عنوان الفتوى : قوله تعالى (إلا تنفروا..) هل يدل على أن الجهاد عيني أم كفائي
هل آية: إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ـ تنطبق على جهاد فرض العين أم جهاد الكفاية؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الآية يستدل أهل العلم بها على تعين الجهاد على من استنفرهم الإمام، لقوله تعالى في نفس السياق: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .{التوبة: 38ـ 39}.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: وإذا استنفرتم فانفروا. متفق عليه.
وقال الجلال المحلي في شرحه للمنهاج: كان الجهاد في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة فرض كفاية وقيل فرض عين، لقوله تعالى: إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما {التوبة: 39}. اهـ.
ولكنه اختلف في هذه الآية هل هي منسوخة أو أنه يراد بها من عينه الإمام، فقد ثبت عن ابن عباس أنه قال: إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما، وما كان لأهل المدينة.. إلى قوله: يعملون ـ نسختها الآية التي تليها: وما كان المؤمنون لينفروا كافة.
رواه أبو داود في السنن وحسنه الألباني.
وقد رجح الطبري والقرطبي وابن حجر عدم النسخ، لإمكان التوفيق بين الآيات، فقد جاء في تفسيرالطبري: وجائز أن يكون قوله: إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ـ الخاص من الناس، ويكون المراد به من استنفره رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينفر، وإذا كان ذلك كذلك، كان قوله: وما كان المؤمنون لينفروا كافة ـ نهيا من الله المؤمنين عن إخلاء بلاد الإسلام بغير مؤمن مقيم فيها، وإعلاما من الله لهم أن الواجب النفر على بعضهم دون بعض، وذلك على من استنفر منهم دون من لم يستنفر، وإذا كان ذلك كذلك، لم يكن في إحدى الآيتين نسخ للأخرى، وكان حكم كل واحدة منهما ماضيا فيما عنيت به. اهـ.
وفي تفسير القرطبي: قوله تعالى: أو انفروا جميعا ـ معناه الجيش الكثيف مع الرسول عليه السلام، قاله ابن عباس وغيره، ولا تخرج السرايا إلا بإذن الإمام ليكون متجسسا لهم، عضدا من ورائهم، وربما احتاجوا إلى درئه..... وقيل إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: انفروا خفافا وثقالا ـ وبقوله: إلا تنفروا يعذبكم ـ ولأن يكون: انفروا خفافا وثقالا ـ منسوخا بقوله: فانفروا ثبات أو انفروا جميعا ـ وبقوله: وما كان المؤمنون لينفروا كافة ـ أولى، لأن فرض الجهاد تقرر على الكفاية، فمتى سد الثغور بعض المسلمين أسقط الفرض عن الباقين، والصحيح أن الآيتين جميعا محكمتان، إحداهما في الوقت الذي يحتاج فيه إلى تعين الجميع، والأخرى عند الاكتفاء بطائفة دون غيرها. اهـ.
وفي زاد المسير في علم التفسير: وقد روي عن ابن عباس، والحسن، وعكرمة، قالوا: نسخ قوله تعالى: إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ـ بقوله: وما كان المؤمنون لينفروا كافة ـ وقال أبو سليمان الدمشقي: ليس هذا من المنسوخ، إذ لا تنافي بين الآيتين، وإنما حكم كل آية قائم في موضعها، وذكر القاضي أبو يعلى عن بعض العلماء أنهم قالوا: ليس هاهنا نسخ، ومتى لم يقاوم أهل الثغور العدو، ففرض على الناس النفير إليهم، ومتى استغنوا عن إعانة من وراءهم، عذر القاعدون عنهم، وقال قوم: هذا في غزوة تبوك، ففرض على الناس النفير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ.
وفي كشاف القناع عن متن الإقناع: وأما قوله تعالى: إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما {التوبة: 39} فقد قال ابن عباس: نسخها قوله تعالى: وما كان المؤمنون لينفروا كافة {التوبة: 122} رواه الأثرم وأبو داود، ويحتمل أنه حين استنفرهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك، وحينئذ يتعين كما يأتي، ولذلك هجر النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك وأصحابه لما تخلفوا حتى تاب الله عليهم. اهـ.
والله أعلم.