عنوان الفتوى : هل يستأذن الابن والده الفاسق الكاره للجهاد وعلو كلمة الله
بعض الشباب يريد الجهاد وأحد والديه يمنعه من الذهاب دون سبب واضح، فأحياناً يكون الأب أو الأم ليس محتاجاً لهذا الابن بحيث يكون لهما ستة أو ثمانية من الأولاد غير هذا الشاب، ولم يقصروا في حق والديهم، ويكون منع الوالدين للابن سبب غير مقنع مثل خوفهم من موت الابن أو تأثرهم بالإعلام وفهمهم للجهاد بصورة خاطئة...إلخ، وأحياناً يكون الأب أو الأم من أعداء الإسلام مثل العلمانية أو غيرها، أو يكون من أصحاب الكبائر مثل شرب الخمور والزنا وترك الصلاة، ويمنعانه لأنهما يريان الجهاد إرهابا ورجعية فهل على الشاب حرج إذا التحق بالجبهات والثغور في هذه الحالة؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الجهاد فرض كفاية، وكان الوالدان مسلمين أو أحدهما، فيحرم الجهاد إلا بإذنهما، وأما إذا كان الجهاد فرض عين، أو كان فرض كفاية ولكنّ أبويه كافران فلا يشترط إذنهما، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ: أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ. متفق عليه.
قال النووي ـ رحمه الله ـ عند هذا الحديث في شرح مسلم: وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجِهَادُ إِلَّا بِإِذْنِهِمَا إِذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ، أَوْ بِإِذْنِ الْمُسْلِمِ مِنْهُمَا، فَلَوْ كَانَا مُشْرِكَيْنِ لَمْ يُشْتَرَطْ إِذْنِهِمَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ، وَشَرَطَهُ الثَّوْرِيُّ، وقال الحافظ ـ رحمه الله ـ في فتح الباري: قال جمهور العلماء: يحرم الجهاد إذا منع الأبوان أو أحدهما بشرط أن يكونا مسلمين لأن برهما فرض عين عليه، والجهاد فرض كفاية، فإذا تعين الجهاد فلا إذن. انتهى.
وقال شيخ الإسلام: وَإِذَا دَخَلَ الْعَدُوُّ بِلَادَ الْإِسْلَامِ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ يَجِبُ دَفْعُهُ عَلَى الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ، إذْ بِلَادُ الْإِسْلَامِ كُلُّهَا بِمَنْزِلَةِ الْبَلْدَةِ الْوَاحِدَةِ، وَأَنَّهُ يَجِبُ النَّفِيرُ إلَيْهِ بِلَا إذْنِ وَالِدٍ وَلَا غَرِيمٍ، وَنُصُوصُ أَحْمَدَ صَرِيحَةٌ بِهَذَا وَهُوَ خَيْرٌ مِمَّا فِي الْمُخْتَصَرَاتِ. انتهى.
ولكن بقيت مسألة في استئذانهما فيما إذا كانا مسلمين ولكنهما يكرهان الجهاد لكي لا تعلو كلمة الحق وتطبق الشريعة وأحكامها، ففي هذه المسألة محل تردد ونظر، قال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ في الشرح الممتع: وإذا كان الأبوان فاسقين يكرهان الجهاد والمستقيمِين، ويكرهان أن تعلو كلمة الحق، لكنهما مسلمان، فهل يشترط إذنهما في جهاد التطوع؟ لأن بعض الناس في أيام الذهاب إلى الجهاد يمنع ولده من الذهاب لا خوفاً عليه، يقول: اذهب لما شئت لكن للجهاد لا تذهب، ونعلم أنه ليس ذلك من أجل الخوف عليه، ولكن من أجل كراهة الجهاد، ظاهر كلام المؤلف أنه لا يجاهد تطوعاً إلا بإذنهما، ونيتهما إلى الله، لكن في النفس من هذا شيء، فإذا علمنا أنهما لم يمنعاه شفقة عليه، بل كراهة لما يقوم به من جهاد الكفار ومساعدة المسلمين، ففي طاعتهما نظر. انتهى.
وللفائدة يرجى مراجعة الفتويين رقم: 211165، ورقم: 190081.
هذا، وننبه إلى أنه ليس كل ما يقال عنه إنه جهاد يعتبر جهادا شرعيا، بل إن الجهاد الشرعي الذي هو ذروة سنام الإسلام له أحكام وشروط وضوابط لا بد من استيفائها، وقد بينا جملة منها في الفتاوى التالية أرقامها: 7730، 196399، 199777.
ودين الله لا يُنصَر وكلمته لا تُعلَى إلا وفقا لما شرع، وسبيل معرفة ذلك الرجوع إلى أهل العلم الثقات المشهود لهم بسلامة المنهج والاستقامة على الدين.
والله أعلم.