خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/35"> الشيخ محمد صالح المنجد . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/35?sub=11744"> مجموعة القصص
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
قصص جميلة عن تأثير هذا الدين
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
عباد الله: إن الله سبحانه وتعالى قد أنزل هذا الدين مهيمناً على سائر الأديان، وشرع هذه الشريعة لتكون الناسخة لجميع الشرائع، وجعل معجزة النبي صلى الله عليه وسلم -القرآن الكريم- باقيةً على مر الدهر، بخلاف معجزات الأنبياء السابقين:
فإن عصا موسى قد ذهبت، وناقة صالح لا توجد، وغيرهم من الأنبياء قد ذهبت آياتهم ومعجزاتهم.
لم تبقَ إلا معجزة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، حيث بقيت معجزته بعد وفاته؛ لتمتد هذه السنوات الطويلة جداً؛ دليلاً على بقاء هذا الدين، فإن الله قد أنزله ليبقى، وبرغم ما تعرض له المسلمون من الفتن الكثيرة وأنواع العذاب الذي صبّ عليهم صباً، وبرغم ما تعرض له هذا الدين من حملات التشويه، والتحريف، وقصد الإساءة، وتشويه سُمْعَته وسُمْعَة حَمَلَتِه؛ إلا أن الله تعالى أبقاه. ولو تعرض دينٌ آخر لمثل ما تعرض له ديننا لفني وزال منذ زمن بعيد.
لقد بقي هذا الدين حياً في نفوس أتباعه رغم الاضطهاد، وبقيت آثاره في صمود مَعْلَمٍ من معالم الإسلام، أو ظهور عزةٍ لأحد علماء الإسلام، أو انجذاب كافرٍ لهذا الدين لشَرْعٍ أو شعيرةٍ من شعائر الإسلام، أو تأثُّر غير مسلم بكتاب الله سبحانه وتعالى، أو عودة فاسقٍ من الفسقة بعد أن طالت غربته عن هذا الدين إلى هذا الدين مرة أخرى.
إن هذه الشواهد وغيرها لتدل دلالة واضحة على أن الله قد أنزله ليَبْقَى، وأنه لا أمل للكفار مهما حاولوا إطفاء نوره أو العبث به، لكي يصدُّوا الناس عن سبيله، مهما خططوا وقدَّروا، فقُتِلوا كيف قدَّروا! فإن الله مُبْقٍ دينه، ومُعْلٍ كلمته، ولو كره الكافرون.
وفي هذه الخطبة -أيها الإخوة- نتناول بعض الشواهد من هذا العصر لبقاء الدين وعزة أهله، مشاهد تدلُّك على أنه دين الله حقاً، وعلى أنه الباقي إلى قرب قيام الساعة صدقاً، مشاهد سندور فيها بين أعجميٍ وعربيٍ، ندور فيها بين عالمٍ وجاهلٍ بعيدٍ عن الدين، بين إنسان قد اطَّلع عليه وآخر من العوام ليس في قلبه إلا العاطفة؛ لنرى -يا إخواني- ما نزيد به إيماننا من أثر هذا الدين في النفوس.
والمشهد الأول: مع رجلٍ من الأعاجم، من بلاد الإمام البخاري رحمه الله تعالى:
جاء إلى مكة بعد عشرات السنين من الستار الحديدي الذي أقامته الشيوعية حائلاً بين أهل تلك الديار والاحتكاك ببقية المسلمين.
يقول أحد المسلمين الذي يعرفون شيئاً من لسان أولئك القوم وهو في مكة ، يقول:
وأنا أسير في ساحة الحرم متجهاً إلى الكعبة سمعت صوتاً ينادي: يا حاج! يا حاج! فالتفت فإذا بحاجٍّ قد بدت في وجهه آثار الجهد والإرهاق، كانت هيئته وملامح وجهه تدل على أنه من بلاد ما وراء النهر، قال لي بالأوزبكية مع حركات يديه الكثيرة محاولاً إفهامي: كم عليَّ أن أطوف بالبيت؟
فأجبته بالأوزبكية وهي كل ما تبقى لنا من ذكريات بلادنا المنسية: عليك أن تطوف بالبيت سبعة أشواط.
