المرابطون في بيوت الله [3] - شروط خروج المرأة إلى بيت الله


الحلقة مفرغة

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا [الكهف:17].

الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً, وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة, وهو اللطيف الخبير.

اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، أنت رب الطيبين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين ورازقهم، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود:6].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [فاطر:3].

وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله, أرسله الله رحمة للعالمين, فشرح به الصدور وأنار به العقول, وفتح به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوب غلفاً, فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته, ورضي الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد: معشر الإخوة المؤمنين! إن أفضل البقاع وأحبها إلى الله جل وعلا المساجد؛ فهي بيوته, وفيها هداه ونوره، يأوي إليها الموحدون الطيبون، ويجتمع فيها المسلمون المؤمنون، فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ [النور:36-37].

عباد الله! وفي قول الله جل وعلا: (رجال) دلالتان معتبرتان:

الدلالة الأولى: هؤلاء الرجال هم العقلاء المهتدون الذين يتصفون بكل خلق كريم، ومن عداهم سفيه في عداد المجانين.

والدلالة الثانية: هؤلاء الرجال هم الذكور، فعليهم فرضت الجمعة والجماعة، والنساء لسن كذلك في هذا الحكم.

إخوتي الكرام! أما الدلالة الثانية فقد تدارسناها سابقاً، وبينا أن الله جل وعلا أوجب الجمعة والجماعة على الرجال، والنساء لسن كذلك في هذا الحكم, وغاية ما في شأنهن أنه يجوز لهن الحضور إلى بيت الله, وصلاتهن في بيتهن خير لهن، نعم.. إن حضورهن جائز، لا سيما إذا كان في حضورهن مصلحة في تعلمهن وشهود مواسم الخير والبركة من اجتماع المسلمين وتناصح الأخوات فيما بينهن في الدين.

إخوتي الكرام! لقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم للنساء في حضور المساجد، وأمرنا أن نأذن لهن إذا طلبن الإذن منا، والحديث وارد في المسند والكتب الستة باستثناء سنن النسائي من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تمنعوا إماء الله بيوت الله ). أي: إذا استأذنكم نساؤكم إلى المساجد فأذنوا لهن.

وجاء في بعض روايات الإمام البخاري : ( كانت زوجة عمر رضي الله عنها وعن زوجها وعن الصحابة أجمعين تشهد الصلوات في المسجد, فقيل لها: كيف تخرجين إلى أداء الصلاة في المسجد وعمر يكره خروجك ويغار؟ فقالت: ما باله لا ينهاني؟ والله لا أنتهي حتى ينهاني، فقيل لها: كيف ينهاك وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تمنعوا إماء الله بيوت الله ). والقائل لها: هو عمر رضي الله عنه كما ورد ذلك في مصنف عبد الرزاق بإسناد صحيح عن الزهري لكنه مرسل, ووصله الإمام أحمد في المسند أن عمر قال لزوجته -وهي عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل ، أخوها سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة رضوان الله عليهم أجمعين-: ( كيف تخرجين إلى المسجد وأنا أكره خروجك وأغار؟ قالت: ما بالك لا تنهاني؟ قال: كيف أنهاك وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تمنعوا إماء الله بيوت الله؟ قالت: والله لا أنتهي حتى تنهاني ). وإنما ورد في رواية البخاري : ( فقيل لها ) والقائل هو عمر من باب التجريد أو من باب الالتفات كما هو مقرر في علم البلاغة.

إخوتي الكرام! وعاتكة زوجة عمر كانت تصلي الصلوات في عهد النبي عليه الصلاة والسلام وفي عهد أبي بكر وفي عهد عمر رضي الله عنهم أجمعين في المسجد، حتى إن زوجها عمر رضي الله عنه وأرضاه عندما طعن في صلاة الفجر كانت حاضرة في المسجد, تصلي مع المسلمين.

نعم.. لا يستطيع أحد أن يمنع النساء من حقهن في الذهاب إلى بيوت رب الأرض والسماء، وقد ثبت في المسند والصحيحين والسنن الأربع، والحديث في موطأ الإمام مالك, وهو في أعلى درجات الصحة عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان نساء يشهدن الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم, فيحضرن صلاة الفجر ثم يعدن إلى بيوتهن إذا انتهت الصلاة, وهن متلفعات في مروطهن, ما يعرفن من الغلس ). وفي بعض روايات الإمام البخاري : ( لا يعرف بعضهن بعضاً ).

فاجتمع ساتران وحاجزان في النساء اللاتي يشهدن صلاة الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم:

الساتر أو الحاجز الأول: التلفع بالمروط والتستر من جميع الجهات.

