عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : " آيَتَانِ نُسِخَتَا مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ ، يَعْنِي سُورَةَ الْمَائِدَةِ : {{ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ }} ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَيَّرًا إِنْ شَاءَ حَكَمَ بَيْنَهُمْ ، وَإِنْ شَاءَ أَعْرَضَ عَنْهُمْ ، فَرَدَّهُمْ إِلَى أَحْكَامِهِمْ ، فَنَزَلَتْ : {{ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ }} ، قَالَ : فَأُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ عَلَى كِتَابِنَا "
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْحَارِثِ الْوَاسِطِيُّ الْبَاغَنْدِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ ، عَنِ الْحَكَمِ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : آيَتَانِ نُسِخَتَا مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ ، يَعْنِي سُورَةَ الْمَائِدَةِ : {{ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ }} ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مُخَيَّرًا إِنْ شَاءَ حَكَمَ بَيْنَهُمْ ، وَإِنْ شَاءَ أَعْرَضَ عَنْهُمْ ، فَرَدَّهُمْ إِلَى أَحْكَامِهِمْ ، فَنَزَلَتْ : {{ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ }} ، قَالَ : فَأُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ عَلَى كِتَابِنَا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَكَانَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا قَدْ حَقَّقَ نَسْخَ هَذِهِ الْآيَةِ بِالْآيَةِ الْمَتْلُوَّةِ فِي حَدِيثِهِ ، وَكَانَ حُكْمُ مَنْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي ذَلِكَ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ عَلَى مِثْلِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْهَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا ، وَكَانَ الْأَوْلَى بِالْأَحْكَامِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ هُوَ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ لَوْ لَمْ تَكُنِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةً ، لَا الْإِعْرَاضُ عَنْهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ إِذَا حَكَمُوا بَيْنَهُمْ ، شَهِدَ لَهُمُ الْفَرِيقَانِ اللَّذَانِ ذَكَرْنَا بِالنَّجَاةِ وَتَرْكِ مَفْرُوضٍ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَنْ يَقُولُ : إِنَّهُمْ حَكَمُوا : وَعَلَيْهِمْ أَنْ يَحْكُمُوا بِهِ ، يَقُولُ : قَدْ أَدُّوا الْمُفْتَرَضَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ ، وَيَقُولُ الْآخَرُونَ : قَدْ حَكَمُوا بِمَا لَهُمْ أَنْ يَحْكُمُوا بِهِ ، وَخَرَجَ الْحُكَّامُ بِذَلِكَ عِنْدَهُمْ مِنْ تَرْكِ مُفْتَرَضٍ إِنْ كَانَ عَلَيْهِمْ فِيهِ ، وَإِذَا أَعْرَضُوا عَنْهُمْ ، وَتَرَكُوا الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ ، فَأَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ يَقُولُ : قَدْ تَرَكُوا مُفْتَرَضًا عَلَيْهِمْ ، وَالْفَرِيقُ الْآخَرُ يَقُولُ : قَدْ تَرَكُوا مَا لَهُمْ تَرْكُهُ ، وَكَانَ مَا يُوجِبُ النَّجَاةَ لَهُمْ عِنْدَ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا أَوْلَى بِهِمْ مِمَّا يُوجِبُ لَهُمُ النَّجَاةَ عِنْدَ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ ، وَلَا يُوجِبُهُ لَهُمْ عِنْدَ الْفَرِيقِ الْآخَرِ ، هَذَا لَوْ لَمْ تَكُنِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةً ، فَإِذًا وَجَبَ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي ذَكَرْنَا مَعَ اتِّصَالِ إِسْنَادِهِ ، وَحُسْنِ سِيَاقَتِهِ أَنْ تَكُونَ مَنْسُوخَةً بِالْآيَةِ الَّتِي تَلَوْنَا بَعْدَهَا ، كَانَ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ أَوْلَى ، وَكَانَ التَّمَسُّكُ بِهَا أَحْرَى ، وَوَجَدْنَا قَوْلَهُ تَعَالَى : {{ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ }} يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ : وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِذَا تَحَاكَمُوا إِلَيْكَ ، وَأَنْ يَكُونَ عَلَى مَعْنَى : وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِوُقُوفِكَ عَلَى مَا كَانَ بَيْنَهُمْ مِمَّا يُوجِبُ ذَلِكَ الْحُكْمَ عَلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ يَتَحَاكَمُوا إِلَيْكَ . فَنَظَرْنَا : هَلْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ ؟