فرأيت السرور داخله بمعرفتي لغته.
ثم ما لبث أن قال باستعجاب: سبعة أشواط؟! وهل تستطيعون ذلك؟! لقد بلغ الجهد مني مبلغه من أول شوطٍ حول البيت. وأشار إلى مبنى الحرم الخارجي.
ففهمت سبب التعجب، ومدى ما أصابه من الإرهاق، لقد ظن هذا المسكين أن هذا المبنى كله (الحرم) هو الكعبة، فشرع في الطواف حول الحرم دون تردد من الخارج؛ لأنه لم يَرَ البيت العتيق من قبل، فهو منذ أن جاء إلى جدار الحرم الخارجي، شرع بالطواف.
فقطع تفكيري صوتُه قائلاً: أستعين بالله، وأكمل الطواف. ثم أخذ بالانصراف، فوجدتها فرصةً سانحةً للتعرف على ما يدور داخل بلاد المسلمين، فاستوقفته عارضاً عليه المساعدة، فرحب مسروراً.
ذهبنا سوياً إلى داخل الحرم، وأشرت إلى الكعبة المشرفة، وقلت له: هذا بيت الله، لا الذي طفت حوله من قبل.
فما هي إلا لحظات حتى رأيت الدموع تنهمر من عينيه، وقال: يا ألله! هذا هو بيت الله؟! سمعتُ به كثيراً، ولَمْ أَرَه إلا الآن.
فأسرع الخطى نحو البيت، وأسرعتُ معه قائلاً: هذا من فضل الله عليك أن يسَّر إليك القدوم إلى بيته، وقد حُرِم منه الكثير.
فقال بصوت منتحب: كم سمعتُ أبي رحمه الله وهو يدعو ويتمنى رؤية بيت الله؛ ولكن الشيوعيين لم يُمَكِّنوه من ذلك، فمات وفي قلبه حسرةٌ وألم، لقد ذقنا الكثير مما لا أظن أن أحداً قد لاقاه، دَعْنا نطوف بالبيت أولاً، ثم أفصِّل لك شيئاً مما نلناه.
وبعد طواف رقَّ له قلبي، وذرفَت عيناي مما شاهدت من عجيب انكساره بين يدي الله، وبعد تعارفٍ جرى بيننا قال لي: لم يترك لنا الروس شيئاً يَمُتُّ إلى الإسلام بِصِلَة إلا وحاولوا إبادته، حتى أسماؤنا لم يتركوها لنا، والدي أسماني عبد الحكيم، ولكنني لا أُعْرَف بهذا الاسم إلا في البيت، أما رسمياً فاسمي حكيموف، إن الروس قد فعلوا هذا بالأسماء، وهي أسماء لا تضرهم، ولا تقاومهم، فماذا تظن أنهم قد فعلوا بعلمائنا ومشايخنا الذين يعلموننا القرآن والسنة؟! دعني أقص عليك طريقة بعض علمائنا.
يتبعونهم في تعليم الصبية كتاب الله، ويراقبونهم في كل شيء، ومنعوا من كل وسيلة من وسائل التعليم، حتى كان الشيخ يصعد فوق سقف المنزل من الداخل بسلم، ويصعد الطلاب خلفه، ثم يرفع السلَّم إليه ويخبئه، ويلقي الدرس بصوت خافت؛ لكيلا يعلم أحد بهم.
وقل مثل ذلك في مخازن تحت المنزل، كان الشباب في المصانع إذا أرادوا المذاكرة ومراجعة شيء من العلم، اجتمع كل أربعة، أو خمسة في وقت تناول الطعام، ويتحدث كل واحد بما عنده دون أن يلتفت إليه الباقون؛ لكي لا يُعْلَم بأمرهم.
حتى الصلاة التي هي عماد الدين، كان الواحد منا يذهب ويختبئ بعيداً ويصليها سريعة، ويعود لكي يذهب الآخر، لم نكن نعرف صلاة الجماعة، وما عرفناها منذ زمن بعيد.
كم أشعر بالأسى على مشايخنا وعلمائنا الذين كان لهم الفضل بعد الله في بقاء دينه في بلادنا، لم نستطع أن نقدم لهم أبسط حقوق المسلم، لم نستطع أن نغسِّلهم ونكفِّنهم، وأن نشيع جنائزهم، فماتوا ودُفِنوا حسب مراسم الدفن الشيوعية، وهكذا.