الساتر أو الحاجز الثاني: ساتر الغلس، وهو: الظلمة, فلا يرى من المرأة إلا شبحها، لا يعلم هل هي امرأة أو رجل، والمرأة عندما تكون المرأة بجوارها لا تميزها هل هي زينب أو فاطمة, فلا يعرف بعضهن بعضاً, ولا يعرفهن الناظر إذا نظر إليهن هل هن رجال أو هن نساء من الظلمة، ثم بعد ذلك من هذا التستر (متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس).

إخوتي الكرام! والمرأة إذا أرادت أن تخرج إلى بيوت الرحمن لتشهد الخير ولتتعلم الخير، فينبغي عليها أن تتأدب بآداب الإسلام، وهذه الآداب كثيرة وفيرة, وسأوجزها في خمسة آداب إن شاء الله: أدب في لباسها, وأدب في طيبها, وأدب في مشيتها في طريقها, وأدب في دخولها المسجد, وأدب في أداء صلاتها في بيت ربها.

أما اللباس: وهو أول ما ينبغي أن تعتني به المرأة إذا أرادت أن تخرج من بيتها لبيت الله أو إلى غير ذلك، ويجب أن يكون لباسها حاوياً لستة شروط، فإذا خالفت شرطاً من ذلك فهي عاصية آثمة، وكل من يقرها على ذلك من زوج أو محرم فهو عاص آثم.

تعلموا هذا إخوتي الكرام! وبلغوه للنساء من الزوجات ومن المحارم، فكل واحد منا لا يخلو من صلة بامرأة إما زوجة أو محرم أم أو بنت أو أخت أو غير ذلك.

الشرط الأول: ستر اللباس لجميع بدن المرأة

أول هذه الشروط التي ينبغي أن تكون في لباس المرأة: أن يكون هذا اللباس ساتراً لجميع بدن المرأة من رأسها إلى نهاية قدميها؛ فالمرأة عورة كما ثبت من كلام نبينا صلى الله عليه وسلم، وإذا كانت عورة فينبغي أن تستر هذه العورة، وعندما نزلت آية الحجاب: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب:59]، قالت أمنا عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها وعن أبيها وعن سائر الصحابة الكرام: (يرحم الله النساء المهاجرات الأول، عندما نزلت آية الحجاب عمدن إلى أكثف مروطهن) ..وقوله: (إلى أكنف مروطهن) بالثاء وبالنون، (إلى أكثف) أي: إلى أغلظ وأسمك، و(إلى أكنف) أي: إلى أستر لباس عندهن، ومنه الكنيف الذي يستر ما وراءه، (مروطهن) والمرط: كساء من خز أو حرير تأتزر به المرأة، وقد تضعه على رأسها لتستر به جسمها وبدنها، وهو جمع مرط، (فاختمرن بها, فخرجن كأن على رؤوسهن الغربان). وهذا الخمار الذي اختمر به نساء الصحابة الأبرار رضوان الله عليهم أجمعين حالته كما قال العزيز الغفار: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور:31]. كانت المرأة في الجاهلية وفي أول الإسلام إذا وضعت الخمار على رأسها ترده وراء ظهرها, فيبدو وجهها، وتبدو بعد ذلك فتحة الجيب وهو العنق, فأمرت أن ترخي الخمار من رأسها على وجهها وعلى فتحة عنقها, أي: أن تلقي الخمار من أمامها؛ من أجل أن يستر الوجه، ومن أجل أن تستر فتحة الرقبة والنحر، قال تعالى: قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59]. والله يقول في سورة النور: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور:31] معناه: أن تلقي الخمار من فوق رأسها إلى الجهة الأمامية بحيث يستر الوجه ويستر فتحة الثياب التي محلها الرقبة.

وهذا الأثر الذي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه وكذلك أبو داود عن أمَّنا عائشة رضي الله عنها هو وصف النساء المهاجرات، فما وصف نساء الأنصار؟ هن كذلك, وهذا هو وصف نساء المؤمنين من مهاجرات وأنصار ومن يأتي بعدهن إلى يوم الدين, تقول أمنا عائشة رضي الله عنها كما في المستدرك وتفسير ابن أبي حاتم وإسناد الأثر صحيح: (أن صفية رضي الله عن أمهاتنا أجمعين أثنت على نساء المهاجرين أمام أمنا عائشة , فقالت رضي الله عنها: في نساء المهاجرين خير، وفي نساء قريش خير, ولكن والله ما رأيت مثل نساء الأنصار أشد إيماناً بالله وأشد تصديقاً بالتنزيل؛ لما نزل قول الله جل وعلا: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور:31] انقلب رجال الأنصار إلى نسائهم يتلون عليهن هذه الآية، فوالله ما هو إلا أن قامت كل امرأة إلى أكثف مرطها -أي: هذا الذي يؤتزر به ويلبس- فشقته فاختمرت به, فخرجن وهن معتجرات -أي: كل واحدة تلف رأسها بهذا الثوب الثخين, تعتجر به وتستر به بدنها وجسمها ووجهها- كأن على رءوسهن الغربان من الأكثية).

