قصة بناء البيت العتيق


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعــد:

فالقصة التي سنتحدث عنها في هذه الليلة -أيها الإخوة- قصة قصها علينا النبي صلى الله عليه وسلم من أخبار الأنبياء ممن كان قبلنا لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى [يوسف:111] .

وهذه القصة هي قصة بناء الكعبة، وما وقع قبلها من الأحداث لإبراهيم الخليل عليه السلام مع أهله.

وقد ساق الإمام البخاري رحمه الله تعالى هذا الحديث مطولاً، وهذه إحدى روايات الحديث:

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لما كان بين إبراهيم وبين أهله ما كان خرج بإسماعيل وأم إسماعيل ومعهم شَّنَّة - وهي القربة- فيها ماء، فجعلت أم إسماعيل تشرب من الشَّنَّة فيدر لبنها على صبيها، حتى قدم مكة فوضعها تحت دوحة، ثم رجع إبراهيم إلى أهله، فاتَّبَعته أم إسماعيل حتى لما بلغوا كَدَاء نادته مِن ورائه: يا إبراهيم! إلى مَن تتركنا؟ قال: إلى الله، قالت: رضيتُ بالله. قال: فرَجَعَت، فجعلت تشرب من الشَّنَّة ويدر لبنها على صبيها، حتى فَنِي الماء. قالت: لو ذهبتُ فنظرتُ لعلي أحس أحداً، فذهبت فصعدت الصفا ، فنظَرَت ونظَرَت هل تحس أحداً، فلم تحس أحداً، فلما بلغت الوادي سعت وأتت المروة -كان بين العَلَمَين الأخضرَين في الصفا والمروة كان يوجد وادٍ سعت فيه هاجر سعياً حثيثاً ومشت المسافة الباقية- فلما بلغت الوادي سعت وأتت المروة ، ففعلت ذلك أشواطاً, ثم قالت: لو ذهبتُ فنظرتُ ما فعل -أي: الصبي- فذهبت فنظرت فإذا هو على حاله كأنه ينشغ للموت -يشهق- فلم تُقِرها نفسها، فقالت: لو ذهبتُ فنظرتُ لعلي أحس أحداً، فذهَبَت فصعدت الصفا فنظَرَت ونظَرَت فلم تحس أحداً، حتى أتمت سبعاً، ثم قالت: لو ذهبتُ فنظرتُ ما فعل، فإذا هي بصوت، فقالت: أغث إن كان عندك خير، فإذا جبريل قال: فقال بعقبه هكذا، وغمز عقبه على الأرض، قال: فانبثق الماء، فدهشت أم إسماعيل! فجعلت تحفز -أي: تجمع وتضم هذا الماء- فقال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: لو تَركَتَه كان الماء ظاهراً.

قال: فجعلت تشرب من الماء ويدر لبنها على صبيها، فمر ناس من (جُرْهم) ببطن الوادي، فإذا هم بطير كأنهم أنكروا ذاك، وقالوا: ما يكون الطير إلا على ماء، فبعثوا رسولهم، فنظر فإذا هم بالماء، فأتاهم فأخبرهم، فأتوا إليها، فقالوا: يا أم إسماعيل! أتأذنين لنا أن نسكن معك؟ فبلغ ابنها -أي: إسماعيل شَبَّ- فنكح فيهم امرأة.

قال: ثم إنه بدا لإبراهيم فقال لأهله: إني مُطلع تركتي، قال: فجاء فسلم، فقال: أين إسماعيل؟ فقالت امرأته: ذهب يصيدُ، قال: قولي له إذا جاء غيِّر عتبة بابك، فلما جاء أخبَرَتْه، قال: أنتِ ذاك، فاذهبي إلى أهلك، قال: ثم إنه بدا لإبراهيم، فقال لأهله: إني مُطلِع تركتي قال: فجاء فقال: أين إسماعيل؟ فقالت امرأته -أي: الثانية-: ذهب يصيد، فقالت: ألا تنزل فتطعم وتشرب، فقال: وما طعامكم؟ وما شرابكم؟ قالت: طعامنا اللحم وشرابنا الماء، قال: اللهم بارك لهم في طعامهم وشرابهم، فقال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: بَرَكةٌ بدعوة إبراهيم -صلى الله عليهما وسلم- قال: ثم إنه بدا لإبراهيم فقال لأهله: إني مُطلِع تركتي، فجاء فوافق إسماعيلَ مِن وراء زمزم يُصْلِح نبلاً له، فقال: يا إسماعيل! إن ربك أمرني أن أبني له بيتاً، قال أَطِعْ ربك، قال: إنه قد أمرني أن تعينني عليه، قال: إذاً أفعل -أو كما قال- قال: فقاما، فجعل إبراهيم يبني وإسماعيل يناوله الحجارة، ويقولان: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة:127] حتى ارتفع البناء، وضعف الشيخ عن نقل الحجارة، فقام على حجر المقام فجعل يناوله الحجارة، ويقولان: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة:127]) .

