بين السلام وإباء الضيم


الحلقة مفرغة

الحمد لله واسع الفضل، مجزل الثواب، يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من أناب، أحمده سبحانه وأشكره،يفيض فوائض النعم، ويسبغ سوابغ الكرم، ويعطي بغير حساب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكريم الوهاب، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله ختم به الأنبياء، وأنزل عليه أشرف كتاب، صلى الله وسلم وبارك عليه، أوضح العقائد وفصَّل الأحكام، وسَنَّ مكارم الأخلاق والآداب، وعلى آله الأطهار، وأصحابه الأخيار خير آل وأكرم أصحاب، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعــد:

فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله رحمكم الله، فبتقواه تُنال الدرجات، وتزكو الأعمال، وتزودوا من ممركم لمقركم، فأنتم في فترة الإمهال، فالدنيا غرارة مكارة، والموت آتٍ لا محالة، والأجل قريب والأحمال ثقال، فاغتنموا رحمني الله وإياكم سويعات أعمالكم فالأيام فانية، ولسوف يندم أصحاب القلوب القاسية، وطهروا درن الذنوب بفيض العبرات، واستثيروا رقة القلوب بذكر يوم الحسرات، فالناس فيه سكارى من طول الوقوف، حيارى من هول يوم مخوف: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة:18].

بزوغ فجر الإسلام

أيها المسلمون! جاء الإسلام وأمم الأرض تشتبك في حروب لا تحصى، ولأغراض من المطامع شتى، دول في القديم كبرى، كان القتال بينها سجالاً، فنيت فيها جيوشها، وناءت بمغارمها شعوبها، ولم يكن وقود تلك الحروب إلا مطامع الكبار، ولم يشعل فتيلها إلا شهوة التوسع، والمباهات في الاستبداد.

لقد جاء الإسلام وجاءت حضارته والعالم تحكمه قوانين الغاب، وتسوده شريعة الوحوش، القوي يقتل الضعيف، والمسلح ينهب الأعزل، والحرب تنشب من غير قيد أو حد، فكل من ملك قوة امتطى صهوة جواده، وشهر سلاحه، ليستذل الأمة الضعيفة على أرضها، ويغلبها على قوتها، ويكرهها على عقيدتها، فيشعلها حرباً آثمة، ويوقدها على الضعفاء ناراً تلظى.

وأما العرب أنفسهم في تلك الأحقاب فقد أكلتهم غاراتهم، فكان الاقتتال لهم طبعاً، والقتل بينهم عادة، حتى إذا لم يجدوا غارة على البعيد أغاروا على القريب، فهم على بكرٍ أخيهم إن لم يجدوا إلا أخاهم.

وفي هذه العصور المظلمة، والظروف الكالحة تفجر ينبوع الإسلام؛ فلانت القلوب الصلبة؛ وترطبت الغصون الجافة، وأقبل فيه العالم على دين جعل الإيمان صنو الأمان، والإسلام قرين السلام، فانحسرت مطامع النفوس، وتجافت وساوس الشيطان، تقاصر العدوان على الحقوق.

ثم كان النداء لأهل الإيمان: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة:20].

بهذه الروح وبهذه المبادئ انتشر الإسلام في سنواته الأولى، حتى بلغ مشارق الأرض المعمورة ومغاربها، في أقل من قرن من الزمان، ومن المعلوم قطعاً أن المسلمين لم يكن لهم في ذلك الوقت من القوة العددية، ولا من الآلة العسكرية، ولا من تقنية الاتصالات، ولا من وسائل المواصلات ما يُمكِّنهم من قهر الشعوب على ترك دينها، ولا فرض الحكم على الديار التي دخلوها، لولا أنه دين حق، وحضارة سلام، وسياسة عدل، فالشعوب المفتوحة لم تدن بالإسلام، ولم تتعلم لغة القرآن، ولم تخضع للمسلمين إلا لما ظهر لها فيه من الحق والرحمة والعدل الموصل لسعادة الدنيا والآخرة.

إن الإسلام دين الفطرة، سمته البارزة وعلامته المسجلة نشر الحق، وفعل الخير، وهداية الخلق: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الحج:77] تلكم هي حقيقة الإسلام ووظيفته التي يجب أن تعرف في أروقة الأمم، ومحافل الدول، ومجامع العالم.