إخوتي الكرام! فهذا الأمر لا بد من ملاحظته عند خروج المرأة من بيتها لبيت ربها أو إلى غير ذلك من البيوت, ألا وهو ستر جميع البدن. وما يترخص به بعض الناس في هذه الأيام من كشف الوجه بتعللات باطلة فكل هذا مردود مردود.

وإليكم -إخوتي الكرام- بعض الآثار التي تبين شيمة النساء الصالحات وكيفية حجابهن في العصر الأول, وعليه تسير كل امرأة صالحة إلى قيام الساعة.

ثبت في سنن أبي داود وسنن ابن ماجه ، والحديث في مسند الإمام أحمد وسنن الإمام البيهقي عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: ( كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج ونحن محرمات, فإذا حاذانا الركبان ) أي: صار الرجال بجوارنا واقتربوا منا ( سدلنا على وجوهنا, فإذا جاوزونا كشفنا وجوهنا ).

فالنساء مع بعضهن وهن محرمات يكشفن وجوههن، وإذا اقترب رجل منهن سدلن وأرخين هذا الخمار من الرأس على الوجه، والمرأة عندما تحرم لا يجوز لها أن تلبس البرقع الذي يحيط بالوجه ويتصل, لكنه يجب عليها أن تغطي وجهها بشيءٍ تسدله وتنزله من رأسها على وجهها إذا اقترب رجل منها وأمكن أن يراها، وهذا فعل من؟ فعل أمنا عائشة رضي الله عنها مع الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، وهو فعل النساء الصالحات مع الصحابة الكرام.

وهذا الأثر يشهد له أثران ثابتان صحيحان:

أولهما: في المستدرك بسند صحيح كالشمس عن أسماء بنت أبي بكر وهي زوجة الزبير رضي الله عنهم أجمعين قالت: ( كنا نغطي وجوهنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ). سبحان الله! زوجة الزبير بنت أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين تخبر عن هذا الأمر، وأن النساء الصالحات هذا وصفهن إذا التقين بالرجال، كل واحدة تغطي وجهها.

وفي سنن البيهقي بإسناد صحيح عن فاطمة بنت المنذر -وهي تابعية أخرج حديثها أهل الكتب الستة، وهي ثقة إمامة صالحة فاضلة- تقول: كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات ونحن مع أسماء بنت أبي بكر رضي الله عن الصحابة أجمعين رجالاً ونساء.

فهذا الأمر -إخوتي الكرام- لا بد من العناية به ومراعاته؛ وهو أن يكون الثوب ساتراً لجميع البدن، فـ(المرأة عورة) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم, ولا يجوز أن يُرى منها شيء من بشرتها ولا من أظفارها ولا من شعرها، وهذا ما ينبغي أن تحافظ عليه المرأة إذا خرجت من بيتها.

الشرط الثاني: خلو لباس المرأة من الزينة والزخرفة

الشرط الثاني الذي ينبغي أن يكون في لباس المرأة إذا خرجت من بيتها: أن يكون الثوب لونه هادئاً، فليس فيه زينة وزركشة وزخرفة، وليس فيه ألوان براقة تجلب النظر من حمرة أو صفرة أو ألوان زاهية، إنما الثياب تكون سوداء أو تكون زرقاء لا تجلب نظر الناظرين إليها، فهذا مما تؤمر به المرأة إذا خرجت من بيتها، والله يقول في كتابه: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33]. والتبرج: هو إظهار الزينة في الثياب أو في البدن، فكل هذا يحرم على المرأة أن تفعله إذا خرجت من بيتها، لا يجوز أن تكون الثياب مزينة مزركشة مزخرفة تجذب نظر الناظرين إليها، وهذه الثياب التي ينبغي ألا تكون مزينة هي الثياب الخارجية, وهي الجلباب وما يكون تحت الجلباب، فهي أدرى بحالها، أما هذا الجلباب، وهذه العباءة، وهذه الملحفة، وهذه الملاءة التي تلبسها المرأة إذا خرجت من بيتها لا ينبغي أن يكون فيها ألوان تجلب النظر ولا زينة ولا زخرفة.