هذه إحدى روايتَي البخاري اللتين ساقهما رحمه الله تعالى في صحيحه.

أما الرواية الأخرى فإنها رواية أطول من هذه، وفيها تفاصيل، وسنأتي الآن إلى شرحها، وأخذ العبر والدروس مما يتيسر بمشيئة الله تعالى.

سبب إيراد سعيد بن جبير لقصة بناء البيت العتيق

هذه القصة رواها سعيد بن جبير ، وهو تابعي أخذ التفسير عن ابن عباس ، وأخذ الحديث عنه أيضاً، وقد قتله الحجاج ظلماً، ولما حضرت الحجاج الوفاة جعل سعيد يعرض له، يرى الحجاج نتيجة الظلم وهو على فراش الموت، فكان يقول: ما لي ولـسعيد ، ما لي ولـسعيد!!

سعيد بن جبير من سادات التابعين، ومن كبار العلماء، وكان في ليلة بأعلى المسجد، فقال لمن حوله من الطلاب: [سلوني قبل ألا تروني -ولعله كان رحمه الله يتوقع مَنِيَّتَه، فسأله القوم وأكثروا السؤال لما أحسوا أنه يودعهم- فكان مما سُئِل عنه أن قال رجلٌ: أحقٌ ما سمعنا في المقام -مقام إبراهيم- أن إبراهيم حين جاء من الشام حلف لامرأته ألا ينزل بـمكة حتى يرجع ...] أي: كان بين سارة -أو سارَّة لأنها كانت تَسُرُّ زوجَها إذا نظر إليها تَسُرُّ مَن نظر إليها- كان بينها وبين هاجر غيرة، فإبراهيم عندما أراد أن يذهب من عند سارة من الشام إلى مكة إلى الوادي الذي ترك فيه هاجر كأنه حلف لامرأته ألا ينزل بـمكة حتى يرجع، حتى لا يطيل المقام عند الأخرى، فقرَّبت إليه أم إسماعيل المقام فوضع رجله عليه حتى لا يحنث في يمينه، بل ينزل على الحجر.

الآن هذا سائل يقول لـسعيد بن جبير : ... هل هذا الكلام صحيح؟ هل قصة المقام هكذا؟- فقال سعيد بن جبير: ليس هكذا، حدثنا ابن عباس وساق الحديث.

وفي رواية قال: [يا معشر الشباب! سلوني، فإني قد أوشكت أن أذهب من بين أظهركم، فأكثر الناس مسألته، فقال له رجل: أصلحك الله، أرأيت هذا المقام هو كما نتحدث؟ وأورد له سؤالاً مشابهاً، فقال: ليس كذلك] ثم ساق القصة.

هجرة أم إسماعيل إلى مكة

القصة الأخرى التي رواها البخاري رحمه الله في السياق الآخر:

عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال: (أول ما اتخذ النساءُ المِنْطَقَة مِن قِبَل أم إسماعيل -المِنْطَق الذي يُشد على الوسط، لماذا اتخذت أم إسماعيل المنطق؟- قال عليه الصلاة والسلام: اتخذت منطقاً لتعفي أثرها على سارة ...).

كانت هاجر أمة لـسارة ، لأن الجبار عندما أراد أن يمس سارة بسوء، أراد أن يأخذها، دعت الله عز وجل فأصيب بالشلل، ثلاث مرات يحاول أن يمس سارة بسوء، والله سبحانه وتعالى يصيبه بالشلل، وفي النهاية قال لمن أتاه بها: إنك لم تأتني بإنسان، إنما أتيتني بشيطان، فخلى سبيل سارة وأعطاها هاجر وهاجر كانت عند الجبار الملك الظالم. وعندما رجعت سارة إلى إبراهيم قالت له: أخزى الله الفاجر وأخدم هاجر، ثم إن سارة وهبت هاجر لزوجها إبراهيم، ثم حصل بين سارة وهاجر من الغيرة ما يقع بين النساء، وإن سارة لما اشتدت بها الغيرة خرج إبراهيم بإسماعيل وأمه هاجر إلى مكة لأجل ذلك، وقد أمره الله تعالى بالخروج إلى مكة، واجتمع مع ذلك سبب الغيرة.