والشاهد -أيها الإخوة- أن دين الله بقي في تلك البلاد بمثل هذه الوسائل التي عاشت تحت الضغط والقهر والإكراه والحصار؛ لكن بقي دين الله، لو أن ديناً آخر في بلاد الشيوعيين حصل له ما حصل لهذا الدين، لكان فَنِي منذ زمنٍ بعيدٍ، أليس في هذا دليل على عظمة هذا الدين؟! أليس في هذا دليل على أن الله قد اختاره ليبقى؟!
ومع موقف آخر لأثر من آثار هذا الدين في نفس أحد العلماء في هذا العصر، الذي يتبين لك به -يا أيها المسلم- عزة العالِم وتعففه وجرأته وعدم رضوخه للترهيب، ولا استجابته للترغيب:
كان الشيخ سعيد الحلبي من كبار الأساتذة في القرن الماضي، كان يلقي مرة درساً في جامعٍ من جوامع دمشق ، فجاء إبراهيم باشا -الحاكم في وقته، وهو من القسوة والعنف والجبروت والاعتداء والقتل والبطش بمكان- ودخل المسجد مع بعض شرطته وعساكره، ووقف أمام الباب، وكان الشيخ يشكو ألماً في رجله، وكان مادَّاً رجله إلى الأمام؛ لأنه كان مستنداً إلى جدار المحراب ويلقي الدرس، ورجله ممدودة للعلة إلى باب المسجد.
فدخل هذا الوالي المعروف بظلمه ومعه العسكريون والشرطة، ووقف بالباب ينظر إلى الشيخ، وانتظر أن يقبض الشيخُ رجلَه احتراماً له؛ لكن الشيخ لم يفعل، فخاف التلاميذ على شيخهم من السيف، وقبضوا ثيابهم لئلا تصاب بدمه؛ ولكن الوالي وقف برهةً ثم انصرف ورجع.
وبعد ذلك استدعى أحداً من خدمه، وأعطاه صُرَّةً من الدنانير الذهبية، وقال له: تقدم إلى سيدنا الشيخ، وقل له: هذه هديةٌ من إبراهيم باشا .
فلما جاء بها الخادم إليه، قال الشيخ كلمته المشهورة التي تغني عن ألف كتاب، قال له: قل لسيدك: إن الذي يمد رجله لا يمد يده.
وهذا مثال من أمثلة علماء الحق وعلماء الشريعة الذين زخرت بهم هذه الأمة، وهو شاهدٌ آخر من الشواهد على أن الله سبحانه وتعالى يقيض لهذا الدين مَن يقوم به، وأن الله سبحانه يَخْلُق رجالاً، يصطنعهم للمواقف، تجري بسِيَرِهم الركبان.
إنه دليلٌ على أن هذا الدين باقٍ، وأن الله سيبعث له من يجدده في كل رأس مائة سنة، فاستبشروا برحمة ربكم يا أيها المسلمون!
ثم ننتقل إلى مشهد ثالثٍ من رجلٍ عاميٍ من عوام المسلمين، ليس بفقيه، بل ليس بسوي الخِلْقَة، إنه أعمى، لم يُبْصِر، ولم يكلم ذلك الرجل، لكنه كان سبباً في هدايته:
وُجِّه السؤال التالي إلى رجلٍ ألمانيٍّ قد اعتنق الإسلام، وهو يحمل شهادات عليا في أحد المجالات، فقال: إن أول معرفتي بالإسلام تعود إلى أيام الشباب، عندما كان في رحلة إلى ألبانيا أثناء عطلة دراسية، وبينما هو يسير في أحد الشوارع الضيقة اصطدم بأحد الرجال، ولَمَّا تبينه واعتذر له، عرف أنه أعمى لا يبصر، ولم يفقه الأعمى شيئاً من اعتذار الرجل؛ لأنه لا يفقه لغته، ومع ذلك فإن هذا الكفيف يمسك بيد الرجل الذي اصطدم به بإصرار ويسير به حتى المنزل، منزله هو، ويقدم له الضيافة وما تيسر من الطعام.
