خطب ومحاضرات
الربا هو الدمار
الحلقة مفرغة
الحمد لله الواجب حمده، المتعالي جده، أحمده سبحانه وأشكره على آلائه العظام، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه على الدوام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، عظم حلمه فعفا، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله النبي المصطفى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الشرفاء، وأصحابه الحنفاء، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسار على نهجهم واقتفى، أثبت ما أثبت ونفى ما نفى.
أما بعد:
فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله -رحمكم الله- واحذروا الدنيا فإنها حلوة خضرة حُفت بالشهوات، وتحببت بالعاجلة، وتحلَّت بالآمال، وتزينت بالغرور، لا يدوم نعيمها، ولا تُؤمن غوائلها، غرارة ضرّارة، وصفها ربكم عز شأنه بقوله: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً [الكهف:45] لا زاد فيها مُدَّخر إلا زاد التقوى، ألا فاتقوا الله رحمكم الله!
أيها المسلمون! إن الأمة لتبلغ الأفق الأعلى من العز والمجد؛ حين تحفظ دينها، وتصون أخلاقها، وتحمي أوطانها، وترسخ سيادتها، وتحسن التدبير في مالها واقتصادها.
هذه المقاصد الكبرى، لا تتحقق ولا تحفظ ولا تُحمى إلا بعنصرين عظيمين: عزة النفس وقوتها، وتنمية المال وحسن إنفاقه، تعز النفس وتقوى بالمجاهدة والجهاد، مع صحة المعتقد والاستقامة على الحق وإعداد القوة، أما المال وكسبه وإنفاقه فهو السلاح المضَّاء، والعصب العاصب، يحرك الأمم، ويهدد الدول، ويفجر الحروب.
لا يمكن للأمة أن تبني مجدها وتواجه أعداءها بعد سلاح العقيدة وزاد الإيمان؛ إلا بسلاح المال، وقوة الاقتصاد، وحسن التدبير والمسارعة في العطاء والبذل، ومن ملك المال ملك النفوذ، وذهب أهل الدثور بالأجور، والجهاد بالمال قرين الجهاد بالنفس.
أيها الإخوة المسلمون! إن أجزاءً كثيرةً من هذا العالم في حالٍ من التدهور، سريع أو بطيء، ظاهر أو خفي، وإن كثرة كافرة من أمم الأرض تعمل ويكسب غيرها، وتتعب ويستريح غيرها، وتشقى ويسعد غيرها، وتبأس وينعم غيرها.
أيها المسلمون! لم يحدث أن شاع الفساد وعمّ الاضطراب مثلما شاع في هذه الأزمان المتأخرة، ومع هذه الحضارات المعاصرة؛ سادت الفاحشة، وفشا الخمر، وانتشر القمار والميسر.. فسادٌ يدخل من كل باب -إلا ما رحم ربي- في هذا العالم المادي المكفهر، والذي تتطور فيه تقنيات التصنيع والإنتاج، فلا ترى إلا التضخم والبطالة وكساد سوق العمل.
الربا من أعظم أسباب الفساد
ما أضعف كثيراً من الأمم إلا أكل الربا والتعامل به، وإذا كان الدَّيْنَ في حق الأفراد هماً بالليل وذلاً بالنهار؛ فإنه في حق الأمم ذلٌ وفقر وانتقاص لكرامة الأمة، ونيلٌ من مصالحها الوطنية، عقلية ربوية قاسية جعلت بلداناً كثيرة مدينة بمئات الملايين والمليارات في أرقامٍ فلكية لا يكاد يُحصى عدها، وما زادها ولا ضاعفها ولا أعجز أصحابها عن سدادها إلا ما يسمونه بمصاريف وخدمات وفوائد الديون، شعوبٌ عصف بها الفقر بسبب الديون الربوية، وبيوتٌ اجتاحها الخراب بسبب أكلها الربا.