الشرط الثالث: غلظ وثخن لباس المرأة

الشرط الثالث الذي ينبغي أن تراعيه المرأة في لباسها إذا خرجت: أن تكون الثياب التي تلبسها سميكة ثخينة غليظة قوية متينة، لا تشف عما تحتها، فلا ترى ملابسها التي هي دون الجلباب والعباءة، ومن باب أولى لا تكشف عن بعض أعضائها، وإذا لبست المرأة ثياباً رقيقة وخرجت فهي كاسية عارية، وهي ملعونة على لسان النبي صلى الله عليه وسلم؛ كما ثبت في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( صنفان من أهل النار لم أرهما: رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت, لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا ). فقوله: (كاسيات عاريات), أي: هي تلبس ثياباً لكنها رقيقة تشف عن جسمها وعن ملابسها الداخلية, فهي كاسية عارية، أو تلبس ثياباً قصيرة تستر بعض البدن وتكشف بعضه, فهي كاسية عارية، هذا الصنف لا يدخل الجنة ولا يجد ريحها, وإن كان ريحها يوجد من مسيرة كذا وكذا، أو من مسيرة خمسمائة سنة.

إذاً: هذا الأمر ينبغي أن تعتني به المرأة؛ أن الثياب ينبغي أن تكون سميكة غليظة ثخينة بحيث تكون عليها كالخيمة لا تبدي شيئاً, لا تشف عن ملابسها الداخلية ولا تظهر شيئاً من أعضائها وجسمها.

الشرط الرابع: وسع لباس المرأة وعدم وصفه لأعضاء الجسم

الشرط الرابع الذي ينبغي أن تعتني به المرأة في لباسها: أن تكون هذه الملابس الخارجية واسعة فضفاضة, لا تحيط بجسم المرأة وتفصلها, فتبين كتفيها وخصرها وأعضاء جسمها، فماذا استفادت إذاً من جلبابها ومن عباءتها ومن حجابها؟ فإن الجلباب ما شرع للمرأة إلا لأنه لباس خارجي, لا يلبس إلا خارج البيت لتستر به المرأة ملابسها التي تحيط بجسمها وتعطي تفاصيل أشكال أعضائها، فالمرأة أمرت بالجلباب، وهو لباس واسع فضفاض, يسع عدداً من النساء وليس امرأة واحدة، الأكمام واسعة، وهكذا بعد ذلك الثياب التي تكون على جسمها من ظهرها وبدنها لا بد أن تكون واسعة بحيث لو دخلت معها امرأة وامرأة وامرأة لوسع هذا الجلباب النساء اللآتي يدخلن فيه، وأما أن يكون الجلباب ضيقاً بحيث لو خرجت بالملابس التي تلبسها في البيت لأغناها ذلك فلا يسمى حجاباً، وهذا الجلباب شرع من أجل أن يكون ساتراً للملابس وللأعضاء، فلا تمثل ولا تجسد ولا تشكل، فكما ينبغي أن يكون اللباس ثخيناً لا يشف ينبغي أن يكون واسعاً عريضاً لا يصف، فلا ينبغي أن يصف لباسها وشكل أعضائها، ولا ينبغي أن يشف لباسها عن شيء من ملابسها وأعضائها.

الشرط الخامس: عدم مشابهة لباس المرأة للباس الكافرات

الشرط الخامس الذي ينبغي أن تعتني به المرأة في لباسها إذا خرجت: أن يكون لباسها في حال خروجها من لباس النساء المسلمات الصالحات القانتات، فلا تلبس لباس امرأة كافرة، ولا زي امرأة كافرة، وإن كانت ساترة لبدنها وجسمها, فقد نهينا عن التشبه بالكافرين والكافرات معشر الرجال والنساء من المسلمين، نهينا عن التشبه بمن غضب الله عليهم ولعنهم؛ ففي مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود بسند صحيح من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما, والحديث رواه الإمام الطبراني في معجمه الأوسط بسند صحيح من رواية حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من تشبه بقوم فهو منهم ). ورواية المسند مطولة, ولفظها: ( بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف قولي، ومن تشبه بقوم فهو منهم ). وقوله: (وجعل الذل والصغار على من خالف قولي), أي: خالف دين الإسلام.