يقول هذا الرجل الألماني: لقد جلستُ في بيت هذا الألباني المسلم معجَباً به! كيف أضافني وهو لا يعرفني؟! وأكرمني بمجرد أنني قد اصطدمت به في الطريق؛ لكن أمراً قد انطبع في حسي؛ إنها تلك الحركات التي كان الرجل يأتي بها في زاوية من منزله بعد أن أضافني، لقد علمت فيما بعد أنها صلاة المسلمين.
ومنذ أن رأيت ذلك الرجل الذي أكرمني واحترمته، سألت عن هذا الذي يفعله، فعلمت أنها الصلاة، وأنها من دين الإسلام، فكان ذلك سبباً في إسلامي.
يبقى هذا الدين في نفوس الخيرين وبعض العامة محركاً لهم.
تبقى الأخلاق الإسلامية في نفوس بعض الطيبين -ولو كانوا من العامة- دليلاً على بقاء هذا الدين في الواقع، وأن الله قد اصطفاه ليبقى.
ولننتقل الآن إلى شعيرة من الشعائر الإسلامية التي فرَّط فيها كثير من المسلمات، والتي أعرض عن التنبيه عليها كثيرٌ من أولياء الأمور والآباء والإخوان، ألا وهي: الحجاب:
لنعرف -أيها الإخوة- كيف يكون الحجاب -وهو أمر من الشريعة- سبباً في إدخال امرأة كافرة في دين الله!
هي فتاة أمريكية، يميزها حجابها الشرعي الذي ترتديه، وحرصها على حضور الحلقات التي يتم عقدها في مسجد المدينة الأمريكية التي تقطنها، وتستعير كتباً باستمرار من مكتبة المسجد، فهي حريصةٌ على ذلك.
كيف أسلمت؟!
لقد أسلمت تلك الفتاة وكانت تعمل على صندوق قبض الثمن في إحدى المحلات.
وتقول: في بلدتنا توجد جامعة، وفيها بعض الطلاب المسلمين المتزوجين الذين جاءوا بزوجاتهم معهم إعفافاً لأنفسهم، وفي فصل الصيف كنت في زاوية المحاسبة في المحل، حيث الكل هنا يرتدي الملابس القصيرة والعارية والخفيفة جداً.
إن الذي أدهشني وأصابني بالذهول أنني رأيت بعض المتسوقات يرتدين حجاباً كاملاً يغطي جميع الجسد بما فيه الوجه، ولم تكن تبدو سوى أعينهن أحياناً، فاستغربت هذا المنظر، فاستوقفت إحداهن حينما كانت تحاسب لديَّ على أغراضها، وسألتها عن السر الكامن في هذا اللباس، فأخبرتني أن دينها الإسلامي يفرض عليها ذلك صيانةً لها وحفاظاً عليها، واسترسَلَت بالشرح عن منافع الحجاب وأهميته وفائدته للمرأة حتى اشتد شوقي وانبعثت من فطرتي تلك الحاجة التي تتكلم عنها هذه المرأة، بالرغم من صعوبته وعدم تخيل لباسه في مجتمعنا.
فرجعتُ إلى البيت، وأخذت قطعة قماش، ووضعتها على رأسي، ولبستُ ملابس ذات أكمام طويلة، فأعجبني شكلها، وخرجت بها في اليوم التالي إلى مركز إسلامي قريب، أبحث عن هذا الدين، أبحث عن كتب تتكلم عنه وعن أناسٍ يشرحونه لي فعمل لي بعض المسلمات مناسبة دعونني فيها إلى الإسلام، فأسلَمْتُ، فأهدتني إحداهن هدية، وكانت الهدية حجاباً، وكنت أستصعب لبسه في المكان الذي أنا فيه؛ ولكنني حاولت لبسه، وكنت خائفةً جداً من الحجاب، شأني في ذلك شأن كثيرٍ من الأمريكيات اللاتي ينظرن إلى الحجاب على أنه سجنٌ للحرية، ولكن بعد أن اعتدت عليه زال كل شيء.
وكان الامتحان في اليوم الأول الذي ذهبتُ فيه لمقابلة المجتمع باللباس الجديد.