فحتى لا تعرف سارة اتجاه هاجر وأثرها أين ذهبت، اتخذت منطقاً يشد على الوسط. (.. ويزحف وراءها على الأرض ليـخفي أثر مشيـها، فجاء إبراهيم بـهاجر من الشام إلى مكة ، وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت -الكعبة لم تكن مبنية ولا موجودة، وإنما مكان البيت- عند دوحة -أي: الشجرة الكبيرة- فوق زمزم في أعلى المسجد -مكان المسجد الذي لم يكن قد بُنِي حينئذٍ- وليس بـمكة يومئذٍ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هنالك ووضع عندهما جراباً فيه تمر وسقاءً فيه ماء -ماء وطعام لأهله الذين تركهم بأمر الله- ثم قَفَّى إبراهيم منطلقاً -أي: وضع هاجر وابنه إسماعيل في هذا المكان الوادي المقفر ورجع إلى الشام - فتبعته أم إسماعيل -لما ولى راجعاً إلى الشام تبعته أم إسماعيل- فأدركته بـكَدَاء ...) كداء موضع معروف في مكة غير كُدَى ، هناك في مكة مكانان: كداء وكُدَى ، وكلاهما مكان معروف، أم إسماعيل لما ولى زوجها إبراهيم خرجت وراءه تطلبه.

مراجعة أم إسماعيل لإبراهيم وتعرض ولدها للهلاك

(... فأدركته بـكداء، فقالت: يا إبراهيم! أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مراراً وجعل لا يلتفت إليها، فقالت له: آللهُ الذي أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذاً لا يضيعنا... وقالت في رواية: رضيتُ بالله -حسبي يكفيني الله عز وجل- ثم رجعت، فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية من طريق كداء -الموضع الذي دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة منه، لما بلغ الثنية حيث لا يرونه -لا تراه هاجر- استقبل بوجهـه البيـت، ثم دعا بهؤلاء الكلمات، ورفع يديه فقال: رَبِّ إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ... [إبراهيم:37] حتى بلغ: ... يَشْكُرُونَ [إبراهيم:37] ودعا لهم بأن يرزقهم الله من الطيبات والثمرات، وجعلت أم إسماعيل تُرْضِع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى أو قال يتلبط -أي: يتقلب ظهراً لبطن وبطناً لظهر من العطش- فانطلقت كراهيةَ أن تنظر إليه -أي: من الشفقة التي جعلها الله في قلبها تركت ولدها وانطلقت, ما بيدها حيلة، المهم ألا ترى الولد يتلبط ولا تتحمل المنظر- فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه -صعدت على الصفا- ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحداً فلم ترَ أحداً.. وفي رواية عطاء بن السائب : والوادي يومئذٍ عميق.

الآن لا يوجد هناك وادٍ، الوادي أُزِيل وصار فيه بلاط بدلاً منه؛ لكن بقي العَلَمان الأخضران في أول الوادي وآخر الوادي، فنعلم أن ما بين العَلَمَين الأخضرَين كان هناك وادٍ عميق، هاجر عندما نزلت من الصفا مشت إلى الوادي، وانحطت من الوادي وأسرعت. (... فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود -الذي أصابه الجهد والأمر الشاق- حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة ، فقامت عليها -صعدت جبل المروة - ونظرت هل ترى أحداً فلم ترَ أحداً -لأن الإنسان إذا أراد أن يستكشف هل يوجد في المكان أحد يصعد إلى مرتفع، وهذا ما فعلته رحمها الله صعدت ونظرت- فلم ترَ أحداً، ففعلت ذلك سبع مرات. قال ابن عباس : قال النبي صلى الله عليه وسلم: فذلك سعي الناس بينهما..).

لماذا يسعى الناس بين الصفا والمروة سبع مرات؟

مثلما سعت هاجر بين الصفا والمروة سبع مرات. وكذلك عندما كانت في الوادي سعت سعياً شديداً، ونحن نسعى سعياً شديداً بين العَلَمَين الأخضرين مكان الوادي.

بحث أم إسماعيل عن الماء وكرامة الله لها

قال: (... فلما أشرفت على المروة -في ختام الشوط السابع- سمعت صوتاً، فقالت: صَهْ.. وفي رواية: أنها كانت كل مرة تتفقد إسماعيل، وتنظر ماذا حدث له بعدها وترجع، ولكن لم تقرها نفسُها -أي: لم تتركها نفسها مستقره فتشاهده في حال الموت، وكانت في كل مرة تلقي نظرة على إسماعيل وترجع تأخذ شوطاً وتصعد، وفي نهاية الشوط السابع وهي فوق المروة -سَمِعَت صوتاً فقالت: صَهٍ صَهْ -أي: اسكت، فكأنها من حرصها تقول لنفسها: اسكتي وأنصتي، لعلك تهتدي إلى مصدر الصوت- تريد نفسها -وإلا فصَهْ كلمة تقال لإسكات الشخص المتكلِّم، فهي قالت لنفسها: صَهْ- تريد نفسـها، ثم تسمَّعت فسمعت أيضاً -صوتاً- فقالت: قد أسمعتَ -مصدر الصوت- إن كان عندك غِواث أو غُواث -تريد به هذا المستغيث- فأَغِث -أي: إن كان عندك معونة أغث- فإذا هي بالملك وهو جبريل عليه السلام -وعند الطبري بسند حسن- فناداها جبريل، فقال: من أنتِ؟ قالت: أنا هاجر ، أو أم ولد إبراهيم -أم ولد، أمة إبراهيم أم ولده- قال: فإلى من وَكَلَكُما؟ قالت: إلى الله، قال: وَكَلَكُما إلى كافٍ -أي: يكفيكما- حسبكما مَن وَكَلَكُما إليه -وَكَلَكُما إلى عظيم يكفيكما- فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه أو قال: بجناحه -شكٌّ من الراوي، هل ضرب جبريل الأرض بمؤخر قدمه وهو العَقِب، أو ضرب الأرض بجناحه؟- لما فعل ذلك جبريل ظهر الماء.. وفي رواية: نبعت زمزم -نبعت زمزم من هذه الضربة- حتى ظهر الماء، ففاض وانبثق، وأول ما رأت هاجر هذا المنظر -من حب التملك، والحرص على الماء ألَّا يذهب- جعلت تحوِّضُه -تجعله مثل الحوض، وتقول بيدها هكذا، تحبس الماء. فقال النبي صلى الله عليه وسلم قال: يرحم الله أم إسماعيل، لو تركت زمزم، أو قال: لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عيناً معيناً) أي: لو أن هاجر تركت زمزم كما هي مثلما ضَرَبها جبريل وانبثقت، لصارت زمزم نهراً جارياً يمتد ويجري على ظاهر الأرض، لكن حرصها الزائد جعلها تحوط الماء، فبقي في مكانه، وإلا لأصبح الآن نهراً يجري، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور -بعد ما تغرف- فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملَك: (لا تخافوا الضيعة -يطمئنها، لا تخافي أن ينفد الماء، لا تخافي الظمأ- فإنها عين يشرب منها ضيفان الله.. وفي رواية: قالت: بشرك الله بخير.. وفي رواية البخاري فقال لها الملك: لا تخافوا الضيعة، فإن هاهنا بيت الله يَبْنِي هذا الغلام وأبوه.. وفي رواية: يبنيه هذا الغلام وأبوه -وأشار إلى موضع البيت على مدرة حمراء -تربة حمراء- قال: أشَّر لها إلى موضع البيت، وقال: هذا بيت الله العتيق، واعلمي أن إبراهيم وإسماعيل يرفعانه -بشرها ببناء البيت العتيق- وكان موضع البيت لم يُبْنَ بعد- وكان البيت مرتفعاً من الأرض ...) يقال: إن آدم قد بناه في هذا الموضع، ولكن البيت قد ذهب بعد ذلك، وأن بعض الأنبياء بعد آدم كانوا يحجون إلى المكان ولا يعرفون موضعه، حتى جاء إبراهيم الخليل فبناه.