وقوله: (ومن تشبه بقوم فهو منهم) التشبه له حالتان:

حالة يقصدها الإنسان إعجاباً بمن غضب عليهم ذو الجلال والإكرام، فالتشبه بهم في هذه الحالة في طعام أو لباس أو مركوب أو غير ذلك كفر مخرج من الملة؛ لأنه فعل هذا تعظيماً لهم واقتداء بهم واستحساناً لأحوالهم.

وحالة تقع فيها مشابهة من غير قصد يفعلها الإنسان, وفعله يشابه بعد ذلك فعل الكفرة، فهنا لا يقصد التشبه، إنما المشابهة التي حصلت لا قيمة لها, فنرجع إلى حكم الفعل بعد ذلك في شريعة الله المطهرة.

فإن كان مباحاً فهو مباح، مثلاً: ركب سيارة وهم يركبون سيارات، وإن كان مكروهاً فهو مكروه، وإن كان حراماً فهو حرام، فإذا لم يقصد التشبه وفعل هذا الفعل بغض النظر عن التشبه ووافقهم في هذا الأمر فهذه الموافقة لا قيمة لها, ونرجع إلى حكم الفعل في شريعة الله المطهرة. أما من قصد التشبه واستحسن أحوالهم واقتدى بهم فهو معهم، والله جل وعلا يحشر الظالمين يوم القيامة وأزواجهم, أي: أصنافهم وأشكالهم معهم في نار الجحيم.

هذا الشرط الخامس الذي ينبغي أن تعتني به المرأة في لباسها.

الشرط السادس: عدم مشابهة لباس المرأة للباس الرجل

الشرط السادس: ينبغي أن تلبس المرأة لباساً لا يعتاد الرجال لبسه، فينبغي أن يتميز لباس المرأة عن لباس الرجل، وأن يكون لكل منهما هيئة معروفة تميزه، وقد حذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم من أن يلبس الرجال لبسة النساء، وأن يلبس النساء لبسة الرجال, فثبت في مستدرك الحاكم وسنن أبي داود بسند صحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الرجل يلبس لبسة المرأة، ولعن المرأة أن تلبس لبسة الرجل ).

وفي مسند الإمام أحمد من رواية عبد الله بن عمرو رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس منا من تشبه من النساء بالرجال, ولا من تشبه من الرجال بالنساء ).

وثبت في مسند الإمام أحمد وصحيح البخاري والسنن الأربع عدا سنن النسائي من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء, والمتشبهات من النساء بالرجال ).

هذه أمور ستة في ثياب المرأة ينبغي على المرأة أن تعتني بها: أن يكون اللباس ساتراً، وأن يكون هادئاً ليس ملوناً وليس فيه زخرفة، وأن يكون سميكاً ثخيناً غليظاً، وأن يكون واسعاً فضفاضاً، وألا يشبه لباس المرأة المسلمة لباس المرأة الكافرة، وألا يشبه لباس المرأة المسلمة لباس الرجل مطلقاً.

هذا الأدب الأول الذي ينبغي أن تعتني به المرأة إذا خرجت من بيتها في لباسها.

أول هذه الشروط التي ينبغي أن تكون في لباس المرأة: أن يكون هذا اللباس ساتراً لجميع بدن المرأة من رأسها إلى نهاية قدميها؛ فالمرأة عورة كما ثبت من كلام نبينا صلى الله عليه وسلم، وإذا كانت عورة فينبغي أن تستر هذه العورة، وعندما نزلت آية الحجاب: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب:59]، قالت أمنا عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها وعن أبيها وعن سائر الصحابة الكرام: (يرحم الله النساء المهاجرات الأول، عندما نزلت آية الحجاب عمدن إلى أكثف مروطهن) ..وقوله: (إلى أكنف مروطهن) بالثاء وبالنون، (إلى أكثف) أي: إلى أغلظ وأسمك، و(إلى أكنف) أي: إلى أستر لباس عندهن، ومنه الكنيف الذي يستر ما وراءه، (مروطهن) والمرط: كساء من خز أو حرير تأتزر به المرأة، وقد تضعه على رأسها لتستر به جسمها وبدنها، وهو جمع مرط، (فاختمرن بها, فخرجن كأن على رؤوسهن الغربان). وهذا الخمار الذي اختمر به نساء الصحابة الأبرار رضوان الله عليهم أجمعين حالته كما قال العزيز الغفار: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور:31]. كانت المرأة في الجاهلية وفي أول الإسلام إذا وضعت الخمار على رأسها ترده وراء ظهرها, فيبدو وجهها، وتبدو بعد ذلك فتحة الجيب وهو العنق, فأمرت أن ترخي الخمار من رأسها على وجهها وعلى فتحة عنقها, أي: أن تلقي الخمار من أمامها؛ من أجل أن يستر الوجه، ومن أجل أن تستر فتحة الرقبة والنحر، قال تعالى: قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59]. والله يقول في سورة النور: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور:31] معناه: أن تلقي الخمار من فوق رأسها إلى الجهة الأمامية بحيث يستر الوجه ويستر فتحة الثياب التي محلها الرقبة.

