عنوان الفتوى : العصمة من الشر تكون بالقتال وبغيره
في حديث حذيفة جاء الجواب عن العصمة من الشر: السيف. فهل هذا مطلق لكل الأزمان؟ أم هو مقيد بزمن معين تم وانقضى؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فحديث حذيفة -رضي الله عنه- جاء بألفاظ متقاربة عديدة، منها رواية أبي داود وفيها : ... أَرَأَيْتَ هَذَا الْخَيْرَ الَّذِي أَعْطَانَا اللَّهُ، أَيَكُونُ بَعْدَهُ شَرٌّ كَمَا كَانَ قَبْلَهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قُلْتُ: فَمَا الْعِصْمَةُ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: «السَّيْفُ» ... إلخ.
وفي رواية الحاكم: فَمَا الْعِصْمَةُ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: «السَّيْفُ» قُلْتُ: وَهَلْ لِلسَّيْفِ مِنْ بَقِيَّةٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «ثُمَّ هُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ» ...
ومعنى أن العصمة بالسيف، أي طريقُ النجاة من ذلك الشر أن تضربَهم بسيفِكَ، وقد حمل العلماء هذا على زمن الردة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم.
جاء في عون المعبود: أَيْ تَحْصُلُ الْعِصْمَةُ بِاسْتِعْمَالِ السَّيْفِ، أَوْ طَرِيقِهَا أَنْ تَضْرِبَهُمْ بِالسَّيْفِ. قَالَ قَتَادَةُ: الْمُرَادُ بِهَذِهِ الطَّائِفَةِ هُمُ الَّذِينَ ارتدوا بعد وفاة النبي، فِي زَمَنِ خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ... اهـ.
وليس في الحديث ما يدل على أن العصمة من الشر تكون باستعمال السيف دائما مطلقا في كل الأزمان والأماكن، وقد دلت السنة على أن العصمة قد تكون بغير القتال في بعض الأحوال والأزمان، فالدجال شر غائب يُنتظر، ومع ذلك فالعصمة منه لا تكون بقتاله، بل بالفرار منه كما جاء في الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود وغيرهما: مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ مِنْهُ، ثَلَاثًا يَقُولُهَا ... "، والعصمة من يأجوج ومأجوج بالفرار منهم، والتحصن كما في صحيح مسلم في حديث طويل: إِذْ أَوْحَى اللهُ إِلَى عِيسَى: إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي، لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ ... إلخ. وانظر الفتوى رقم: 7730. عن شروط الجهاد في سبيل الله، ومن يسقط عنهم الجهاد.
والله تعالى أعلم.