نزول قبيلة جرهم عند أم إسماعيل بمكة

قال: (فإن هاهنا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله، وكان البيت مرتفعاً من الأرض كالرابية -مكان البيت مرتفع كالرابية- تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله، فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم -وهي قبيلة مشهورة- فبقيت هاجر على هذا الحال تتغذى وولدها على هذا الماء المبارك ...) ماء زمزم الذي هو طعام طُعْم وشفاء سُقْم، يغني عن الماء. حتى أن أبا ذر رضي الله عنه لما جاء مكة جلس عند زمزم يشرب من زمزم فقط شهراً حتى تكسرت عُكَنُ بطنه، أي: سَمِن حتى ذهبت عُكَنْ بطنه مِن السِّمَن ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن زمزم: (ماء زمزم طعام طُعْم وشفاء سُقْم) يقوم مقام الطعام، وهو سبب للشفاء من الأمراض والأسقام فإذن الله.

عندما أتى هؤلاء الرفقة من قبيلة جرهم (... مقبلين من طريق كداء، فنزلوا في أسفل مكة ، فرأوا طائراً عائفاً -أي: رأوا طائراً يحوم فوق الموضع- فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على ماء -العرب كانوا يعرفون أنهم إذا رأوا الطائر يدور في موضع معناه: أنه يوجد ماء في هذا الموضع- فاستغربوا -استغرب هؤلاء الجرهميون- قالوا: إن هذا الطائر ليدور على ماء، وعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء -متى صار هناك ماء في الوادي، عهدُنا ما فيه ماء- فأرسلوا جَرِيَّاً ...

قبيلة (جرهم) من العرب كان مكانهم قريباً من مكة ، ويقال: إن أصلهم من العمالقة، هؤلاء عرب يتكلمون العربية، ولما نزلوا جاءوا على عادتهم في التنقل في هذا الموضع ورأوا طائراً عائفاً. ... فأرسلوا جَرِيَّاً -وهو الرسول، أرسلوه ينظر لهم الخبر، وسمي الرسول جَرِيَّاً؛ لأنه يجري مسرعاً في حوائجه ليأتي بالخبر بسرعة- فإذا هم بالماء، فرجع، فأخبرهم بالماء -رجع الرسول وأخبر قبيلة جرهم أن المكان فيه ماء- فأقبلوا وأم إسماعيل عند الماء، فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك، فقالت: نعم، ولكن لا حق لكم في الماء -الماء ملكي فقط وليس لكم حق فيه- قالوا: نعم -نرضى وننزل عندكِ، والعرب كانوا ينزلون في المكان الذي فيه ماء. قال ابن عباس : قال النبي صلى الله عليه وسلم: فألفى ذلك أمَّ إسماعيل، وهي تحب الأنس ...) فالأُنس ضد الوحشة، والإِنس جنس هاجر من الإِنس، تحب جنسها، أو تحب الأُنس الذي هو ضد الوحشة، رأت هاجر من مصلحتها أن ينزل هؤلاء عندها، لماذا تبقى وحيدة في الصحراء؟! وافقت على أن ينزلوا عندها وشرطت عليهم أنه لا حق لهم في الماء.

... فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم -استدعوا هؤلاء الجرهميون أهاليهم- فنزلوا معهم، حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم -من جرهم- وشبَّ الغلام -أي: إسماعيل عليه السلام - وتعلَّم العربية منهم ...) إذاً: إسماعيل بن إبراهيم لم يكن أبوه عربياً ولا أمه هاجر عربية، فتعلم العربية من جُرْهم، لكن عندنا حديث حسن عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه: (أول مَن فَتَقَ الله لسانه بالعربية المبينة إسماعيل) فكيف نجمع بين هذا وهذا؟!

نقول: إن إسماعيل تعلَّـم العربية مِن جُـرهم، لكن الله رزق إسماعيل الفصاحة المتناهية في اللغة العربية، ولذلك يقول الحديث: (أول مَن فَتَقَ الله لسانه بالعربية المبينة إسماعيل) فجرهم عرب وعلموه العربية، لكن ليست العربية الفصيحة المبينة.. مَن الذي ألهم إسماعيل العربية الفصيحة المبينة؟ الله عز وجل.

إذاً: أصل اللغة تعلمها من جرهم، ثم إن الله أَلْهَم إسماعيل العربية الفصيحة المبينة فنطق بها، ولذلك صار إسماعيل أفصح العرب، ثم صارت اللغة الفصيحة بعد ذلك تُتَناقَل.

لذلك الذين قالوا: إن اللغة العربية مصدرها الوحي لهم حظ من الدليل.