وهذا الأثر الذي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه وكذلك أبو داود عن أمَّنا عائشة رضي الله عنها هو وصف النساء المهاجرات، فما وصف نساء الأنصار؟ هن كذلك, وهذا هو وصف نساء المؤمنين من مهاجرات وأنصار ومن يأتي بعدهن إلى يوم الدين, تقول أمنا عائشة رضي الله عنها كما في المستدرك وتفسير ابن أبي حاتم وإسناد الأثر صحيح: (أن صفية رضي الله عن أمهاتنا أجمعين أثنت على نساء المهاجرين أمام أمنا عائشة , فقالت رضي الله عنها: في نساء المهاجرين خير، وفي نساء قريش خير, ولكن والله ما رأيت مثل نساء الأنصار أشد إيماناً بالله وأشد تصديقاً بالتنزيل؛ لما نزل قول الله جل وعلا: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور:31] انقلب رجال الأنصار إلى نسائهم يتلون عليهن هذه الآية، فوالله ما هو إلا أن قامت كل امرأة إلى أكثف مرطها -أي: هذا الذي يؤتزر به ويلبس- فشقته فاختمرت به, فخرجن وهن معتجرات -أي: كل واحدة تلف رأسها بهذا الثوب الثخين, تعتجر به وتستر به بدنها وجسمها ووجهها- كأن على رءوسهن الغربان من الأكثية).

إخوتي الكرام! فهذا الأمر لا بد من ملاحظته عند خروج المرأة من بيتها لبيت ربها أو إلى غير ذلك من البيوت, ألا وهو ستر جميع البدن. وما يترخص به بعض الناس في هذه الأيام من كشف الوجه بتعللات باطلة فكل هذا مردود مردود.

وإليكم -إخوتي الكرام- بعض الآثار التي تبين شيمة النساء الصالحات وكيفية حجابهن في العصر الأول, وعليه تسير كل امرأة صالحة إلى قيام الساعة.

ثبت في سنن أبي داود وسنن ابن ماجه ، والحديث في مسند الإمام أحمد وسنن الإمام البيهقي عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: ( كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج ونحن محرمات, فإذا حاذانا الركبان ) أي: صار الرجال بجوارنا واقتربوا منا ( سدلنا على وجوهنا, فإذا جاوزونا كشفنا وجوهنا ).

فالنساء مع بعضهن وهن محرمات يكشفن وجوههن، وإذا اقترب رجل منهن سدلن وأرخين هذا الخمار من الرأس على الوجه، والمرأة عندما تحرم لا يجوز لها أن تلبس البرقع الذي يحيط بالوجه ويتصل, لكنه يجب عليها أن تغطي وجهها بشيءٍ تسدله وتنزله من رأسها على وجهها إذا اقترب رجل منها وأمكن أن يراها، وهذا فعل من؟ فعل أمنا عائشة رضي الله عنها مع الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، وهو فعل النساء الصالحات مع الصحابة الكرام.

وهذا الأثر يشهد له أثران ثابتان صحيحان:

أولهما: في المستدرك بسند صحيح كالشمس عن أسماء بنت أبي بكر وهي زوجة الزبير رضي الله عنهم أجمعين قالت: ( كنا نغطي وجوهنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ). سبحان الله! زوجة الزبير بنت أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين تخبر عن هذا الأمر، وأن النساء الصالحات هذا وصفهن إذا التقين بالرجال، كل واحدة تغطي وجهها.

وفي سنن البيهقي بإسناد صحيح عن فاطمة بنت المنذر -وهي تابعية أخرج حديثها أهل الكتب الستة، وهي ثقة إمامة صالحة فاضلة- تقول: كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات ونحن مع أسماء بنت أبي بكر رضي الله عن الصحابة أجمعين رجالاً ونساء.

فهذا الأمر -إخوتي الكرام- لا بد من العناية به ومراعاته؛ وهو أن يكون الثوب ساتراً لجميع البدن، فـ(المرأة عورة) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم, ولا يجوز أن يُرى منها شيء من بشرتها ولا من أظفارها ولا من شعرها، وهذا ما ينبغي أن تحافظ عليه المرأة إذا خرجت من بيتها.

