونَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَدْ تَرَكُوا بَعْضَ الْقُرْآنِ فَلَمْ يَكْتُبُوهُ فِي مَصَاحِفِهِمْ ، وَحَاشَ لِلَّهِ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ ، أَوْ يَكُونَ قَدْ بَقِيَ مِنَ الْقُرْآنِ غَيْرُ مَا جَمَعَهُ الرَّاشِدُونَ الْمَهْدِيُّونَ ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ جَازَ أَنْ يَكُونَ مَا كَتَبُوهُ مَنْسُوخًا ، وَمَا قَصَّرُوا عَنْهُ نَاسِخًا ، فَيَرْتَفِعَ فَرْضُ الْعَمَلِ ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ وَمِنْ قَائِلِيهِ ، ثُمَّ الْجِلَّةُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَدْ كَانُوا فِي التَّحْرِيمِ بِقَلِيلِ الرَّضَاعِ وَبِكَثِيرِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ، مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، أَخْبَرَنَا قَتَادَةُ ، قَالَ : كَتَبَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ يَسْأَلُهُ عَنِ الرَّضْعَةِ وَالرَّضْعَتَيْنِ ، فَكَتَبَ إِنَّ أَبَا الشَّعْثَاءِ حَدَّثَهُمْ أَنَّ عَلِيًّا وَابْنَ مَسْعُودٍ قَالَا : يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعِ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ
وَكَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدٌ يَعْنِي ابْنَ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، قَالَ : كَتَبْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيِّ نَسْأَلُهُ عَنِ الرَّضَاعَةِ ، فَكَتَبَ : إِنَّ شُرَيْحًا حَدَّثَهُ أَنَّ عَلِيًّا وَابْنَ مَسْعُودٍ كَانَا يَقُولَانِ : يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعِ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ
وَكَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ ، أَخْبَرَنَا حَمَّادٌ ، عَنْ قَيْسٍ ، عَنْ طَاوُسٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : يُحَرِّمُ قَلِيلُ الرَّضَاعِ وَكَثِيرُهُ
وَكَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادٌ ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سُئِلَ عَنِ الْمَصَّةِ وَالْمَصَّتَيْنِ ، فَقَالَ : لَا يَصْلُحُ فَقِيلَ لَهُ : إِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ لَا يَرَى بِهِ بَأْسًا ، فَقَالَ : يَقُولُ اللَّهُ : {{ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ }} ، فَقَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ مِنْ قَضَاءِ ابْنِ الزُّبَيْرِ ثُمَّ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ أَيْضًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، وَمِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ إِلَّا مَنْ خَرَجَ عَنْهُمْ إِلَى التَّعَلُّقِ بِهَذِهِ الْآثَارِ ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ مِمَّا قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ .
مَا قَدْ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْكُوفِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ : أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ، فَأُدْخِلَتْ عَلَيْهِ فَدَخَلَتْ عَلَيْهِمَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ ، فَقَالَتْ : إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي قَدْ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً فَأُدْخِلَتْ عَلَيَّ ، فَدَخَلَتْ عَلَيْنَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ ، فَقَالَتْ : إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا ، فَأَعْرَضَ عَنِّي ، فَجِئْتُهُ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً ، فَأُدْخِلَتْ عَلَيَّ ، فَدَخَلَتْ عَلَيْنَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ ، فَقَالَتْ : إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا ، وَهِيَ كَاذِبَةٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : كَيْفَ وَهِيَ تَزْعُمُ أَنَّهَا قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا ؟ دَعْهَا عَنْكَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : هَكَذَا حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ .
وَقَدْ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ ، قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ : قَدْ سَمِعْتُ الْحَدِيثَ مِنْ عُقْبَةَ ، وَحَدَّثَنِيهِ صَاحِبٌ لِي عَنْهُ ، فَأَنَا لِحَدِيثِ صَاحِبِي أَحْفَظُ ، قَالَ : قَالَ عُقْبَةُ : تَزَوَّجْتُ أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ أَبِي إِهَابٍ ، فَدَخَلَتْ عَلَيْنَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ ، فَزَعَمَتْ أَنَّهَا أَرْضَعَتْنَا جَمِيعًا ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ ، فَأَعْرَضَ عَنِّي ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّهَا كَاذِبَةٌ ، قَالَ : وَمَا يُدْرِيكَ ؟ كَيْفَ بِهَا وَقَدْ قَالَتْ مَا قَالَتْ ؟ دَعْهَا عَنْكَ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ : هَلْ نَقْدِرُ عَلَى مَعْرِفَةِ الرَّجُلِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْهُ عَنْ عُقْبَةَ أَمْ لَا ؟ فَإِذَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَدْ حَدَّثَنَا ، قَالَ : أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ ، قَالَ : وَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ عُقْبَةَ ، وَلَكِنِّي لِحَدِيثِ عُبَيْدٍ أَحْفَظُ ، قَالَ : تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً ، فَجَاءَتْنَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ ، ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ . فَوَقَفْنَا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي حَدَّثَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْهُ بَعْدَ سَمَاعِهِ إِيَّاهُ مِنْ عُقْبَةَ هُوَ عُبَيْدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ، ثُمَّ نَظَرْنَا : هَلْ رَوَاهُ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ غَيْرُ مَنْ ذَكَرْنَا ؟
فَوَجَدْنَا إِبْرَاهِيمَ بْنَ مَرْزُوقٍ قَدْ حَدَّثَنَا ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ ، أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ ، حَدَّثَنِي عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ ، أَوْ سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ ، قَالَ : تَزَوَّجْتُ بِنْتَ أَبِي إِهَابٍ ، فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ ، فَزَعَمَتْ أَنَّهَا أَرْضَعَتْنِي ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَسَأَلْتُهُ ، فَأَعْرَضَ عَنِّي ، هَكَذَا أَمْلَاهُ عَلَيْنَا إِبْرَاهِيمُ ، وَإِنَّمَا هُوَ : فَزَعَمَتْ أَنَّهَا أَرْضَعَتْنَا ، أَوْ أَنَّهَا أَرْضَعَتْنِي وَإِيَّاهَا فَأَعْرَضَ عَنِّي ثُمَّ سَأَلْتُهُ ، فَأَعْرَضَ عَنِّي ، ثُمَّ قَالَ : كَيْفَ بِكَ وَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ ؟ وَنَهَانِي عَنْهَا
وَوَجَدْنَا أَحْمَدَ بْنَ شُعَيْبٍ قَدْ حَدَّثَنَا ، قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحُسَيْنِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ ، أَنَّهُ تَزَوَّجَ ابْنَةَ أَبِي إِهَابٍ ، فَجَاءَتْ مَوْلَاةٌ لَهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ صَبِيحَةَ مَلَكَهَا ، فَقَالَتْ : قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا ، فَسَأَلْتُ أَهْلَ الْجَارِيَةِ ، فَأَنْكَرُوا ذَلِكَ ، فَرَكِبْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَدْ سَأَلْتُ أَهْلَ الْجَارِيَةِ فَأَنْكَرُوا ذَلِكَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ ؟ فَطَلَّقْتُهَا وَنَكَحْتُ غَيْرَهَا
وَوَجَدْنَا فَهْدًا قَدْ حَدَّثَنَا ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي الْحُسَيْنِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ : أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ جَاءَتْ فَزَعَمَتْ أَنَّهَا أَرْضَعَتْهُمَا ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَأَعْرَضَ وَتَبَسَّمَ ، فَقَالَ : وَكَيْفَ وَقَدْ قِيلَ ؟ وَكَانَتْ تَحْتَهُ امْرَأَةُ أَبِي إِهَابٍ التَّمِيمِيِّ وَوَجَدْنَا فَهْدًا ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَنْ عُقْبَةَ ، بِمِثْلِهِ إِلَّا أَنَّهُ زَادَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ نَهَاهُ . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَرْكُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَشْفَ عَدَدِ الرَّضَاعِ الَّذِي ذَكَرَتْ تِلْكَ السَّوْدَاءُ أَنَّهَا أَرْضَعَتْ عُقْبَةَ وَالْمَرْأَةَ الَّتِي تَزَوَّجَهَا ، وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى اسْتِوَاءِ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ فِي الْحُرْمَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ شَرِيعَتِهِ أَنْ لَا تُحَرِّمَ الرَّضْعَةُ وَالرَّضْعَتَانِ إِلَى الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ الَّذِي رُوِّينَا ، لَاسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَأْمُرُ الَّذِي سَأَلَهُ بِفِرَاقِ مَنْ قَدْ أَرْضَعَتْهُ وَالْمَرْأَةَ الَّتِي قَدْ تَزَوَّجَهَا الْمَرْأَةُ الَّتِي ذَكَرَتْ لَهُ أَنَّهَا أَرْضَعَتْهُمَا رَضَاعًا لَا يَمْنَعُ مِنْ تَزْوِيجِهِ إِيَّاهَا ، وَلَكِنْ يَقِفُ عُقْبَةُ ، فَيَقُولُ لَهُ : سَلْهَا عَنْ عَدَدِ الرَّضَاعِ الَّذِي أَرْضَعَتْكُمَا : كَمْ هُوَ ؟ ؛ لَيَقِفَ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مِنَ الرَّضَاعِ الَّذِي يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجُهَا إِذَا كَانَ فِي الْحَقِيقَةِ كَذَلِكَ ، وَالتَّوَرُّعُ عَنْ ذَلِكَ إِذَا كَانَ الشَّكُّ فِيهِ ، أَوْ أَنَّهُ مِنَ الرَّضَاعِ الَّذِي لَا يُحَرِّمُ عَلَيْهِ تَزْوِيجَهَا ، فَيُخَلِّيهِ وَذَلِكَ التَّزْوِيجَ ، وَفِي تَرْكِهِ كَذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ كَانَ عِنْدَهُ بَيْنَ قَلِيلِ الرَّضَاعِ ، وَبَيْنَ كَثِيرِهِ فِي الْحُرْمَةِ ، وَاللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .
حَدَّثَنَا بَكَّارُ بْنُ قُتَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ ، حَدَّثَنَا حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ تَيْمِ قُرَيْشٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي ابْنُ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ ، عَنْ أَبِيهِ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : إِنَّ مِنَ الْخُيَلَاءِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَمِنْهَا مَا يَكْرَهُ ، فَأَمَّا الْخُيَلَاءُ الَّتِي يُحِبُّ اللَّهُ ، فَاخْتِيَالُ الرَّجُلِ بِنَفْسِهِ عِنْدَ الصَّدَقَةِ وَعِنْدَ الْقِتَالِ ، وَالْخُيَلَاءُ الَّتِي يَكْرَهُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْبَغْيِ وَالْفَخْرِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ ، فَوَجَدْنَا فِيهِ أَنَّ الْخُيَلَاءَ الَّتِي يُحِبُّهَا اللَّهُ اخْتِيَالُ الرَّجُلِ بِنَفْسِهِ عِنْدَ الصَّدَقَةِ وَعِنْدَ الْقِتَالِ ، فَكَانَ اخْتِيَالُهُ بِنَفْسِهِ عِنْدَ الْقِتَالِ مَعْقُولًا الْمُرَادُ بِهِ مَا هُوَ ، وَأَنَّهُ مِمَّا يُرْعِبُ بِهِ عَدُوَّهُ الَّذِي حَضَرَ لِقِتَالِهِ ، وَمِمَّا يَزِيدُ مِنَ اقْتِدَارِهِ عَلَيْهِ وَقِلَّةِ اكْتِرَاثِهِ بِهِ ، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي الْخُيَلَاءِ عِنْدَ الْقِتَالِ كَانَ مِثْلَهُ الْخُيَلَاءُ عِنْدَ الصَّدَقَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُتَصَدِّقَ يُعَارِضُهُ الشَّيْطَانُ ، فَيُلْقِي فِي قَلْبِهِ نَقْصَ مَالِهِ بِالصَّدَقَةِ الَّتِي يُحَاوِلُهَا ، وَيُخَوِّفُهُ الْفَقْرَ إِذَا كَانَتْ مِنْهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {{ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا }} ، وَكَانَ إِذَا اخْتَالَ عِنْدَ صَدَقَتِهِ لِيُرِيَ بِذَلِكَ شَيْطَانَهُ قِلَّةَ اكْتِرَاثِهِ فِيمَا يُلْقِيهِ فِي قَلْبِهِ مِمَّا يَمْنَعُهُ بِهِ مِنَ الصَّدَقَةِ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مِمَّا يُصَغِّرُ شَيْطَانَهُ فِي نَفْسِهِ ، وَمِمَّا يَهِمُّ صَاحِبُ ذَلِكَ الْمَالِ بِمَا يَفْعَلُهُ فِيهِ مِمَّا يَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَاهِرًا لَهُ فِيهِ ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ فِي الصَّدَقَةِ نَظِيرَ مَا يَكُونُ مِنَ الْمُقَاتِلِ فِي الِاخْتِيَالِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِيهِ عِنْدَهُ ، وَيَكُونُ حَمْدُهُ عَلَى ذَلِكَ كَحَمْدِ الْمُخْتَالِ عِنْدَ الْقِتَالِ فِي اخْتِيَالِهِ ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ .
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ ، أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ ، عَنْ أَبِي لَيْلَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ رِجَالٌ مِنْ كِبَارِ قَوْمِهِ : أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ خَرَجَا إِلَى خَيْبَرَ مِنْ جَهْدٍ أَصَابَهُمْ ، فَأُتِيَ مُحَيِّصَةُ ، فَأُخْبِرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قُتِلَ وَأُلْقِيَ فِي قَلِيبٍ أَوْ عَيْنٍ ، فَأَتَى يَهُودَ ، فَقَالَ : أَنْتُمْ وَاللَّهِ قَتَلْتُمُوهُ ، فَقَالُوا : وَاللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ ، فَأَقْبَلَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ ، فَذَكَرَ لَهُمْ ذَلِكَ ، ثُمَّ أَقْبَلَ هُوَ وَأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ ، فَذَهَبَ مُحَيِّصَةُ لَيَتَكَلَّمَ وَهُوَ الَّذِي كَانَ بِخَيْبَرَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِمُحَيِّصَةَ : كَبِّرْ كَبِّرْ يُرِيدُ السِّنَّ ، فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ قَبْلُ ، ثُمَّ تَكَلَّمَ مُحَيِّصَةُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : إِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ ، وَإِمَّا أَنْ يُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي ذَلِكَ ، فَكَتَبُوا : إِنَّا وَاللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِحُوَيِّصَةَ ، وَمُحَيِّصَةَ ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ : أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ ؟ قَالُوا : لَا ، قَالَ : أَفَتَحْلِفُ لَكُمُ الْيَهُودُ ؟ قَالُوا : لَيْسُوا بِمُسْلِمِينَ ، فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ عِنْدِهِ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ بِمِائَةٍ حَتَّى أُدْخِلَتْ عَلَيْهِمُ الدَّارَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ لِلْأَنْصَارِ لَمَّا ذَكَرُوا مِنْ وُجُودِهِمْ صَاحِبَهُمْ قَتِيلًا بِخَيْبَرَ وَهِيَ دَارُ الْيَهُودِ : إِمَّا أَنْ يَدُوا ، يَعْنِي الْيَهُودَ ، صَاحِبَكُمْ ، وَإِمَّا أَنْ يُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْأَنْصَارِ عِنْدَهُ مَسْأَلَةٌ عَلَى مَا ادَّعُوا ، وَهَذَا الْوَعِيدُ ، فَلَا يَكُونُ إِلَّا فِي مَنْعِ الْيَهُودِ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ ، وَهُوَ غُرْمُ دِيَةِ الْأَنْصَارِيِّ الْمَوْجُودِ قَتِيلًا بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ لِأَوْلِيَائِهِ ، وَهَذَا بَابٌ مِنَ الْفِقْهِ قَدْ تَنَازَعَ أَهْلُهُ فِيهِ ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ : إِنَّ وُجُودَ الْقَتِيلِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمٍ يُوجِبُ دِيَتَهُ عَلَى أُولَئِكِ الْقَوْمِ ، وَإِنْ لَمْ يُقْسِمْ أَوْلِيَاءُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عَلَى مَا ادَّعَوْا مِنْ قَبِيلِ الْمَوْجُودِ ذَلِكَ الْقَتِيلُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ ، وَمِنْ ذِكْرِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْ أُولَئِكَ الْقَوْمِ ، وَلَا مِمَّنْ سِوَاهُمْ ، وَمِمَّنْ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ كَثِيرٌ مِنَ الْكُوفِيِّينَ ، مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ تَقُولُ : إِنَّ الْقَسَامَةَ وَالْوَاجِبَ بِهَا لَا تَجِبُ بِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمٍ ، وَإِنَّمَا تَجِبُ عِنْدَهُمْ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ : أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ : دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ ، ثُمَّ يَمُوتُ ، أَوْ يَدَّعِي أَوْلِيَاءُ رَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ رَجُلًا ، وَيَأْتُونَ بِلَوْثٍ مِنْ بَيْتِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَاطِعَةً عَلَى مَا يَدَّعُونَ ، فَهَذَا عِنْدَهُمُ الَّذِي يُوجِبُ الْقَسَامَةَ ، وَلَا يُوجِبُهَا مَا سِوَى ذَلِكَ ، وَمِمَّنْ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى ذَلِكَ مِنْهُمْ : مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ، وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ تَقُولُ : إِنَّ الْقَسَامَةَ لَا تَجِبُ ، وَلَا يَجِبُ بِهَا عَقْلُ قَتِيلٍ مَوْجُودٍ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمٍ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ السَّبَبِ الَّذِي قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِالْقَسَامَةِ فِيهِ ، وَهُوَ أَنَّ خَيْبَرَ كَانَتْ دَارَ يَهُودَ لَا يَخْلِطُهُمْ غَيْرُهُمْ ، وَكَانَتِ الْعَدَاوَةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأَنْصَارِ ظَاهِرَةً ، وَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بَعْدَ الْعَصْرِ ، فَوُجِدَ قَتِيلًا قَبْلَ اللَّيْلِ ، فَيَكَادُ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى مَنْ يَسْمَعُ هَذَا أَنْ لَمْ يَقْتُلْهُ إِلَّا بَعْضُ الْيَهُودِ ، فَإِذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا جُعِلَ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَوُجُوبُ الدِّيَةِ ، لَمْ يَكُنْ بِبَعِيدٍ وَكَذَلِكَ يَدْخُلُ نَفَرٌ بَيْتًا فِي قَرْيَةِ أَوْ صَحْرَاءَ وَحْدَهُمْ ، أَوْ صَفَّيْنِ فِي حَرْبٍ ، فَلَا يَفْتَرِقُونَ إِلَّا وَقَتِيلٌ بَيْنَهُمْ ، أَوْ تَأْتِي بَيِّنَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ نَوَاحٍ لَمْ يَجْتَمِعُوا فِيهَا ، فَيُثْبِتُ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى الِانْفِرَادِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَهُ ، فَتَتَوَاطَأُ شَهَادَاتُهُمْ ، وَلَمْ يَسْمَعْ بَعْضُهُمْ شَهَادَةَ بَعْضٍ ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِمَّنْ يَعْدِلُ ، أَوْ شَهِدَ عَدْلٌ أَنَّهُ قَتَلَهُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ سَبَبٍ مِنْ هَذَا يَغْلِبَ عَلَى عَقْلِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ كَمَا ادَّعَى وَلِيُّ ذَلِكَ الْقَتِيلِ ، فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُقْسِمَ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَةِ مَنْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ فِي جُمْلَتِهِمْ وَلَا تَكُونُ الْقَسَامَةُ عِنْدَهُ ، وَلَا وُجُوبُ الدِّيَةِ بِهَا إِلَّا بِمَا ذَكَرْنَا وَمِمَّنْ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ ، وَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ ، وَجَبَ الْكَشْفُ عَنْهُ ، وَالْقِيَاسُ الْوَاجِبُ فِيهِ بِمَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي مِثْلِهِ ، فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ .
فَوَجَدْنَا أَحْمَدَ بْنَ شُعَيْبٍ قَدْ حَدَّثَنَا ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ، وَوَجَدْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ قَدْ حَدَّثَنَا ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ ، ثُمَّ اجْتَمَعَا فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ ، قَالَ : كَانَتِ الْقَسَامَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، ثُمَّ أَقَرَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي وُجِدَ مَقْتُولًا فِي جُبِّ الْيَهُودِ ، فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ : إِنَّ يَهُودَ قَتَلُوا صَاحِبَنَا
وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ رِجَالٍ مِنَ الْأَنْصَارِ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ لِيَهُودَ بَدَأَ بِهِمْ : يَحْلِفُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ فَأَبَوْا ، فَقَالَ لِلْأَنْصَارِ : احْلِفُوا ، فَاسْتَحِقُّوا فَقَالُوا : أَنَحْلِفُ عَلَى الْغَيْبِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَجَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ دِيَةً عَلَى يَهُودَ ؛ وَلِأَنَّهُ وُجِدَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ فَقَالَ قَائِلٌ : هَذَا حَدِيثٌ غَيْرُ مُتَّصِلِ الْإِسْنَادِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ مِمَّا ذَكَرَهُ الزُّهْرِيُّ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ إِنَّمَا هُوَ عَنْ رِجَالٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَقَدْ يَكُونُونَ مِمَّنْ صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَقَدْ يَكُونُونَ مِمَّنْ لَمْ يَصْحَبْهُ ، وَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ .
فَوَجَدْنَا يُونُسَ قَدْ حَدَّثَنَا ، قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي ابْنُ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، عَنْ رِجَالٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَقَرَّ الْقَسَامَةَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ
وَوَجَدْنَا إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَبِي دَاوُدَ قَدْ حَدَّثَنَا ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، حَدَّثَنِي عَقِيلُ بْنُ خَالِدٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ ، عَنْ أُنَاسٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : أَنَّ الْقَسَامَةَ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَسَامَةَ دَمٍ ، فَأَقَرَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي أُنَاسٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ ادَعَّوْا عَلَى الْيَهُودِ وَوَجَدْنَا سُلَيْمَانَ بْنَ شُعَيْبٍ الْكَيْسَانِيَّ ، قَدْ حَدَّثَنَا ، قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ ، حَدَّثَنِي الْأَوْزَاعِيُّ ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ فِي إِسْنَادِهِ سَوَاءً . فَعَقَلْنَا أَنَّ هَؤُلَاءَ الْأَنْصَارَ الَّذِينَ أَخَذَ أَبُو سَلَمَةَ ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْهُمْ كَانُوا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَوَقَفْنَا عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ جَعَلَ دِيَةَ الْأَنْصَارِيِّ الْمَوْجُودِ قَتِيلًا بَيْنَ ظَهْرَانَيِ الْيَهُودِ عَلَى الْيَهُودِ ، وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَاجِبًا بِوُجُودِهِ قَتِيلًا بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ قَبْلَ أَنْ يُقْسِمَ أَوْلِيَاؤُهُ عَلَى الْيَهُودِ إِنَّهُمْ قَتَلُوهُ ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مَا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بَعْدَهُ فِي إِيجَابِهِمْ دِيَاتِ الْقَتْلَى الْمَوْجُودِينَ بَيْنَ ظَهْرَانَيِ الْقَوْمِ عَلَى الْقَوْمِ الْمَوْجُودِينَ قَتْلَى بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ بِوُجُودِهِمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ كَذَلِكَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ قَسَامَةٌ مِنْ أَوْلِيَائِهِمْ .
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنِ الْحَكَمِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنِ الْأَسْوَدِ : أَنَّ رَجُلًا أُصِيبَ عِنْدَ الْبَيْتِ ، فَسَأَلَ عُمَرُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ : دِيَتُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَهَذَا مِمَّا لَيْسَ فِيهِ قَسَامَةٌ أَشَارَ بِهَا عَلِيٌّ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَلِمَا رَآهُ عُمَرُ فِيهَا ، وَفِيهِ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّهُمَا لَمْ يَأْمُرَا قَبْلَ إِيجَابِ الدِّيَةِ أَوْلِيَاءَ ذَلِكَ الْقَتِيلِ أَنْ يُقْسِمُوا حَتَّى يَسْتَحِقُّوا الدِّيَةَ ، وَهَذَا بِحَضْرَةِ غَيْرِهِمَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَلَمْ يُنْكِرُوا ذَلِكَ عَلَيْهِمَا ، وَلَمْ يُخَالِفُوهُمَا فِيهِ ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى مُتَابَعَتِهِمْ إِيَّاهُمَا عَلَيْهِ .