أما أبي: فإنه لم يبالِ؛ لأنه شعر أن الأمر ليس بيده.
وأما أمي: فهي إنسانة اعتادت على احترام آراء الآخرين وتَقَبُّلِها؛ لهذا لم تُعر أمر إسلامي شيئاً؛ لكنها كانت خائفةً عليَّ من الحجاب، وحينما رأت إصراري راعت شعوري، بل إنها أصبحت تشتري لي الحجاب وتهديني إياه.
وأذكر أن ابن خالي جاء لزيارتنا ذات يوم، فأمرته والدتي أن ينتظر حينما تعطيني خبر قدومه حتى أضع الحجاب.
وذات مرة زارنا عمي، فأسرعت لتناولني الحجاب حتى أضعه قبل أن يدخل، فضحكتُ، وشرحتُ له الأمر.
الشاهد -أيها الإخوة- أن هذه الشعيرة من شعائر الإسلام وهي الحجاب كانت سبباً في إسلام تلك المرأة وغيرها من النساء.
على أي شيء يدل هذا؟!
وما هو المغزى؟!
هل رأيتم شيئاً في النصرانية المحرَّفة يدعو شخصاً للدخول فيها؟!
هل رأيتم شيئاً في اليهودية المحرَّفة يدعو شخصاً للدخول فيها؟!
هل رأيتم شيئاً في البوذية ، أو الهندوسية يدعو شخصاً للدخول فيها؟!
إلا الإسلام، فإن شعائر الإسلام تدعو الناس للدخول فيه، ولو كانت الدعوة صامتة، ولو كان حجاباً يُرتَدَى بين الكفار، ولذلك ننعي على أولئك المسلمين الذين يذهبون إلى الخارج، ثم يطالِبون زوجاتهم بكشف الوجه والشعر وغيره من أجل ألا يُنْظَر إليهم نظرة السخرية والاستهزاء، ما عندهم الشجاعة الكافية أن يظهروا بمظاهر دينهم، وأولئك الكفرة قد يُعْجَبون به، بل يدخلون في الدين بناءً عليه.
وهذه قصة تدلُّك كيف أن هذا الكتاب العزيز الذي أنزله الله وهو القرآن الكريم، كيف أن له تأثيراً عجيباً حتى على الكفار:
أثر القرآن في النفوس غريب! وفعله في القلوب عجيب! والأعجب والأغرب -وإن كان لا عجب ولا غرابة؛ فالقرآن كلام الله- أن يثير القرآن مشاعر امرأة أعجمية! ويجعل عينيها تفيضان بالدمع، وهي لا تعرف من العربية شيئاً!!
يحكي الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى تلك الحكاية التي عاشها على ظهر سفينة تتجه به إلى أمريكا .
يقول رحمه الله: كنا ستة نفر من المنتسبين إلى الإسلام على ظهر سفينة مصرية، تَمْخُرُ بنا عُباب المحيط الأطلسي إلى نيويورك ، من بين عشرين ومائة راكب وراكبة أجانب ليس فيهم مسلم، وخطر لنا أن نقيم صلاة الجمعة في المحيط على ظهر السفينة، وقد سمح ووافق قائد السفينة الكافر على إقامة الصلاة، وسمح لبحَّارة السفينة وطهاتها وخدمها أن يصلوا معنا -ممن لا يكون منهم في وقت العمل- وقد فرحوا بهذا فرحاً شديداً؛ لأنها كانت المرة الأولى التي تقام فيها صلاة الجمعة على ظهر هذه السفينة.
وقمت -يقول رحمه الله- بخطبة الجمعة، وإقامة الصلاة، والركاب الأجانب معظمهم متحلقون يرقبون صلاتنا.
وبعد الصلاة جاءنا كثيرون منهم يهنئوننا على نجاح القُدَّاس، فقد كان هذا أقصى ما يفهمونه من صلاتنا (قُدَّاس)، فشرحنا لهم الحال، وأنه لا يُسَمَّى قُدَّاساً، وإنما هي صلاة الجمعة؛ ولكن امرأة من بين ذلك الحشد عَرَفْنا فيما بعد أنها أوروبية، كانت شديدة التأثر والانفعال، تفيض عيناها بالدمع، ولا تتمالك مشاعرها، جاءت لتسألنا عن شيء معين، وهي تبدي إعجابها بما فعلنا من نظام وخشوع. وليس هذا موضع الشاهد.
جاءت لتسأل عن شيء معين وهي تقول: أي لغةٍ هذه التي كان يتحدث بها قِسِّيْسُكم؟ وهي لا تتصور أن يقيم مثل هذا إلا قِسِّيْس، فصحَّحنا لها هذا الفهم وأجبناها.
قالت: إن اللغة التي يتحدث بها ذات إيقاع عجيب، وإن كنت لم أفهم منها شيئاً!
ثم كان المفاجأة الحقيقية لنا وهي تقول: ولكن ليس هذا هو الموضوع الذي أريد أن أسأل عنه! إن الموضوع الذي لفت انتباهي وأثر في حسي، وانطبع في قلبي هو: أن الإمام -بعد أن تصَحَّحَت الكلمة، وصُحِّحَت- كانت ترد في أثناء كلامه فقرات من نوعٍ آخرٍ، يختلف عن بقية كلامه، نوعٌ أكثر عمقاً، وأشد إيقاعاً في النفس، إن هذه الفقرات التي كان يقولها أثناء الخطبة أحدثت في نفسي قشعريرة ورعشة، إنها شيء آخر.
وتَفَكَّرنا قليلاً، ثم أدركنا ماذا تعني، إنها تعني الآيات القرآنية التي وَرَدَت في أثناء خطبة الجمعة وأثناء الصلاة، وكانت مع ذلك مفاجأة لنا تدعو إلى الدهشة من امرأة أعجمية لا تفهم شيئاً من اللسان العربي.
إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ [الطارق:13-14].
إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الواقعة:77-80].
هذا القرآن سببٌ عظيمٌ جداً لإدخال كثير من الكفرة في الإسلام، وحتى الآن يُقَدَّم لهم القرآن المترجم، فيكون سبباً في دخولهم في الدين.
أليس هذا دليلاً -أيها الإخوة- على أن هذا الدين باقٍ، وعلى أنه يملك في طياته مقومات بقائه وجذب الناس إليه.
اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، واجعلنا من الدعاة إلى سبيلك القويم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ، وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، خلق فسوى، وقدر فهدى، هو الأحد الصمد، الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ.
وأشهد أن محمداً رسول الله حقاً، والمبلغ عن الله صدقاً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه إلى يوم الدين.
عباد الله: أن يخرج الناس متأثرين من خطبة، أن تكون الهداية منبعها من المسجد؛ شيءٌ مُتَصَوَّرٌ، وأن يخرج شخصٌ متأثراً من مدرسةٍ لموعظة أستاذ؛ شيءٌ قريبٌ إلى الذهن، أن يكون الإنسان في محاضرة أو درس، فيتأثر؛ شيءٌ مقبولٌ في الأذهان.
لكن أن يخرج أناسٌ يهديهم الله من أحط أوساط الرذيلة والفساد، فهذا هو الشيء المدهش؛ أن تكون الهداية في وسط أناسٍ قد تمرغوا في أوحال الرذيلة والفواحش والشهوات والمجون دهراً طويلاً، ثم يتجهون بعد ذلك إلى هذا الدين، هذا أمرٌ محيرٌ فعلاً لمن لا يعرف السر في هذا الدين!.
إنني أشير بهذه الكلمات إلى تلك الطائفة من الفنانات المعتزلات اللاتي قد اشتغلن ردحاً من الزمن بعرض أجسادهن ومفاتنهن في الأفلام والصور والرقصات والأغاني، أن توجد الهداية في الوسط الفني العفِن هذا أمرٌ فعلاً عجيب!
إنها توبة الفنانات التي نسمع عنها في هذه الأيام، وفي كل فترة، حيث تَنْظَمُّ إلى تلك القافلة الكريمة من التائبات امرأة أخرى من النساء اللاتي كنُّ قد عملن في تلك الرذائل دهراً من حياتهن.