الشرط الثاني الذي ينبغي أن يكون في لباس المرأة إذا خرجت من بيتها: أن يكون الثوب لونه هادئاً، فليس فيه زينة وزركشة وزخرفة، وليس فيه ألوان براقة تجلب النظر من حمرة أو صفرة أو ألوان زاهية، إنما الثياب تكون سوداء أو تكون زرقاء لا تجلب نظر الناظرين إليها، فهذا مما تؤمر به المرأة إذا خرجت من بيتها، والله يقول في كتابه: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33]. والتبرج: هو إظهار الزينة في الثياب أو في البدن، فكل هذا يحرم على المرأة أن تفعله إذا خرجت من بيتها، لا يجوز أن تكون الثياب مزينة مزركشة مزخرفة تجذب نظر الناظرين إليها، وهذه الثياب التي ينبغي ألا تكون مزينة هي الثياب الخارجية, وهي الجلباب وما يكون تحت الجلباب، فهي أدرى بحالها، أما هذا الجلباب، وهذه العباءة، وهذه الملحفة، وهذه الملاءة التي تلبسها المرأة إذا خرجت من بيتها لا ينبغي أن يكون فيها ألوان تجلب النظر ولا زينة ولا زخرفة.

الشرط الثالث الذي ينبغي أن تراعيه المرأة في لباسها إذا خرجت: أن تكون الثياب التي تلبسها سميكة ثخينة غليظة قوية متينة، لا تشف عما تحتها، فلا ترى ملابسها التي هي دون الجلباب والعباءة، ومن باب أولى لا تكشف عن بعض أعضائها، وإذا لبست المرأة ثياباً رقيقة وخرجت فهي كاسية عارية، وهي ملعونة على لسان النبي صلى الله عليه وسلم؛ كما ثبت في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( صنفان من أهل النار لم أرهما: رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت, لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا ). فقوله: (كاسيات عاريات), أي: هي تلبس ثياباً لكنها رقيقة تشف عن جسمها وعن ملابسها الداخلية, فهي كاسية عارية، أو تلبس ثياباً قصيرة تستر بعض البدن وتكشف بعضه, فهي كاسية عارية، هذا الصنف لا يدخل الجنة ولا يجد ريحها, وإن كان ريحها يوجد من مسيرة كذا وكذا، أو من مسيرة خمسمائة سنة.

إذاً: هذا الأمر ينبغي أن تعتني به المرأة؛ أن الثياب ينبغي أن تكون سميكة غليظة ثخينة بحيث تكون عليها كالخيمة لا تبدي شيئاً, لا تشف عن ملابسها الداخلية ولا تظهر شيئاً من أعضائها وجسمها.

الشرط الرابع الذي ينبغي أن تعتني به المرأة في لباسها: أن تكون هذه الملابس الخارجية واسعة فضفاضة, لا تحيط بجسم المرأة وتفصلها, فتبين كتفيها وخصرها وأعضاء جسمها، فماذا استفادت إذاً من جلبابها ومن عباءتها ومن حجابها؟ فإن الجلباب ما شرع للمرأة إلا لأنه لباس خارجي, لا يلبس إلا خارج البيت لتستر به المرأة ملابسها التي تحيط بجسمها وتعطي تفاصيل أشكال أعضائها، فالمرأة أمرت بالجلباب، وهو لباس واسع فضفاض, يسع عدداً من النساء وليس امرأة واحدة، الأكمام واسعة، وهكذا بعد ذلك الثياب التي تكون على جسمها من ظهرها وبدنها لا بد أن تكون واسعة بحيث لو دخلت معها امرأة وامرأة وامرأة لوسع هذا الجلباب النساء اللآتي يدخلن فيه، وأما أن يكون الجلباب ضيقاً بحيث لو خرجت بالملابس التي تلبسها في البيت لأغناها ذلك فلا يسمى حجاباً، وهذا الجلباب شرع من أجل أن يكون ساتراً للملابس وللأعضاء، فلا تمثل ولا تجسد ولا تشكل، فكما ينبغي أن يكون اللباس ثخيناً لا يشف ينبغي أن يكون واسعاً عريضاً لا يصف، فلا ينبغي أن يصف لباسها وشكل أعضائها، ولا ينبغي أن يشف لباسها عن شيء من ملابسها وأعضائها.