وَكَمَا قَدْ حَدَّثَنَا فَهْدٌ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ عُقْبَةَ ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ مَذْكُورٍ الْهَمْدَانِيُّ : أَنَّ أُنَاسًا ازْدَحَمُوا فِي الْمَسْجِدِ الْأَكْبَرِ زَمَنَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَأَنَّ شَيْخًا مَاتَ فِي الزِّحَامِ ، فَأَمَرَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِدِيَتِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَكَمَا قَدْ حَدَّثَنَا فَهْدٌ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ ، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ مَذْكُورٍ نَحْوَهُ
وَكَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ عُقْبَةَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ مَذْكُورٍ : أَنَّ شَيْخًا زُوحِمَ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَمَاتَ فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى عَلِيٍّ ، فَوَدَاهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، وَكَانَ يَزِيدُ إِذْ ذَاكَ رَأَى عَلِيًّا وَكَلَّمَهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَقَدْ كَانَ مِنْ عُمَرَ فِي تَوْكِيدِ هَذَا الْمَعْنَى اشْتِرَاطُهُ إِيَّاهُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ .
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا فَهْدٌ ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اشْتَرَطَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ : إِنْ قُتِلَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِأَرْضِكُمْ ، فَعَلَيْكُمُ الدِّيَةُ ثُمَّ كَانَ مِنْهُ مَا يُوَافِقُ هَذَا الْمَعْنَى ، وَمِمَّا حَكَمَ فِيهِ بِالْقَسَامَةِ مَعَ إِيجَابِهِ الدِّيَةَ عَلَى الَّذِينَ وُجِدَ الْقَتِيلُ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ تِلْكَ الْقَسَامَةُ بِالدِّيَةِ عَلَى الْمُقْسِمِينَ الْمَوْجُودِ ذَلِكَ الْقَتِيلُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ .
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَطَرٍ ، عَنْ أَبِي حَرِيزٍ ، عَنِ الشَّعْبِي ، عَنِ الْحَارِثِ الْوَادِعِيِّ ، قَالَ : أَصَابُوا قَتِيلًا بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ ، فَكَتَبُوا فِي ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، فَكَتَبَ عُمَرُ : أَنْ قِيسُوا بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ ، فَأَيُّمَا كَانَ إِلَيْهِ أَدْنَى ، فَخُذُوا خَمْسِينَ قَسَامَةً ، فَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ، ثُمَّ غَرِّمُوهُمُ الدِّيَةَ قَالَ الْحَارِثُ ، فَكُنْتُ فِيمَنْ أَقْسَمَ ، ثُمَّ غَرِمْنَا الدِّيَةَ
وَكَمَا حَدَّثَنَا فَهْدٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْأَزْمَعِ ، قَالَ : قُتِلَ قَتِيلٌ بَيْنَ وَادِعَةَ وَحَيٍّ آخَرَ ، وَالْقَتِيلُ إِلَى وَادِعَةَ أَقْرَبُ ، فَقَالَ عُمَرُ لِوَادِعَةَ : يَحْلِفُ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْكُمْ بِاللَّهِ مَا قَتَلْنَا ، وَلَا نَعْلَمُ لَهُ قَاتِلًا ، ثُمَّ اغْرَمُوا فَقَالَ لَهُ الْحَارِثُ : نَحْلِفُ وَتُغْرِمُنَا ؟ قَالَ : نَعَمْ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَضَى بِالْقَسَامَةِ عَلَى الَّذِينَ وُجِدَ الْقَتِيلُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ ثُمَّ أَغْرَمَهُمُ الدِّيَةَ لِأَوْلِيَائِهِ ، وَفِيمَا رَوَيْنَاهُ عَنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَضَاؤُهُ بِالدِّيَةِ فِي الْقَتِيلِ الْمَوْجُودِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ مَنْ لَا يُمْكِنُ مِنْهُمْ قَسَامَةٌ ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي وُجِدَ فِيهِمْ ذَلِكَ الْقَتِيلُ ، إِنَّمَا هُمْ مِنْ مَوَاضِعَ مُخْتَلِفَةٍ ، فَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي الْقَتِيلِ الْمَوْجُودِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمٍ لَا يُعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ ، وَفِي الْقَتِيلِ الْمَوْجُودِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا أَهْلَ لَهُ ، وَلَا يُعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ بِالدِّيَةِ دُونَ الْقَسَامَةِ ، وَهَكَذَا كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ يَقُولُونَ فِي ذَلِكَ ، وَيَذْهَبُونَ إِلَيْهِ فِيهِ . وَقَدْ شَدَّ مَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي لَيْلَى ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ ، مِمَّا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِلْأَنْصَارِ فِي الْيَهُودِ : إِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ ، وَإِمَّا أَنْ يُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي ذَلِكَ قَسَامَةٌ ، وَلَا يَكُونُ إِيذَانُهُمْ بِحَرْبٍ إِلَّا فِي مَنْعِ وَاجِبٍ عَلَيْهِمْ . فَقَالَ قَائِلٌ : فَإِنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي مَسْلَمَةَ ، وَسُلَيْمَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ لِلْأَنْصَارِ : احْلِفُوا وَاسْتَحِقُّوا ، فَقَالُوا : أَنَحْلِفُ عَلَى الْغَيْبِ ؟ فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : اسْتَحِقُّوا قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ اسْتَحِقُّوا بِبَيِّنَةٍ تُقِيمُونَهَا عَلَى قَاتِلِ صَاحِبِكُمْ بِعَيْنِهِ ، فَنَقْتُلُهُ لَكُمْ بِهِ . فَقَالَ هَذَا الْقَائِلُ : فَإِنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ لِلْأَنْصَارِ : أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ ؟ فَفِي هَذَا مَا قَدْ دَلَّ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ مَا ادَّعَوْا إِلَّا بِالْحَلِفِ الَّذِي دَعَاهُمْ إِلَيْهِ . فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ إِنَّ فِي أَوَّلِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ الدِّيَةِ لَهُمْ عَلَى الْيَهُودِ بِوُجُودِهِمْ صَاحِبَهُمْ قَتِيلًا بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ ، فَإِنْ قَالَ : فَمَا قَوْلُهُ : أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ ؟ كَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ : أَنَّ هَذَا مِمَّا قَدْ أُنْكِرَ عَلَى سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ ، وَخُولِفَ عَلَيْهِ فِيهِ ، وَادُّعِيَ عَلَيْهِ إِيهَامُهُ فِيهِ .
