خالي..
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
خالي...خالي العزيزَ الكريمَ الطيب الوقور البشوشَ، رحمك الله، وأسكنك فسيحَ جناته، وجمعنا اللهُ بك في الفردوس مع نبيِّنا صلى الله عليه وسلم، وصحبه الكرام رضي الله عنهم.
لك مواقفُ كثيرة لا ننساها، وصفات طيِّبة باقية في الأذهان تُذكَرُ لك وخاصة في قطر وعمان، رأيناها وسمعناها من الأبناء والأقارب والإخوان.
العبادةُ راسخة متجذِّرة فيك، فأنت دائمُ الذِّكر، حريصٌ على الصلاة لا تُفرِّط فيها، ولا تقبل أحدًا يتوانى في أدائها، تعمِّر المساجد بالصلاة فيها أينما حلَلْتَ، بل تكون من السابقين إليها، وتبادرُ إلى الأذان إن غفل المؤذن أو تأخَّر، ولك أيادٍ بيضاءُ في المساهمة بتعمير عدد من المساجد وبنائها.
فارتباطُك بالمسجد وثيقٌ، لا يشغلُك عنه صاحبٌ أو صديق، لم يفتقِدْك المسجدُ حتى فقدت القدرةَ على الذَّهاب، ولا أنسى ذلك الموقف وأنت في مرض موتِك بالمستشفى عندما كنت تسأل عن الأذان؛ فيتعجَّب المُمرِّضون من حرصك على صلاتك!
وكنت مرةً أتدارسُ معك بعضَ سور القرآن وأنت على فراش المرضِ، فتقرأ وأنت سعيدٌ مرتاح بشوش، يُرى النورُ في وجهك، ويأنس مَن يرى منظرَك وابتسامتك، وتحرك لحيتك البيضاء الطويلة عند قراءتِك.
خالي العزيز، رَحِمَك الله، كم كنت حريصًا على صلةِ الرَّحم! وقد تميَّزت بذلك وسط الأسرة الكبيرة الممتدَّة، سواء كانوا قريبين منك أو بعيدين، فسؤالُك عن الجميع، وتتبُّعك لأخبارهم وأحوالهم أمرٌ معروف، بل إن صِلتَك لم تكن مجرَّدَ معرفةٍ، وإنما كان يصحبُها تقديمُ العون والمساعدة للمحتاج منهم، والوقوف مع كل مصابٍ ومؤازرته، وتفريج كُربتِه.
الكرمُ والجود سجيَّة من سجاياك، فلم يكن مقصورًا على الأقارب والمعارفِ، بل كان يشملُ الجميعَ، فمن تواصلَ معك أو زارك لا يستطيعُ أن يُفلِتَ من إكرامك وضيافتِك له، هنيئًا لك تلك الصفة الجميلة التي تصحبُك أينما كنت، فالبَذْل والعطاء لا يتوقف معك على إكرام مَن زارك، بل تجودُ وتنفق في سفرك وترحالك، وأثناء زياراتك، وتتبُّعك للأقارب والأرحام والمعارف والأيتام.
ومن مواقفك الطيبة الرائعة: الصلح بين المتخاصمين، والسعي في ذلك بكل حبٍّ ورغبة؛ طمعًا في الأجر والثواب، ورغبةً في تآلفِ القلوب، واجتماع الكلمة، والبُعد عن الشقاق والاختلاف.
خالي، لك سُمعة طيِّبة، وسيرةٌ حسنة نغبِطُك عليها، وكم أكون سعيدًا عندما نذكرُك ببعض المجالس - وخاصة عند كبار السن - فيُثنون عليك، ويذكرون قصصَك الجميلة، ومواقفَك الطيِّبة الحسنة!
ولا أنسى تلك العبارة الجميلة لأمي الغالية عندما وصلها نبأُ موتك: (موردٌ وانقطع)، فعلًا كنت موردًا معنويًّا ومادِّيًّا، فكم نرتاح عندما نلقاك، أو نسمع حديثَك أو نراك، حتى وأنت على فراش مرضِك، دائم الابتسامة، حريص السؤالِ والاطمئنان على الأقارب والجيران، وكنتَ موردًا مادِّيًّا من خلال صدقاتِك وهِباتِك وعطاياك، من خلال بَذْلِك وإنفاقك، كريمٌ شَهْمٌ مع القريب والبعيد.
وكم حزنَّا يومَ موتك وفراقك، فقد ودَّعناك في العام 2007م وكلنا حزنٌ ووجع، وليس لنا إلا الصبر والدعاء، وعزاؤُنا أنك ذهبتَ بحسن خاتمة وثناء طيب من الناس؛ نتيجةَ أعمالك الصالحة، وبصماتك المتعددة، وأكرمني الله بأن أكون إمامًا في صلاة الجنازة عليك.
فهل يا تُرى نستطيع أن نقدِّم من الصالحات مثلك، أو نتزوَّد بشيء من الصبر الذي كان معك، أو نَصِل الأرحام ونعتني بالأيتام، ونتقرَّب إلى الواحد الديان؟
اللهم اغفر له، وأكرم نُزله، ووسِّعْ مُدخله، وأبدله دارًا خيرًا من داره، وبارك في أولاده وأحفاده وذريَّته، وارزقنا حسن الخاتمة، واجمعنا به في جنات النعيم.