الإسلام ليس نظريات ضيقة

أيها المسلمون! والإسلام في غايته والدين في مبادئه لا ينظر إلى مصلحة أمة دون أمة، ولا يقصد إلى نهوض شعب على حساب آخر، ولا يهمه في قليل أو كثير تملك أرض، أو سيادة سلطان هذا أو ذاك، ولكن مقصوده وغايته سعادة البشرية وفلاحها، وبسط الحق والعدل فيها، فكل توجه غير هذا، وكل هدف سوى هذا لا اعتبار له في الإسلام؛ بل إذا كانت التوجهات تتضمن ظلماً أو تقود إلى غمط حق، فلا بد حينئذٍ من مقاومتها حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين لله، فالأرض كلها لله، ويرثها الصالحون من عباد الله.

أيها المسلمون! جاء الإسلام وأمم الأرض تشتبك في حروب لا تحصى، ولأغراض من المطامع شتى، دول في القديم كبرى، كان القتال بينها سجالاً، فنيت فيها جيوشها، وناءت بمغارمها شعوبها، ولم يكن وقود تلك الحروب إلا مطامع الكبار، ولم يشعل فتيلها إلا شهوة التوسع، والمباهات في الاستبداد.

لقد جاء الإسلام وجاءت حضارته والعالم تحكمه قوانين الغاب، وتسوده شريعة الوحوش، القوي يقتل الضعيف، والمسلح ينهب الأعزل، والحرب تنشب من غير قيد أو حد، فكل من ملك قوة امتطى صهوة جواده، وشهر سلاحه، ليستذل الأمة الضعيفة على أرضها، ويغلبها على قوتها، ويكرهها على عقيدتها، فيشعلها حرباً آثمة، ويوقدها على الضعفاء ناراً تلظى.

وأما العرب أنفسهم في تلك الأحقاب فقد أكلتهم غاراتهم، فكان الاقتتال لهم طبعاً، والقتل بينهم عادة، حتى إذا لم يجدوا غارة على البعيد أغاروا على القريب، فهم على بكرٍ أخيهم إن لم يجدوا إلا أخاهم.

وفي هذه العصور المظلمة، والظروف الكالحة تفجر ينبوع الإسلام؛ فلانت القلوب الصلبة؛ وترطبت الغصون الجافة، وأقبل فيه العالم على دين جعل الإيمان صنو الأمان، والإسلام قرين السلام، فانحسرت مطامع النفوس، وتجافت وساوس الشيطان، تقاصر العدوان على الحقوق.

ثم كان النداء لأهل الإيمان: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة:20].

بهذه الروح وبهذه المبادئ انتشر الإسلام في سنواته الأولى، حتى بلغ مشارق الأرض المعمورة ومغاربها، في أقل من قرن من الزمان، ومن المعلوم قطعاً أن المسلمين لم يكن لهم في ذلك الوقت من القوة العددية، ولا من الآلة العسكرية، ولا من تقنية الاتصالات، ولا من وسائل المواصلات ما يُمكِّنهم من قهر الشعوب على ترك دينها، ولا فرض الحكم على الديار التي دخلوها، لولا أنه دين حق، وحضارة سلام، وسياسة عدل، فالشعوب المفتوحة لم تدن بالإسلام، ولم تتعلم لغة القرآن، ولم تخضع للمسلمين إلا لما ظهر لها فيه من الحق والرحمة والعدل الموصل لسعادة الدنيا والآخرة.

إن الإسلام دين الفطرة، سمته البارزة وعلامته المسجلة نشر الحق، وفعل الخير، وهداية الخلق: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الحج:77] تلكم هي حقيقة الإسلام ووظيفته التي يجب أن تعرف في أروقة الأمم، ومحافل الدول، ومجامع العالم.

أيها المسلمون! والإسلام في غايته والدين في مبادئه لا ينظر إلى مصلحة أمة دون أمة، ولا يقصد إلى نهوض شعب على حساب آخر، ولا يهمه في قليل أو كثير تملك أرض، أو سيادة سلطان هذا أو ذاك، ولكن مقصوده وغايته سعادة البشرية وفلاحها، وبسط الحق والعدل فيها، فكل توجه غير هذا، وكل هدف سوى هذا لا اعتبار له في الإسلام؛ بل إذا كانت التوجهات تتضمن ظلماً أو تقود إلى غمط حق، فلا بد حينئذٍ من مقاومتها حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين لله، فالأرض كلها لله، ويرثها الصالحون من عباد الله.