ويمكن أن يقال: إن أصل اللغة كانت موجودة عند جرهم، لكن مستوى الفصاحة والبيان في اللغة كان بوحي أو بإلهام من الله، هو الذي ألهم إسماعيل وعلمه العربية الفصحى، فالعربية الفصحى إلهام من الله لإسماعيل، وبعد إسماعيل انتقلت هذه العربية الفصحى التي يرفض اليوم بنو قومنا استعمالها، ويصرون على الكلام بالأجنبية، والتاريخ بالأجنبية، والعمل باللغة الأجنبية، وهذه اللغة العربية مصدرها إلهام من الله لإسماعيل، فلماذا العدول عنها؟!

إبراهيم عليه السلام يتفقد تركته في مكة

قال: (... وشب الغلام، وتعلم العربية منهم وأنْفََسَهُم -مِن النَّفاسَة، أي: رغبوا فيه، وأعجبهم؛ لأنه صار ينطق بلسانٍ عربيٍ أحسن منهم، تفوق عليهم في اللغة- فلما أدرك -أي: بلغ- زوجوه امرأة منهم، وماتت أم إسماعيل -رحمة الله عليها، هاجر ماتت، بعدما تزوج إسماعيل- فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل يُطالِع تَرِكَتَه ...) جاء يتفقد مَن تركهم بعد سنوات طويلة.

يقال: إن إبراهيم ترك إسماعيل رضيعاً وعاد إليه وهو متزوج.

وقيل: إنه جاء في بعض الروايات: أنه كان إذا أراد أن يأتي ليتفقد التركة، يأتي من الشام على البراق إلى مكة في الصباح، ويقيل في الشام ، يأتي على البراق غُدْوَة من الشام إلى مكة ، ويقيل القيلولة بعد الظهر في الشام مرة أخرى على البراق.

قال ابن حجر : وروى الفاكهي من حديث علي بإسناد حسن نحوه، وأن إبراهيم كان يزور إسماعيل وأمه على البراق.

وعلى هذا فقوله: (... فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل -أي: بعد مجيئه قبل ذلك مراراً، كان يتردد ويتفقد، لكن بعدما تزوج إسماعيل جاء يتفقد التركة- فلم يجد ولده إسماعيل في البيت، فسأل امرأته عنه: أين إسماعيل؟ فقالت: خرج يبتغي لنا -يطلب لنا الرزق- وكان عيش إسماعيل الصيد -يخرج فيتصيد، كان إسماعيل يرعى ماشيته ويخرج متَنَكِّباً قوسه فيرمي الصيد- ثم سألها عن عيشهم -إبراهيم سأل زوجة ابنه في غيابه عن عيشهم وهيئتهم- فقالت: نحن بِشَرٍّ، نحن في ضيق وشدة.. وفي رواية أنه قال لها: هل من منزل؟ قالت: لاهى اللهُ إذاً -لا يوجد منزل- قال: فكيف عيشكم؟ فذكرت جهداً، فقالت: أما الطعام فلا طعام، وأما الشاة فلا تحلب إلا المُصَرَّة -أي: مثل الشخب، تسيل سيلاناً فقط، شيء قليل- وأما الماء فعلى ما ترى من الغِلَظ ...) امرأة متأففة، غير راضية ولا قانعة، وتشكو زوجها إلى الأغراب، لا تعرف من هو هذا الرجل، بمجرد ما جاء وسأل عن عيشهم وقعت في عيشهم: نحن في ضيق وشدة، فشكت إليه. (... قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام، وقولي له يغير عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئاً -أحس كأن أحداً جاء- فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم. جاءنا شيخٌ كذا وكذا -وصفته كالمستخفة بشأنه- فسألنا عنك فأخبرته، وسألنا كيف عيشنا، فأخبرته أنا في جهد وشدة، قال: فهل أوصاكِ بشيء؟ قالت: نعم. أَمَرَني أن أقرأ عليك السلام، ويقول: غير عتبة بابك، قال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقكِ، الحقي بأهلك، فطَلَّقَها ...).

لماذا كنَّى إبراهيم بالعتبة عن المرأة؟

وما هو وجه العلاقة بين العتبة والمرأة؟

عتبة الباب ما هي وظيفتها؟

حفظ الباب، وصون ما هو داخل الباب، وهي محل الوطء، العتبة محل الوطء، فشبَّه إبراهيم المرأة بعتبة الباب، قال: هذه العتبة لا تصلح، فغيِّر العتبة.

دعاء إبراهيم عليه السلام لأهل مكة بالبركة

قال: (.. قال: وتزوج منهم أخرى -تزوج إسماعيل من جرهم امرأة أخرى- فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله -انقطع بعد ذلك إبراهيم ما شاء الله- ثم أتاهم بعدُ، فلم يجده -لم يجد إسماعيل- فدخل على امرأة ابنه، فسألها عنه، فقالت: خرج يبتغي لنا، قال: كيف أنتم؟ -وسألها عن عيشهم وهيئتهم- فقالت: نحن بِخَيْرٍ وسَعَة -نحن في خير عيش والحمد لله، وعندنا لبن كثير، ولحم كثير، وماء طيب- وأثنت على الله، فقال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم، قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء، قال: اللهم بارك لهم في اللحم والماء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ولم يكن لهم يومئذٍ حَب -لا يوجد إلا اللحم والماء، لا يوجد حَب، لا يوجد قمح، لا يوجد أرز، لا يوجد شيء إلا اللحم والماء- ولو كان لهم دعا لهم فيه ...) لا يوجد في مكة إلا اللحم والماء، لو كان فيها شيء آخر لقال إبراهيم: اللهم بارك لهم في مدهم.. في صاعهم.. في كيلهم.. في حَبهم.. في برهم، لا يوجد إلا اللحم والماء.

قال عليه الصلاة والسلام: (... فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة ، إلا لم يوافقاه ...) يقول عليه الصلاة والسلام: لو اقتصر أحد على اللحم والماء بغير مكة لاشتكى بطنه، أي: يمرض، إلا مكة لا يمرض، لماذا؟

قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: ( بركة بدعوة إبراهيم ) لأن إبراهيم دعا وقال: (اللهم بارك لهم في اللحم والماء) صار الآن اللحم والماء في مكة لا يضر، وفي غيرها يضر الاقتصار على اللحم والماء وهذه من خصائص مكة .

قال: (... فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام، ومُرِيْه يثبت عتبة بابه) وجاء في رواية: قالت: (انزل رحمك الله، فاطعم واشرب، قال: إني لا أستطيع النزول، قالت: فإني أراك أشعث، أفلا أغسل رأسك وأدهنه، قال: بلى، إن شئتِ، فغسلت شِق رأسه وهو على دابته الأيمن والأيسر ثم انصرف، فلما جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم. أتانا شيخ حسن الهيئة -تلك ماذا قالت؟ شيخ كذا وكذا- وهذه قالت: أتانا شيخ حسن الهيئة، وأثنت عليه، فسألني عنك فأخبرته، فسألني كيف عيشنا، فأخبرته، أنا بِخَيْرٍ، قال: فأوصاك بشيء؟ قالت: نعم. هو يقرأ عليك السلام، ويأمرك أن تُثْبِتَ عتبة بابك، قال: ذاك أبي، وأنت العتبة، أمرني أن أمسكك).

قيام إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ببناء الكعبة

جاء في بعض الروايات: (أن إسماعيل لما رجع وجد ريح أبيه، فقال: هل جاءكِ أحد -فهذا الذي أشعره بأن أحداً قد جاء، ولذلك سأل- قال: ثم لبث عنهم ما شاء الله -انقطع عنهم ما شاء الله- ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلاً -أي: يقلم النبل قبل تركيب النصال والريش عليها يبريها- يبري نبلاً له تحت دوحة قريبة من زمزم -دوحة: أي شجرة قريبة من زمزم- فلما رآه -إبراهيم الآن رأى إسماعيل، تقابلا الآن المرة الثالثة- فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد -من الشوق والحماءة واللقاء الحار، اعتناق، ومصافحة، وتقبيل اليد.. ونحو ذلك.