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَرْقِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ ، قَالَ : قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بُجَيْدِ بْنِ قَيْظِيٍّ أَخِي بَنِي حَارِثَةَ ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ : وَايْمُ اللَّهِ ، مَا كَانَ سَهْلٌ بِأَكْثَرَ عِلْمًا مِنْهُ ، وَلَكِنَّهُ كَانَ أَسَنَّ مِنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَهُ : وَاللَّهِ مَا كَانَ هَكَذَا الشَّأْنُ ، وَلَكِنَّ سَهْلًا أَوْهَمَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : احْلِفُوا عَلَى مَا لَا عِلْمَ لَكُمْ بِهِ ، وَلَكِنَّهُ كَتَبَ إِلَى يَهُودِ خَيْبَرَ حِينَ كَلَّمَتْهُ الْأَنْصَارُ : أَنَّهُ قَدْ وُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَ أَبْيَاتِكُمْ فَدُوهُ فَكَتَبُوا إِلَيْهِ : يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَتَلُوهُ ، وَلَا يَعْلَمُونَ لَهُ قَاتِلًا ، فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بُجَيْدٍ هَذَا ، فَمِقْدَارُهُ الْمِقْدَارُ الَّذِي قَدْ ذَكَرَهُ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، وَوَصَفَهُ بِهِ مِنَ الْعِلْمِ مَا قَدْ جَاوَزَ بِهِ عِلْمَ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ ، وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ الْجِلَّةُ ، مِنْهُمْ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ .
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، أَنَّ مَالِكًا ، حَدَّثَهُ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنِ ابْنِ بُجَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ ، عَنْ جَدَّتِهِ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : رُدُّوا السَّائِلَ وَلَوْ بِظِلْفٍ مُحْرَقٍ وَمِنْهُمْ : سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ .
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ ، قَالَ الرَّبِيعُ : حَدَّثَنِي شُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : أَخْبَرَنَا أَبِي ، وَشُعَيْبٌ ، عَنِ اللَّيْثِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بُجَيْدٍ أَخِي بَنِي حَارِثَةَ ، أَنَّهُ حَدَّثَتْهُ جَدَّتُهُ وَهِيَ أُمُّ بُجَيْدٍ وَكَانَتْ مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : وَاللَّهِ إِنَّ الْمِسْكِينَ لَيَقُومُ عَلَى بَابِي ، فَمَا أَجِدُ لَهُ شَيْئًا أُعْطِيهِ إِيَّاهُ ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : إِنْ لَمْ تَجِدِي شَيْئًا تُعْطِيهِ إِيَّاهُ إِلَّا ظِلْفًا مُحْرَقًا ، فَادْفَعِيهِ إِلَيْهِ فِي يَدِهِ وَتَابَعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ بُجَيْدٍ عَلَى مَا قَالَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ . كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ ، حَدَّثَنِي زِيَادٌ ، قَالَ : قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ مِثْلَ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بُجَيْدٍ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ : دُوهُ ، وَإِلَّا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ فَكَتَبُوا يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَتَلُوهُ ، وَلَا يَعْلَمُونَ لَهُ قَاتِلًا ، فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ عِنْدِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْأَوْلَى بِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَالْمَظْنُونُ بِهِ أَنْ لَا يَأْمُرَ أَحَدًا يَحْلِفُ عَلَى مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَأَنْتُمْ قُلْتُمْ : لَوْ أَنَّ ابْنَ عِشْرِينَ سَنَةً رُبِّيَ بِالْمَشْرِقِ ، فَاشْتَرَى عَبْدًا ابْنَ مِائَةِ سَنَةٍ رُبِّيَ بِالْمَغْرِبِ ، فَبَاعَهُ مِنْ سَاعَتِهِ ، فَأَصَابَ بِهِ الْمُشْتَرِي عَيْبًا أَنَّ الْبَائِعَ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ : إِنَّهُ لَقَدْ بَاعَهُ إِيَّاهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ ، وَلَا عِلْمَ لَهُ بِهِ ، وَالَّذِي قُلْنَا يَصِحُّ عِلْمُهُ بِمَا وَصَفْنَا . فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ : أَنَّ الَّذِيَ ذَكَرَهُ فِي الْحَلِفِ عَلَى الْعَيْبِ ، كَمَا ذَكَرَ كَالْحَلِفِ عَلَى مَا قَدْ وَقَعَ عَلَيْهِ فِيهِ الِاخْتِلَافُ الَّذِي ذَكَرْنَا ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى الْعَيْبِ إِنَّمَا هُوَ حَلِفٌ عَلَى نَفْيِ شَيْءٍ وَاسِعٍ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ إِذَا كَانَتْ يَمِينُهُ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْبَتٍّ ، فَإِنَّمَا تَرْجِعُ إِلَى الْعِلْمِ الَّذِي لَيْسَ يُعْلَمُ بِهُ خِلَافُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ ، وَالْحَلِفُ عَلَى تَحْقِيقِ الْأَشْيَاءِ بِخِلَافِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسَعُ رَجُلًا أَنْ يَحْلِفَ بِاللَّهِ : لَقَدْ كَانَ كَذَا وَكَذَا مِمَّا لَمْ يَعْلَمْهُ ، وَنَهَاهُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ قَوْلًا ، فَكَيْفَ يَمِينًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى جَدُّهُ : {{ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ }} ، ثُمَّ أَعْلَمَهُ بِالْمَسئُولِ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : {{ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا }} ، فَأَعْلَمَهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى تَحْقِيقِ الْأَشْيَاءِ هُوَ الَّذِي يُعْلِمُهُ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ الْأَشْيَاءِ ، وَأَنَّ مَنْ تَعَدَّاهَا إِلَى سِوَاهَا ، أَوْ قَصُرَ عَنْهَا ، صَارَ مُخَالِفًا لِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ فِيهَا ، وَالْحَالِفُ عَلَى الْقَسَامَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ سَهْلٍ مُتَعَدٍّ لِمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِلَى غَيْرِهِ مِمَّا قَدْ نَهَاهُ اللَّهُ عَنْهُ . فَقَالَ قَائِلٌ : فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ بُجَيْدٍ ، وَإِنْ كَانَ مِقْدَارُهُ الْمِقْدَارَ الَّذِي قَدْ ذَكَرْتُ ، لَا يُضَاهِي سَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ لِصُحْبَةِ سَهْلٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَلِتَقْصِيرِ ابْنِ بُجَيْدٍ عَنْ ذَلِكَ . فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ : أنَّهُ قَدْ قَالَ فِي قِصَّةِ تَزْوِيجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَيْمُونَةَ بَعْدَمَا رَوَى حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ خَالَتُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ ، قَالَ : قَدْ يَعْرِفُ أَهْلُ الْمَرْأَةِ مِنْ أَمْرِهَا وَإِنْ لَمْ يَحْضُرُوا ذَلِكَ لِعِنَايَتِهِمْ بِهَا مَا لَا يَعْرِفُهُ مَنْ سِوَاهُمْ مِمَّنْ حَضَرَ أَمْرَهَا ، وَقَدْ رَوَى عَنْهَا عَتِيقُهَا يَعْنِي سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ ، وَابْنُ أُخْتِهَا يَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ ، فَجَعَلَ ذَلِكَ حُجَّةً لَهُ فِي تَزْوِيجِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِيَّاهَا وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ ، وَقَابَلَ بِهِ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعَ جَلَالَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَصُحْبَتِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَرَضِيَ عَنْهُ ، وَكَوْنِهِ مَعَهُ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ فِيمَا يُنْكِرُ عَلَى خَصْمِهِ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بُجَيْدٍ وَهُوَ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ قَوْمِ الْمَقْتُولِ مَا قَدْ قَالَهُ مِمَّا يُخَالِفُ فِيهِ سَهْلًا ، وَمُقَابَلَةُ خَصْمِهِ سَهْلًا بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي ذَلِكَ ، وَإِنْ قَالَ : إِنَّهُ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ بِمَا مَعَهُ مِمَّا رَوَاهُ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : لَا يَنْكِحِ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحْ ، قُوبِلَ فِي ذَلِكَ بِأَنْ قِيلَ لَهُ : وَكَذَلِكَ خُصُومُكَ قَابَلُوا سَهْلًا بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بُجَيْدٍ لِمَا قَدْ وَافَقَهُ الْأَنْصَارِيُّونَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ قَوْمِ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عَلَى مَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ ، وَلِقَبُولِنَا مَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رِجَالٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَوْلَى بِنَا مِنْ قَبُولِ مَا رَوَاهُ بَشِيرُ بْنُ يَسَارٍ ، وَلَيْسَ مِثْلَ أَبِي سَلَمَةَ ، وَلَا سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَهْلٍ ، لَاسِيَّمَا وَقَدْ كَانَ مِنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ مَا حَكَيْنَاهُ عَنْهُمَا فِي هَذَا الْبَابِ مِمَّا وَجَبَ مُوَافَقَةُ أَهْلِ هَذَا الْقَوْلِ عَلَى قَوْلِهِمْ ، وَتَرْكُ بَقِيَّةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ خِلَافَهُمَا فِي ذَلِكَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .