الماء سر الحياة


الحلقة مفرغة

الحمد لله بارئ البريات وعالم الخفيات، المطلع على الضمائر والنيات، أحمده سبحانه وأشكره، أحاط بكل شيء علماً، ووسع كل شيء رحمة وحلماً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وكل شيء عنده بمقدار، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، خاتم الأنبياء، وأكرم من مشى تحت أديم السماء.

اللهم صلِ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد نبي الرحمة، وعلى آله وأصحابه خير صحب وآل من خير أمة، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تجددت نعمة بعد نعمة.

أما بعـد:

أيها الناس: أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله -رحمكم الله- وبادروا آجالكم بأعمالكم، واستعدوا للرحيل فقد جد بكم، فربكم لم يخلقكم عبثاً، ولم يترككم سدىً، فتزودوا من دنياكم ما تحرزون به أنفسكم غداً، فرحم الله عبداً اتقى ربه، ونصح نفسه، وقدم توبته، وغلب شهوته، فالأجل مستور، والأمل خادع.

أيها المسلمون: آيات الله في الآفاق وفي الأنفس، وفي السماوات وفي الأرض كثيرة يمر عليها الناس وهم عنها معرضون، نعم وآلاء تتوجه إليها البصائر والأبصار في مكنونات هذا الكون، والظواهر والأحوال في تأملات واسعة الآماد، ممتدة من المنشأ حتى المعاد.

فالأرض فراش ومهاد، والسماء سقف محفوظ ومرفوع بغير عماد، ظواهر عجيبة في تقلب الليل والنهار، والفلك الدوار، والرياح المرسلة، والأمواج الهادئة والهادرة.

سَبْحٌ من التفكر عظيم في هذا الكون الواسع الفسيح.

تفكر وتأمل يحيي القلوب، ونظر وتبصر يستجيش العقول في بدائع صنع الله الذي أتقن كل شيء؛ لينظر في آثار الربوبية وليكون التوحيد كله لله.

عباد الله: وهذه وقفة مع نعمة واحدة من هذه النعم وآية كبرى من هذه الآيات، أنعم الله بها على خلقه، منها خلقهم، وعليها أقام حياتهم، وقسم أرزاقهم، وهي بإذن الله سر الحياة.

ورد لفظها بمشتقاتها في كتاب الله أكثر من مائة وستين مرة.

تنزل من السماء، وتخرج من الأرض، وتتشقق منها الجبال، وتتصدع منها الحجارة.

طالما تلذذ بذكرها الأدباء، وتغنى بسلسبيل نظمها الشعراء.

تصورها يرطب القلوب، وذكرها يهز النفوس، بل إنها -بإذن الله- حياة الروح والبدن.

تلكم هي: هذا السائل المبارك الطهور، إنه الماء، واقرءوا إن شئتم في كتاب الله: وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الأنبياء:30].. وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ [النور:45].

الماء من أعظم النعم

الماء من أعظم ما امتن الله به على عباده: أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ [الواقعة:68-70].

وقال تعالى: فَلْيَنْظُرْ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً * ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقّاً * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدَائِقَ غُلْباً * وَفَاكِهَةً وَأَبّاً * مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ [عبس:24-32].

إن ذكر الماء في كتاب الله بمفرداته ومكوناته من البحار والأنهار والسحاب يدل على عظم أثره في حياة البشرية.

هذا السائل المبارك هو أغلى ما تملك الإنسانية لاستمرار حياتها بإذن الله، أدرك ذلك الناس كلهم كبيرهم وصغيرهم عالمهم وجاهلهم، حاضرهم وباديهم، عرفوه في استعمالاتهم وتجاربهم وعلومهم، إن خف كان سحاباً، وإن ثقل كان غيثاً ثجاجاً، وإن سخن كان بخاراً، وإن برد كان ندى وثلجاً وبرداً.

تجري به الجداول والأنهار، وتتفجر منه العيون والآبار، وتختزنه تجاويف الأرض والبحار: وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ [الحجر:22] وقال تعالى: وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ [المؤمنون:18].

الحكمة من خلق الماء

هو ماء الحياة لكل الأحياء على هذه الأرض بقدرة الله، ماء فرات وماء ثجاجٌ، تحيون به أنفسكم، وتروون به عطشكم، وتطهرون أجسادكم، وتصنعون طعامكم، وتغسلون متاعكم، ماء مبارك طهور، يسقي الحرث، وينبت الزرع، ويشرب منه أنعام وأناس كثير: وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً [الفرقان:48-50].

قال الله: هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [النحل:10-11] ماء طهور، أغنى الله به بني آدم عن الحرام، والنجس في المطعوم والمشروب والدواء، فسبحان الله!

عباد الله: الماء أصل المعاش وسبيل الرزق، يقول عمر رضي الله عنه: [[أينما كان الماء كان المال، وأينما كان المال كانت الفتنة ]].

الماء وسيلة لحسن الثواب ووسيلة للعذاب

عباد الله: عجباً لهذا الماء! جعله الله وسيلة لحسن الثواب في الدنيا، ففي التنزيل العزيز يقول الله: وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً [الجن:16] كما إنه وسيلة عقاب على المذنبين المكذبين: فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ [القمر:11-12].

وفي الآية الأخرى يقول الله: فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا [العنكبوت:40].

بل إنه من أعظم أنواع النعيم في الجنة للمتقين كما يقول المولى جل في علاه: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ [محمد:15].. وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ [الواقعة:30-31].

كما أنه في صور أخرى وسيلة لعذاب أهل النار عياذاً بالله من النار: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً [الكهف:29] وكما قال الله: وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ [محمد:15].

أيها المسلمون: إن السعي في حصر خصائصه ووظائفه ومنافعه وفوائده تعجز الحاصرين، فلا شراب إلا بماء، ولا طعام إلا بالماء، ولا دواء إلا بالماء ولا نظافة إلا بالماء، ثم لا زراعة إلا بالماء، بل ولا صناعة إلا بالماء.

لم تنقص قيمته لا بتقدم الإنسانية ولا بتخلفها، بل لقد زادت أهميته ثم زادت، حتى صاروا يتحدثون عن الأمن المائي والصراع على موارد المياه ومصادرها ومنابعها.

الماء هو عماد اقتصاد الدول، ومصدر رخائها بإذن الله، بتوافره تتقدم وتزدهر، وبنضوبه وغوره وشح موارده تحل الكوارث والنكبات: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ [الملك:30].. وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ [المؤمنون:18].

التحذير من الإسراف في الماء

أيها المسلمون: إن الإنسان المعاصر قد وصل استهلاكه للماء إلى أرقام من الإسراف مخيفة، وبخاصة ما يصرف في الاستحمام والمراحيض والسباحة، وسقي الحدائق وأمثالها، فأما المستعمل في الشرب والطهي فلا يتجاوز نسبة (2%).

إن توفير المياه وحماية مصادرها ورعاية محطات تنقيتها أهداف سامية لكل دولة، فالمساس بها والعبث بها، وإهمالها يشكل خطراً على أمنها وحياة رعاياها.

أيها الإخوة الأحبة: وإن عقيدتنا بربنا سبحانه وتعالى، واعتمادنا عليه كبير، فهو سبحانه يصرف الماء بين الناس ليذكّروا، ولكن الأخذ بالأسباب، والسلوك على نهج محمد صلى الله عليه وسلم في التوسط والقصد والبعد عن الإسراف هو المنهج الحق، لا فضل للأمة في أن تبدد خيراتها بيديها، ولكن الفضل كل الفضل أن تكون قوية مسيطرة على أمورها، متحكمة في نظمها، حازمة في تدبير شئونها.

إن الأمة تملك عزها، وتحفظ مجدها، بالحفاظ على ثرواتها ومواردها، والتحكم بما في يديها.

إن الأمة إذا وقعت في عسر بعد يسر، تجرعت مرارة الهوان المصحوبة بحسرات الندم، فالإسراف يفضي إلى الفاقة، وبالإسراف تهدر الثروات، وتقوض البيوتات، وفي عواقبه البؤس والإملاق، يقول الله: وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ [الشعراء:151-152].

المسرف همته الوصول إلى متعته ولذته، ولا يبالي بمصيره ولا بمصير أمته، كما حكى القرآن عنهم: وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً [الإسراء:16].

الهدي النبوي في استعمال الماء

عباد الله: إن الماء مورد عظيم، بل إنه من أكبر الموارد التي تحتاج إليها كل أمة في كثير من ميادين حياتها ومعاشها، ولقد ورد في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم الحث على المحافظة عليه، والاقتصاد في استعماله، وتجنب الإسراف في استخدامه واستهلاكه في وجوه الاستخدامات كافة، شرباً وطهياً، واغتسالاً وغسلاً، وغير ذلك.

وتأملوا في سنة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم: {فقد كان يغتسل بالصاع، ويتوضأ بالمد } رواه أحمد ومسلم وغيرهما.

وفي رواية الصحيحين : {كان يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد، ويتوضأ بالمد } بل جاء عند مسلم من حديث عائشة رضي الله عنه: {أنها كانت تغتسل هي والنبي صلى الله عليه وسلم في إناء واحد يسع ثلاثة أمداد أو قريباً من ذلك }.

وفي رواية عند أبي داود من حديث أم عمار : {أنه عليه الصلاة والسلام توضأ بماء في إناء قدر ثلثي مد }.

ولقد شدد أهل العلم رحمهم الله في المنع من الإسراف بالماء ولو كان على شاطئ النهر أو البحر.

يقول أبو الدرداء رضي الله عنه: [[اقتصد في الوضوء ولو كنت على شاطئ نهر ]].

وقال محارب بن دثار : [[كان يقال: من ضعف علم الرجل ولوعه بالماء في الطهور ]].

وجاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما، فقال: {يـابن عباس كم يكفيني من الوضوء؟ قال: مد، قال: كم يكفيني لغسلي؟ قال: صاع، فقال الرجل: لا يكفيني، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: لا أم لك! قد كفى من هو خير منك، رسول الله صلى الله عليه وسلم } رواه أحمد والبزار والطبراني بسند رجاله ثقات.

أيها المسلمون: لا بد من الأخذ بالحزم في هذا الشأن، فالله سبحانه وتعالى لا يحب المسرفين، والمبذرون هم إخوان الشياطين، وإن عدم الشعور بالمسئولية، ونزعة الاتكالية، وإلقاء التبعة على الآخرين، مصيبة قاتلة، وسبيل لانهيار المجتمع، وضياع لحقوقه ومرافقه، فإذا تنصل المرء من مسئوليته، وتفلت من التزاماته؛ أصبح عضواً فاسداً وكلاً على مجتمعه، وعبئاً على أمته، ولو تعلل كل مؤمن بتقصير غيره؛ لما بقي في الدنيا حوافز للخير؛ لأن وجود الإهمال في بعض الأفراد أمر لا بد من وقوعه بصورة ما، في كل زمان ومكان، والعقلاء والجادون يتخذون من وقوع الأخطاء عند الآخرين مواطن عظة واعتبار، فيحاولون ما استطاعوا إصلاح الخطأ، وتغيير المنكر، والتعاون على البر والتقوى.

إن من الخطأ المدمر، والهلاك المرضي: أن يتهاون بعض الناس فيقول: هذا من مسئولية فلان، وتلك من مسئولية الجهة الفلانية، والحق قوله صلى الله عليه وسلم: {كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته }.

أيها المسلمون: وما يتحدث به بعض المهتمين من ذوي الشأن في أنحاء كثيرة من العالم من ظهور نقص في المياه، وتخوف من الشح في مصادرها، أمر ينبغي أن يؤخذ مأخذ الجد، وإن كان اعتماد المسلم على ربه سبحانه، فيضرع إليه ويلجأ إلى رحمته، فيستقيم على الطريقة، فيسقيه ماء غدقاً، ويتأخر الغيث عن موعده، فيتوجه المسلمون إلى ربهم دعاءً وصلاةً واستسقاءً.

ومع كل ذلك لا بد أن يُؤخذ بالأسباب، فحسن الاستعمال، والاقتصاد في الاستهلاك، مسلك إسلامي رشيد، وما يتحدث عنه هؤلاء من مؤشرات نذر، وما يتحدثون عنه من الأمن المائي، وحروب المياه، ومعارك التعطيش، فإن الذي يجب أن يعلم، أن قضايا المياه قضايا إنسانية، وضرورات حياتية، يجب أن ينأى بها عن دائرة الصراعات والحروب، والابتزاز والمتاجرات والمزايدات، ولكنهم مع الأسف يؤذون البشرية، ويخوفونها بحروبهم الباردة والساخنة.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمْ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمْ الأَنهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم:32-34].

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الماء من أعظم ما امتن الله به على عباده: أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ [الواقعة:68-70].

وقال تعالى: فَلْيَنْظُرْ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً * ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقّاً * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدَائِقَ غُلْباً * وَفَاكِهَةً وَأَبّاً * مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ [عبس:24-32].

إن ذكر الماء في كتاب الله بمفرداته ومكوناته من البحار والأنهار والسحاب يدل على عظم أثره في حياة البشرية.

هذا السائل المبارك هو أغلى ما تملك الإنسانية لاستمرار حياتها بإذن الله، أدرك ذلك الناس كلهم كبيرهم وصغيرهم عالمهم وجاهلهم، حاضرهم وباديهم، عرفوه في استعمالاتهم وتجاربهم وعلومهم، إن خف كان سحاباً، وإن ثقل كان غيثاً ثجاجاً، وإن سخن كان بخاراً، وإن برد كان ندى وثلجاً وبرداً.

تجري به الجداول والأنهار، وتتفجر منه العيون والآبار، وتختزنه تجاويف الأرض والبحار: وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ [الحجر:22] وقال تعالى: وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ [المؤمنون:18].