عنوان الفتوى : حكم التخلف عن الجهاد بسبب رعاية الزوجة المريضة

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

أودّ فتوى -بارك الله فيكم- في هذه المسألة: في حالة كون الجهاد فرض عين، وهناك أخ في الله متزوج من امرأة يتيمة الأب ومريضة بالسكري، فما الأولى في حقه: كفالة زوجته أم ذهابه للجهاد وتركها؟ وهل يأثم في حالة قعوده أم أن كفالة زوجته عذر أمام الله عن قعوده؟ وبارك الله فيكم.

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن من جملة الأعذار المبيحة للتخلف عن الجهاد العيني: تمريض المريض إذا لم يكن له غيره؛ قال الرملي في نهاية المحتاج: لا جهاد على صبي .. ومريض مرضا يمنعه الركوب أو القتال بأن تحصل له مشقة لا تحتمل عادة .. وكالمريض من له مريض لا متعهد له غيره. انتهى.

وقال الهيتمي في التحفة: (ومريض) مرضا يمنعه الركوب أو القتال بأن يحصل له مشقة لا تحتمل عادة، وإن لم تبح التيمم فيما يظهر،  ومثله بالأولى الأعمى، وكالمريض من له مريض لا متعهد له غيره. اهـ.

وعليه؛ فإذا كانت الزوجة المذكورة تحتاج إلى أن يكون معها من يتعهدها، ولم تجد غير زوجها لذلك، فإن هذا عذر يبيح للزوج التخلف عن الجهاد.

وأما مرض الزوجة الذي لا تحتاج معه إلى تعهد الزوج لها فلا يعتبر عذرًا يبيح التخلف عن الجهاد العيني، فإن الجهاد العيني يجب الذهاب له، ولو كان الأبوان حيَّين مصرحين بالمنع من الذهاب له، فأحرى الزوجة؛ قال الحافظ في فتح الباري: قال جمهور العلماء: يحرم الجهاد إذا منع الأبوان أو أحدهما بشرط أن يكونا مسلمين؛ لأن برهما فرض عين عليه، والجهاد فرض كفاية، فإذا تعين الجهاد فلا إذن. انتهى.
 فالمجاهد متعبد بالغزو ولو أدى ذلك ليتم ولده، وترمل زوجته، وثكل أمه، كما هو الحال في كثير من الشهداء في العهد النبوي، ولكن يلزمه ترك النفقة لزوجه وعياله، فإن لم يجد ما ينفقه عليهم كان له التخلف عن الغزو حتى يستيسر ما يوفر به لأهله نفقة المدة التي يظن أنه سيمكثها عنهم؛ قال الشافعي -رحمه الله تعالى- في الأم: وإذا كان الغزو البعيد لم يلزم القوي السالم البدن كله إذا لم يجد مركبا وسلاحا ونفقة ويدع لمن تلزمه نفقته قوته إذن قدر ما يرى أنه يلبث، وإن وجد بعض هذا دون بعض فهو ممن لا يجد ما ينفق. اهـ.

وجاء في الكافي في فقه أهل المدينة لابن عبد البر (1/ 464):
باب من له التخلف عن غزو العدو.

وكل من كان مريضا به علة لا يستطيع النهوض معها أو كان أعمى أو أعرج، فكل هؤلاء يسعهم العذر في التخلف عن الغزو، ولا حرج عليهم وإن كانوا موسرين، وكذلك القوي الصحيح الجسم إذا كان لا يجد ما ينفق في سفره، وما يترك لعياله، ولا يجب على أحد من هؤلاء الخروج إلى الجهاد ولو كان ممن يستطيع الخروج وعليه دين لا يجد له وفاء أو له أبوان مسلمان يكرهان أو يكره أحدهما خروجه لم يكن له أن يخرج... اهـ.

وقال ابن العربي في الأحكام:

المسألة السادسة: قوله تعالى: { ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه }: أقوى دليل على قبول عذر المعتذر بالحاجة والفقر عن التخلف في الجهاد، إذا ظهر من حاله صدق الرغبة مع دعوى المعجزة، كإفاضة العين، وتغيير الهيئة؛ لقوله: { تولوا وأعينهم تفيض } الآية. اهـ.
وفي المهذب في فقه الإمام الشافعي للشيرازي (3/ 268):
ولا يجب على الفقير الذي لا يجد ما ينفق في طريقه فاضلًا عن نفقة عياله؛ لقوله عز وجل: {وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ} [التوبة: 91]. اهـ.

وقال الشربيني في شرح المنهاج: ولا جهاد على ( عادم أهبة قتال ) من نفقة وسلاح، وكذا مركوب إن كان سفر قصر، فإن كان دونه لزمه إن كان قادرا على المشي، فاضل ذلك عن مؤنة من تلزمه مؤنته كما في الحج ... ولو كان القتال على باب داره أو حوله سقط اعتبار المؤن، كما ذكره القاضي أبو الطيب وغيره. اهـ.
وفي المغني لابن قدامة: أما وجود النفقة: فيشترط ؛ لقول الله تعالى { ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله } ولأن الجهاد لا يمكن إلا بآلة، فيعتبر القدرة عليها. فإن كان الجهاد على مسافة لا تقصر فيها الصلاة اشترط أن يكون واجدا للزاد ونفقة عائلته في مدة غيبته، وسلاح يقاتل به ....  اهـ.

وقال البهوتي في شرح منتهي الإرادات:

لا يجب ) جهاد ( إلا على ذكر ) لحديث عائشة: {هل على النساء جهاد؟ فقال: عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة} ..... ( واجد بملك، أو ) واجد ( ببذل إمام ما يكفيه و ) يكفي ( أهله في غيبته ) لقوله تعالى: { ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج } الآية. اهـ.

وجاء في الموسوعة الفقهية:

يشترط لوجوب الجهاد القدرة على تحصيل السلاح. وكذلك لا يجب على الفقير الذي لا يجد ما ينفق في طريقه فاضلا عن نفقة عياله؛ لقوله عز وجل: { ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج }... اهـ.

 وفيها أيضا: الجهاد فرض كفاية إذا لم يكن هناك نفير عام، فإذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين، أما إذا كان النفير عاما فالجهاد يصبح فرض عين على كل قادر من المسلمين، وهذا الحكم في فرضية الجهاد متفق عليه بين الفقهاء، ولكن من لا قدرة له فلا يطالب بالجهاد؛ لأنه معذور، وقد أشار سبحانه وتعالى في كتابه إلى أصحاب الأعذار فقال: { ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج } . والآية نزلت في هؤلاء حين هموا بالخروج مع النبي -صلى الله عليه وسلم- حين نزلت آية التخلف عن الجهاد، وقال سبحانه أيضا: { ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله } فظاهر الآيتين يدل على أن الحرج مرفوع في كل ما يضطرهم إليه العذر. اهـ.

والله أعلم.