أيها المسلمون! المرابي أنانيٌ متسلط، واسع الحيلة.. ماكر التصرف.. ناعم الملمس.. كاشر الأنياب.. دينه حب المال، ومتعته ابتزاز المحتاجين.
آثار الربا على الأفراد والأمم
الربا معاملة شرسة لا تعرف الرحمة ولا الإنسانية.
الربا يقوم على نهب أموال الكادحين، وابتزاز خيرات الدول، وسرقة جهد المجتهدين بأبخس الأثمان وأقل التكاليف.
المرابون لا تزيد ثرواتهم إلا إذا كثرت مصائب الناس، وعظمت حاجاتهم، في الأزمات والحروب ترتفع نسب فوائد الربا وعوائد التأمين، إنها أحكامٌ وتشريعات حسب الأهواء والأطماع لا بحسب المصالح الحقيقية للناس والشعوب.
إن فشو الربا يعني خلق الأزمات الاقتصادية، وحلول الكوارث المالية والجوائح المعيشية.
الربا ظلام على الإنسانية في إيمانها وأخلاقها واقتصادها ومعيشتها وصميم حياتها، يمحق سعادة البشرية، ويعطل نموها المتوازن.
بالربا تصبح المجتمعات مرتعاً للكراهية والحقد والبغضاء والشحناء، وميداناً للتنافس غير الشريف الذي تغتال فيه القيم، وتتضاءل معه محاسن الأخلاق.
فشو الربا نذيرٌ بضياع الثروات ومحق البركات، ما التضخم والبطالة والكساد إلا آثارٌ من آثار الربا، الأموال كثيرة، والسيولة متوفرة؛ ولكنها في خزائن المرابين من الأفراد والمصارف والدول.
المصانع تستغني عن عمالها، والشركات تسرح أعداداً هائلاً من موظفيها، والمرابون يقبضون أيديهم، الناس بحاجةٍ إلى السلع والخدمات ولكنهم لا يجدون المال، فتحدث حينئذٍ الهزات الاقتصادية، وتتنزل الكوارث المالية، وتنهار الأسعار، وتضطرب الدورات التجارية، وتفقد العملات قيمتها.
إن الشح في الموارد، والاختناقات في الخدمات، ما هي إلا آثارٌ من آثار الربا الكالح.
فشو الربا يضعف الإنتاج، فالمرابي يكنز ماله ويدخره للحصول على عائدٍ مضمون، ولا يعرضه للمخاطرة، ومن المعلوم لدى المرابي أنه كلما نقص سعر الفائدة زاد الإنتاج، وحينئذٍ تزداد فرص العمل وميادين التشغيل في المعاملات الربوية، الدائن المرابي رابحٌ دائماً، والمديون المكافح هو وحده المعرض للربح والخسارة، ومن المعلوم جزماً أن المال سيئول كله للذي يربح دائماً وهذا ما عليه حال كثير من المصارف الربوية والدول الربوية.
فمعظم المال على وجه الأرض عند فئات محدودة.. من المصارف وبيوت التجارة، ومن عداهم من الملاك وأصحاب الأعمال والاستثمارات ليسوا سوى أُجراء أو شبه أُجراء يعملون لحساب هذه الفئة المحدودة من أكلة الربا الذين يجنون ثمرات كد الآخرين، وعرق جبين الكادحين.
معاملات ربوية محرمة قاتلة مهلكة تفرزها المصارف الربوية والتعاملات المحرمة، بعيدة عن أخلاقيات التعامل، وضوابط التعايش، وتبادل المصالح.
معاملاتٌ محكومة بمرض التنافس على تكديس الأموال والتهامها، وامتصاص ثروات الشعوب وانتهابها واستلاب جيوب الناس وابتزازها، تحت دعوى النظام العالمي والتجارة العالمية، وما حقيقتها وما مآلاتها إلا حصر للأموال في البطون الواسعة؛ لرهطٍ من المرابين، وتضييق سبل البيع الحلال، وإضعاف طرق الاكتساب المستطاب.