الشرط الخامس الذي ينبغي أن تعتني به المرأة في لباسها إذا خرجت: أن يكون لباسها في حال خروجها من لباس النساء المسلمات الصالحات القانتات، فلا تلبس لباس امرأة كافرة، ولا زي امرأة كافرة، وإن كانت ساترة لبدنها وجسمها, فقد نهينا عن التشبه بالكافرين والكافرات معشر الرجال والنساء من المسلمين، نهينا عن التشبه بمن غضب الله عليهم ولعنهم؛ ففي مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود بسند صحيح من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما, والحديث رواه الإمام الطبراني في معجمه الأوسط بسند صحيح من رواية حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من تشبه بقوم فهو منهم ). ورواية المسند مطولة, ولفظها: ( بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف قولي، ومن تشبه بقوم فهو منهم ). وقوله: (وجعل الذل والصغار على من خالف قولي), أي: خالف دين الإسلام.

وقوله: (ومن تشبه بقوم فهو منهم) التشبه له حالتان:

حالة يقصدها الإنسان إعجاباً بمن غضب عليهم ذو الجلال والإكرام، فالتشبه بهم في هذه الحالة في طعام أو لباس أو مركوب أو غير ذلك كفر مخرج من الملة؛ لأنه فعل هذا تعظيماً لهم واقتداء بهم واستحساناً لأحوالهم.

وحالة تقع فيها مشابهة من غير قصد يفعلها الإنسان, وفعله يشابه بعد ذلك فعل الكفرة، فهنا لا يقصد التشبه، إنما المشابهة التي حصلت لا قيمة لها, فنرجع إلى حكم الفعل بعد ذلك في شريعة الله المطهرة.

فإن كان مباحاً فهو مباح، مثلاً: ركب سيارة وهم يركبون سيارات، وإن كان مكروهاً فهو مكروه، وإن كان حراماً فهو حرام، فإذا لم يقصد التشبه وفعل هذا الفعل بغض النظر عن التشبه ووافقهم في هذا الأمر فهذه الموافقة لا قيمة لها, ونرجع إلى حكم الفعل في شريعة الله المطهرة. أما من قصد التشبه واستحسن أحوالهم واقتدى بهم فهو معهم، والله جل وعلا يحشر الظالمين يوم القيامة وأزواجهم, أي: أصنافهم وأشكالهم معهم في نار الجحيم.

هذا الشرط الخامس الذي ينبغي أن تعتني به المرأة في لباسها.

الشرط السادس: ينبغي أن تلبس المرأة لباساً لا يعتاد الرجال لبسه، فينبغي أن يتميز لباس المرأة عن لباس الرجل، وأن يكون لكل منهما هيئة معروفة تميزه، وقد حذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم من أن يلبس الرجال لبسة النساء، وأن يلبس النساء لبسة الرجال, فثبت في مستدرك الحاكم وسنن أبي داود بسند صحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الرجل يلبس لبسة المرأة، ولعن المرأة أن تلبس لبسة الرجل ).

وفي مسند الإمام أحمد من رواية عبد الله بن عمرو رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس منا من تشبه من النساء بالرجال, ولا من تشبه من الرجال بالنساء ).

وثبت في مسند الإمام أحمد وصحيح البخاري والسنن الأربع عدا سنن النسائي من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء, والمتشبهات من النساء بالرجال ).

هذه أمور ستة في ثياب المرأة ينبغي على المرأة أن تعتني بها: أن يكون اللباس ساتراً، وأن يكون هادئاً ليس ملوناً وليس فيه زخرفة، وأن يكون سميكاً ثخيناً غليظاً، وأن يكون واسعاً فضفاضاً، وألا يشبه لباس المرأة المسلمة لباس المرأة الكافرة، وألا يشبه لباس المرأة المسلمة لباس الرجل مطلقاً.

هذا الأدب الأول الذي ينبغي أن تعتني به المرأة إذا خرجت من بيتها في لباسها.




استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة اسٌتمع
المرابطون في بيوت الله [1] - صفات الرجال 3493 استماع
المرابطون في بيوت الله [7] - الخشوع في الصلاة 3052 استماع
المرابطون في بيوت الله [5] - الزهد في الدنيا وطلب الآخرة 2894 استماع
المرابطون في بيوت الله [14] - التفريط في جنب الله في باب المأمورات 2769 استماع
المرابطون في بيوت الله [9] - تعريف الخوف ومنزلته 2745 استماع
المرابطون في بيوت الله [13] - الخوف والرجاء في حياة المؤمنين 2708 استماع
المرابطون في بيوت الله [2] - صفة خروج المرأة إلى بيت الله 2634 استماع
المرابطون في بيوت الله [11] - إجلال الله وتعظيمه 2582 استماع
المرابطون في بيوت الله [6] - فضل الصلاة وذكر الله 2438 استماع
المرابطون في بيوت الله [8] - فرضية الزكاة 2402 استماع