وفي رواية معمر قال: سمعتُ رجلاً يقول: بَكَيا حتى أجابهما الطير -كان اللقاء حاراً جداً بعد هذه السنوات الطويلة من الفراق- قال عليه الصلاة والسلام: فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد -بعد طول الغيبة كيف يكون اللقاء حاراً وعناقاً ومصافحةً وتقبيلاً!- ثم قال: يا إسماعيل! إن الله أمرني بأمرٍ، قال: فاصنع ما أمرك ربك، قال: وتعينني؟ قال: وأعينك، قال: فإن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتاً، وأشار إلى أكمة مرتفعة -هضبة مرتفعة- على ما حولها، قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء، جاء بهذا الحجر فوضعه له، فقام عليه وهو يبني، وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة:127] قال: فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت -يبني ويدور.. يبني ويدور- وهما يقولان: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة:127] ...) فقيل: إن إبراهيم بلغ أساس آدم وجعل طوله في السماء تسعة أذرع، وعرضه ثلاثين ذراعاً -ارتفاع البيت وعرض البيت- وجعل الحجر داخل البيت، الآن الحجر خارج البيت كما قلنا في تفصيل القصة في المرة الماضية: إن الحجر الآن هو جزء من الكعبة، لكنه خارج البيت، وأما إبراهيم الخليل فعندما بناها كان الحجر هذا كله داخل البيت (... وكان إبراهيم يقوم على المقام -الذي جاء له به ولده- ولما جاء موضع الركن وضع فيه هذا الحجر الأسود الذي نزل من الجنة -قيل: أتاه به جبريل- وبعد ذلك قام إبراهيم على الحجر، فقال: يا أيها الناس! كُتِب عليكم الحج، فأسمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء، فأجابه مَن آمن ومَن كان سبق في علم الله أنه يحج إلى يوم القيامة: لبيك اللهم لبيك) .

قال ابن حجر : روى الفاكهي بإسناد صحيح من طريق مجاهد عن ابن عباس، أن إبراهيم عندما انتهى من بناء البيت نادى: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ [الحج:27] نادى من مكانه بدون مكبرات، أو أي شيء آخر: يا أيها الناس! كُتِب عليكم الحج.

فالله عز وجل تكفل بإبلاغ صوته إلى الناس كلهم في الأرض في ذلك الوقت، سمع صوتَه كل أهل الأرض، وليس فقط ذلك، وإنما أسمع الله من في أصلاب الرجال وأرحام النساء، فأجابه كل مَن كتب الله له أن يحج إلى يوم القيامة، قائلين حتى الذين في أصلاب الرجال، حتى الذين ما خُلِقوا بعد، أجابوا: (لبيك اللهم لبيك) بقدرة الله عز وجل.

هذه قصة بناء البيت العتيق.

هذه القصة رواها سعيد بن جبير ، وهو تابعي أخذ التفسير عن ابن عباس ، وأخذ الحديث عنه أيضاً، وقد قتله الحجاج ظلماً، ولما حضرت الحجاج الوفاة جعل سعيد يعرض له، يرى الحجاج نتيجة الظلم وهو على فراش الموت، فكان يقول: ما لي ولـسعيد ، ما لي ولـسعيد!!

سعيد بن جبير من سادات التابعين، ومن كبار العلماء، وكان في ليلة بأعلى المسجد، فقال لمن حوله من الطلاب: [سلوني قبل ألا تروني -ولعله كان رحمه الله يتوقع مَنِيَّتَه، فسأله القوم وأكثروا السؤال لما أحسوا أنه يودعهم- فكان مما سُئِل عنه أن قال رجلٌ: أحقٌ ما سمعنا في المقام -مقام إبراهيم- أن إبراهيم حين جاء من الشام حلف لامرأته ألا ينزل بـمكة حتى يرجع ...] أي: كان بين سارة -أو سارَّة لأنها كانت تَسُرُّ زوجَها إذا نظر إليها تَسُرُّ مَن نظر إليها- كان بينها وبين هاجر غيرة، فإبراهيم عندما أراد أن يذهب من عند سارة من الشام إلى مكة إلى الوادي الذي ترك فيه هاجر كأنه حلف لامرأته ألا ينزل بـمكة حتى يرجع، حتى لا يطيل المقام عند الأخرى، فقرَّبت إليه أم إسماعيل المقام فوضع رجله عليه حتى لا يحنث في يمينه، بل ينزل على الحجر.

الآن هذا سائل يقول لـسعيد بن جبير : ... هل هذا الكلام صحيح؟ هل قصة المقام هكذا؟- فقال سعيد بن جبير: ليس هكذا، حدثنا ابن عباس وساق الحديث.

وفي رواية قال: [يا معشر الشباب! سلوني، فإني قد أوشكت أن أذهب من بين أظهركم، فأكثر الناس مسألته، فقال له رجل: أصلحك الله، أرأيت هذا المقام هو كما نتحدث؟ وأورد له سؤالاً مشابهاً، فقال: ليس كذلك] ثم ساق القصة.