إن ارتفاع الفوائد الربوية يعني ارتفاعاً مبالغاً في الأسعار دون أن يقابل هذا الارتفاع في الأسعار إنتاجٌ أو جهدٌ إنتاجي، وهذا يزيد من مديونات العالم دون زيادة مماثلة في الإنتاج.
إن هذه الفوائد يصعب سدادها، وهي تزداد يوماً بعد يوم من مئات الملايين إلى ملياراتها، وهذا هو التضخم القاتل.
إن عملات العالم تنتحر وتتدهور وتنهار، إنها بالونات لا تزال تمتلئ بالهواء الفاسد حتى تنفجر، ولسوف يعقب ذلك كسادٌ ما بعده كساد.
إن الفوائد الربوية تهدر قيمة النقود، وتهبط بقيم العملات، وتنسف النظام النقدي.
أيها الإخوة! وهذه وقفة مع سببٍ من أعظم أسباب هذا الفساد -إن لم يكن أعظمها وأكبرها وأفحشها- ذلكم هو الربا والمرابون وأكلة الربا، صورة كُبرى من أكل أموال الناس بالباطل، لقد جُرَّت كثيرٌ من الأمم رويداً رويداً إلى التورط في التعامل بالربا، ووقعت في لهيبه الحارق وشباكه الملتوية؛ مما جعل كثيراً من العقلاء والمستبصرين يرون أن هذا التوريط من أكبر الجرائم الأخلاقية والاقتصادية والسياسية ناهيك عن المخالفة الشرعية.
ما أضعف كثيراً من الأمم إلا أكل الربا والتعامل به، وإذا كان الدَّيْنَ في حق الأفراد هماً بالليل وذلاً بالنهار؛ فإنه في حق الأمم ذلٌ وفقر وانتقاص لكرامة الأمة، ونيلٌ من مصالحها الوطنية، عقلية ربوية قاسية جعلت بلداناً كثيرة مدينة بمئات الملايين والمليارات في أرقامٍ فلكية لا يكاد يُحصى عدها، وما زادها ولا ضاعفها ولا أعجز أصحابها عن سدادها إلا ما يسمونه بمصاريف وخدمات وفوائد الديون، شعوبٌ عصف بها الفقر بسبب الديون الربوية، وبيوتٌ اجتاحها الخراب بسبب أكلها الربا.
أيها المسلمون! المرابي أنانيٌ متسلط، واسع الحيلة.. ماكر التصرف.. ناعم الملمس.. كاشر الأنياب.. دينه حب المال، ومتعته ابتزاز المحتاجين.
الربا استعباد للأمم والأفراد، واستغلالٌ للجهود والعرق، تحت ضغط الحاجة، والعوز في ساعات الضيق والأزمات.
الربا معاملة شرسة لا تعرف الرحمة ولا الإنسانية.
الربا يقوم على نهب أموال الكادحين، وابتزاز خيرات الدول، وسرقة جهد المجتهدين بأبخس الأثمان وأقل التكاليف.
المرابون لا تزيد ثرواتهم إلا إذا كثرت مصائب الناس، وعظمت حاجاتهم، في الأزمات والحروب ترتفع نسب فوائد الربا وعوائد التأمين، إنها أحكامٌ وتشريعات حسب الأهواء والأطماع لا بحسب المصالح الحقيقية للناس والشعوب.
إن فشو الربا يعني خلق الأزمات الاقتصادية، وحلول الكوارث المالية والجوائح المعيشية.
الربا ظلام على الإنسانية في إيمانها وأخلاقها واقتصادها ومعيشتها وصميم حياتها، يمحق سعادة البشرية، ويعطل نموها المتوازن.
بالربا تصبح المجتمعات مرتعاً للكراهية والحقد والبغضاء والشحناء، وميداناً للتنافس غير الشريف الذي تغتال فيه القيم، وتتضاءل معه محاسن الأخلاق.