إن توبة هؤلاء الفنانات فعلاً أمرٌ مدهشٌ ومحيرٌ؛ لأن هؤلاء خرجن من مستنقع الرذيلة، فإن المعروف أن أحط وسط من أوساط المجتمع هو الوسط الفني، بما يَمْخُر به من عُباب الرذيلة، وألوان الفساد وأمواجه.
إن هذه الظاهرة التي اضطر العلمانيون والكتاب الفسقة والمجلات المنحرفة للكتابة عنها، وظهرت في بعض أغلفة المجلات المنحرفة بدلاً من صورة فتاة الغلاف الماجنة صورة فنانة متحجبة، لقد اضطروا إلى الاعتراف بالقضية؛ لأن المسألة لا يمكن تغطيتها، فإن هؤلاء المهتديات مشهورات، وليست القضية واحدة أو اثنتين، فإن المسألة عدد؛ حتى أُحْرِج المخرجون، واضطُروا للاستعانة بالممثلات من الدرجة الثانية، أو من ممثلات الكومبارس لإخراج وجوهٍ جديدة، تملأ الفراغات التي خلفتها توبة أولئك الفنانات، وشُنَّت الحرب بطبيعة الحال، وهذا متوقع؛ لأنه مكتوبٌ، لأنه منزلٌ في القرآن: وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا إِنَّ ذَلِك مِنْ عَزْمِ الأمُور [آل عمران:186].
قيل: إنه قد دُفِعَت لهن الأموال، وكُتِبَ في أحد المجلات عبارة: مَن الذي دفع لـفاتن حمامة سبعة ملايين جنية حتى تتحجب؛ لكنها رفضت؟! كذب وافتراء.
ولذلك قالت بعضهن: إنه يُدْفَع لنا الآن المبالغ الطائلة؛ لكي تتحجب الواحدة.
أشاعوا الإشاعات، وقالوا: إن فلانة أصيبت بالمرض، وهذه فَقَدت الجمال؛ لكن مردودٌ عليهم بهذا التوالي والتتابع لبعضهن، وهن في قمة الشهرة والجمال وفي سن الشباب.
إنها دليلٌ فعلاً -الهداية الموجودة في الوسط الفني العفِن- على عَظَمَة هذا الدين.
إن هذه القافلة من الأسماء المشهورة: شمس البارودي ، وشادية ، وهالة فؤاد ، وكامليليا العربي ، وهناء ثروت ، وشهيرة ، وفريدة سيف النصر ، ونسرين ، وسوسن بدر ، وسهير البابلي ، وغيرهن من المعروفات جيداً لكثير من العوائل الإسلامية مع الأسف، من الناس الذين يأتون إلى صلاة الجمعة، وهم يشاهدون تلك المسلسلات الهابطة التي صار من الحرب على هؤلاء الفنانات إعادة عرضها، وتكثيف عرضها في صالات العرض، محاولة للضغط والحرب، هذه الأسماء وغيرها مَن ثبت منهن على الهداية، إنها صفعةٌ قويةٌ موجهةٌ لتجار الغرائز، وإنه إعلانٌ فعلاً أن هذا الدين باقٍ، وأن الله يهدي من يشاء، ولو كان الناس يستبعدون هدايتهم.
إنه فعلاً سرٌ عجيبٌ في هذا الدين أن يهدي به الله مَن شاء، بهذا القرآن، بهذا التوحيد، بهذا النور، مَن شاء من عباده.
إنه -فعلاً- عجبٌ! إنه عجبٌ أيها الإخوة!
والآن: هل لنا في عودة صادقة إلى هذا الدين؟!
هل لنا أن نتمثل هذه المواقف، أو هذه المبادئ الموجودة في هذا الدين؟!
هل لنا أن نكون دعاةً إليه؟!: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً، خير لك من الدنيا وما عليها).
هل لنا على الأقل أن ندعو بالثبات لأولئك الذين اهتدوا: أن يزيدهم الله هدىً وثباتاً؟ وأن نستحي من الله أن ننظر إلى تلك الأفلام وقد تاب مَن يمثِّل فيها؟
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت.
اللهم اشف مريضنا، وارحم ميتنا، وأهلك عدونا، وانصر ديننا، واجمع كلمتنا، ورد غائبنا، واهدِ ضالنا إلى الحق يا رب العالمين.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.