فشو الربا نذيرٌ بضياع الثروات ومحق البركات، ما التضخم والبطالة والكساد إلا آثارٌ من آثار الربا، الأموال كثيرة، والسيولة متوفرة؛ ولكنها في خزائن المرابين من الأفراد والمصارف والدول.
المصانع تستغني عن عمالها، والشركات تسرح أعداداً هائلاً من موظفيها، والمرابون يقبضون أيديهم، الناس بحاجةٍ إلى السلع والخدمات ولكنهم لا يجدون المال، فتحدث حينئذٍ الهزات الاقتصادية، وتتنزل الكوارث المالية، وتنهار الأسعار، وتضطرب الدورات التجارية، وتفقد العملات قيمتها.
إن الشح في الموارد، والاختناقات في الخدمات، ما هي إلا آثارٌ من آثار الربا الكالح.
فشو الربا يضعف الإنتاج، فالمرابي يكنز ماله ويدخره للحصول على عائدٍ مضمون، ولا يعرضه للمخاطرة، ومن المعلوم لدى المرابي أنه كلما نقص سعر الفائدة زاد الإنتاج، وحينئذٍ تزداد فرص العمل وميادين التشغيل في المعاملات الربوية، الدائن المرابي رابحٌ دائماً، والمديون المكافح هو وحده المعرض للربح والخسارة، ومن المعلوم جزماً أن المال سيئول كله للذي يربح دائماً وهذا ما عليه حال كثير من المصارف الربوية والدول الربوية.
فمعظم المال على وجه الأرض عند فئات محدودة.. من المصارف وبيوت التجارة، ومن عداهم من الملاك وأصحاب الأعمال والاستثمارات ليسوا سوى أُجراء أو شبه أُجراء يعملون لحساب هذه الفئة المحدودة من أكلة الربا الذين يجنون ثمرات كد الآخرين، وعرق جبين الكادحين.
معاملات ربوية محرمة قاتلة مهلكة تفرزها المصارف الربوية والتعاملات المحرمة، بعيدة عن أخلاقيات التعامل، وضوابط التعايش، وتبادل المصالح.
معاملاتٌ محكومة بمرض التنافس على تكديس الأموال والتهامها، وامتصاص ثروات الشعوب وانتهابها واستلاب جيوب الناس وابتزازها، تحت دعوى النظام العالمي والتجارة العالمية، وما حقيقتها وما مآلاتها إلا حصر للأموال في البطون الواسعة؛ لرهطٍ من المرابين، وتضييق سبل البيع الحلال، وإضعاف طرق الاكتساب المستطاب.
إن ارتفاع الفوائد الربوية يعني ارتفاعاً مبالغاً في الأسعار دون أن يقابل هذا الارتفاع في الأسعار إنتاجٌ أو جهدٌ إنتاجي، وهذا يزيد من مديونات العالم دون زيادة مماثلة في الإنتاج.
إن هذه الفوائد يصعب سدادها، وهي تزداد يوماً بعد يوم من مئات الملايين إلى ملياراتها، وهذا هو التضخم القاتل.
إن عملات العالم تنتحر وتتدهور وتنهار، إنها بالونات لا تزال تمتلئ بالهواء الفاسد حتى تنفجر، ولسوف يعقب ذلك كسادٌ ما بعده كساد.
إن الفوائد الربوية تهدر قيمة النقود، وتهبط بقيم العملات، وتنسف النظام النقدي.
استمع المزيد من الشيخ صالح بن حميد - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
حق الطريق وآداب المرور | 3701 استماع |
وسائل الإعلام والاتصال بين النقد الهادف والنقد الهادم | 3092 استماع |
اللغة .. عنوان سيادة الأمة | 3073 استماع |
الطلاق وآثاره | 3020 استماع |
لعلكم تتقون | 3005 استماع |
الماء سر الحياة | 2961 استماع |
من أسس العمل الصالح | 2937 استماع |
الزموا سفينة النجاة | 2886 استماع |
قضية البوسنة والهرسك.. المشكلة والحل | 2875 استماع |
بين السلام وإباء الضيم | 2855 استماع |